حينما نستيقظ في الصبح أول صوت يعانق مسامعنا هو: "تخويف وتهديد” وأول صورة تقع عليها أبصارنا هي: "الفتن والشرور” وأول ما يهز مشاعرنا ويخلع عواطفنا هو: "الموت الوشيك”.
نقلب أوراق الجريدة وقلوبنا تخفق خفقان من صعق بجلجلة الرعد فنتراجع بمجرد سماع حفيفها لأنه يخبر عما يحتوي من أخبار القتلى والجرحى، ونتصفح وسائل الإعلام وأيدينا ترتعش ارتعاش من اكتسح به تيار الكهرباء فنعود القهقرى بمجرد مرور نظر عابر على المنشورات فإنه يؤذن بما فيها من صور الانفجارات وفيدوهات إطلاق البنادق… وكأن الحروف بعينها تندب على هذه المأساة وتبكي الجمل وتنوح نواح الثكلى المفجوعة…ترتجف الكلمات وترتعد كأن بعضها يشق بعضها….!!!!
وأكثر من وقع في شرك هذه الفتن وكان لقمة سائغة في حلق الفساد هم – لاشك- المسلمون!!
استغل الأعداء نقاط ضعفهم فعمدوا إلى سلاح أقوى وأمضى ألا وهو "التخويف” فإن الإنسان إذا خاف وتملك عليه الرعب جبن وخارت قواه أمام الشدائد والأزمات واستسلم لضعفه ويأسه، توصد عليه أبواب النجاة فيعيش باقي حياته وهو يتجرع غصصها على مضض حتى يتمنى على الله أن يموت على فراشه لا صيدا في شبكة مكايد الأعداء!!!
هكذا خيم على كل منا ظلمة الخوف والفزع وسيطر عليه اليأس والقنوط! نتيجة ضعف الإيمان وتقوى الله سبحانه وتعالى.
الخوف من الأعداء ليس من صفات المؤمنين بل إنه صفة المنافقين الجبناء.
المؤمن لا يخاف إلا الله:
{ فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخۡشَوۡهُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ﴾ [التوبة ١٣].
فلا تخف يا أخي!
ألست مسلما تؤمن بالله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة؟! فلماذا تخاف من الأعداء؟! أما قرأت قول الله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَأَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُا۟ ٱلزَّكَوٰةَ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَیۡهِمۡ وَلَا هُمۡ یَحۡزَنُونَ﴾ [البقرة ٢٧٧]
قد يخاف الإنسان ويفزع لأن ﴿ٱلۡإِنسَـٰنَ خُلِقَ هَلُوعًا (١٩) إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعࣰا (٢٠) وَإِذَا مَسَّهُ ٱلۡخَیۡرُ مَنُوعًا(٢١) ولكن ألست من الذين استثناهم الله من ذلك فقال ﴿إِلَّا ٱلۡمُصَلِّینَ (٢٢) ٱلَّذِینَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ دَاۤىِٕمُونَ (٢٣) …وَٱلَّذِینَ هُم مِّنۡ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشۡفِقُونَ (٢٧) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمۡ غَیۡرُ مَأۡمُونࣲ (٢٨)﴾ [المعارج ١٩-٢٣ و ٢٧-٢٨]
ألست من أولياء الله والله يقول: ﴿أَلَاۤ إِنَّ أَوۡلِیَاۤءَ ٱللَّهِ لَا خَوۡفٌ عَلَیۡهِمۡ وَلَا هُمۡ یَحۡزَنُونَ﴾ [يونس ٦٢] ؟!
كيف تخاف وأنت تعلم أنه ليس في يد العدو حياة ولا موت ولا يقدر على أي حركة من تلقاء نفسه ولا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا.
لماذا تخاف وكتاب الله وسنة نبيه بين يديك؟!
يقول تعالى:{ فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَایَ فَلَا یَضِلُّ وَلَا یَشۡقَىٰ﴾ [طه ١٢٣]
ويقول: ﴿ فَمَن تَبِعَ هُدَایَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَیۡهِمۡ وَلَا هُمۡ یَحۡزَنُونَ﴾ [البقرة ٣٨]
وعن مالك بن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تركتُ فيكم أَمْرَيْنِ لن تَضِلُّوا ما تَمَسَّكْتُمْ بهما: كتابَ اللهِ وسُنَّةَ نبيِّهِ ﷺ”.
حاشية: يقول ابن عبد البر في التمهيد (٢٤/٣٣١) : "محفوظ معروف مشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم شهرة يكاد يستغني بها عن الإسناد” •
أخرجه مالك في «الموطأ» (٤٦-كتاب القدر، الحديث : ٣) بلاغاً.
وحسنه الألباني في تخريج مشكاة المصابيح (١٨٤)•
أما تؤمن بقضاء الله وقدره فكيف تخاف من ظالمي الدنيا والله الجبار حسبك وكافيك: ﴿وَمَن یَتَّقِ ٱللَّهَ یَجۡعَل لَّهُۥ مَخۡرَجࣰا (٢) وَیَرۡزُقۡهُ مِنۡ حَیۡثُ لَا یَحۡتَسِبُۚ وَمَن یَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥۤۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَـٰلِغُ أَمۡرِهِۦۚ قَدۡ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَیۡءࣲ قَدۡرࣰا (٣)﴾ [الطلاق ٢-٣]
أما تطمئن نفسك إلى هذه الآية: ﴿قُل لَّن یُصِیبَنَاۤ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوۡلَىٰنَاۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡیَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ﴾ [التوبة ٥١]
وبهذا الحديث: "…اعلمْ أنَّ الأمةَ لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيءٍ، لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك، وإنِ اجتمعوا على أن يضُرُّوك بشيءٍ لم يضُروك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك، (رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفَ)”.
حاشية: أخرجه الترمذي في سننه (٢٥١٦) واللفظ له• وأحمد في مسنده (٢٧٦٣). صححه الألباني في صحيح الجامع (٧٩٥٧)، والوادعي في الصحيح المسند (٦٩٩).
دع الأيام تفعل ما تشاء / وطب نفسا إذا حكم القضاء
ولا تجزعن لحادثة اليالي/ فما لحوادث الدنيا بقاء
دع الأيام تغدر كل حين / فما يغني عن الموت الدواء
كيف تخاف من قلة أعوانك وأنصارك على أنك وحدك الجماعة وخليلك هو الله رب السماوات والأرض
﴿قَالَ ٱلَّذِینَ یَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَـٰقُوا۟ ٱللَّهِ كَم مِّن فِئَةࣲ قَلِیلَةٍ غَلَبَتۡ فِئَةࣰ كَثِیرَةَۢ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِینَ﴾ [البقرة ٢٤٩]
لا تخف من الفتن إن كنت مستقيما ثابتا تصدع بالحق فما هذه الفتن إلا لأن يميز الله بها الخبيث من الطيب والمؤمن من المنافق وحتى يتوب من يتوب
﴿الۤمۤ (١) أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن یُتۡرَكُوۤا۟ أَن یَقُولُوۤا۟ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا یُفۡتَنُونَ (٢)﴿وَلَقَدۡ فَتَنَّا ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَلَیَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ صَدَقُوا۟ وَلَیَعۡلَمَنَّ ٱلۡكَـٰذِبِینَ﴾﴾ [العنكبوت ١-٣]
﴿أَوَلَا یَرَوۡنَ أَنَّهُمۡ یُفۡتَنُونَ فِی كُلِّ عَامࣲ مَّرَّةً أَوۡ مَرَّتَیۡنِ ثُمَّ لَا یَتُوبُونَ وَلَا هُمۡ یَذَّكَّرُونَ﴾ [التوبة ١٢٦]
وهذه سنة الله في الخلق ليمتحن عبد ويبليه، ولك في الأنبياء أسوة ومثلا:
"أشدُّ الناسِ بلاءً الأنبياءُ ثم الأمثلُ فالأمثلُ، يُبتلى الرجلُ على حسبِ دِينِه، فإن كان دِينُه صلبًا (وفي رواية فمن ثَخُنَ دينُه) اشتدَّ بلاؤُه،(وفي رواية زيد في بلائه) وإن كان في دِينِه رِقَّةٌ، ابتُلِيَ على حسبِ دِينِه، (وفي رواية ومن ضعُف دينُه ضَعُف بلاؤه) فما يبرحُ البلاءُ بالعبدِ حتى يتركُه يمشي على الأرضِ ما عليه خطيئةٌ”
حاشية: أخرجه الترمذي (٢٣٩٨)، وأحمد (١٤٩٤)، والدارمي (٢٧٨٣) باختلاف يسير. وابن ماجه (٤٠٢٤)، والطبري في «مسند ابن عباس» (٤٢١)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (٩٧٧٤) بنحوه. • وابن حبان (٢٩٠١) والطحاوي (٢٢٠٣).
قال الألباني في السلسلة الصحيحة (١٤٣):إسناده جيد.
وحسنه الوادعي في الصحيح المسند (٣٧٧).
أليس لك في السلف الصالح أسوة حسنة؟ انظر إلى شجاعة الصحابيين الصغيرين وجرأتهما وقوة إيمانهما يقول عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: "بيْنا أَنا واقِفٌ في الصَّفِّ يَومَ بَدْرٍ، فَنَظَرْتُ عن يَمِينِي وعَنْ شِمالِي، فَإِذا أَنا بغُلامَيْنِ مِنَ الأنْصارِ – حَدِيثَةٍ أَسْنانُهُما، تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بيْنَ أَضْلَعَ منهما – فَغَمَزَنِي أَحَدُهُما فَقالَ: يا عَمِّ هلْ تَعْرِفُ أَبا جَهْلٍ؟ قُلتُ: نَعَمْ، ما حاجَتُكَ إلَيْهِ يا ابْنَ أَخِي؟ قالَ: أُخْبِرْتُ أنَّهُ يَسُبُّ رَسولَ اللَّهِ ﷺ، والذي نَفْسِي بيَدِهِ، لَئِنْ رَأَيْتُهُ لا يُفارِقُ سَوادِي سَوادَهُ حتّى يَمُوتَ الأعْجَلُ مِنّا، فَتَعَجَّبْتُ لذلكَ، فَغَمَزَنِي الآخَرُ، فَقالَ لي مِثْلَها، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إلى أَبِي جَهْلٍ يَجُولُ في النّاسِ، قُلتُ: أَلا إنَّ هذا صاحِبُكُما الذي سَأَلْتُمانِي، فابْتَدَراهُ بسَيْفَيْهِما، فَضَرَباهُ حتّى قَتَلاهُ، ثُمَّ انْصَرَفا إلى رَسولِ اللَّهِ ﷺ، فأخْبَراهُ فَقالَ: أَيُّكُما قَتَلَهُ؟، قالَ كُلُّ واحِدٍ منهما: أَنا قَتَلْتُهُ، فَقالَ: هلْ مَسَحْتُما سَيْفَيْكُما؟، قالا: لا، فَنَظَرَ في السَّيْفَيْنِ، فَقالَ: كِلاكُما قَتَلَهُ، سَلَبُهُ لِمُعاذِ بنِ عَمْرِو بنِ الجَمُوحِ، وكانا مُعاذَ ابْنَ عَفْراءَ، ومُعاذَ بنَ عمرو بن الجَمُوحِ.” رضي الله عنهما.
حاشية: أخرجه البخاري (٣١٤١) واللفظ له، ومسلم (١٧٥٢) •
انظر إلى قصة الصحابة في غزوة الأحزاب:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12) وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا ۚ وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ ۖ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (١٤)} [الأحزاب :٩-١٤] ومع ذلك ما خافوا إلا من الله ومع هذا البلاء العظيم والمنحة الشديدة التي تشيب لها الولدان لم ينقص من إيمانهم شيء.
تخاف من ظلم الجبابرة والطواغيت؟! أنسيت أن هذا الظلم لا يساوي شيئا أمام ظلم الكفار على الصحابة ولكن بالرغم من ذلك يقول لهم الرسول صلى الله عليه وسلم حين ضاقت بهم الدنيا وشكوا إليه "أَلا تَسْتَنْصِرُ لَنا، أَلا تَدْعُو اللَّهَ لَنا؟ فقالَ: "كانَ الرَّجُلُ فِيمَن قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ له في الأرْضِ، فيُجْعَلُ فِيهِ، فيُجاءُ بالمِنْشارِ فيُوضَعُ على رَأْسِهِ فيُشَقُّ باثْنَتَيْنِ، وما يَصُدُّهُ ذلكَ عن دِينِهِ، ويُمْشَطُ بأَمْشاطِ الحَدِيدِ ما دُونَ لَحْمِهِ مِن عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وما يَصُدُّهُ ذلكَ عن دِينِهِ، واللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هذا الأمْرَ، حتّى يَسِيرَ الرّاكِبُ مِن صَنْعاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ، لا يَخافُ إلّا اللَّهَ، أَوِ الذِّئْبَ على غَنَمِهِ، ولَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ”.
حاشية: أخرجه البخاري في صحيحه (٣٦١٢) •
لقد جاء في تاريخ المسلمين من هم أظلم وأشر ممن هم في هذا الزمان العصيب ولكن المؤمنين لم يخافوا منهم وهل يخاف المؤمن إلا من الله!
إذا كنت على حق فكيف تخاف؟! انظر إلى مشهد ولي الله التابعي الجليل سعيد بن جبير رحمه الله وشجاعته وثباته على الحق:
أتي الحجاج بسعيد بن جبير وهو يريد الركوب وقد وضع إحدى رجليه في الغرز، فقال: والله لا أركب حتى تتبوأ مقعدك من النار. ثم سأله "…ما حملك على الخروج علي وخلعت بيعة أمير المؤمنين، فقال سعيد: إن ابن الأشعث أخذ مني البيعة على ذلك وعزم علي، فغضب عند ذلك الحجاج غضبا شديدا، وانتفخ حتى سقط طرف ردائه عن منكبه. وقال له والله لأقتلنك قال: إني إذا لسعيد كما سمتني أمي.
قال: اختر أي قتلة أقتلك. فقال: اختر أنت فإن القصاص أمامك فقال الحجاج يا حرسي اضرب عنقه، فضربت عنقه. قال الراوي: والتبس الحجاج في عقله مكانه فجعل يقول: قيودنا قيودنا فظنوا أنه يريد القيود التي على سعيد فقطعوا رجليه من أنصاف ساقيه وأخذوا القيود. وبعد ذلك خرج منه دم كثير حتى راع الحجاج فدعا طبيبا فسأله عن ذلك فقال: إنك قتلته ونفسه معه وقلبه حاضر .
فلم يلبث الحجاج بعده إلا أربعين يوما، وكان إذا نام يراه في المنام يأخذ بمجامع ثوبه ويقول: يا عدو الله فيم قتلتني؟ فيقول الحجاج: مالي ولسعيد بن جبير، مالي ولسعيد بن جبير؟
قيل: وبعدما مات الحجاج رأى أحده في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال قتلني بكل رجل قتلته قتلة وقتلني بسعيد بن جبير اثنتين وسبعين قتلة”
حاشية: اقرأ مقتل سعيد بن جبير في كتاب البداية والنهاية ( ١٢ / ٤٦٣ – ٤٦٦ )
كيف تنسى محنة إمام دار الهجرة مالك رحمه الله وقصته مع جعفر بن سليمان في مسألة يمين المكره؟ وإن نسيت هذا فكيف تنسى أعظم محنة أتت على إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل رحمه الله مع المستعصم في مسألة خلق القرآن؟ أما تذكر صلاح الدين أيوبي وموسى بن عمير وطارق بن زياد وأمثالهم؟!.
لا توغل في الذهاب إلى هذا البعد من التاريخ بل انظر في تاريخ وطنك الإسلامي :
حكم القاضي الإنجليزي (ايدورس) بالإعدام على محمد جعفر وغيره من الذين كانوا يساعدون السيد أحمد بن عرفان الشهيد على حدود أفغانستان ضد حكومة الاحتلال بحكمة عجيبة.
قال القاضي لجعفر:
"إنك يا جعفر رجل عاقل متعلم ولك معرفة حسنة بقانون الدولة وأنت عمدة بلدك ومن سراته ولكنك بذلت عقلك وعلمك في المؤامرة والثورة على حكومتنا وكنت واسطة في انتقال المال والرجال من الهند إلى مركز الثوار (يعني جماعة السيد أحمد) ولم تزد إلا أن جحدت وعاندت ولم يثبت أنك كنت مخلصا وناصحا للدولة وها أنا ذا أحكم عليك بالإعدام ومصادرة جميع ما تملكه من مال وعقار ولا يسلم جسدك بعد الشنق إلى ورثتك بل تدفن في مقبرة الأشقياء بكل مهانة وسأكون سعيدا مسرورا حين أراك معلقا مشنوقا. ”
استمع الشاب في سكينة ووقار ولم يتغير ولم يضطرب ولما انتهى القاضي من كلامه قال محمد جعفر :” إن النفوس والأرواح بيد الله تعالى يحي ويميت وإنك أيها القاضي لا تملك حياة ولا مماتا ولا تدري من السابق منا إلى منهل الموت:
فوالله ما أدري وإني لأوجل / على أينا تغدو المنية أول
ثار الرجل غضبا وجن جنونه ولكنه لم يستطع أن يفعل شيئا أكثر من الأمر بالإعدام.
استبشر محمد جعفر حين صدر عليه الحكم وتهلل وجهه فرحا كأنما تمثلت له الجنة والحور
هذا الذي كانت الأيام تنتظر / فليوف لله أقوام بما نذروا
أخذ الناس بالعجب مما رأو ودنا منه الضابط الإنجليزي (بارسن) وقال له:
"لم أرك كاليوم – قد حكم عليك بالإعدام – وأنت مسرور مستبشر”
قال جعفر: "وما لي لا أفرح ولا أستبشر وسيرزقني الله الشهادة في سبيله وأنت يا مسكين لا تدري حلاوتها.”
نعم! فإنكم لا تكلفون شرب الخمر كما نكلف لذة جرعة الشهادة.
ماذا حصل؟!؟
مات القاضي فجأة على إثر حكمه وجن ذلك الضابط ومات هو أيضا من خباله شر ميتة فكان كما أنذر محمد جعفر و”رُبَّ أشْعَثَ، مَدْفُوعٍ بالأبْوابِ لو أقْسَمَ على اللهِ لأَبَرَّهُ”.
حاشية: صحيح مسلم (٢٦٢٢)•
وأعجب من ذلك أن الحكم صدر بالعفو عنه بعدما لبث في السجن ثمانية عشر أعواما وهكذا نجى محمد بن جعفر فسبحان الله ﴿وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بِغَیۡظِهِمۡ لَمۡ یَنَالُوا۟ خَیۡرࣰاۚ وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ ٱلۡقِتَالَۚ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِیًّا عَزِیزࣰا﴾ [الأحزاب ٢٥].
حاشية: اقرأ فصل "من الشنق إلى المنفى” في كتاب "إذا هبت ريح الإيمان” للندوي (١٩٤-٢٠٠)
ما شئت كان وإن لم أشأ / وما شئت وإن لم تشأ لم يكن
أما لك فيهم أسوة؟ تذّكر السيد أحمد بن عرفان ومحمد إسماعيل الشهيدين والشاه ولي الله المحدث الدهلوي وعبد الله غازي بوري وولايت علي وعنايت علي وأبا الكلام آزاد كيف ضربوا لنا أروع المثل في الشجاعة الإيمانية والقوة الروحانية. رحمهم الله جميعا.
ألا تتعجب وتقول: يا ترى ماذا كان وراءهم من القوة والعدة؟ وماذا كان معهم من قوى الأرض جميعا ؟ حتى تصاغرت أمامها جميع القوى وتضاءلت أمامها الكثرة وعجزت عنها التدابير بحذافيرها.؟!
نعم كان ذلك قوة نار الإيمان وحرارته التي كانت تنبعث من الحمية الدينية والأنفة الإسلامية
وكان وراءهم القوة الكبرى على الإطلاق قوة نصر الله وتأييده وحده…. وهل يتخيل المرء أن يضاهي قوة الله؟! إنها قوة "كن فيكون”!!
أنت مسلم أسلمت أمورك وشوؤنك ونفسك وجوارحك كلها إلى الله سلمتها إلى رب العرش العظيم القهار الجبار الحي القيوم فكيف تخاف؟! إن الله لن يخزي عبده أبدا!!
حتى وإن استحيبت ديارك وسفكت دمائها واحتلت مقدساتها وتزعزع أمنها وضعف اقتصادها كن قويا بربك عزيزا بدينك وإيمانك اطلب الحياة كريمة أو مت ميتة شريفة.
ألم يعدك ربك وعدا حسنا بالعزة والنصر فقال:
﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِن تَنصُرُوا۟ ٱللَّهَ یَنصُرۡكُمۡ وَیُثَبِّتۡ أَقۡدَامَكُمۡ﴾ [محمد ٧]
﴿إِن یَنصُرۡكُمُ ٱللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمۡۖ وَإِن یَخۡذُلۡكُمۡ فَمَن ذَا ٱلَّذِی یَنصُرُكُم مِّنۢ بَعۡدِهِۦۗ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡیَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ﴾ [آل عمران ١٦٠]؟؟
ألم يعدك ربك بالخلافة والملك والتمكين في الأرض:
﴿وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مِنكُمۡ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَیَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَیُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِینَهُمُ ٱلَّذِی ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَیُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنࣰاۚ یَعۡبُدُونَنِی لَا یُشۡرِكُونَ بِی شَیۡـࣰٔاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَ ٰلِكَ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡفَـٰسِقُونَ﴾ [النور ٥٥]؟؟
أم تحسب والعياذ بالله أن الله لن يفي بعهوده على أن الله لا يخلف الميعاد!؟
كيف تخاف وأنت تمت إلى أمة يخاف منها الأعداء على بعد مسيرة شهر ويولون أدبارهم ويرجعون أدراجهم خائبين خاسرين و الخوف يملأ قلوبهم وكاد يغشى عليهم من شدة الهلع والفزع وأمثلة ذلك كثيرة في تاريخها، والله شاهد على ذلك:
﴿إِذۡ یُوحِی رَبُّكَ إِلَى ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ أَنِّی مَعَكُمۡ فَثَبِّتُوا۟ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ۚ سَأُلۡقِی فِی قُلُوبِ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ ٱلرُّعۡبَ فَٱضۡرِبُوا۟ فَوۡقَ ٱلۡأَعۡنَاقِ وَٱضۡرِبُوا۟ مِنۡهُمۡ كُلَّ بَنَانࣲ﴾ [الأنفال ١٢]
﴿سَنُلۡقِی فِی قُلُوبِ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ ٱلرُّعۡبَ بِمَاۤ أَشۡرَكُوا۟ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ یُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَـٰنࣰاۖ وَمَأۡوَىٰهُمُ ٱلنَّارُۖ وَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلظَّـٰلِمِینَ﴾ [آل عمران ١٥١]
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أحَدٌ مِنَ الأنْبِياءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ،….”
صحيح البخاري (٤٣٨)•
وسأذكر لك قبسا من أقوال الأعداء التي تنبيك عن مدى خوفهم منا ومن ديننا.
يقول ابن غوريون (رئيس وزراء إسرائيلي سابق): "نحن لا نخشى الاشتراكيات، ولا الثوريات، ولا الديمقراطيات في المنطقة، نحن فقط نخشى الإسلام؛ هذا المارد الذي نام طويلاً وبدأ يتململ من جديد” ..
حاشية: عداء اليهود للحركة الإسلامية لزياد محمد علي
ص٤٦.
ويقول أيضاً: "إن أخشى ما نخشاه أن يظهر في العالم العربي محمد جديد” ….
حاشية: قادة الغرب يقولون لجلال العالم ص ٣٩
وزعماء أوربا يصرحون بأن الإسلام هو الذي يقف في وجه سيطرتهم على¼ من الشرق. يقول جلادستون (رئيس وزراء بريطانيا السابق): "ما دام القرآن موجوداً في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق.”
حاشية: الإسلام على مفترق من الطرق لمحمد أسد ص٣٩.
ويقول أحد الكتّاب الغربيين: "كنا من قبل نُخوَّف بالخطر اليهودي، والخطر البلشفي والخطر الأصغر، ولكن سرعان ما أدركنا أن اليهود والشيوعيين البلاشفة لم يكونوا أعداءنا، وإنما هم أصدقاؤنا وحلفاؤنا، ولكن الخطر الأكبر الحقيقي ضدنا كامن في الإسلام، وفي قدرته على التوسع! فإن الإسلام هو الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الغربي”.
ففي الحقيقة إنهم هم الذين يخافون منا، يخافون أن لا يضيع دينهم المزيف فيخسر زعماؤه الثمن القليل الذي يشترونه به، يخافون لأن الإسلام هو الوحيد الذي أفضحهم وبين كنههم وحقيقتهم.
ودونك هذا الحديث العظيم الذي يقطع بذلك: عن جابر بن عبدالله أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ: أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وجُعِلَتْ لي الأرْضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا، فأيُّما رَجُلٍ مِن أُمَّتي أدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ فَلْيُصَلِّ، وأُحِلَّتْ لي المَغانِمُ ولَمْ تَحِلَّ لأحَدٍ قَبْلِي، وأُعْطِيتُ الشَّفاعَةَ، وكانَ النبيُّ يُبْعَثُ إلى قَوْمِهِ خاصَّةً وبُعِثْتُ إلى النّاسِ عامَّةً.
صحيح البخاري ٣٣٥
فلا تخف من مؤامراتهم ومنعهم إياك من الدين إن حققت مقتضيات الإيمان فسيُغلبون بإذن الله:
﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ یُنفِقُونَ أَمۡوَ ٰلَهُمۡ لِیَصُدُّوا۟ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِۚ فَسَیُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَیۡهِمۡ حَسۡرَةࣰ ثُمَّ یُغۡلَبُونَۗ وَٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ إِلَىٰ جَهَنَّمَ یُحۡشَرُونَ﴾ [الأنفال ٣٦]
﴿قُل لِّلَّذِینَ كَفَرُوا۟ سَتُغۡلَبُونَ وَتُحۡشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ﴾ [آل عمران ١٢]
هذا وعد من الله لك، كن متيقنا من مهجة قلبك أن الله معك ولن يخذلك وسيجعلك قاهرا عليهم يوما ما. ﴿قُلۡنَا لَا تَخَفۡ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡأَعۡلَىٰ﴾ [طه ٦٨]
﴿فَأَیَّدۡنَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ عَلَىٰ عَدُوِّهِمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ ظَـٰهِرِینَ﴾ [الصف ١٤]
﴿قَالَ لَا تَخَافَاۤۖ إِنَّنِی مَعَكُمَاۤ أَسۡمَعُ وَأَرَىٰ﴾ [طه ٤٦]
﴿لَا تَحۡزَنۡ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَاۖ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِینَتَهُۥ عَلَیۡهِ وَأَیَّدَهُۥ بِجُنُودࣲ لَّمۡ تَرَوۡهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ ٱلسُّفۡلَىٰۗ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِیَ ٱلۡعُلۡیَاۗ وَٱللَّهُ عَزِیزٌ حَكِیمٌ﴾ [التوبة ٤٠]
ولماذا تخاف إذا كنت مجاهدا في سبيل الله مستعدا لمواجهة الأعداء بالإيمان والعلم والعقل والحزم. اقرأ هذه الأية المؤثرة الحافزة:
﴿وَأَعِدُّوا۟ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةࣲ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَیۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ وَءَاخَرِینَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ یَعۡلَمُهُمۡۚ وَمَا تُنفِقُوا۟ مِن شَیۡءࣲ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ یُوَفَّ إِلَیۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ﴾ [الأنفال ٦٠]
كن مؤمنا قويا جلدا وامض في سبيلك صبرا ف "الْمُؤْمِنُ القَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ على ما يَنْفَعُكَ، واسْتَعِنْ باللَّهِ وَلا تَعْجِزْ، وإنْ أَصابَكَ شيءٌ، فلا تَقُلْ لو أَنِّي فَعَلْتُ كانَ كَذا وَكَذا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَما شاءَ فَعَلَ، فإنَّ لو تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطانِ”.
حاشية: صحيح مسلم (٢٦٦٤).
ذكرتك بهذه الأمور فإن الذكرى تنفع المؤمنين ولكن إذا ما زلت تخاف من الأعداء وتظهر لهم الجبن والهوان فويلك ثم ويلك.
ولا تر للأعادي قط ذلا/فإن شماتة الأعداء بلاء
هذا ليس خوفك الطبيعي الذي يصيبه أي بشر ولكنه خوف يتولد من نقصان الإيمان هذا الخوف لا يسيطر إلا على أولياء الشيطان:
﴿إِنَّمَا ذَ ٰلِكُمُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ یُخَوِّفُ أَوۡلِیَاۤءَهُۥ فَلَا تَخَافُوهُمۡ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ﴾ [آل عمران ١٧٥]
هذا الخوف ينتج عن عدم الثقة بالله وضعف اليقين به، يأتي من حب الدنيا وكراهية الموت، يأتي حين يكون هم الإنسان الملذات والشهوات، يأتي حين يشك في قضاء الله وقدره وفي تحقيق وعده بنصر المؤمنين. هذا الخائف من المنافقين المرتابين الذي نزع الله السكينة من قلوبهم وقذف فيها الرعب والخوف.
يقول تعال: ﴿فَإِذَا جَاۤءَ ٱلۡخَوۡفُ رَأَیۡتَهُمۡ یَنظُرُونَ إِلَیۡكَ تَدُورُ أَعۡیُنُهُمۡ كَٱلَّذِی یُغۡشَىٰ عَلَیۡهِ مِنَ ٱلۡمَوۡتِۖ﴾ [الأحزاب ١٩]
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:
” يوشك الأمم أن تداعى عليكم (وفي رواية: من كل أفق) كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن. فقال قائل: يا رسول اللهِ ! وما الوهن؟ قال: حب الدنيا( وفي رواية حب الحياة) وكراهية الموت”.
حاشية: أخرجه أبو داود في سننه ٤٢٩٧ واللفظ له•
وأحمد في مسنده ٢٢٣٩٧ والزيادة منه.
وانظر صحيح الجامع ٨١٨٣ والسلسلة الصحيحة ٩٥٨.
هذا الخوف يأتي عندما يوالي المسلم الأعداء والكفار ويتخذهم أخلاء وأولياء فيستغلون هذه العلاقة على معرفة عورات إخوانه ونقاط ضعفهم وثغرات بلادهم ولهذا السبب الخطير حرم الله موالاتهم وحذر من اتخاذهم بطائن فقال:
﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ﴾ [المائدة ٥١]
وقال: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ بِطَانَةࣰ مِّن دُونِكُمۡ لَا یَأۡلُونَكُمۡ خَبَالࣰا وَدُّوا۟ مَا عَنِتُّمۡ قَدۡ بَدَتِ ٱلۡبَغۡضَاۤءُ مِنۡ أَفۡوَ ٰهِهِمۡ وَمَا تُخۡفِی صُدُورُهُمۡ أَكۡبَرُۚ قَدۡ بَیَّنَّا لَكُمُ ٱلۡـَٔایَـٰتِۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ﴾ [آل عمران ١١٨]
الذي يخاف فهو البعيد عن عبادة الله وذكره، وصلاته بالقرآن والسنة ضعيفة.
نعم! وهذا الخوف الذي ينتابه هو جزاؤه في الدنيا كما سينغص الله حياته ويجعل عيشه غصة يتجرعها على مضض:
﴿وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِی فَإِنَّ لَهُۥ مَعِیشَةࣰ ضَنكࣰا وَنَحۡشُرُهُۥ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ أَعۡمَىٰ (١٢٤) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرۡتَنِیۤ أَعۡمَىٰ وَقَدۡ كُنتُ بَصِیرࣰا (١٢٥) قَالَ كَذَ ٰلِكَ أَتَتۡكَ ءَایَـٰتُنَا فَنَسِیتَهَاۖ وَكَذَ ٰلِكَ ٱلۡیَوۡمَ تُنسَىٰ (١٢٦)وَكَذَ ٰلِكَ نَجۡزِی مَنۡ أَسۡرَفَ وَلَمۡ یُؤۡمِنۢ بِـَٔایَـٰتِ رَبِّهِۦۚ وَلَعَذَابُ ٱلۡـَٔاخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبۡقَىٰۤ (١٢٧) ﴾ [طه ١٢٤-١٢٧]
هذا الخوف يأتي من يئس من رحمة الله وقطع الرجاء منه على أن الله يقول:
﴿ وَلَا تَا۟یۡـَٔسُوا۟ مِن رَّوۡحِ ٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ لَا یَا۟یۡـَٔسُ مِن رَّوۡحِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡكَـٰفِرُونَ﴾ [يوسف ٨٧]
﴿ وَمَن یَقۡنَطُ مِن رَّحۡمَةِ رَبِّهِۦۤ إِلَّا ٱلضَّاۤلُّونَ﴾ [الحجر ٥٦]
تقول في نفسك إنهم سيؤذونني؟ فاسمع إنهم يؤذونك لتسليط الله إياهم عليك بسبب ذنوبك؛ لم تخف من الله ولم تتقيه ولم تتوكل عليه ولم تتب من ذنوبك ولم تستغفر والله بالله تالله ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَظۡلِمُ ٱلنَّاسَ شَیۡـࣰٔا وَلَـٰكِنَّ ٱلنَّاسَ أَنفُسَهُمۡ یَظۡلِمُونَ﴾ [يونس ٤٤]
كيف يعذب أرحم الراحمين عبده وهو يستغفر ويمتثل بأوامره وينتهي عن معاصيه.
﴿وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِیُعَذِّبَهُمۡ وَأَنتَ فِیهِمۡۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمۡ وَهُمۡ یَسۡتَغۡفِرُونَ﴾ [الأنفال ٣٣]
﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِیُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ بِظُلۡمࣲ وَأَهۡلُهَا مُصۡلِحُونَ﴾ [هود ١١٧]
وهذا هو الذي يخبرنا الحديث النذير: ” لتأمرُنَّ بالمعروفِ، ولتنهوُنَّ عنِ المنكَرِ أو ليسلِّطنَّ اللَّهُ عليكُم شرارَكُم، فيدعو خيارُكُم فلا يُستجابُ لَهُم”.
حاشية: ذكره السيوطي، في الجامع الصغير (٧٢٠٥) •وقال: حسن.
هذا الخوف يأتي بسبب الجهل والبعد عن العلم وخاصة بسبب جهل التاريخ الإسلامي بل بسبب جهل تاريخ الهند الإسلامي فلو علم الرجل أن آباءه وأجداده هم أول من رفعوا راية حركة التحرير لما عاش عيشة الخوف واليأس وهو في وطنه الحقيقي.
ولكن إذا خفت يا أخي فخف من ذنوبك التي تجلب عليك جميع المصائب. تصفح القرآن وانظر كيف كان عاقبة المجرمين المذنبين العاصين كيف أخذ الله قوم نوح وهود وصالح ولوط وموسى عليهم السلام بذنوبهم وبطش بهم:
﴿۞ أَوَلَمۡ یَسِیرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَیَنظُرُوا۟ كَیۡفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلَّذِینَ كَانُوا۟ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَانُوا۟ هُمۡ أَشَدَّ مِنۡهُمۡ قُوَّةࣰ وَءَاثَارࣰا فِی ٱلۡأَرۡضِ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمۡ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن وَاقࣲ﴾ [غافر ٢١]
﴿لَّا تَجۡعَلُوا۟ دُعَاۤءَ ٱلرَّسُولِ بَیۡنَكُمۡ كَدُعَاۤءِ بَعۡضِكُم بَعۡضࣰاۚ قَدۡ یَعۡلَمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ یَتَسَلَّلُونَ مِنكُمۡ لِوَاذࣰاۚ فَلۡیَحۡذَرِ ٱلَّذِینَ یُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦۤ أَن تُصِیبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ یُصِیبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمٌ﴾ [النور ٦٣]
عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَىِ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَجُعِلَ رِزْقِى تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِى وَجُعِلَ الذُّلُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِى وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ ».
صححه الألباني في صحيح الجامع ٢٨٣١ • صحيح • أخرجه البخاري معلقاً بصيغة التضعيف قبل حديث (٢٩١٤) مختصراً، وأخرجه موصولاً أحمد (٥٦٦٧) واللفظ له.
انظر ماذا فعل الله بقارون وفرعون وهامان وغيرهم من الذين لم يؤمنوا بنبيهم وتمادوا في المعاصي:
﴿فَكُلًّا أَخَذۡنَا بِذَنۢبِهِۦۖ فَمِنۡهُم مَّنۡ أَرۡسَلۡنَا عَلَیۡهِ حَاصِبࣰا وَمِنۡهُم مَّنۡ أَخَذَتۡهُ ٱلصَّیۡحَةُ وَمِنۡهُم مَّنۡ خَسَفۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ وَمِنۡهُم مَّنۡ أَغۡرَقۡنَاۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِیَظۡلِمَهُمۡ وَلَـٰكِن كَانُوۤا۟ أَنفُسَهُمۡ یَظۡلِمُونَ﴾ [العنكبوت ٤٠]
﴿وَكَمۡ قَصَمۡنَا مِن قَرۡیَةࣲ كَانَتۡ ظَالِمَةࣰ وَأَنشَأۡنَا بَعۡدَهَا قَوۡمًا ءَاخَرِینَ﴾ [الأنبياء ١١]
الذنوب والمعاصي هي التي تزعزع أمن المجتمع وهي التي تفسد سلامة البلد وتورث الخوف في قلوب الناس:
عَنْ أَبِى قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِىٍّ الأَنْصَارِىِّ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ فَقَالَ « مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ قَالَ « الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلاَدُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ ».
حاشية: صحيح البخاري: ٦٥٩١
وقال تعالى: ﴿وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلࣰا قَرۡیَةࣰ كَانَتۡ ءَامِنَةࣰ مُّطۡمَىِٕنَّةࣰ یَأۡتِیهَا رِزۡقُهَا رَغَدࣰا مِّن كُلِّ مَكَانࣲ فَكَفَرَتۡ بِأَنۡعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَ ٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلۡجُوعِ وَٱلۡخَوۡفِ بِمَا
كَانُوا۟ یَصۡنَعُونَ﴾ [النحل ١١٢]
فكان أهل هذه القرية – بعدما أذهب الله كل شيء لهم – يأكلون العظام المحرقة والكلاب الميتة والقد والجيف حتى اضطروا إلى أكل العلهز وهو وبر البعير يخلط بالدم والقراد، وهذه القرية مكة المكرمة فيها بيت الله الحرام فكيف بغيرها من القرى؟! وهذا حال من كفر بنعمة قليلة وجحدها كما تفيد صيغة جمع القلة ” أنعم ” فماذا يكون حال من كفر بنعم لا تعد ولا تحصى؟! ﴿أَفَأَمِنُوا۟ مَكۡرَ ٱللَّهِۚ فَلَا یَأۡمَنُ مَكۡرَ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡخَـٰسِرُونَ﴾ [الأعراف ٩٩]
نسأل الله السلامة والعافية.
ونظير هذه الآية قوله تعالى: ﴿وَلَوۡ أَنَّ أَهۡلَ ٱلۡقُرَىٰۤ ءَامَنُوا۟ وَٱتَّقَوۡا۟ لَفَتَحۡنَا عَلَیۡهِم بَرَكَـٰتࣲ مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَـٰكِن كَذَّبُوا۟ فَأَخَذۡنَـٰهُم بِمَا كَانُوا۟ یَكۡسِبُونَ﴾ [الأعراف ٩٦]
وأخطر منهما : ﴿فَلَمَّا نَسُوا۟ مَا ذُكِّرُوا۟ بِهِۦ فَتَحۡنَا عَلَیۡهِمۡ أَبۡوَ ٰبَ كُلِّ شَیۡءٍ حَتَّىٰۤ إِذَا فَرِحُوا۟ بِمَاۤ أُوتُوۤا۟ أَخَذۡنَـٰهُم بَغۡتَةࣰ فَإِذَا هُم مُّبۡلِسُونَ﴾ [الأنعام ٤٤]
وهكذا ﴿ظَهَرَ ٱلۡفَسَادُ فِی ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ بِمَا كَسَبَتۡ أَیۡدِی ٱلنَّاسِ لِیُذِیقَهُم بَعۡضَ ٱلَّذِی عَمِلُوا۟ لَعَلَّهُمۡ یَرۡجِعُونَ﴾ [الروم ٤١]
فانظر كيف صوّر الله حال المسلمين اليوم بأبدع تصوير في هذه الآيات كأنما نزلت الآن الساعة!!
وسأسوق لك تاريخا واقعيا ذكره الحافظ ابن كثير رحمه الله في كتابه "البداية والنهاية” (حوادث سنة ثمان وسبعين وأربعمائة) :
"في المحرم منها زلزلت أرجان فهلك خلق كثير من الروم ومواشيهم.
وفيها: كثرت الأمراض بالحمى والطاعون بالعراق والحجاز والشام، وأعقب ذلك موت الفجأة، ثم ماتت الوحوش في البراري، ثم تلاها موت البهائم، حتى عزت الألبان واللحمان، ومع هذا كله وقعت فتنة عظيمة بين الرافضة والسنة فقتل خلق كثير فيها.
وفي ربيع الأول هاجت ريح سوداء وسفّت رملا، وتساقطت أشجار كثيرة من النخل وغيرها، ووقعت صواعق في البلاد حتى ظن بعض الناس أن القيامة قد قامت، ثم انجلى ذلك ولله الحمد.
وفيها: خرج توقيع الخليفة المقتدي بأمر الله بتجديد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل محلة، وإلزام أهل الذمة بلبس الغيار، وكسر آلات الملاهي، وإراقة الخمور، وإخراج أهل الفساد من البلاد، أثابه الله ورحمه.” انتهى
وفيها كانت الرّيح السّوداء ببغداد، واشتدّ الرعد والبرق، وسقط رملُ وتراب كالمطر، ووقعت عدّة صواعق، وظنّ النّاس أنّها القيامة، وبقيت ثلاث ساعات بعد العصر، نسأل الله السلامة. وقد سقت خبر هذه الكائنة في ترجمة الإمام أبي بكر الطرطوشي لأنه شاهدها وأوردها في أماليه، وكان ثقة ورعًا، رحمه الله تعالى. تاريخ الإسلام للذهبي (٣١٧/١٠)
سبحان الله!!
ولو تتبعنا وتعمقنا في تدقيق النظر لرأينا أن أسباب سقوط خلافات المسلمين من الأموية والعباسية والعثمانية والأندلسية حتى الهندية فإنها حتما ترجع في النهاية إلى المعاصي والذنوب.
وكذلك أسباب هزيمتهم في أكثر المعارك من غزوة أحد وحرب الأيام الستة ومعركة القنطرة والاستنزاف وغيرها راجعة إلى الذنوب والخطايا نهائيا.
هذا وأنشدك بالله إذا لم تستطع أن تأتي بحسنة فمن فضلك لا تقترف أي معصية فإنها والله أول باب المصائب وآخرها
﴿وَمَاۤ أَصَـٰبَكُم مِّن مُّصِیبَةࣲ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَیۡدِیكُمۡ وَیَعۡفُوا۟ عَن كَثِیرࣲ﴾ [الشورى ٣٠]
﴿مَّاۤ أَصَابَكَ مِنۡ حَسَنَةࣲ فَمِنَ ٱللَّهِۖ وَمَاۤ أَصَابَكَ مِن سَیِّئَةࣲ فَمِن نَّفۡسِكَۚ وَأَرۡسَلۡنَـٰكَ لِلنَّاسِ رَسُولࣰاۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِیدࣰا﴾ [النساء ٧٩]
ثم إن شرارتها لن تجحف بأصحاب المعاصي فقط بل تعم الجميع من الذين لا يد لهم فيها:
﴿وَٱتَّقُوا۟ فِتۡنَةࣰ لَّا تُصِیبَنَّ ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ مِنكُمۡ خَاۤصَّةࣰۖ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِیدُ ٱلۡعِقَابِ﴾ [الأنفال ٢٥]
وَعَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ – رضى الله عنهن أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ « لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ ». وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الإِبْهَامِ وَالَّتِى تَلِيهَا. قَالَتْ زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ « نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخُبْثُ ».
حاشية: صحيح البخاري ٣٣٨١
وحينئذ لا يستجاب دعاء ولا يقبل تضرع ولا يسمع نداء ولا تنفع صرخة فالويل والويل:
عن حذيفة بن اليمان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” والذي نفسي بيدِه لتَأمرُنَّ بالمعروفِ ولتَنهوُنَّ عن المنكرِ أوليُوشِكَنَّ اللهُ أن يَبعثَ عليكمْ عقابًا منهُ فتدعونهُ فلا يَستجيبُ لكمْ”.
حاشية: أخرجه الترمذي، في سننه ٢١٦٩ • وحسنه.
وكذلك الألباني حسنه في صحيح الجامع ٧٠٧٠.
فلُم قلبك لا عدوك واشتم نفسك الأمارة بالسوء لا من سلطهم الله عليك ولا تلعنهم ولا تسبهم ولا تتمن أن يموتوا فوالله لن يأتي بعدهم إلا وهو أشر منهم وأضر وأخبث وأدهى بل أصلح نفسك ستصلح جميع الأمور.
نعيب زماننا والعيب فينا
وما لزماننا عيب سوانا
ونهجو ذا الزمان بغير ذنب
ولو نطق الزمان لنا هجانا
واصبر على الخير وعن الشر فذاك عروة الوثقى في هذا الزمن العصيب:
فَعَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِىٍّ قَالَ أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنَ الْحَجَّاجِ فَقَالَ « اصْبِرُوا فَإِنَّهُ لاَ يَأْتِى عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلاَّ الَّذِى بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ ». سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ -صلى الله عليه وسلم-.
حاشية: صحيح البخاري ٧١٥٥ ومسند أحمد ١٢٦٨١، ١٣١٥٤
والله تعالى أعلم.
Leave a Reply