بئس من لا يعرف الله بعد رمضان

تسليم الدين حفاظ الدين العالي العبادات

بعد انصرام شھر رمضان المبارك يُشاهَد أن بعض الناس يستقيمون علی العبادۃ، ويستمرون علی عمل الخیر والبر، ويواظبون علی أداء الصلوات الخمس، ويهتمون بالسنن والنوافل، ويداومون علی الطاعات، ويثابرون علی فعل الحسنات. وھذا دیدن المؤمنین ودأبھم، فإن المؤمنين لا یعبدون اللہ تعالی في زمن مخصوص فقط، ولایختصون شھراً بالطاعة من بین الشھور، بل هم لا يزالون دائبين في عبادة ربهم مدة حياتهم حتى يأتيهم اليقين، فلا تنقطع عنهم أعمالهم إلا بعد أن فارقت أرواحُهم أجسادَهم مصداقاً لقوله تعالى : 《واعبد ربك حتى يأتيك اليقين》(الحجر: 99)

إن المؤمنين تزید طاعتهم لله في رمضان، ویکثر خیرهم وبرهم فیه، ویکونون أکثر طاعةً لله في رمضان بالنسبة للشھور الأخری، لکن طاعتهم لا تنقطع في غیر رمضان، بل ھم یداومون علی الحسنات ویحرسونھا بالاستقامة، ویلازمونھا بقفل المداومة، ویجعلونھا فی حرز المثابرۃ والمواظبة، لأنهم یعلمون أن أحب الأعمال إلی الله ما دام و استمر. کما قالت عائشة رضي اللہ عنھا : 《إن النبي ﷺکان یحتجر حصیراً باللیل فیصلي ویبسطه بالنھار فیجلس علیه فجعل الناس یثوبون إلی النبي ﷺ فیصلون بصلاته حتی کثروا، فأقبل فقال: یا أیھا الناس خذوا من الأعمال ما تطیقون، فإن الله لا یمل، حتی تملوا، وإن أحب الأعمال إلی الله ما دام وإن قل》 (بخاري:5861 )

فالإخوۃ الذین قطعوا سلسلة أعمالهم، وأخذوا ینصرمون من صالح الأعمال حتی من الصلوات الخمس المفروضة بعد انصرام رمضان، وبدؤا ینسلخون من کل أعمال الطاعة بعد انسلاخ رمضان، علیھم أن لا ینکصوا علی أعقابھم بعد أن کانوا في عداد الطائعین والعاملین، ولا یجعلوا ما عملوا في رمضان ھباءً منثوراً، ولا یکونوا کالتی نقضت غزلھا من بعد قوۃ أنکاثاً، ولا یبطلوا أعمالھم بترك الصلوات وارتكاب السیئات، فکما أن الحسنات یذھبن السیئات فکذالك السیئات تقضي علی الحسنات.

فیا من يعصي الله ويبتعد عن طاعته بعد رمضان، تفکر وتأمل ! ھل عملك الذي عملته في رمضان یکون لك نافعاً، هل قيامك بليالي رمضان المبارك ينفعك إذا تترك الصلوات المفروضة في غيره، هل تلاوتك للقرآن الكريم تفيدك إذا لا تمسه في الشهور الأخرى ولا تعمل بما فيه، هل إمساكك للسانك في رمضان يُجديك إذا أنت تُطلِقه وتتركه حرا سابًّا مغتابا لعَّانا فحَّاشا في غير رمضان. كيف تكون أعمالك التي عملتها في رمضان بجهدٍ جهيدٍ مفيدةً ومثمرةً وأنت لا تحافظ عليها، وتأتي بما يُحبطها، تأكل مال هذا، وتضرب هذا، وتسب هذا، وتظلم هذا، وتغتاب هذا، وحتى تترك الصلوات المفروضة الخمسة في غير رمضان، مع أن تركَ صلاۃٍ واحدةٍ تضييعاً لها وتهاوناً بفضل وقتها مع القدرة على أدائها يؤدي إلى إحباط العمل. فعن بريدة بن الحصيب الأسلمي قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: 《من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله》 (بخاری:553 )
بترك صلاۃٍ واحدۃٍ يحبط العمل ويضیع فکیف يبقی ويستقر عمل من یترك الصلوات الخمس المفروضة بالکلیة! والصلاۃ آکد أرکان الإسلام، وبھا یفرق بین الکفر والإسلام. قال النبی ﷺ: 《العھد الذی بیننا وبینھم الصلاۃ فمن ترکھا فقد کفر》( الترمذی :2621 )

ومن أسوء حظاً ممن یبني ثم یھدم بیدہ، ومن أضل ممن عرف ربه ثم جھله، ومن أشقی ممن عمل ثم ضیَّع. فإن الاعوجاج بعد الاستقامة مأساۃ کبری، والفساد بعد الصلاح خسارۃ عظمی.
نعوذ بالله من الحور بعد الكور، ومن العمي بعد البصیرۃ، ومن الغوایة بعد الھدایة، ومن العصیان بعد الطاعة.

Leave a Reply

avatar
3000
  Subscribe  
Notify of