الانتحار ليس حلا للخروج من المشاكل

تسليم الدين حفاظ الدين العالي صحة

كثرت هموم الدنيا، وطالت أحزانها، وكبرت المصائب، وعظمت العراقيل، خاصة في الزمن الحاضر الذي أصبح فيه كل رجل يعاني من الكآبة والتوتر الذهني، والقلق والاضطراب. فلا يفيق المرأ من هم إلا إلى هم، ولا يرتاح من فاجعة إلا إلى مثلها. ولا يزال الناس يترجحون في هذه الدنيا ما بين سراء وضراء، وصحة ومرض، وفقر وغنی، وعز وذل، وسعادة وشقاء، ومنشط ومكره، وحلوة ومرة. فإذا صح لكل مهموم أن يمقت حياته، ولكل محزون أن يقتل نفسه، ولكل كئيب أن يھلك ذاته، خلت الدنيا من أهلها واستحال المقام فيها وتبدلت سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا.
لذا حث الإسلام على الصبر عند المصائب والشدائد، وعلى الشكر عند المكاسب والمناشط. ووعد شاكر النعم بالازدياد وكافرھا بالعذاب، كما وعد الصابر بتوفية أجره بغير حساب.
والانتحار يعبر عن مقت المنتحر حياته مقتا شديدا، ويدل على جبنه وضعف نفسيته وفراره من القدر وعدم رضاه به، إذ لا يستطيع على الصبر على ما يكره من الفواجع والنوازل، ولو كان راضياً بقدره لصبر واحتسب.
والانتحار جريمة شنيعة تحث المجتمع على الجبن، والفرار من مواجھة الشدائد، والاستسلام للمھالك، وتحض أفراد المجتمع على القسوة والغلظة والتظالم، لأن المنتحر بفعله الشنيع الجبان قد يثبت أنه لا يرحم نفسه، ومن لا يستطيع أن يرحم نفسه فكيف يتوقع منه أن يرحم غيره.
سمي القاتل مجرماً لقساوة قلبه وتحجر فؤاده، ولبثه الخوف والفزع في المجتمع البشري، ولإفساده في الأرض، فعدّت جريمته من أشنع الجرائم وذنبه من أكبر الذنوب، واعتبر قتله لإنسان كقتله للناس جميعاً. والقاتل لا يقتل إلا لعداوة شديدة بينه وبين المقتول ولضغينة تحثه على قتله، وتعمي بصيرته عن العاقبة، وتجعله يتصرف بلا روية، فما بال قاتل نفسِه يقتل نفسه ولا يرحمھا وليس بينه وبينها من الضغينة والموجدة ما بين القاتل والمقتول، فلا غرو في كونه من أكبر المجرمين وأقسى القاتلين.
لذا نرى الإسلام يعد الانتحار من كبائر الذنوب، و يبين له أشد العذاب وأفظع العقاب، وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن المنتحر يعاقب بمثل ما قتل نفسه به.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : 《مَن تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالداً مخلداً فيها أبداً، ومَن تحسَّى سمّاً فقتل نفسه فسمُّه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومَن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً 》 ( أخرجه البخاري: 5778 )
وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : 《 مَن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة 》 (أخرجه البخاري : 5700 )

وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : 《 كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكيناً فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات . قال الله تعالى : بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة 》( أخرجه البخاري : 3463 )
وقد تعلم خطورة قتل النفس حيث ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على المنتحر ، عقوبةً له ، وزجراً للناس عن مثل فعله، فعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال :《 أُتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمَشاقص فلم يصل عليه 》 (أخرجه مسلم : 978)
إن من في قلبه مثقال ذرة من الإيمان لا يتجرأ على قتل نفسه بعد معرفته للعقوبات الشديدة التي ذكرھا الإسلام لقاتل نفسه، وقد ذكر بعضھا فيما أعلاه.
إذن لا يُقدِم الرجل على قتل نفسه إلا لضعف وازعه الديني، وإعطائه للمصائب و الأحزان أكبر من حجمها، وعدم إدراكه لخطورة هذه الجريمة الشنيعة الفظيعة التي يترتب عليھا حرمان النفس من حقھا في الحياة، بالإضافة إلى تعرضھا للعذاب الأليم بعد الممات.
فما أجهل المنتحر وأحمقه! ينتحر وهو يظن أنه سيتخلص من الأحزان والهموم، وسيخرج من المصاعب والمشاكل التي لأجلها أقدم علي قتل نفسه وهو في الحقيقة يلقي بنفسه الي التهلكة الدائمة والعقاب المستمر.
اللهم احفظنا من هذه الجريمة البشعة، ووفقنا لما تحب وترضى. آمين.

Leave a Reply

avatar
3000
  Subscribe  
Notify of