ما أتعس القلوب التي تتفجر ينابيع حزنها بحرمانها من الطمأنينة! وما أشقى القلوب التي تواجه الفوضى! وتعاني القلق، وتريد التخلص منه، وتود الفرار منه، وتحب التحرر، ولكن لا سبيل لها للنجاة بعدما أصبحت فريسة الهوى، واعتمدت على الآخر. رحم الله القلوب التي لا تعرف المودة والهوادة، وألان الله القلوب التي أصبحت قاسية بعد ما كانت لينة، فلا قدر الله لمثل هذه القلوب الخير، وأبعدها من الطمأنينة.
هذه هي كلمات محزنة ترددها الفتاة في منتزه جميل جدا،
فسألتها، ماذا حدث بك؟ فقالت: لا تتسبب لإثارة الحزن بعد ما كمن، الموت خير من أن يتجدد الحزن. فقلت لها بلهجة مزيجة بالتعجب والحنان: الموت خير من…؟ ومثل هذا الكلام نوع من اليأس، واليأس لايرضى به الله. فأجابت بلهجة مؤلمة: أكيد، الموت خير من ألم التأرجح بين الموت والحياة، كاد القلب أن يحترق من شدة الحزن، ولكن رحم الله العيون التي تنقذها من الهلاك بدموعها، ولا يشعر بهذا الألم إلا من جربه، فلا قيمة للقلوب التي ما مرت بهذا الألم، ولا وزن للقلوب التي مازالت خالية منه.
حينما سمعت مثل هذا الكلام المحزن سكتت، وبدأت أدعو لها بالخير والطمأنينة، وأسليها، وأوصيتها بالصبر، ولكن كلماتي ما زادتها إلا حزنا، وظهرت آثار الحزن على وجهها، فتغير لون وجهها، وما لبثت حتى بدأت تسيل الدموع من عينيها، وسقطت الرداء من رأسها، فاكتشفت رأسها، وبدت لمتها السوداء، وهي كانت طويلة تمتد إلى نصف ظهرها، وبعض أشعارها وقعت على عينيها بهز رأسها، وما زادها هذا المنظر إلا جمالا، وبدأت تنتحب، فازدحم عليها الناس، وأوصوها بالصبر، وسألوها عن السبب، فخففت الدموع من حزنها، وبدأت تقول وقطرات الدموع تسيل من عينيها كالجدولين من الماء: ليس الحب إلا لعبة التخفي. فقال بعض الناس، أهذه لغزة تقدمينها لدينا لحلها؟ وحلها فوق طاقتنا، و لا يسعنا حلها، أم هذا نوع من الهذيان؟؟؟
فأجابت الفتاة قائلة: هذه حقيقة ظاهرة، وتجربة مريرة أتجرع كأسها، وليست هذه لغزة.
فقال الناس: ماهي تجربتك المريرة؟ هاتي.
فبدأت تقول الفتاة بوجه حزين، وقلب دائم الحسرات: تغيرت أخلاق الناس في هذا العصر، كل شخص لا يهمه إلا غرضه، لا يقدر الناس العاطفة الخالصة العفيفة التي تخفيها جوانح محبه، ومن الخداع أن نصير فريسة الكلام المعسول والوعود المعسولة، لأن الناس لا يحبون إلا بقدر حاجتهم، وهي كانت تستمر في الكلام، فتدخلت بها وقلت لها: ما هذه الفلسفة؟ لا بد لك من تشريح "الحب لعبة التخفي ".
فقالت: هذا عصر مواقع التواصل الاجتماعي، هل يجوز للحبيب أن يكذب حبيبته وراء سبعة بحار ويخدعها بعد ما وعدها بأن لا يتفرقا؟ وهل يجدر بحبيب أن يودع حبيبته بعد أن دخل حبه في قلبها وولج في دماغها، وغشيت هواه قلبها وسادته وامتزجت بلحمها ودمها؟ وكل ذالك من خلال الواتشب، لأن كلا منهما يعيشان في بلاد مختلفة، ولا بد من التأشيرة وجواز السفر للتوصل إلى الآخر، ولكن الواتشب جمع بين القلبين، وألف بينهما، ومضت عليه سنتان حتى قال الحبيب يوما، وداعا حبيبتي، وقطع صلته منها وحجبها من الواتشب، ولكن مجامر حبها اتقدت، وتؤرقها الذكريات الماضية، وجعلت تململ على الفراش تململ السليم.