"قول النبي ﷺ إذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ، فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ”

الدكتور عبدالرحمن السيد عبدالغفار بلح الحديث وعلومه

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين، بحمد الله ومنه أسترفد وبحسن توفيقه أستنجد وعلى سوابغ لطفه أستند وفي أوضح سبله بأبين دلائله أسترشد وبعصم الهداية عن غياهب الضلالة أستبعد وبالتوسل بمحمد سيد البشر وشفيع المحشر أستسعد وباقتفاء هديه واتباع أمره أستمجد وفي الصلاة عليه وعلى آله وصحبه غاية وسعي أستنفد ، وبعد: نتناول اليوم إن شاء الله ذكرًا داوم عليه النبي ﷺ وحث عليه، فَعَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ ” إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ، فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ ، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ، فَأَنْتَ عَلَى الفِطْرَةِ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ "، قَالَ: فَرَدَّدْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ ﷺ ، فَلَمَّا بَلَغْتُ: اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، قُلْتُ: وَرَسُولِكَ، قَالَ: «لاَ، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ” فَإِنَّكَ إِنْ مُتَّ فِي لَيْلَتِكَ ، مُتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَإِنْ أَصْبَحْتَ أَصَبْتَ أَجْرًا،وفي رواية: وَإِنْ أَصْبَحْتَ ، وَقَدْ أَصَبْتَ خَيْرًا كَثِيرًا”، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ "يراجع روايات وألفاظ الحديث في :”البدر المنير في تخريج الأحاديث والأثار الواقعة في الشرح الكبير”،(5/186)،و” الجامع الصحيح للسنن والمسانيد”،(6/494)، وأخرج النسائي في "الكبرى” (9 / 283) برقم: (10539) والترمذي في "جامعه” (5 / 402) برقم: (3395)، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺقَالَ : إِذَا اضْطَجَعَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ ، لَا مَلْجَأَ مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ ، أُومِنُ بِكِتَابِكَ وَبِرَسُولِكَ ، فَإِنْ مَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ "، وَفي "مسند أبي يعلى الموصلي”،(1624)،عَنِ السَّائِبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:” كُنْتُ عِنْدَ عُمَارَةَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ؟ كَأَنَّهُ يَرْفَعُهُنَّ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ” إِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ مِنَ اللَّيْلِ فَقُلِ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفَسِي إِلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الْمُنَزَّلِ، وَنَبِيِّكَ الْمُرْسَلِ، اللَّهُمَّ نَفْسِي خَلَقْتَهَا، لَكَ مَحْيَاهَا وَلَكَ مَمَاتُهَا، إِنْ تَوَفَّيْتَهَا فَارْحَمْهَا، وَإِنْ أَخَّرْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِحِفْظِ الْإِيمَان”
شَرْحُ الْغَرِيبِ والمعني العام للحديث :
لقد أرشد النبي الكريم ﷺالمسلم عندما يأوي إلى فراشه لينام إلى جملة من الآداب العظيمة والخصال الكريمة، قال ابن الملقن في ” التوضيح لشرح الجامع الصحيح”،(29/205):”ومعنى: "إذا أتيت مضجعك” يعني: إذا أردت النوم فيه، وهو بفتح الميم، والمقصود: النوم على طهارة، فإن كان على طهارة كفاه، وفائدته: مخافة أن يموت في ليلته فيموت على طهارة؛ لأنه أصدق لرؤياه، وأبعد من لعب الشيطان به في منامه، وترويعه إياه، وقد بيّن ابن عباس معنى المبيت على طهارة، فيما ذكره عبد الرزاق، عن أبي بكر بن عيَّاش، قال: أخبرني أبو يحيى أنه سمع مجاهدًا يقول: قال لي ابن عباس: لا تنامَنَّ إلا على وضوء؛ فإن الأرواح تبعث على ما قبضت عليه

قَوْلُهُ:”ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ”: قال ابن حجر في”فتح الباري”،(11/110):”بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ أَيِ الْجَانِبِ”، وجاء أيضًا في صفة نومه ﷺ: أنه يضع كفه اليمنى تحت خده الأيمن، والنوم على الشق الأيمن هذا هو السنة؛ لأن النبي ﷺ كان يفعله، وهو أنفع للبدن، وقد تكلم ابن القيم على هذا، وبين منافعه ، ففي” صحيح البخاري "،(626)،عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺإِذَا صَلَّى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ[يعني سُـنَّتَها] اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ”، ويقول البيضاوي في ” تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة”،(2/88):”لأن التيمن في جميع الأمور محبوب، ولأن المباحث الطبية دلت على أن أفضل هيئات النوم وأنفعها أن يبتدئ على اليمين، ثم ينقلب إلى اليسار”، وقد قيل : إنَّ الحكمة في النوم على الجانب الأيمـن ، أن لا يستغرقَ النائم في نومه ، لأن القلب فيه ميلٌ إلى جهة اليسار ، فإذا نام على جنبه الأيمن ، طلب القلبُ مُستقَرَّه من الجانب الأيسر ، وذلك يمنع من استقرار النائم واستثقاله في نومه، بخلاف قراره في النوم على اليسار ، فإنه مُستقَرُّه، فيحصُل بذلك الدَّعةُ التامة ، فيستغرق الإنسان في نومه ، ويَستثقِل ، فيفوتُه مصالح دينه ودنياه ، ولما كان النائمُ بمنزلة الميت ، والنومُ أخو الموت ، وأهلُ الجنَّة لا ينامون فيها ، كان النائم محتاجا إلى مَن يحرُس نفسه، ويحفظُها مما يَعْرِضُ لها من الآفات، ويحرُسُ بدنه أيضا من طوارق الآفات ، وكان ربُّه وفاطرُه تعالى هو المتولي لذلك وحدَه، علَّم النبي ﷺ النائمَ أن يقولَ كلماتِ التفويضِ والالتجاء ، والرغبة والرهبة ، ليَستدعي بها كمال حفظِ الله له ، وحراسته لنفسه وبدنه ، وأرشده مع ذلك إلى أن يَستذكِرَ الإيمانَ ، وينامَ عليه ، ويجعلَ التكلُّمَ به آخرَ كلامه ، فإنه ربما توفاه الله في منامه ، فإذا كان الإيمانُ آخِرَ كلامه دخل الجنَّة ، فتضمَّن هذا الهَدْي في المنام مصالحَ القلب والبدن والروح في النوم واليقظة، والدنيا والآخرة ، فصلواتُ الله وسلامُه على مَن نالتْ به أُمتُه كُلَّ خير ،وهذه الآية الكونية النوم من الأدلة على تفرده بالألوهية وتفرده بالربوبية والخلق، وقهره لجميع المخلوقات وأنه المالك المتصرف في جميع المخلوقات، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} ،وجاء في فضل الدعاء عند النوم، عنْ جَابِرٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ : إِذَا أَوَى الرَّجُلُ إِلَى فِرَاشِهِ أَتَاهُ مَلَكٌ وَشَيْطَانٌ ، فَيَقُولُ الْمَلَكُ : اخْتِمْ بِخَيْرٍ ، وَيَقُولُ الشَّيْطَانُ : اخْتِمْ بِشَرٍّ ، فَإِنْ ذَكَرَ اللهَ ، ثُمَّ نَامَ بَاتَتِ الْمَلَائِكَةُ تَكْلَؤُهُ ، فَإِنِ اسْتَيْقَظَ قَالَ الْمَلَكُ : افْتَحْ بِخَيْرٍ ، وَقَالَ الشَّيْطَانُ : افْتَحْ بِشَرٍّ ، فَإِنْ قَالَ : الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي رَدَّ عَلَيَّ نَفْسِي ، وَلَمْ يُمِتْهَا فِي مَنَامِهَا ، الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي { يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا } إِلَى آخِرِ الْآيَةِ ، الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي { وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ } ، فَإِنْ وَقَعَ مِنْ سَرِيرِهِ فَمَاتَ دَخَلَ الْجَنَّة

"وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ”: تَوَكَّلْتُ عَلَيْكَ فِي أَمْرِي كُلِّهِ، وفوض فلان أمره إلى فلان: إذا رده إليه، يقول ابن القيم في "الطب النبوي”،(ص:183-184): وَتَفْوِيضُ الْأَمْرِ إِلَيْهِ رَدُّهُ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ، وَذَلِكَ يُوجِبُ سُكُونَ الْقَلْبِ وَطُمَأْنِينَتَهُ، وَالرِّضَى بِمَا يَقْضِيهِ وَيَخْتَارُهُ لَهُ مِمَّا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، وَالتَّفْوِيضُ مِنْ أَشْرَفِ مَقَامَاتِ الْعُبُودِيَّةِ، وَإِلْجَاءُ الظَّهْرِ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ يَتَضَمَّنُ قُوَّةَ الِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ، وَالثِّقَةَ بِهِ، وَالسُّكُونَ إِلَيْهِ، وَالتَّوَكُّلَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ مَنْ أَسْنَدَ ظَهْرَهُ إِلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ، لَمْ يَخَفِ السُّقُوطَ، وَلَمَّا كَانَ لِلْقَلْبِ قُوَّتَانِ: قُوَّةُ الطَّلَبِ، وَهِيَ الرَّغْبَةُ، وَقُوَّةُ الْهَرَبِ، وَهِيَ الرَّهْبَةُ، وَكَانَ الْعَبْدُ طَالِبًا لِمَصَالِحِهِ، هَارِبًا مِنْ مَضَارِّهِ، جَمَعَ الْأَمْرَيْنِ فِي هَذَا التَّفْوِيضِ وَالتَّوَجُّهِ، فَقَالَ: رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، ثُمَّ أَثْنَى عَلَى رَبِّهِ، بِأَنَّهُ لَا مَلْجَأَ لِلْعَبْدِ سِوَاهُ، وَلَا مَنْجَا لَهُ مِنْهُ غَيْرُهُ، فَهُوَ الَّذِي يَلْجَأُ إِلَيْهِ الْعَبْدُ لِيُنَجِّيَهُ مِنْ نَفْسِهِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ:”أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ” ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ الَّذِي يُعِيذُ عَبْدَهُ وَيُنَجِّيهِ مِنْ بَأْسِهِ الَّذِي هُوَ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، فَمِنْهُ الْبَلَاءُ، وَمِنْهُ الْإِعَانَةُ، وَمِنْهُ مَا يَطْلُبُ النَّجَاةَ مِنْهُ، وَإِلَيْهِ الِالْتِجَاءُ فِي النَّجَاةِ، فَهُوَ الَّذِي يُلْجَأُ إِلَيْهِ فِي أَنْ يُنْجِيَ مِمَّا مِنْهُ، وَيُسْتَعَاذُ بِهِ مِمَّا مِنْهُ، فَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ، وَلَا يَكُونُ شَيْءٌ إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ:{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ}{ قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً }، إنَّ تفويض الأمرِ للهِ صفةٌ عظيمةٌ من صفاتِ أهلِ الإيمانِ، ودليلٌ على قوةِ اليقينِ وحُسنِ الظنِّ بالواحدِ الديانِ، وهو روحُ التوكلِ ولبّهُ وحقيقتهُ، وهو إلقاءُ العبدِ أمورَه كلَّها إلى اللهِ، وإنزالُها به طلباً واختياراً، لا كُرْهاً واضطراراً، إنَّ تفويضِ الأمرِ للهِ، ليسَ عجزًا مِنَ العبدِ، ولا ضعفًا ولا وهنًا، إنَّما هوَ دليلٌ على قوةِ يقينِهِ وحسنِ ظنِّهِ بربِّهِ -جلَّ جلالُهُ-، وهوَ أمرٌ مطلوبٌ في جميعِ أمورِ حياتِهِ الدينيةِ والدنيويةِ.

"اللهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ”: اسْتَسْلَمْتُ لَكَ، وَجَعَلْتُ نَفْسِي مُنْقَادَةً لَكَ، تَابِعَةً لِحُكْمِكَ؛ إِذْ لَا قُدْرَةَ لِي عَلَى تَدْبِيرِهَا وَلَا عَلَى جَلْبِ مَا يَنْفَعُهَا إِلَيْهَا وَلَا دَفْعِ مَا يَضُرُّهَا عَنْهَا، أي:جعلتُها مُسلَّمَةً لك تسليمَ العبدِ المملوك نفسَه إلى سيده ومالكه، والوجه هو أشرف ما في الإنسان، ذكر الوجهَ إذ هو أشرفُ ما في الإنسان ، ومَجْمَعُ الحواس ، وأيضا فيه معنى التوجُّهِ والقصد، وإسلام النفس لله ، بحيث لا يكون للعبد منازعة لربه، فيستسلم بكليته لربه، وخالقه، فيكون متوجهًا لربه الواحد، فلا يكون فيه أدنى التفات إلى غير الله ، فإذا التفت الوجه أو القلب إلى أحد من المخلوقين فإن ذلك مضيعة له، فيعيش حياة بائسة، حياة كلها وحشة، ويبقى قلبه معذبًا بهذا الذي اشتغل به، فأخذ شعبة منه، وتشاغل به عن الإقبال على الله ، فالقلب فيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس بالله، وفيه حزن لا يذهب إلا بالسرور بمعرفته، وفيه فاقة وفقر لا يذهبها إلا صدق اللّجأ إليه، ولو أُعطي الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة أبدًا، كما يقول ابن القيم في "مدارج السالكين”،(3/164)، وتوجيهُ وجهه إليه يتضمَّن إقبالَه بالكلِّية على ربه ، وإخلاص القصد والإرادة له ، وإقراره بالخضوع والذل والانقياد ، قال تعالى:{فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ}، {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ}[النساء:125] يعني: لا أحد أحسن دينًا ممن أسلم وجهه لله، وقال:{ فَلَهُ أَسْلِمُوا}[الحج:34] وتقديم الجار والمجرور: لَهُ يدل على الحصر، فأصل الكلام: أسلِموا له، فلو قال: أسلِموا له، يحتمل أن يكون: أسلِموا له ولغيره، لكن حينما يقول: {فَلَهُ أَسْلِمُوا } ، لمّا قدمها دل على الحصر، يعني: لا تسلموا نفوسكم ووجوهكم لغير ربكم وخالقكم ، فإسلام الوجه وإسلام النفس وإسلام البدن والجوارح هو لله ، هذه هي حقيقة الإسلام، الاستسلام لله بالطاعة، والانقياد، فحين يأوي المسلم إلى فراشه ويغمض عينيه وقد ودّع يومه واستقبل نومه، وإذ به يجدّد العهد مع الله، ويختم مسيرة يومه بالتسليم لمولاه وتفويض الأمر إليه والاعتصام به سبحانه: "اللهم أسلمت نفسي إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك”، إنه التسليم لله وحده، واللجوءُ إليه ، اللجوء لمن بيده النفع والضر، والنصر والذل ،(وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)[آل عمران: 101]،(وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ)[الحج: 78]، إن التسليم لله والتفويض إليه قبل وبعد فعل الأسباب المقدور عليها من شأنه أن يريح النفس من عناء لا طائل منه، ويربط على القلوب، فتجدها أثبت ما تكون في أوقات الأزمات والشدائد، فكم نحن بحاجة إلى اللجوء إلى الله ،في كل ما يعرض علينا مما لا يملك كشفه وإزالته إلا الله وحده ، يقول ربنا في "سورة الأنعام”{ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18)}،{ قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64)}

ثُمَّ ختم ﷺ الدعاءَ بالإقرار بالإيمان بكتابه ورسوله الذي هو مَلاكُ النجاة ، والفوز في الدنيا والآخرة ، فهذا هَدْيُه في نومه ،”آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ”:صَدَّقْتُ وَأَقْرَرْتُ بِالقُرْآنِ الكَرِيمِ؛ أنَّهُ وَحْيٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى وتَنْزيلٌ مِنْهُ سُبْحَانَهُ عَلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ، نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَأنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى الحَقِّ وَالهُدَى، والكتاب هنا جنس، يشمل جميع الكتب، كتاب مضاف إلى معرفة، وهي كاف الخطاب، أي: بكتبك التي أنزلت، جميع الكتب نحن نؤمن بها،{كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ}[البقرة:285]، وَصَدَّقْتُ كَذَلِكَ وَأَقْرَرْتُ بِالنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ ﷺ؛ وَأنَّ اللهَ تَعَالَى أرْسَلَهُ رَحْمَةً لِلعَالَمِينَ، وَأنَّهُ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَخِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، آمَنْتُ بِهِ وَبِكُلِّ مَا جَاءَ بِهِ، أُطِيعُهُ فِيمَا أَمَرَ وَأصَدِّقُهُ فِيمَا أخْبَرَ، وَأجْتَنِبُ مَا نَهَى عَنْهُ وَزَجَرَ وَلَا أعْبُدَ اللهَ إلَّا بِمَا شَرَعَ، قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِمَا جَاءَ عَنِ اللَّهِ عَلَى مُرَادِ اللَّهِ، وَآمَنَّا بِرَسُولِ اللَّهِ وَبِمَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ عَلَى مُرَادِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ، عَنْ عُبَادَةَ بْن الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ ، قَالَ:”مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ العَمَ”ِ، قَالَ الوَلِيدُ، حَدَّثَنِي ابْنُ جَابِرٍ، عَنْ عُمَيْرٍ، عَنْ جُنَادَةَ وَزَادَ مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ أَيَّهَا شَاءَ” أخرجه البخاري في "صحيحه”،(3435)،ومسلم في "صحيحه”،(28)
"ونبيك الذي أرسلت”: قال الخطابي في "أعلام الحديث” (1/298): والفرق بين «النبي» و «الرسول» : أن الرسول: هو المأمور بتبليغ ما أُنبىء وأخبر به والنبي: هو المخبِر، ولم يؤمر بالتبليغ، فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسولاً. قال: ومعنى رده على البراء من «رسولك» إلى «نبيك» : أن الرسول من باب المضاف، فهو ينبىء عن المرسل والمرسل إليه، فلو قال: ورسولك ثم قال: «الذي أرسلت» لصار البيان مكرراً معاداً، فقال: «ونبيك الذي أرسلت» إذا قد كان نبياً قبل أن يكون رسولاً، ليجمع له الثناء بالاسمين معاً، ويكون تعديداً للنعمة في الحالين، وتعظيماً للمنة على الوجهين، وقال ابن الملقن في "المعين على تفهم الأربعين” (ص39) :” و”الرسل”: جمع رسول وهو: المأمور بتبليغ الوحي إلى العباد ، وهو أخصُّ من النبي، فإنه: الذي أوحيَ إليه العمل والتبليغ ، بخلاف النبي ، فإنه: أوحي إليه العمل فقط "،وقال ابن تيمية في "النبوات” (2/714) :” فالنبي هو الذي ينبئه الله ، وهو يُنبئ بما أنبأ الله به ؛ فإن أُرسل مع ذلك إلى من خالف أمر الله، ليبلغه رسالة من الله إليه ؛ فهو رسول وأما إذا كان ، إنما يعمل بالشريعة قبله ، ولم يُرسل هو إلى أحد يبلغه عن الله رسالة ؛ فهو نبي ، وليس برسول ؛ قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ في أُمْنِيَّته}[الحج:52]

مِنْهَا أَنْ يَبِيتَ عَلَى طَهَارَةٍ؛ لِئَلَّا يَبْغَتَهُ الْمَوْتُ؛ فَيَكُونُ عَلَى هَيْئَةٍ كَامِلَةٍ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ النَّدْبُ إِلَى الِاسْتِعْدَادِ لِلْمَوْتِ بِطَهَارَةِ الْقَلْبِ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ طَهَارَةِ الْبَدَنِ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ أَصْدَقَ لِرُؤْيَاهُ وَأَبْعَدَ مِنْ تَلَعُّبِ الشَّيْطَانِ بِه، وَرُوِيَ عَنِ الْعِجْلِيِّ: قَالَ مَنْ أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ طَاهِرًا وَنَامَ ذَاكِرًا؛ كَانَ فِرَاشُهُ مَسْجِدًا، وَكَانَ فِي صَلَاةٍ وَذِكْرٍ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَمَنْ أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ غَيرَ طَاهِرٍ، وَنَامَ غَيرَ ذَاكِرٍ، كَانَ فِرَاشُهُ قَبْراً، وَكَانَ جِيفَةً حَتَّى يَسْتَيقِظَ، وَمِنْ آدَابِ النَّومِ فِي هَذَا الحَدِيثِ: النَّوْمُ عَلَى الشِّقِّ الأَيمَنِ، َكَذَلِكَ ثَبَتَ عَنْهُ ﷺفِي حَدِيثٍ آخَرَ وَضْعُ اليَدِ اليُمْنَى تَحْتَ الخَدِّ الأَيْمَنِ، يَقُولُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺكَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ، وَلِأَنَّهُ أَسْرَعُ إِلى الانْتِبَاهِ. أ هـ،وقَدْ يَكُونُ مِنَ النَّاسِ مَن اعْتَادَ النَّومَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْسَرَ، وَقَدْ يَصْعُبُ عَلَيهِ النَّومُ عَلَى شِقِّهِ الأَيمَنَ؛ فَلْيُعَوِّدْ نَفْسَهُ وَلْيُجَاهِدْهَا عَلَى هَذِهِ السُّنَّةِ الَّتِي ثَبَتَتْ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ ﷺ، وَمِنْ فِعْلِهِ، وَلْيَعْلَمْ أنَّهُ مَأجُورٌ عَلَى تَتَبُّعِهِ لِلسُّنَّةِ وَتَرْوِيضِ النَّفْسِ عَلَيهَا، وَمِنْ آدَابِ النَّومِ فِي هَذَا الحَدِيثِ: النَّومُ عَلَى ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى، وَهُوَ عَلَامَةٌ عَلَى حَيَاةِ القَلْبِ وَسَلَامَتِهِ مِنَ الغَفْلَةِ، فَلَيْسَ غَافِلاً مَنْ يَسْتَيقِظُ فَيَفْتَتِحُ يَومَهُ بِذِكْرِ اللهِ، وَيُرِيدُ النَّومَ فَيَخْتِمُ يَومَهُ بِذِكْرِ اللهِ، وَيَتَعَارُّ مِنَ الليلِ فَيَذْكُرُ اللهَ، والنَّومُ عَلى ذِكْرِ اللهِ، امْتِثَالٌ لِأَمْرِ النَّبِيِّ ﷺ، وَاقْتِدَاءٌ بِفِعْلِهِ، وَاهْتِدَاءٌ بِهَدْيِهِ، كَمَا أنَّهُ حِصْنٌ حَصِينٌ؛ بِهِ يَحْفَظُ اللهُ عَبْدَهُ مِنَ الشُّرُورِ وَيَحْمِيهِ، وَمَا أَشَدَّ حَاجَةَ العَبْدِ إِلَى رَبَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى؛ يَحْفَظُهُ فِي يَقَظَتِهِ وَنَومِهِ، وَقَدْ جَاءَتِ السُّنَّةُ عِبَادَ اللهِ بِهَذَا الذِّكْرِ وَبِغَيرِهِ، وَهِيَ مَا يُعْرَفُ بِأذْكَارِ النَّومِ، وَمِنْهَا: آيَةُ الكُرْسِيِّ، وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ البَقَرَةِ، وَمِنْهَا: الْمُعَوِّذَاتِ يَنَفُثُ فِي يَدَيْهِ، وَيَقْرَأَ بِهَا، وَيَمْسَحُ جَسَدَهُ، وَمِنْهَا: أنْ يُسَبِّحَ اللهَ ثَلاثاً وَثَلاثِينَ، وَيَحْمَدَهُ ثَلاثاً وَثَلاثِينَ وَيُكَبِّرَهُ أرْبَعاً وَثَلاثِينَ، إِلَى غَيرِ ذَلِكَ مِنْ أَذْكَارِ النَّومِ؛ وَهِيَ بِحَمْدِ اللهِ تَعَالَى مُيَسَّرَةٌ فِي كُتُبِ الأَذْكَارِ ، فيَنْبَغِي أنْ يَحْفَظَ الإِنْسَانُ هَذِهِ الأذْكَارَ، وَيُحَافِظَ عَلَيهَا كُلَّ لَيلَةٍ، وَيَجْعَلَ هَذَا الذِّكْرَ آخِرَ مَا يَقُولُ، كَمَا يَنْبَغِي أنْ يُعَلِّمَهَا أَولَادَهُ وَمَنْ تَحْتَ رِعَايَتِهِ، وَقَدْ تَضَمَّنَ هَذَا الذِّكْرَ العَظِيمَ مَعَانِيَ جَلِيلَةٍ؛ يَنْبَغِي لِلمُسْلِمِ أنْ يَتَأمَّلَهَا وَيَسْتَحْضِرَهَا وَهُوَ يَدْعُو بِهِ، تَضَمَّنَ تَمَامَ الانْقِيَادِ لِلهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَصِدْقَ التَّوَكُّلِ عَلَيهِ، وَكَمَالَ الاعْتِمَادِ عَلَيهِ، وَالتَّوَكُّلُ عِبَادَةٌ جَلِيلَةٌ، وَلْيُبْشِرْ مَنْ تَوَكَّلَ عَلَى اللهِ: { وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ }، وَجَاءَ فِي الحَدِيثِ: "لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَـرُوحُ بِطَانًا "، أخرجه الترمذي وصححه الألباني، وجعل الله التوكل عليه شرطاً في الإيمان، قال تعالى: "وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين” (المائدة 23).وقال تعالى:

وتفويض الأمر إلى الله لا ينافي الأخذ بالأسباب التي قدَّر الله المقدورات بها؛ فإن الله كما أمر بالتوكل عليه وتفويض الأمور إليه، أمر كذلك بتعاطي الأسباب بالجوارح، مع توكل القلب عليه وتفويضه الأمر إليه، وهذا ما كان عليه سادات المتوكلين على الله مِن النبيين والمرسلين والصالحين، فإن تفويض الأمور إلى الله مِن أسباب حفظ العبد ووقايته مِن السوء والشرِّ، كما أخبر ربنا عن إنجائه لمؤمن آل فرعون لما مكروا به وأرادوا السوء به، فلجأ إلى الله وفوَّض أمره إليه: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ}[غافر:44-45]
” وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ ": أسندته إليك، كأنه اضطر ظهره إلى ذلك لما علم أن لا سند سواه، اعْتَمَدْتُ فِي أُمُورِي عَلَيْكَ لِتُعِينَنِي عَلَى مَا يَنْفَعُنِي،{فهو نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}[الأنفال:40]، فأنت تُلجئ ظهرك إلى الله، فالتوكل على الله هو شأن الأنبياء والمرسلين، فقد أخرج البخاري في "صحيحه” (4563)،عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ، "قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ ﷺ حِينَ قَالُوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا، وَقَالُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ} [آل عمران: 173]”،ولذلك كان من أهم معاني التوكل على الله ولوازمه: الاستعانة بالله؛ فالمؤمنُ بالله المتوكل عليه يستعينُ بالله دائما في أموره كلها ويُلِحُّ في الدعاء. "إياك نعبد وإياك نستعين” فنحنُ لا نعبدُ إلا إياك ولا نستطيعُ عبودتك إلا بمعونة منك، فأعنّا، فالمؤمنُ يدعو اللهَ تعالى أن يعينَه على طاعتهِ وعلى أمورِ معاشه، والنصوصُ في طلب إعانة الله على فعل الطاعة وطلب النصر كثيرة في الكتاب والسنة، ومن ذلك:قوله تعالى:{ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي}[الأحقاف16]،وقوله:{ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}(الفرقان75)، وقوله تعالى:{رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}[البقرة250]، ومن أدعية السنة:” اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك” أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وفي حديث علي رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله ﷺ:” قل: اللهم اهدني وسددني” أخرجه مسلم، والمتوكل على الله: يثق بالله ويحسن الظن به، فهو يوقن أن الله تعالى يراه ويسمع صوته ويعلم حاله وحاجته، وهو أرحم به من نفسه، فيكون المتوكل على الله صابراً ثابتاً مطمئناً راضياً بما قدره الله تعالى، فقد يُقّدِّرُ اللهُ تعالى ما لا يُريده العبد فيكونُ ظاهرُه الشّر، لكنْ في باطنه وعاقبته الخير العظيم:{وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُون}” (البقرة: 216) فلا يضطرب قلبه ولا ييأس من رحمة الله :{إنَّهُ لَا يَيْأَس مِنْ رَوْح اللَّه إِلَّا الْقَوْم الْكَافِرُونَ}(يوسف 87)، قال ابن رجب في "جامع العلوم والحكم”( ص:635): "واعلم أن ثمرة التوكل الرضا بالقضاء، فمن وكَّل أموره إلى الله، ورضي بما يقضيه له ويختاره، فقد حقق التوكل”.ا.هـ، والمتوكِّلُ على الله: يُفَوِّضُ أمرَه إلى الله، قال الله تعالى عن مؤمن آل فرعون: { وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} (غافر44)، فكان جزاؤُه من الله على هذا التفويض "فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ”(غافر45)، قال ابن رجب في "جامع العلوم والحكم "،(ص: 628):” فإن الله تعالى أمر بتعاطي الأسباب مع أمره بالتوكل، فالسعي في الأسباب بالجوارح طاعة له، والتوكل بالقلب عليه إيمان به”اهـ، ومن نظر في نصوص الكتاب والسنة يجدُها واضحةً في الأمر بالأخذ بالأسباب مع التوكل على الله والاستعانة به، ومن ذلك: أمرُ الله تعالى لنبيه نوح عليه الصلاة والسلام أن يبذل سبب نجاته من قومه فقال تعالى:{فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا}(المؤمنون27)، وأمرُ اللهِ تعالى مريمَ بنت عمران عليها السلام ببذل السبب للحصول على الطعام:{وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا}(مريم 25).

"رَهْبَةً وَرَغْبَةً إِلَيْكَ”:” يجمع بين الرغبة والرهبة، وهذه صفة أهل الإيمان،{ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا}[السجدة:16]، خَوفاً مِنْ عِقَابِكَ، وَطَمَعًا فِي ثَوَابِكَ، وَهَذَا مَا يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ عَلَيهِ المُؤمَنُ، يَعْبُدُ رَبَّهُ جَلَّ وَعَلَا مَحَبَّةً لَهُ وَتَعظِيماً، وَخَوفاً، وَرَجَاءً؛ قَالَ تَعَالَى: { وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا }الأعراف 56 وَقَالَ تَعَالَى:{ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ }الإسراء57 { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ }الأنبياء90 ، لَا بُدَّ أنْ يَجْمَعَ بَينَ الخَوفِ والرَّجَاءِ؛ خَوفٌ لَا يُقَنِّطُهُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، وَرَجَاءٌ لَا يُؤَمِّنُهُ مِنْ عَذَابَ اللهِ.
” لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ”: لَيْسَ لِلعَبْدِ مَلَاذٌ وَلَا مَفَرٌّ وَلَا مَهْرَبٌ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَى اللهِ، قَالَ تَعَالَى: { كَلَّا لَا وَزَرَ، إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ }[القيامة: 11- 12]، { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ}[الرحمن:33]، وَقَالَ تَعَالَى: { فَفِرُّوا إِلَى اللهِ } يَقُولُ السَّعْدِيُّ في” تيسير الكريم الرحمن "،(ص:811):”أيْ: الفِرَارُ مِمَّا يَكْرَهُهُ اللهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، إِلَى مَا يُحِبُّهُ، ظاهرًا وَبَاطِنًا، فِرَارٌ مِنَ الجَهْلِ إلَى العِلْمِ، وَمِنَ الكُفْرِ إِلَى الإِيمَانِ، وَمِنَ المَعْصِيَةِ إِلَى الطَّاعَةِ، وَمِنَ الغَفْلَةِ إِلَى ذِكْرِ اللهِ، فَمَنْ اسْتَكْمَلَ هَذِهِ الأُمُورَ، فَقَدْ اسْتَكْمَلَ الدِّينَ كُلَّهُ وَقَدْ زَالَ عَنهُ المَرْهُوبُ، وَحَصَلَ لَهُ، نِهَايَةُ المُرَادِ وَالمَطْلُوبُ، وَسَمَّى اللهُ الرُّجُوعَ إليهِ، فِرَاراً، لِأَنَّ فِي الرُّجُوعِ لِغَيرِهِ، أنْوَاعُ المَخَاوفِ وَالمَكَارِهِ، وَفِي الرُّجُوعِ إِليهِ، أنواعُ المَحَابِّ وَالأَمْنِ، وَالسُّرُورِ وَالسَّعَادَةِ وَالفَوزِ، فَيَفِرُّ العَبْدُ مِنْ قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، إِلَى قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، وَكُلُّ مَنْ خِفْتَ مِنْهُ فَرَرَتَ مِنْهُ إِلَّا اللهُ تَعَالَى، فَإِنَّهُ بِحَسَبِ الخَوفِ مِنْهُ، يَكُونُ الفِرَارُ إِلَيهِ”،: إنه الله لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه، إذا خط الشيب في العارضين، وكبر السن، ورق العظم، ولا عقب ولا ذرية، فالمتَّجَه الله، والمؤمَّل الله:{وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ[الأنبياء: 89- 90]، فالله هو الملاذ في الشدة، والأنيس في الوحشة، والنصير في القلة:{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)}[فاطر]، والملجأ إليه ملجأ إلى رحيم حليم، وهذا ما شعر به كعب بن مالك مع صاحبيه عندما تخلفوا عن غزوة تبوك ، لما جاء إلى النبي ﷺ يبين سبب تخلفه، قال سعد: فطفقوا [أي الناس] يعتذرون إليه ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلاً، فقبل منهم رسول الله ﷺ علانيتهم، ولما جاء كعبٌ للنبي يعتذر قال: والله يا رسول الله! لو جلست إلى غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أعطيت جدلاً؛ ولكني والله! لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذِبٍ ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك عليّ، ولئن حدثتك حديث صدق تَجِد عليّ فيه إني لأرجو فيه عفو الله، لا والله ما كان لي من عذر، واللهِ ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك، فقال رسول الله ﷺ: "أمَّا هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك”. لماذا صدق؟ لأن لديه يقينا قلبيا بأن مآل الأمر إلى الله -جل وعلا- وحده، وأنه لا ملجأ ولا منجا ولا مفر منه إلا إليه، ولذلك أنزل الله:{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}[التوبة:118]

وكانَ نبيُّنَا أكثرَ الناسِ وأصدَقهمْ في تفويضِ أمرِهِ إلى اللهِ، بلْ إنَّ ذلكَ كانَ مِنْ سجيَّتِهِ وخُلقِهِ، وكانَ دائمًا يُكْثِرُ مِنْ دُعَاءِ ربِّهِ ومولَاهُ: أن يستسلم العبد المؤمن تماماً إلي مولاه وخالقه ، ويفوض أمره اليه ، ويوكله في تدبير شئونه ، ويقف بين يديه وقفة العبد الضعيف ،المستسلم الذليل المنكسر ، راضيا بقضائه ، ومستسلما لحكمه ، قال تعالى:{وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}[الأحزاب:22] ، قال تعالي:{لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا}، أي أنه سبحانه هو المتفرد بالسلطان على الوجود، لا يشاركه أحد، ولهذا كان التعلق به وحده، والتوكل عليه وحده، هو الطريق إلى السلامة، والنجاة،”فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا” إشارة إلى تفويض الأمر لله وحده، وجعله سبحانه هو الوكيل الذي يكل إليه الإنسان أموره، ويفوّض له التصرف فيها وَمِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ الِاسْتِعَاذَةُ، وَهِيَ الِامْتِنَاعُ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالِالْتِجَاءُ إِلَيْهِ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النَّحْلِ: 98] وَقَالَ تَعَالَى: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} [الْمُؤْمِنُونَ: 97- 98] وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الْأَعْرَافِ: 200] وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} [الْفَلَقِ: 1- 2]، وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} [النَّاسِ: 1-4]، وَقَالَ عَنْ كَلِيمِهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: {وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ} [غَافِرٍ: 27] وَقَالَ تَعَالَى عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ} [الدُّخَانِ: 20] ، وقوله: (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ) يعني: أجعله مفوَّضًا إليه -سبحانه- وحده، لا أعتمد على غيره، ولا أرجو إلا إياه، قال الطبري في ” جامع البيان "،(20/335):”وَ يَقُولُ: وَأُسَلِّمُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ، وَأَجْعَلُهُ إِلَيْهِ وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ الْكَافِي مَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ”،وقال ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم”،(7/146):” أَيْ: وَأَتَوَكَّلُ عَلَى اللَّهِ وَأَسْتَعِينُهُ”، فالتفويض بمعنى التوكل على الله، بل هو روحه وحقيقته، قال ابن القيم : “وَأَمَّا التَّوَكُّلُ: فَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ إِلَّا مُجَرَّدَ التَّفْوِيضِ، وَهُوَ مِنْ أَخَصِّ مَقَامَاتِ الْعَارِفِين..”، وقال أيضًا:” وَمِنْ مَنَازِلِ:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] مَنْزِلَةُ التَّفْوِيضِ..، فالتفويض: براءة وخروج من الحول والقوة، وتسليم الأمر كله إلى مالكه، والتَّفْوِيضُ: هُوَ رُوحُ التَّوَكُّلِ وَلُبُّهُ وَحَقِيقَتُهُ. وَهُوَ إِلْقَاءُ أُمُورِهِ كُلِّهَا إِلَى اللَّهِ، وَإِنْزَالُهَا بِهِ طَلَبًا وَاخْتِيَارًا، لَا كَرْهًا وَاضْطِرَارًا، بَلْ كَتَفْوِيضِ الِابْنِ الْعَاجِزِ الضَّعِيفِ الْمَغْلُوبِ عَلَى أَمْرِهِ، كُلَّ أُمُورِهِ إِلَى أَبِيهِ، الْعَالِمِ بِشَفَقَتِهِ عَلَيْهِ وَرَحْمَتِهِ، وَتَمَامِ كِفَايَتِهِ، وَحُسْنِ وِلَايَتِهِ لَهُ، وَتَدْبِيرِهِ لَهُ؛ فَهُوَ يَرَى أَنَّ تَدْبِيرَ أَبِيهِ لَهُ خَيْرٌ مِنْ تَدْبِيرِهِ لِنَفْسِهِ، وَقِيَامَهُ بِمَصَالِحِهِ وَتَوَلِّيَهُ لَهَا خَيْرٌ مِنْ قِيَامِهِ هُوَ بِمَصَالِحَ نَفْسِهِ وَتَوَلِّيهِ لَهَا، فَلَا يَجِدُ لَهُ أَصْلَحَ وَلَا أَرْفَقَ مِنْ تَفْوِيضِهِ أُمُورَهُ كُلَّهَا إِلَى أَبِيهِ، وَرَاحَتِهِ مِنْ حَمْلِ كُلَفِهَا وَثِقَلِ حِمْلِهَا، مَعَ عَجْزِهِ عَنْهَا، وَجَهْلِهِ بِوُجُوهِ الْمَصَالِحِ فِيهَا، وَعِلْمِهِ بِكَمَالِ عَلَمِ مَنْ فَوَّضَ إِلَيْهِ، وَقُدْرَتِهِ وَشَفَقَتِهِ” ، وهذا التفويض مِن العبد لربه يكون في كل أموره وشئونه وأحواله؛ فإن العبد لا يدري ما يكون فيه صلاح أمره أو فساده؛ فربما زاولَ أمرًا واعتقد أن فيه صلاحه وفلاحه، فانقلب فسادًا، وبالعكس؛ ولذلك كان مِن دعاء النبي إذا أصبح وإذا أمسى: "يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِي شَأنِي كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنِي إلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ” ، فسأل ﷺ ربه وفوَّضه في صلاح شأنه كله: في نفسه وبيته وأهله، وكل شيء يتعلق به، وألا يصرف أمره إلى نفسه ويسلمه إليها، ولو (طَرْفَةَ عَيْنٍ) أي: تحريك جفن، وهو مبالغة في القلة!

"وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ فَقَالُواْ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا” (يونس 84-85)قال تعالى:” فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ” (هود 123)، قال ابن القيم في "مدارج السالكين”،(ص :456):”التوكل نصف الدين”، وقال أيضًا :(ص:467) معلقاً على هذه الآية {وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ}(إبراهيم12):” فالعبد آفته إما من عدم الهداية ، وإما من عدم التوكل، فإذا جمع التوكل إلى الهداية فقد جمع الإيمان كلَّه”،{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} هود 6، وفِعْلَ الْأَسْبَابِ لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ بَلْ إنَّهُ طَاعَةٌ لِلهِ وَامْتِثَالٌ لِأَمْرِه؛{ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِــــهِ وَإِلَيْهِ النُّشُـــورُ }[الملك: 15]
فقه وفوائد الحديث:
1-القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، تكلّم به حقيقة، وألقاه إلى جبريل فنزل به على قلب محمد ﷺ، قال الآجري في "الشريعة”،(1/489):” قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: اعْلَمُوا رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ أَنَّ قَوْلَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَمْ يُزِغْ قُلُوبَهُمْ عَنِ الْحَقِّ، وُوُفِّقُوا لِلرَّشَادِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ، وَعِلْمُ اللَّهِ لَا يَكُونُ مَخْلُوقًا، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ، وَقَوْلُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقَوْلُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ "،وقال الطحاوي :” وَإِنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ، مِنْهُ بَدَا بِلَا كَيْفِيَّةٍ قَوْلًا، وَأَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَحْيًا، وَصَدَّقَهُ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى ذَلِكَ حَقًّا، وَأَيْقَنُوا أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى بِالْحَقِيقَةِ، لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ كَكَلَامِ الْبَرِيَّةِ. فَمَنْ سَمِعَهُ فَزَعَمَ أَنَّهُ كَلَامُ الْبَشَرِ فَقَدْ كَفَرَ، وَقَدْ ذَمَّهُ اللَّهُ وَعَابَهُ وَأَوْعَدَهُ بِسَقَرَ حَيْثُ قَالَ تَعَالَى: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} فَلَمَّا أَوْعَدَ اللَّهُ بِسَقَرَ لِمَنْ قَالَ: {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} عَلِمْنَا وَأَيْقَنَّا أَنَّهُ قَوْلُ خَالِقِ الْبَشَرِ، وَلَا يُشْبِهُ قَوْلَ الْبَشَرِ”، ينظر: ” شرح العقيدة الطحاوية”، لابن أبي العز الحنفي(ص:127-128)
2-التوسل إلى الله عزّ وجل بعمل صالح في قضاء الحوائج كتفريج الكربات ومغفرة الذنوب وغيرها، كما قال سبحانه: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ} [آل عمران: 193]، وقال عزّ وجل: {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران: 53]، وقال سبحانه:{الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 16]وقوله سبحانه: {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} [المؤمنون: 109]،وقال عزّ وجل: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 285] ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ جَالِسًا فِي الْحَلْقَةِ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَلَمَّا رَكَعَ وَسَجَدَ فَتَشَهَّدَ، ثُمَّ قَالَ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ، بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، الْمَنَّانُ، يَا بَدِيعَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، إِنِّي أَسْأَلُكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَتَدْرُونَ بِمَا دَعَا اللَّهَ؟ قَالَ: فَقَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الأَعْظَمِ، الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى”، أخرجه أبوداود في "سننه”، ( 1495)،وأحمد في”المسند”،(12638)

6-قال ابن بطال في "شرح صحيح البخاري”،(10/84) ذكر الله مستحب عند النوم ليكون الذكر آخر فعله، وهذا معنى قوله ﷺ :(واجعلهن آخر ما تقول) أى لا تتكلم بعدهن بشىء من أحاديث الدنيا، وليكن هذا الذكر خاتمة عملك، ألا ترى قوله: "فإن مت مت على الفطرة”،ويقول السيوطي: في :”قوت المغتذي على جامع الترمذي”،(2/838):” "مُت على الفطرةِ” أي دين الإسلام ،وقال الكرماني في ” الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري "،(22/128) (آخر ما تقول) أي آخر أقوالك في تلك الليلة وفيه استحباب الوضوء عند النوم ليكون أصدق لرؤياه وأبعد من تلاعب الشيطان به وأما كون النوم على الأيمن فلأنه أسرع إلى الانتباه، فإن قلت ما الفرق بين النبي والرسول قلت الرسول نبي له كتاب وهو أخص من النبي، وقال النووي: لا يلزم من الرسالة النبوة ولا العكس قالوا سبب الرد إرادة الجمع المنصبين وتعداد وقيل تخليص الكلام من اللبس إذ الرسول يدخل فيه جبريل ونحوه وقيل هذا ذكر ودعاء فيقتصر فيه على اللفظ الوارد بحروفه لاحتمال أن لها خاصية ليست لغيرها أقول وهذا الذكر مشتمل على الإيمان بكل ما يجب به الإيمان إجمالا من الكتب والرسل من الإلهيات والنبوات وهو المبدأ وعلى إسناد الكل إلى الله تعالى ذاتًا وصفة وفعلا وهو المعاش وعلى الثواب والعقاب وهو المعاد”،ويقول البِرْماوي:” فيه: استحبابُ الوضوء عند النوم؛ لأنه يكون أصدقَ لرؤياه، وأبعدَ من تلعُّب الشيطان به. وحكمةُ النوم على الأيمن: أنه أسرعُ إلى الانتباه.(وبنبيك الذي أرسلتَ)؛ أي: لأن الفرق بينهما: أن الرسول نبي له كتاب، فهو أخصُّ من النبي،ولا يلزم من الرسالة النبوة، ولا العكس؛ قالوا: وسبب الرد إرادة الجمع بين المعنيين، وتعداد النعمتين، وقيل: تخليص الكلام من اللبس؛ إذ الرسول يدخل فيه جبريلُ ونحوه، وقيل: هذا ذكر ودعاء، فيقتصر فيه على الوارد بحروفه؛ لاحتمال أن له خاصةً ليست لغيره، وهذا الذكرُ مشتمل على الإيمان بكل ما يجب به الإيمان إجمالًا من الكتب، والرسل من الإلهيات والنبوات وهو المبدأ، وعلى إسناد الكل إلى الله تعالى ذاتًا، وصفةً، وفعلًا، وهو المعاش، وعلى الثواب، والعقاب، وهو المعاد ،ويقول ابن رسلان :” في هذا الحديث ثلاث سنن مهمة مستحبة ليست بواجبة: إحداها: الوضوء عند إرادة النوم، وإن كان متوضئًا كفاه ذلك الوضوء؛ لأن المقصود النوم على طهارة؛ مخافة أن يتوفى في ليلته بالموت؛ كما قال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}، فلما كان النوم قد يحصل فيه الموت ندب أن يستعد له بالطهارة، وليكون أصدق لرؤياه، وأبعد من تلعب الشيطان به في منامه وترويعه إياه، الثانية: النوم على الشق الأيمن؛ لأن النبي ﷺكان يحب التيامن فيجميع أموره؛ ولأنه أسرع للانتباه، ويكون على الهيئة التي يموت عليها ويوضع في القبر عليها.

قوله ﷺ: "فإن مت من ليلتك مت على الفطرة وإن أصبحت أصبت خيراً .. ” أي إن قدر الله وفاتك فتكون قد توفيت على الفطرة أي على الإسلام والإيمان ، وهذا ما يثبت أيضاً رأفة ورحمة النبي الكريم الذي يدل أمته على الخير كله ويحذرها من الشر كله { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)}[التوبة] ، فلقد سن رسول الله ﷺ أوراداً ثابتة نداوم عليها في مواطنها التي خصها، وبهيئتها المشروعة؛ لأن فيها من المنافع شيئاً عظيم ، ففيها متابعته ﷺ في سنته، وهي من الأوامر التي نص عليها القرآن: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا{[الأحزاب:21]، وفيها التزام أفضل العبادات وهو ذكر الله، يقول تعالى:{ياأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}[الأحزاب:41-42]،وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ”؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: "ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى” قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: "مَا شَيْءٌ أَنْجَى مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ” ، ومن هذه الأذكار هذا الذكر عند النوم، قال الطيبي:، الكاشف عن حقائق السنن (6/1875)وقوله: "إذا أويت إلي فراشك فتوضأ”، مثل قوله تعالي:{ إذا قمتم إلي الصلاة فاغسلوا}، أي إذا أردت أن تجعل فراشك مكان نومك فتوضأ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي ذِكْرِ اللَّهِ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ وَشِبْهِهَا مِنْ الْأَذْكَارِ، وَهَذَا جَائِزٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُكْرَهُ الذِّكْرُ فِي حَالَةِ الْجُلُوسِ عَلَى الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، وَفِي حَالَةِ الْجِمَاعِ،فَيَكُونُ الْحَدِيثُ مَخْصُوصًا بِمَا سِوَى هَذِهِ الْأَحْوَالِ، وَيَكُونُ الْمَقْصُودُ أَنَّهُ ﷺ كَانَ يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى مُتَطَهِّرًا وَمُحْدِثًا وَجُنُبًا وَقَائِمًا وَقَاعِدًا وَمُضْطَجِعًا وَمَاشِيًا، قَالَهُ النَّوَوِيُّ، وقد أمر الله تعالى بذكره في كثير من آيات القرآن الكريم فهو يقول: {فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا} [البقرة 200] ويقول {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا} [الأحزاب 41، 42] ويقول {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله} [النور 37]، ويحذر جل شأنه كثيرا من الغفلة عن ذكره فيقول {إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون} [المائدة 91] ويقول {فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين} [الزمر 22] ويقول {ومن يعش عن ذكر الرحمان نقيض له شيطانا فهو له قرين} [الزخرف 36] ويقول {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله} [الحديد 16] ويقول {استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون} [المجادلة 19] ويقول {يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون} [المنافقون 9] ويقول {ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا} [الجن 17] ويقول {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى} [طه 124]، وذكر الله بالقلب ميسور في كل حال وباللسان كذلك وقد يسر الله تعالى الذكر بالقرآن الكريم وعلمنا ﷺ نماذج من الذكر الجميل والتسبيح والتهليل والتكبير والدعاء الجليل فهنيئا للذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما ،ففِي هَذَا الحَدِيثِ جُمْلَةً مِنْ آدَابِ النَّومِ، وَجُمْلَةً مِنْ الدَّعَوَاتِ المُبَارَكَةِ؛ فَمِنْ ذَلِكَ: النَّوْمُ عَلَى طَهَارَةٍ، وَأَنْ يَكُونَ عَلى شِقِّهِ الأَيْمَن، وَأنْ يَأتِيَ بِهَذَا الذِّكْرِ، يَقُولُ ابنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ: وَلَهُ فَوَائِدُ:

3-الطريقة العملية للحفظ: كان الرسول ﷺ يعلم الصحابة تعليماً عملياً فيردد الصحابي أمام الرسول بطريق الترديد والتسميع بقصد التصحيح ، فقد حث على شيئين: الأول أن يسارع كل واحد منا على حفظ هذا الذكر، والعبرة ليست في ترديد الأذكار دون استشعارها والتفكر في معانيها؛ لأن التفكر هو الذي يحدث التأثير في القلب، ويزيد الإيمان، فتذكر أن تحضر قلبك عند كل ذكر بقدر استطاعتك، قال ﷺ في ختام الدعاء: "آمنتُ بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت”. من مقتضيات الإيمان بالنبي ﷺ الحرص على هديه وسنته، فالذي لا يحفظ هذا الدعاء ينبغي أن يبادر إلى حفظه، ففيه خير كثير لا يعوض، ولذلك نرى حرص البراء بن عازب في سرعة مبادرته في حفظ الدعاء قبل أن ينصرف من عند النبي ﷺ عندما قال: فقلت أستذكرهن، وأعاد الدعاء كاملا، إلا أنه أخطأ وقال: برسولك الذي أرسلت. فقلت أستذكرهن أي أتحفظهن أمام النبي ﷺ في ذلك الموقف، كيف لا؟ وقد ضمن النبي لمن ردده قبل نومه الموت على الإسلام، "فإن مُتَّ مُتَّ على الفطرة”.
4-هذا الدعاء العظيم تضمن من المعاني والإقرارات ما يحتاجه كل مؤمن قبل أن يلقى الله -جل وعلا-، ففيه التوكل واليقين، والخوف والرجاء، والتسليم والتعظيم، والرغبة والرهبة، والإقرار بالقرآن، والإقرار بالنبوة ، وقال الطيبي: ” في هذا النظم عجائب وغرائب لا يعرفها إلاَّ المتقن من أهل البيان، فقوله:” أسلمتُ نفسي ” إشارة إلى أنَّ جوارحه منقادَة لله تعالى في أوامره، ونواهيه، وقوله: ” وَجَّهْتُ، وجْهِي ” إلى أنَّ ذاته، وحقيقته مخلصة له بريئة من النفاق، وقوله: ” وَفوَّضْتُ ” إلى أنَّ أمُوره الخارجة، والداخلة مفوضة إليه، لا مدبر لها غيره، وقوله: ” ألجأتُ ظَهرِي إليكَ "بعد قوله: ” وفوَّضتُ أمري ” أي أنه بعد تفويض أموره التي مفتقر إليها وبها معاشه وعليها مدار أمره يلجأ إليه مما يضره ويؤذيه من الأسباب الداخلة، والخارجة، ثم قوله: "رغبةً ورهبةً” منصوبان على المفعول له على طريقة اللف، والنشر؛ أي:” فوَّضت أمري إليك ” رغبةً، و”ألجأت ظهري” من المكاره والشدائد إليك، رهبةً منك؛ لأنه لا ملجأ، ولا منجى مِنْكَ إلاَّ إليْكَ”، وقوله:” رغبةً، ورهبَةً إليكَ ” من باب قوله: متقلدًا سيفًا ورمحًا و” ملجأ ” مهموز، و” منجا ” مقصُور، هُمَز للازدواج ” انتهى من "الكاشف عن حقائق السنن”،(6/1874)
5-قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري”،(11/113): ” قد رواه أحمد، والنسائي بلفظ: ” رهبةً منك، ورغبةً إليك ” وزاد النسائي في أوله: ” بسمِ اللهِ "، قال البراءُ، فقُلتُ: ” ورسُولك الذي أرْسلتَ فطعَن بِيدِهِ في صدري ” لفظ النسائي: "فوضع يده في صدري ثم قال: ونبيِّك الذي أرسلتَ” في رواية، فقال: "قل ونبيِّك”، قال في فتح الباري: ” أولى ما قيل في الحكمة في رده ﷺ، على من قال: ” الرسُول ” بدل "النبي” أنَّ ألفاظ الأذكار توقيفية، ولها خصائص، وأسرار لا يدخلها القياس، فيجب المحافظة على اللَّفظ الذي وردت به وهذا اختيار المازري، قال: فيقتصر فيه على اللَّفظ الوارد بحُروفه، وقد يتعلق الجزاء بتلك الحروف، ولعله أوحى إليه بهذه الكلمات فيتعيَّن أداؤها بحروفها ".
وقيل: الحكمة في الاضطجاع على اليمين أن يتعلق القلب إلى الجانب الأيمن فلا يثقل النوم، الثالثة: هذا الدعاء: اللهم (أسلمت وجهي إليك) وفي رواية للصحيحين: "أسلمت نفسي إليك” قال العلماء: الوجه في النفس هنا الذات، ومعنى أسلمت: سلمت، أي: سلمتها إليك وجعلتها منقادة لك طائعة لحكمك، إذ لا قدرة لي على تدبيرها، ولا على جلب ما ينفعها، ودفع ما يضرها، بل أمرها إليك مسلم، تفعل فيها ما تريد، (وفوضت أمري إليك) أي: توكلت في أمري كله، لتكفيني همه وتتولى إصلاحه (وألجأت ظهري) أي: أسندته (إليك) في جميع أموري كلها ؛ لتقويه وتعينه، كما يعتمد الإنسان بظهره إلى ما يسنده، وكل من استند إلى شيء تقوى به، واستعان (رهبة ورغبة) وفي الصحيحين: "رغبة ورهبة” بتقديم الرغبة على الرهبة، وهو أولى، والمعنى: طمعًا في رفدك وثوابك وخوفًا منك، ومن أليم عقابك و (رغبة) و (رهبة) منصوبان على المفعول له، أي: لأجل الرغبة فيما عندك والرهبة من عقابك (إليك) دون غيرك.(لا ملجأ) بهمز آخره، أي: لا اعتصام بحصن ولا بمخلوق (ولا منجى) بألف ساكنة دون همز، أي: لا مخلص من الهلاك والشرور(إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت) وهو القرآن، وكذا الإيمان بما نزل قبله من الكتب على الرسل واجب (ونبيك الذي أرسلت) في هذا جزاء له من حيث صيغة الكلام، وفيه جمع بين النبوة والرسالة، فإذا قال: رسولك الذي أرسلت، فات هذان الأمران مع ما فيه من تكرير لفظ (رسول) و (أرسلت) وأهل البلاغة يعيبونه.(قال: فإن مت مت على الفطرة) أي: على دين الإسلام، كما قال في الحديث الآخر: "من كان آخر كلامه لا إله إلا اللَّه دخل الجنة”، (قال: واجعلهن آخر ما تقول) عند النوم.(قال البراء) بن عازب (فقلت: أستذكرهن) يوضحه رواية مسلم: فرددتهن لأستذكرهن، فيه فائدة عظيمة من يلهم العمل بها، وهو أن من سمع شيئًا من كلام رسول اللَّه ﷺ أو بعض الحكماء أو العلوم النافعة، أن يردده في نفسه؛ ليثبت في حفظه ويرسخ، بخلاف من سمع شيئًا وتركه فكأنه لم يسمعه، و آمنت (برسولك الذي أرسلت. قال: لا. ونبيك الذي أرسلت) اختلف العلماء في سبب إنكاره -عليه السلام- ورده اللفظ؛ قيل: إنما رده؛ لأن قوله: آمنت برسولك. يحتمل غير الرسول من حيث اللفظ، واختار المازري وغيره أن سبب الإنكار أن هذا ذكر ودعاء، فينبغي الاقتصار على اللفظ الوارد بحروفه، وقد يتعلق الجزاء بتلك الحروف، ولعله أوصى إليه ﷺ بهذِه الكلمات، فيتعين أداؤها بحروفها ،قال النووي: وهذا القول حسن. وقيل: لأن قوله: (ونبيك الذي أرسلت) فيه جزالة من حيث صنعة الكلام
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى انْتِهَائِي … كَمَا حَمِدْتُ اللَّهَ فِي ابْتِدَائِي، أَسْأَلُهُ مَغْفِرَةَ الذُّنُوبِ … جَمِيعِهَا وَالسَّتْرَ لِلْعُيُوبِ
ثُمَّ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَبَدَا … تَغْشَى الرَّسُولَ الْمُصْطَفَى مُحَمَّدَا، ثُمَّ جَمِيعَ صَحْبِهِ وَالْآلِ … السَّادَةِ الْأَئِمَّةِ الْأَبْدَالِ
تَدُومُ سَرْمَدًا بِلَا نَفَادِ … مَا جَرَتِ الْأَقْلَامُ بِالْمِدَادِ، ثُمَّ الدُّعَا وَصِيَّةُ الْقُرَّاءِ … جَمِيعِهِمْ مِنْ غَيْرِ مَا اسْتِثْنَاءِ
من ختام "سلم الوصول إلى علم الأصول”، لحافظ الحكمي ، ينظر :” معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول”،(3/1244)
الحواشي:
– أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الحياة الجديدة ، عصر الثلاثاء: 2 من ذو القعدة 1441ه ، 23 من يونيو2020م
– مستلةً من مقدمة البيضاوي لكتابه:” تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة”،(1/3)
يقول الراغب: الذكر: تارة يقال ويراد به: هيئة للنفس بها يمكن للإنسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة، وهو كالحفظ إلا أن الحفظ يقال اعتبارا باحترازه، والذكر يقال اعتبارا باستحضاره. وتارة يقال لحضور الشيء القلب أو القول. ولذلك قيل منهما ضربان: ذكر عن نسيان. وذكر لا عن نسيان، بل عن إدامة الحفظ”، وأما معنى الذكر في الشرع فهو كل قول سيق للثناء والدعاء. أي ما تعبّدنا الشارع بلفظ منّا يتعلق بتعظيم الله، والثناء عليه، بأسمائه وصفاته، وتمجيده وتوحيده، وشكره وتعظيمه، أو بتلاوة كتابه، أو بمسألته ودعائه. [ينظر:” المفردات في غريب القرآن”،(ص:328)،و”الفتوحات الربانية”،(1/ 18) ] .
-سَببه عَنهُ قَالَ قَالَ لي النَّبِي ﷺ إِذا أتيت فَذكره،”البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف”،(1/48)
– أخرجه أبوداود في "سننه”،(5047 )،بلفظ: قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ وَأَنْتَ طَاهِرٌ فَتَوَسَّدْ يَمِينَكَ”.
-يقول ابن الأثير في "النهاية”،(3/479) :” فَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ ” أَيْ : رَدَدْتُهُ ، يُقَالُ : فَوَّضَ إِلَيْهِ الْأَمْرَ تَفْوِيضًا إِذَا رَدَّهُ إِلَيْهِ وَجَعَلَهُ الْحَاكِمَ فِيهِ .
-يقو ل ابن الأثير في "النهاية”،(2/280):”رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ الرَّهْبَةُ : الْخَوْفُ وَالْفَزَعُ ، جَمَعَ بَيْنَ الرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ ، ثُمَّ أَعْمَلَ الرَّغْبَةَ وَحْدَهَا ".
– ثم انظر إلى لفظ” رسوله” في قوله: {لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ورَسُولِهِ} في مقام الاحتذاء على أمثلة الكتاب والسنة؛ لتقف على سر قوله ﷺ: "لا، والنبي الذي أرسلت”، فلما بلغت: "آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت”، قلت: "ورسولك”، قال: "لا، ونبيك الذي أرسلت”، "إنما رد عليه ليختلف اللفظان، ويجمع له الثنائين؛ معني النبوة والرسالة، ويكون تعديدًا للنعمة في الحالتين، وتعظيمًا للمنة على الوجهين. والرسول أخص من النبي، لأن كل رسول نبي، وليس كل نبي رسولًا، وقيل: النبي: مشتق من النباوة، وهو الشيء المرتفع”، وقلت: هذا المعنى أنسب فيما نحن بصدده، والله أعلم.انتهي من ” فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب”،(14/445)
– أخرجه البخاري في "صحيحه” (1 / 58) برقم: (247) ، ومسلم في "صحيحه” (8 / 77) برقم: (2710)
-قال الهيثمي في "مجمع الزوائد”، (10/177)،(17055)،:رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَفِيهِ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، وَقَدِ اخْتَلَطَ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ،وقال البوصيري في ” إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة”،(6/403):” هَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ”.
-"المصنف "، لعبد الرزاق ،(11/ 39)،(19844)
-"المنهاج في شعب الإيمان”،(2/ 271)،و” زاد المعاد في هدي خير العباد "،(4/ 219)،و”الطب النبوي”،(ص:182-183)
– خُصَّ الجانب الأيمن لفوائدَ؛ منها:أنه أسرع إلى الانتباه، وأن القلب متعلِّق إلى جهة اليمين، فلا يثقل بالنوم، قَالَ ابن الْجَوْزِيِّ هَذِهِ الْهَيْئَةُ نَصَّ الْأَطِبَّاءُ عَلَى أَنَّهَا أَصْلَحُ لِلْبَدَنِ قَالُوا يَبْدَأُ بِالِاضْطِجَاعِ عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ سَاعَةً ثُمَّ يَنْقَلِبُ إِلَى الْأَيْسَرِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ سَبَبٌ لِانْحِدَارِ الطَّعَامِ وَالنَّوْمُ عَلَى الْيَسَارِ يَهْضِمُ لِاشْتِمَالِ الْكَبِدِ عَلَى الْمَعِدَةِ. نقلًا عن ابن حجر في "فتح الباري”،(11 /110).
– عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺقَالَ: ” يُنَادِي مُنَادٍ: إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلَا تَسْقَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلَا تَمُوتُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلَا تَهْرَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلَا تَبْأَسُوا أَبَدًا ” فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 43]”، أخرجه مسلم في "صحيحه”، (2837)
-"الطب النبوي”،(ص:182)
– "زاد المعاد في هدي خير العباد”، لابن القيم، (4/ 219)،و” الآيات الكونية دراسة عقدية”،(ص:511)
– أخرجه النسائي في "الكبرى” (10623) ، ضعيف الإسناد موقوفاً ، فيه عنعنة أبي الزبير، وروي مرفوعاً "التعليق الرغيب” (1/ 210) .
– يقول الطبري في "جامع البيان "،(18/726):” وَقَوْلُهُ : { فَلَهُ أَسْلِمُوا } يَقُولُ : فَلِإِلَهِكُمْ فَاخْضَعُوا بِالطَّاعَةِ ، وَلَهُ فَذِلُّوا بِالْإِقْرَارِ بِالْعُبُودِيَّةِ”.
-ينظر:” مدخل لدراسة العقيدة الإسلامية”،(ص:42)،” مباحث العقيدة في سورة الزمر”،(ص:246)
– ينبغي اللجوء إلى الله دائماً؛ لقوله تعالى: {إلا بإذن الله}[البقرة:65]؛ فإذا علمت أن كل شيء بإذن الله فإذاً تلجأ إليه سبحانه وتعالى في جلب المنافع، ودفع المضار. ينظر:” الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية”،(3/74)
– من لوازم النفس البشرية وخصائصها الضعف أمام المغريات وأمام عوامل الإثارة للغضب، وأن عاصمها من ذلك هو اللجوء إلى الله والالتزام بهديه، وقد شرع سبحانه التوبة ليستجلب بها أعظم أسباب سعادة العبد، وهو اللجوء إلى الله والاستعانة به، كما يستجلب بها أنواع الدعاء والتضرع والابتهال والفاقة والمحبة والخوف والرجاء، فتقرب النفس من خالقها قربا خاصا لم يكن ليحصل لها بدون التوبة واللجوء إلى الله.
ينظر:” الإسلام أصوله ومبادؤه”، (2/156)،و” الوحي والإنسان – قراءة معرفية”،(ص:14)
-ينظر:” نبذة في العقيدة الإسلامية”،(ص:42) ، و شرح الحديث، موقع أ.د خالد بن عثمان السبت.
– أخرجه مسلم في "صحيحه”،(486)،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: فَقَدْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ لَيْلَةً مِنَ الْفِرَاشِ فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ يَقُولُ: "اللهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ”
-ينظر:” شفاء الضرر بفهم التوكل والقضاء والقدر”،(ص:48)،و” تقريب التدمرية”،(ص:103-104)
-” التفسير القرآني للقرآن”،(15/1258)
-” معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول”،(2/451)
-” مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين”،(2/136-141)
– عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ: ” مَا يَمْنَعُكِ أَنْ تَسْمَعِي مَا أُوصِيكِ بِهِ، أَنْ تَقُولِي إِذَا أَصْبَحْتِ وَإِذَا أَمْسَيْتِ: يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ ” الحديث أخرجه النسائي في "الكبرى”،( 10330)
– فالمؤمن مقر بافتقاره إلى الله في كل لحظة عين، ومن كان شاكرا لأنعمه ذاكرا لآلائه في حال الرخاء والشدة معا، يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها، ولا يمل دعاءه ولو لأدنى حاجاته، وبالجملة هو مشاهد لحقيقة افتقاره إلى مولاه يدعوه صباحاً ومساء بما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة رضي الله عنها: "يا حي يا قيوم برحمتك استغثت، أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين”.
ينظر:” ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي”،(ص:122)
-” محاسن التأويل”،(6/428) ،و” سد الذرائع في مسائل العقيدة على ضوء الكتاب والسنة الصحيحة”،(1/285)
-الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك وتيب عليهم هم: كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع رضي الله عنهم أجمعين.ينظر قصتهم في "صحيح مسلم” (4/2120-2128)
-"تيسير التفسير”،(2/173-175)
– وتفضل – سبحانه – بالعفو عن الرجال الثلاثة الذين تخلفوا عن الخروج فى غزوة تبوك – لا عن نفاق منهم – وكان أمرهم مرجأ إلى أن يبين اللَّه حكمه فيهم، فلما كانت توبتهم خالصة، وندمهم شديدا؛ حتى شعروا بأن الأرض قد ضاقت عليهم على رحبها وسعتها، وضاقت عليهم نفوسهم هما وحزنا، وعلموا أنه لا ملجأ من غضب اللَّه إلا باستغفاره والرجوع إليه، حينئذ هداهم اللَّه إلى التوبة، وعفا عنهم، إن اللَّه كثير القبول لتوبة التائبين، عظيم الرحمة بعباده. ينظر:”المنتخب في تفسير القرآن الكريم”،(ص:281)
-ينظر: "الطب النبوي”، (1/80)
-ينظر:” لمعة الاعتقاد”،(ص:7)،و”معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول”،(1/365)
– يراجع بالتفصيل هذه المسألة في "الرسل والرسالات "، (ص: 15-26)
-ينظر:”جامع الأصول في أحاديث الرسول”،(4/261) ،و” شرح مصابيح السنة”، ابن المَلَك ،(3/169)،و” منحة الباري بشرح صحيح البخاري”،(9/359)،و”التوشيح شرح الجامع الصحيح”،(8/3778)
-” التوصل إلى حقيقة التوسل – المشروع والممنوع”،(ص:116-118)
-يراجع ذكر الله وفوائده في ": الوابل الصيب من الكلم الطيب”،(ص:36-87)
– أخرجه الترمذي في "جامعه”،(3377)،وقال الألباني: صحيح
-ينظر:”فتح المنعم شرح صحيح مسلم”،(10/272)
– يراجع أذكار النوم في:”الوابل الصيب من الكلم الطيب”،(ص:96-99) ، و”حِصن المسلمِ مِن أذكار الكتاب والسُّنة”،(ص:76)
– التوكل على الله هو صدق اعتماد القلب على الله في جميع الأمور، مع بذل الأسباب المشروعة، قال ابن رجب في "جامع العلوم والحكم”،( ص 628):” وحقيقة التوكل هو صدقُ اعتمادِ القلب على الله عز وجل في استجلابِ المصالحِ ودفعِ المضارِ من أمور الدنيا والآخرة كلها”اهـ، وقَالَ السَّعْدِيُّ في "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان”،(ص:869)في معني التوكل : أيْ: فِي أمْرِ دِيْنِهِ وَدُنَيَاهُ، بِأنْ يَعْتَمِدَ عَلَى اللهِ فِي جَلْبِ مَا يَنْفَعُهُ، وَدَفْعِ مَا يَضُرُّهُ، وَيَثِقَ بِهِ فِي تَسْهِيلِ ذَلَكَ { فَهُوَ حَسْبُهُ } أيْ: كَافِيهِ الأمْرَ الذِي تَوَكَّلَ عَلَيهِ بِهِ، وَإِذَا كَانَ الأَمْرُ فِي كَفَالَةِ الغَنِيِّ القَوِيِّ العَزِيزِ الرَّحِيمِ، فَهُوَ أقْرَبُ إِلَى العَبْدِ مِنْ كُلِّ شَيءٍ…”.
– يَقُولُ ابنُ كَثِيرٍ في ” تفسير القرآن العظيم”،(8/179):” أَيْ: فَسَافِرُوا حَيْثُ شِئْتُمْ مِنْ أَقْطَارِهَا، وَتَرَدَّدُوا فِي أَقَالِيمِهَا وَأَرْجَائِهَا فِي أَنْوَاعِ الْمَكَاسِبِ وَالتِّجَارَاتِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ سَعْيَكُمْ لَا يُجْدِي عَلَيْكُمْ شَيْئًا، إِلَّا أَنْ يُيَسِّرَهُ االلهُ لَكُمْ ".
-” التوسل في كتاب الله عز وجل”،(ص:55-60)
-” تقويم أساليب تعليم القرآن الكريم وعلومه في وسائل الإعلام”،(ص:34)
-"اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح”،(15/351)
-ينظر:”إِكمَالُ المُعْلِمِ بفَوَائِدِ مُسْلِم”،(8/208)،و”دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين”،(5/294)
-"اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح”،(15/351)
-"شرح سنن أبي داود”،(19/254-257)،ويراجع: "المعلم بفوائد مسلم”،( 2/ 408)،و "شرح مسلم”،( 17/ 33)

Leave a Reply

avatar
3000
  Subscribe  
Notify of