كان في قرية من القرى الصغيرة يعيش "نمام”، وكان يعمل في إحدى المصانع من قريته، وكان من عادته أنه يغتاب الناس، وكان يحاول كثيرا أن يترك هذه العادة السيئة فلم يتمكن من ذلك رغم محاولته الكثيرة.
وبعد أيام قلائل قد تم إخراجه من العمل لأجل عادته القبيحة هذه فأصبح الآن يبقى دون عمل يعيش به بقية حياته.
بدأ يقضي أيامه على المال الذي اكتسبه في سالف الأيام، ولما نفد كل ما كان عنده من المال، وكاد الفقر يقضي عليه قرر أن يغادر قريته فيبحث عن العمل في مكان آخر.
خرج من بيته، وما زال سائرا في طريقه طول النهار حتى دخل في إحدى القرى البعيدة النائية.
كان النمام غريبا في القرية لا يعرفه أحد، فذهب إلى أحد الفلاحين وطلب منه العمل، وكان الفلاح وحيدا يحتاج إلى من يساعده في عمل الزراعة، وكان له سابق معرفة بالزراعة ولوازمها، لذا فإن الفلاح أجاب إلى طلبته.
وإنك لتعجب كثيرا عندما تسمع أن النمام قال لما سأله الفلاح عن أجرته: لا أريد إلا مقدار طعام يشبع بطني، ولباسا يستر عورتي، وهناك طلب آخر خاص وهو أن تأذن لي أن أغتابك بعد كل ستة أشهر مرة واحدة فقط، فتحير الفلاح مما سمع وتعجب مما طُلِبَ وقال في نفسه: إنه عامل عجيب مقابل أجرة تافهة، *طعام يسير ولباس بسيط واغتياب بعد ستة أشهر مرة واحدة*!!! ما أسعد حظي! وما أحسن جدي! سأرضى به عاملا على أية حال، ثم اتفقا على الأجرة المذكورة.
مضت بعد ذلك ستة أشهر، وكان الفلاح قد نسي ما قد وعد، ولكن النمام لم ينس ذلك أبدا.
ففي يوم من الأيام ذهب الفلاح إلى حقله للعمل، فأراد النمام أن ينتهز هذه الفرصة التي سنحت له، فذهب إلى زوجة الفلاح وقال لها مظهرا أمامها النصح والخير الذي يتمناه لها: هل تعرفين أن زوجك قد أصابه مرض الجذام منذ أيام طوال؟ وقد أخفى منك هذا المرض.
دُهِشَتْ زوجة الفلاح مما سمعت، وأبت أن تصدقه؛ لكن النمام استطاع أن يقنعها بما أوتي من لسان ساحر وقدرة فائقة على التعبير ثم قال لها: إذا أردت أن تعرفي مرض زوجك فعليك أن تقطعي عضوا من جسمه.
تيقنت زوجة الفلاح من كلام النمام وقالت: سأتأكد مما قلتَ عندما أحضر له الطعام غداً في الحقل.
كان الفلاح مشغولا في حصد الزرع ولم يرجع إلى البيت منذ يومين.
توجه النمام إلى الحقل ولقي الفلاح وقال له: أنت مشغول هنا في حصد الزرع، ولا تعرف أن زوجك أصابها الجنون.
حار الفلاح وجعل يفكر فيما أخبر به النمام، فقال النمام له: إن كنت لا تصدق ما أقول فانظر غداً، ترى حقيقة الأمر عندما تحضر زوجتك لك الطعام هنا.
فلما عرف النمام أن الفلاح تيقن مما قال له ذهب إلى إخوان الفلاح وقال لهم: عجبا لأمركم، كيف لا تعرفون أن أختكم يقسو عليها زوجها ويضربها دائما؟؟
حينما رأى الفلاح أنهم لا يصدقونه قال: إن كنتم تزعمونني كاذبا فيما قلت فاذهبوا أنتم غداً إلى الحقل فسترون صدق قولي عندما تحضر أختكم لزوجها الطعام قالوا: إذن ننظر ماذا يحدث غدا والفلاح لا يشعر بذلك.
والآن ذهب النمام إلى إخوان الفلاح وقال لهم: في أي عالم أنتم تعيشون ؟ هل تعرفون أن إخوان زوجة أخيكم الفلاح يأتون اليوم الرابع من كل أسبوع ليضربوا أخاكم؟ لا، لا تعرفون ذلك فكيف تنصرونه؟
فلما شكوا في كلامه قال: إن كنتم في شك في خبري تعالوا معي غدا إلى الحقل، وانظروا الأمر بأعينكم، قالوا: إذن نذهب معك حتى ننظر ما القصة؟
ثم رجع النمام من عندهم وأصبح مشغولا في عمله.
في اليوم التالي ذهبت زوجة الفلاح إلى الحقل و أحضرت له الطعام، فلما رأها الفلاح خاف من أن تقتربه، وكانت زوجته تحاول أن تدنو منه لتقطع عضوا من جسمه فتعرف ما به من مرض، فما إن وضعتْ الطعام على الأرض وجلست عليها حتى جعل الفلاح يهرب منها بسرعة، كلما هرب الفلاح كلما تبعته الزوجة لتقترب منه، ولما مد الفلاح إليها يده ليأخذ منها الطعام أسرعت إليه وأخذت يده بقوة وأخرجت لسانها لتقطع بعض جسمه فدفعها بقوة وهرب وتيقن أنها أصبحت مجنونة، ولما رأت الزوجة أن زوجها يفر منها كلما اقتربت عرفت أنه مصاب بمرض الجذام فكان الأمر كما أخبر به النمام.
ثم عندما حاولت الزوجة أن تأخذ يد الفلاح مرة أخرى خلع نعله وبدأ يضربها.
الآن خرج إخوان زوجة الفلاح الذين كانوا مختفين على القرب منهما ويشاهدون القصة، خرجوا هؤلاء وجعلوا يضربون الفلاح، فلما رأى ذلك إخوان الفلاح الذين كانوا قريبا من هذا الموضع تيقنوا من كلام النمام وأسرعوا وجعلوا يضربون إخوان زوجة الفلاح فوقع بينهم خصومة شديدة واقتتلوا حتى تلطخ الجميع منهم دما.
حضر الناس من القرية هذا المكان وسألوهم: ماالذي جر إليكم هذا الاقتتال؟ وما الذي أدى إلى هذه الخصومة؟
فقصوا عليهم قصة النمام الشقي الماكر.
فاتضح مما سبق أن كل ما حصل فهو لأجل هذا النمام الشرير الذي أراد بقبح سريرته وخبث باطنه أن يفسد بين الناس ويوقع بينهم العداوة والبغضاء.
*فكذلك يوجد كثير من الناس في مجتمعنا المعاصر مثل هذا النمام الذي ينقل كلام الناس بعضهم إلى بعض ليفسد بينهم، وكثير منا يصدق قول هذا النمام فيصنعون مثل ما فعل الفلاح وإخوانه وزوجة الفلاح وإخوانها.*
Leave a Reply