كانت الدنيا تسري في مساراتها، والدول تتقدم بأهدافها وأجنداتها، والمدن تنبض بضوضائها وغوغائها، والفضاءات تكتظ بطائراتها وملوثاتها، والمتكبرون يتمادون في كبرهم وعنادهم، والأقوياء يستعرضون قواهم وعضلاتهم، والضعفاء يكافحون لقوتهم وبقائهم، والجميع يسعون لتحقيق أطماعهم وأغراضهم، والعالم كان غافلا عما يخفيه له القدر من وباء في طياته، إذ لمعت شرارة فيروس كورونا في مدينة صينية، هدأت لأيام ثم اشتعلت و تفجرت، واجتاحت المدينة كاملة. بدأ المصابون يتساقطون على الأرض سقوط الفراش في النار، تطاردهم الجائحة في كل زاوية، ويأتيهم الموت من كل مكان. تحولت المدينة النابضة إلى كابوس وأشباح، وعجزت الحكومة عن احتواء هذا الوباء رغم قواتها وأجهزتها وتقنياتها. يموت الناس بالآلاف فلا ناصر لهم ولا وال. تفتك هذه الجائحة بالصين والدول تتفرج في كل مكان، ظنا منها أنها في منأى وأمان من هذا الفيروس القاتل الذي لا مثيل له في التاريخ الحديث للإنسان.
بدأ الفيروس في الانتشار، وتخطى حدود الصين، واجتاح العالم كله، فتحول إلى عالم الأشباح، لا حركة فيه ولا نشاط. دخل في أوربا المتحضرة المزعومة، رمز المدنية والتقدم والازدهار، ولكن سرعان ما كشف عن سر قوتها وتماسكها وتقدمها في كل الميادين، فانهارت على عروشها فلا منقذ لها من هذا الوباء. يموت الآلاف بإيطاليا، ويلقى عشرات الآلاف حتفهم في إسبانيا، وفرنسا العاجزة ليست منهما ببعيدة، وتسابق بريطانيا الزمن لاحتواء هذه الأزمة والموتى يزج بهم المقابر والمستشفيات، ويصاب سكان ألمانيا بالآلاف، والدول الأوربية الأخرى من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها تلحق بأخواتها، وتذوق مرارة الموت، ولا أمل في الانفراج في قريب عاجل في الآفاق.
وأما أمريكا القوة العظمى، فرغم قوتها وجبروتها الاقتصادية والعسكرية والطبية والتقنية والعلمية استسلمت لهذا الفيروس القاتل الخفي الذي لا تدركه الأبصار، والذي كشف عن الحقائق الزائفة المؤلمة لهذه الدولة المتحضرة المتكبرة، وأحدث أزمة إنسانية غير مسبوقة في التاريخ. المواطنون يكافحون لأجل لقمة العيش، والأطباء يستغيثون لأجهزة الواقيات، والممرضون يستصرخون للكمامات والقفازات، والمصابون يستغيثون لأجل الحصول على السرر في المستشفيات، والشيوخ وكبار السن يُتركون فيصارعون الموت في كل لحظات، والملايين يفقدون وظائفهم يتيهون في أرض الدمار والهلاك. وأصبح شعار حقوق الإنسان هباء منثورا فلا داعي لها ولا وكيل لها ولا ضمان. فالفنادق فارغة، والناطحات غير مسكونة والإنسان يعيش في الشوارع والطرقات. وتوالي الأزمات ترفع القناع عن حقيقة حقوق الإنسان في دول القوة والتقدم والحضارات.
أما دولتنا الهند العزيزة على قلوبنا، فتقشعر من أحوالها وأهوالها الجلود والأبدان، وتذرف العيون دما من مشاهدها ومآسيها، وتتقرح القلوب ألما من ويلات الفقر والظلم والاستبداد، وتتجمد الأقلام والأذهان تفكيرا وتعبيرا عما تحدث في أرض الوطن من تمييز عنصري فاحش على أساس الدين والعرق والنسل والفقر والطبقة في زمن جائحة تتطلب من الجميع التكاتف والتعاضد والأخوة والاتحاد لمواجهة الفيروس وحصره والقضاء عليه. يواجه المرضى المصابون بالفيروس مشاكل وصعوبات لا حصر لها، من سوء الإدارة والتنظيم للمستشفيات، والنقص الطاغي في الأدوات الطبية وأجهزتها، والفشل الذريع في توفير الكمامات والقفازات والواقيات والمعقمات، وتعريض الأطباء والممرضات لخطر الفيروس، والإهمال في توفير الرعاية الطبية للمصابين فيتركون للموت بغير علاج. وقد وصلت العنصرية البغيضة ذروتها حينما رفضت بعض المستشفيات علاج المسلمين. واتُهم المسلون بنشر الفيروس عمدا إلى المواطنين الآخرين، بسبب ترويج الإعلام المنحاز المتعصب للأخبار الكاذبة الملفقة المصطنعة المتداولة في مواقع التواصل الاجتماعي، وإشعال الجماعات الهندوسية المتطرفة نيران الحقد والكراهية، وتأجيج العواطف والبسطاء بحملات عنصرية ضد المسلمين، وكل ذلك يحصل علنا والحكومة تتفرج وتتغاضى عما يحدث؛ لأن المكلومين والمكروبين والملهوفين ينتسبون إلى الإسلام.
مضى على إغلاق البلد شهران، والأوضاع كما هي، بل الظروف تزداد سوء، فالفقراء يضربون في الأرض فلا ماء لهم ولا غذاء، والناس يموتون جوعا فلا حكومة تبالي ولا تريد الالتفات، الطرقات تعج بالمشاة الحاملين أثقالهم على رؤوسهم ومناكبهم، المحتضنين أولادهم في أحضانهم، الباحثين عن لقيمات ما يسدون بها جوعهم، لكن الحكومة جالسة على عرشها متفرجة على ما يحصل مع الضعفاء. تتعالى الأصوات للنجدة والإنقاذ فتقابلها الوعود الفارغة، والجمل الرنانة، والخطب التي تتلاعب بالعواطف، والإجراءات التي تعود بالقواصم وترغم الفقراء والمساكين على الموت المباغت. فما يحدث في طرقات الهند وشوارعها هذه الأيام من مآسي وآلام وأهوال تتفطر لها القلوب، فهذا يموت جوعا، وذاك يموت عطشا، وهذا يلقى حتفه خنقا، وذلك يصارع الموت اصطداما، وهذا يخاطر نفسه سيرا في ظلمات الغابات، وذاك يواجه صنوفا من العذاب على أيدي الشرطة وأفراد المنظمات المتطرفة المارقة عن القوانين، والذين يعيثون في الأرض فسادا. فلا حول ولا قوة إلا بالله، ولا ملجأ إلا إلى الله، ولا منقذ إلا الله. اللهم ارفع عنا الوباء والبلاء، وفرج هم المهمومين، ونفس كرب المكروبين، واجعل لنا من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، واشف مرضانا، واغفر لموتانا ورحمنا واغفر لنا يا رب العالمين.
Leave a Reply