ولد الفيروس الجائح في الصين و وصل إلى جميع أنحاء العالم منتقلا ومسافرا عبر الطائرة في داخل الجسم الإنساني وباطنه بدون تذكرة مختفيا عن شعور الناس وإحساسهم حتى وصل إلى بلد الهند أيضا وفي بداية الأزمة لم يستوعب الناس مخاطرها، واستمروا في أشغالهم اليومية، يتاجرون ويجتمعون و يسافرون، ولم يبالوا بسرعة انتشار الفيروس وتفشيه وضرره الذي لحقهم، ولم يأخذوا العبرة ممن البلدان التي انتشر فيها الوباء كالدول الغربية، فقد وقفت عاجزة أمام الأزمة مع امتلاكهم لمقومات كبيرة في القطاع الصحي، وبالتالي أحست الحكومة الهندية بخطورة الفيروس وانتشاره بين الناس فأصدروا قانوناً رسمياً بحظر التجول كلياً في كافة أنحاء البلد حتى لا ينتشر الوباء من فئة إلى فئة أخرى ومن الشمال إلى الجنوب ومن الغرب إلى الشرق، فصار الناس محصورين أينما كانوا سواء داخل البيت أو خارجه بسبب الوظيفة أو الزيارة التجارية أو العائلية في مختلف الولايات.
وفي إطار هذه البيئة، سمعت قصة عن فتى كان في عنفوان المحبة مع زوجته التي لم يبن عليها حتى الآن وهي بنت عمه الذي كان يسكن مع عياله في قرية أخرى بعيدا عن بيته خمسة كيلو ميتر، ولما سمع الفتى بخبر حظر التجول الكلي الذي أصدره رئيس الوزراء الهندي ولم يمنح الفرصة للمواطنين إلا أربع ساعات فقط، لذا اشتد حزنه وألمه على فراق حبيبته التي كان يتردد إليها أكثر من مرة ويتبادل معها مشاعر الحب العذري الجميل، مباشرة أخذ الهاتف من جيبه واتصل بها ولكن للأسف الشديد ما وجد ردا ، ازداد قلقه وبدأ عقله يفكر في اضطراب شديد، لماذا لم ترد، هل أصابها شيء، قطع تفكيره المنزعج و حاول مرة أخرى الاتصال بها ، وبعد رنين طويل سمع صوتا نحيفا ضئيلا، حبيبي …… ومكث صوتها الرخيم (وضعت المكالمة في قيد الانتظار بسبب بكائها لكي لا يسمع حبيبها العزيز) فتحير الفتى بقطع هجسها الخفي فقد كانت المكالمة جارية و بعد هنيهة سمع صوتها اللين المنتظر برغبة شديدة "حبيبي، يا روح قلبي، كيف يتحقق لقاؤنا الجميل وهمسنا الجذاب لا استطيع النوم بدون لقائك الحنون والعطوف.
أجابها قائلا : صبرا في سبيل الحب يا حبيبتي الغالية، فالحب ليس له معنى ولا قدر بدون المشقة والمعاناة ، فمن لم يتحمل شدة الأذى والأسى في سفر الحب فإنه لن يجد حلاوة المحبة الحقيقة وشعورها الباطني وهيجانها وثورانها وارتياحها الداخلي.
نعم يا حبيبي، صدقت في قولك ولكن لا أقوى على الصبر الذي يحزنني على فراقك ولا أحس براحة قلبي واطمئنانه دون رؤيتك فأنا مشتاقة يا قرة عيني.
حُبي الخالص لكِ يا عزيزتي الغالية، جاءت لدي فكرة جميلة وحسنة غير مضرة. نخرج في جولتنا الصباحية المبكرة بعد صلاة الفجر إلى ضِفة الجسر الذي يجري تحته نهر يصل إلى الحقول الخضراء المليئة بالحنطة والشعير والذرة في وسط الطريق بيننا، وفي جواره الأشجار الكثيفة ذات الأزهار والفواكه ذات الألوان المختلفة.
نعم يا حبيبي طول عمري، هذا الموضع الذي كنت أتردد إليه مع أبي المحترم فحقول الذرة لنا وكنت أقوم بتوصيل الفطور والغداء إلى عمالنا المخلصين الذين يزرعون لنا مع المراقبة والحراسة اليومية من الصباح حتى المساء.
حبيبتي يا فؤاد قلبي، والدي المخلص يدعوني للمشاورة حول الإجراءات والشروط الاحترازية والوقائية من الفيروس المنتشر القاتل وكيف تكون الحياة اليومية في ظل كورونا المستجد خلال حظر التجول الكلي.
سامحيني للمقاطعة يا رفيقة حياتي، اعتني بصحتك وحافظي على نفسكِ من هذا الفيروس الخطير وإن شاء لله نلتقي غدا الصباح الباكر حسب محادثتنا الجميلة. نعم يا حبيب قلبي، وعليكَ الاعتناء والاهتمام التام بصحتك ولا تلتقي مع فرد أجنبي وخذ مسافة آمنة من الآخرين لكي لا يضرك ولا تضره أيضا.
شكرا إلى اللقاء ، نعم شكرا إلى اللقاء ، مع السلامة …….تبادلا القبلة عبر الجوال.
حسب الميعاد في الصباح الباكر إثر صلاة الفجر، خرج الفتى ماشيا إلى الجسر الذي يقع وسط الطريق من بيتهما، كان يغني ويتخطى سريعا للقاء رفيقته بعد انتظاره الطويل ليلا فقد بات يفكر إلى الفجر ولم ينم جيدا.
الفتاة الحنونة والعطوفة سهرت طوال الليل داعية الله سبحانه تعالى أن ينقضي الليل بسرعة ولكن طال الليل بانتظارها ونامت قبيل الفجر بساعة أو نصف ساعة، بعد فترة وجيزة نادتها أمها الحنونة يا ابنتي استيقظي للصلاة حتى لا تفوتك. استيقظت من نومها العميق قائلة، الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور، الشكر لله ثم لأمي لإيقاظها لي من النوم وإلا كنت نائمة غافلة عن الله وعن حبيبي الغالي الذي سينتظرني عند الأشجار الخضراء بعد ساعة.
بعد صلاة الفجر، تهيأت الفتاة وتزينت بأحسن ملابسها الفاخرة وحليها اللامعة لزيارة محبها مستخفية عن أمها، خرجت بهدوء قائلة ” أمي أنا ذاهبة لوقت قليل في جولة صباحية، فقالت: نعم اهتمي بنفسك، أجل يا أماه.
مشت بسرعة إلى المنزل المقصود، قابضة رداءها الجميل لكي لا يخرب من الطين، تفوح منها العطور التي يجذب نظر المار إليها ولكن الطريق كان خاليا من الناس بسبب الأزمة، قطعت الطريق بسرعة حتى قربت من الجسر وبقيت عدة خطوات.
الفتى الذي وصل المنزل قبلها كان ينتظرها برغبة شديدة وبقيَ قائما يحدِّق ببصره إلى الطريق الذي تأتي منه حبيبته المشتاقة وإذ بها تظهر من الأمام تتخطى بسرعة بدون النظر إلى اليمين ولا اليسار حتى اقتربت منه وما بقيت إلا مسافة قصيرة. شعر بفرحة وسرور وغبطة لرؤيتها وبسط ذراعيه لاستقبالها بابتسامة لامعة وضمها إلى صدره وعانقها بحنان وعناية وقتا طويلا وهي تتنفس وتتنهد في حضنه من مشيها السريع ، أدمجته الفتاة وألصقته بقوة إلى ثديها وأدخلت نفسها عليه تماما وارتاحت وهمست يا حبيبي كم اشتقت إليك فقد مرّ الأمس عليَّ كأنه سنة طويلة. نعم يا حبيبي وربت يده اليمنى على ظهرها بمحبة وشفقة وقال ما أحلى الوقت الآن تحت غيوم السماء في ضفة الجداول التي تخرج من النهر وتصل إلى وسط الحقول لتسقيها، ونسيم الصبا الجميل يمر بنا برائحته الطيبة التي تطيب أرواحنا وأرواح الناس وتعطي لذة العيش والحياة للعاشقين مثلنا كم أحس بلذة وراحة قلب في حضنكِ يا حبيبتي.
يا حبيبتي مسرّحا عن ذراعيه، لنجلس هناك تحت تلك الشجرة الغضة ذات الأزهار التي تسقط على الجالسين من حركة الريح الشديدة، تحتها تلك الشجرة الخضراء الناعمة التي تجذب نظر الجلوس بملمسها اللين، نعم يا رفيقي، لنستريح هناك لنتحدث عن مشاعر حبنا وعن كيف كان انتظارنا ليلة أمس عند سماع الخبر المنحوس.
مشى الفتى إلى تلك الشجرة الوراقة الخضراء واضعاً يدَه على عنقها الطويلة اللينة كعنق الظبي، متحدثا عن كيفية انتظاره أمس، تارة يقبل عنقها الطويل وتارة خدها الأحمر، حتى وصلا تحت الشجرة المكثفة ذات الأزهار المفتحة العطرة، والنهر يجري إلى طرف الحقول من جانبها الأيمن.
جلسا بهدوء وسكينة أمام بعضهما، شرعا يتحدثان حديث عن حبهما العذري مع امعان كل منهما النظر إلى الآخر ، قرُب الفتى إليها واستمد يداها المزينة بالحلي إليه وأخذ يداعب أصابعها اللينة باللمسة والقبلة، والفتاة أخفت نظرها بالخجل فقربها الفتى إليه واستلقاها على فخذيه و استرسل شعرها الطويل الناعم المستقيم على صدرها من خلفها، بدأت تخرج تنهدات عميقة، قبّلها الفتى على شفتيها المحمرة وجبينها العريض ووجنتها البيضاء التي تميل إلى الحمرة، وتلذذا بتبادل القبلات ونسيم الصبا جعلهما يشعران براحة القلب وجمال الحب وروعته .
صار الجو رائعا وممتعا في هذا الوقت بتغريد الطيور بمختلف أصواتها المطربة تحلق من غصن إلى غصن آخر، وخرير الجداول المريح لنفوس الناس وهو ينسكب من الأعلى إلى أسفل الحقول، وسقوط الأزهار عليهما بحركة الرياح مع غيوم السماء التي كانت على وشك الإمطار رحمة على الفلاحين المحتاجين لسقيا أراضيهم.
بعد فترة قصيرة، صارت السماء مظلمة بسحابها السوداء الثقيلة تحمل أمطارا غزيرة، وأغصان الأشجار المكثفة بدأت تتحرك وتتمايل بالشدة التي تطرق سماعنا، وصارت السحاب تبرق وتلمع وصوت الرعد يقرع ويضرب علي أذنيهما، فاستيقظا من لذة المحبة ونظرا متحيران إلى السماء والجو الساخن الذي كان ناعما ومراغما للعشاق قبل هنيهة بدأ يهيج ويهيب الفلاحين والمزارعين بأن يفروا إلى بيوتهم، قاما من مكانهما والتفتا إلى ماحولهما فلم يجدا الجو مناسبا لهما لمزيد من الجلوس تحت الشجرة المتحركة بشدة و التي أسقطت نصف أزهارها الجميلة على أبدانهما فقال الفتى يا حبيبتي علينا أن ننتقل من هنا بسرعة إلى بيتنا وإلا أدركنا المطر الغزير الذي يسير مع السحاب الثقيل، نعم يا حبيبي الغالي، فلنسرع من هنا وقد كانت ترتعد وترتجف لشدة برودة الرياح ، فجعلها الفتى في جنبه وسار إلى بيتهما يتخطيان بسرعة حتى وصلا نصف الطريق وقبيل افتراقهما وذهاب كل واحد إلى سبيله اشتدت الرياح وأمطرت السماء بغزارة في بلد الحب، نظرا إلى الأمام فكان الطريق بعيدا عن الوصول إلى البيت والتفتا يمينا وشمالا وخلفا فلم يجدا شيئا ليخفيا رأسهما هناك وفجأة رأت الفتاة بيتا صغيرا أُعدَّ لحراسة الحقول عند الفلاحين وهو مكون من أعمدة خشبية وسقف ذي أعشاب يابسة و نبات الذرة وسط حقول قريبة من مكانهما الموجودة الحالية.
انطلقا إليه بسرعة شديدة ممسكاً كل منهما بيد الآخر ، ابتلاّ الفتى والفتاة تماما واقشعرت جلودهما من شدة الرياح وبرودتها والأمطار الغزيرة الرعدية التي جعلتهما يرتعشان ويرتعدان فقد يسقطان قبل الوصول إلى البيت الصغير ولكن قدر الله سبحانه وصولهما إلى ذلك المكان الصغير، ووجدا راحة في بالهما، ضمت الفتاة حبيبها الغالي وبدأت تبكي ودمعتها تنسكب على صدر الحبيب الذي ضمها إليه وقال يا حبيبتي سوف ينتهي المطر ونعود إلى بيوتنا.
حبيبته الغالية لم تتمكن من القيام أكثرا واضطرت إلى الجلوس على أعشاب يابسة مطروحة منشورة في ذلك المكان وجلس الفتى معها أيضا ونظرا إلى جوانب البيت الصغير لكي يجدا لباسا يمسح به وجه حبيبته الغالية المرتجفة ولكن خاب وخسر نظره ولم يجد إلا ولاعة السجائر التي تركها الفلاحون نسيا، طار بالفرح فجمع بعض الأعشاب المنشورة والأخشاب الخفيفة الموجودة هناك وأوقد النار بعد مشقة طويلة لأنها كانت رطبة ، أحست الفتاة بحرارة النار فجلست قرب حبيبها مبسوطة أيديهما على النار، تحسنت حالتها وافتقرت إلى راحة بدنها من السعي الكثير والجري السريع فمالت إلي الحبيب ووضعت رأسها المبتل على فخذ رفيقها فجعل الفتى يمسح رأسها ويربت يده عليها حتى ارتاحت من التعب ونامت بهدوء.
والفتى أيضا كان يشعر بالتعب ، فقد استمر يشعل النار وقتا طويلا لتنام فؤاد قلبه، انخفض المطر شيئا فشيئاً وهدأت الرياح الشديدة وتوقفت الأصوات الرعدية وغلب النعاس عينيه وما استطاع الاستمرار في إشعال النار فنام مع حبيبته ملتصقا بجسمها.
بعد ساعة، توقفت الأمطار الغزيرة والرياح العاصفة والأصوات المخوفة وخرجت الطيور من أوكارها وبدأت تغرد بأنغام رائعة مطربة، وانسكبت المياه مع خريرها المترنم من مكان مرتفع إلى الجداول وانصبت بغثائها من الحشائش اليابسة وفتات الأرض وأوراق الأشجار الساقطة خلال الرياح الشديدة، و بزغت الشمس من بين السحاب الذي بقي في السماء بعد هطوله الغزير، ودخلت أشعة الشمس إلى البيت الصغير من بين الأنقاب والأثقاب الموجودة في جدران البيت وضربت بأنارتها المشرقة على وجههما و أيقظتهما من نومهما العميق.
فتحا عيونهما وأداما النظر إلى بعضهما شاكرين وحامدين الله سبحانه و تعالى اذ يبست الألبسة المبتلة وجفت إلى حدٍّ كافٍ لا يرى أثرها، فنظرا إلى الخارج فإن الجو كانا صافا ومشرقا تماما، تهيئا أنفسهما للذهاب إلى البيت، تبادلا بعضهما كلمة الشكر والحب والوداع والقبلة وعانقا بعضهما بعضا.
رجعا من هناك إلى بيتهما ودعا بعضهما لبعض وقال الفتى يا حبيبتي نلتقي في الأسبوع القادم وعليكِ أن تأتين بالمطرية. مع السلامة حبيبتي وحرك يده مودعاً لها.
Leave a Reply