ووضع الكتاب…

توصيف عالم الفورنيوي الخطب

الإمام الكبير الواعظ الجليل أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي يقرأ الآية: "ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه”{ الكهف: 49} ويعظ السامعين منبها الغافلين وموقظا النائمين بأسلوبه البديع وطرازه الفذ الذي ماسبقه من الواعظين أحد، ولم يعقبه في زمان من بعد، ينسج العبارات ويسجع الجمل والكلمات، فيستميل القلوب ويستجلب النفوس إلى الله والدار الآخرة و إلى النعيم والجنة الفاخرة. يقرأ الآية وينسج:
        وضع الكتاب للمؤمنين، ووضع الكتاب للمجرمين. وضع الكتاب لأهل الإيمان، ووضع الكتاب لأهل الضلال والطغيان. وضع الكتاب لأهل الجنان، ووضع الكتاب لأهل النيران. وضع الكتاب لأهل الثواب، ووضع الكتاب لأهل العقاب. وضع الكتاب للطائعين، ووضع الكتاب للعاصين. وضع الكتاب لأهل الخلاص والوفاق، ووضع الكتاب لأهل الرياء والنفاق. وضع الكتاب لأهل الوفاء، ووضع الكتاب لأهل الجفاء. وضع الكتاب للعاملين، ووضع الكتاب للباطلين. وضع الكتاب للقائمين، ووضع الكتاب للنائمين. وضع الكتاب للمستغفرين، ووضع الكتاب للغافلين. وضع الكتاب للسعداء، ووضع الكتاب للأشقياء. وضع الكتاب لأهل الجنة، ووضع الكتاب لأهل المحنة. وضع الكتاب للأبرار، ووضع الكتاب للفجار. وضع الكتاب لأهل التوبة، ووضع الكتاب لأهل الحوبة. وضع الكتاب لأهل الكرامة، ووضع الكتاب لأهل الندامة. وضع الكتاب لأهل الرشاد، ووضع الكتاب لأهل الفساد. وضع الكتاب لأهل الحسنات، ووضع الكتاب لأهل السيئات. وضع الكتاب لأهل النعيم والسرور، ووضع الكتاب لأهل الويل والثبور. فكتب تبشر بالجنة وكتب آخرها باللعنة والمحنة. جعلنا الله وإياكم ممن يبشره كتابه بالجنة برحمته.
     ثم يشرحها مرة أخرى ويقول: وضع الكتاب لفصل القضاء، ووضع الكتاب للحزن والبكاء. ووضع الكتاب لتظهر القبائح، ووضع الكتاب لتصح الصحائح.
عباد الله عند وضع الكتاب عجائب، وأحزان ومصائب، وكروب ونوائب. فواحد يوضع له الكتاب فيبكي، وآخر يوضع له الكتاب فيفرح ويبكي. وآخر يوضع له الكتاب فتجري على وجهه نضرة النعيم، وآخر يوضع له الكتاب فتعلو وجهه ظلمة الجحيم. وآخر يوضع له الكتاب مختوما بسخط الرب الجواد، وآخر يوضع له الكتاب مختوما بالتوفيق والسداد.
      الله الله يا معشر المذنبين حاسبوا أنفسكم قبل الحساب، وارحموا أنفسكم قبل نزول العذاب، وبادروا بالتوبة قبل غلق الباب، واجتهدوا في بقية أعماركم قبل وضع الكتاب، وسارعوا إلى المغفرة من ربكم قبل الخجل بين يدي رب الأرباب، وقبل أن تطلبوا برد الجواب، وتحبس الألسنة عن النطق والخطاب، وتشهد الجوارح بما عملت من عصيان أو ثواب. ثم ينشد:
ابك لذنبك طوال الدهر مجتهدا
إن البكاء معول الأحزان
لاتنس ذنبك في الكتاب وعظمه
إن الذنوب تحيط بالإنسان
        اللم اجعلنا من الحاسبين بأعمالنا والخائفين من حسابنا ليلا ونهارا قياما وقعودا برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم وفقنا للطاعة؛ وأمتنا على السنة والجماعة، ونجنا من أهوال يوم الساعة، وأدخلنا في جملة أهل الشفاعة. آمين

Leave a Reply

avatar
3000
  Subscribe  
Notify of