كتاب «مواقف المسلمين من أحداث الخليج» للدكتور مقتدى حسن الأزهري

راشد حسن المباركفوري الكتب بين عرض ونقد

لقد بدأ الخلاف بين العراق والكويت بعد أن خاضت العراق حربًا طويلةً مع إيران، وازداد هذا الخلاف يومًا بعد يومٍ بشكل سريع، وانتهى إلى هجوم العراق على الكويت ومن ثم احتلالها. وذلك في سنة 1990م.
ولاشك أن هذه السيطرة والاحتلال وقعت لأسباب ظالمة وعدوان صـريح من العراق، كانت العراق لها أطماع قديمة وغرائز مختفية بالكويت واحتلالها وضمها إلى حدودها، فنجحت العراق بعد عدة محاولات للدخول فيها والهجوم عليها، ثم تحررت الكويت بعد جهد جهيد ومحاولة كبيرة من مجموعة الدول الخليجية مثل السعودية والإمارات وغيرها.
فهذا الهجوم الغاشم قد أحدث قلاقل واضطرابات بين الدول والشعوب والمجتمعات العربية خاصة، وبادرت المملكة العربية السعودية ـ كغيرها من الدول ـ إلى اختيار الوسائل الممكنة في سبيل الحفاظ على أراضيها وحدودها ودعم شقيقتها الكويت.
فبذلك كله تفرق مسملو شبه القارة الهندية إلى أحزاب وجماعات في اختيار الموقف من هذا الهجوم، فكثير منها رأى جوازه، وقليل منها أنكره. أما أهل الأهواء والبدع والحركات المعادية للمملكة فسنحت لهم فرصة غرس فتن العداوة والحقد في قلوب السذج والبسطاء وإقناعهم ضد المملكة، وبهذا أرادوا النيل من دعوة التوحيد التي تنشـر، ولاتزال تنتشـر بشكل سريع في أنحاء العالم كله.
فكانت الحاجة ماسة إلى توضيح موقف الجامعة السلفية بنارس بحكم كونها مركزًا للسلفيين وقطب رحاهم في الهند من هذا العدوان السافر الغاشم، فبدأت الجامعة السلفية بتوضيح فكرتها وكشف النقاب عن الحقائق بين الشعب الهندي باللغات: العربية والأردية والإنجليزية بنشر المقالات في الصحف والجرائد وعقد الاجتماعات والندوات.
فمن ضمن هذه الجـهود المبـاركة أراد العلامة الدكتور مقتدى حسن الأزهري ـ رحمه الله ـ استعراض مواقف المسلمين من هذا الظلم الصارخ بتأليف كتاب بالعربية ليعرف العرب عن الحقائق والاتجاهات ـ وبالأخص عن تلك الطوائف والحركات التي تعتبر عدوان العراق صحيحًا ـ في هذا الخصوص في القارة الهندية.
هذا الكتاب ـ في الحقيقة ـ مجموعة مقالات كتبها الدكتور ـ رحمه الله ـ بين فينة وأخرى. ويبدو للقارئ الكريم أنها كتبت تحت خطة تأليف مستقل للوحدة والتماسك في عقد الأبواب والفصول والموضوعات.
الكتاب ينقسم إلى توطئة وأربع مقالات، وهي كالآتي:
1- رؤية سليمة إلى الأزمة الخليجية.
2- فرحة الانتصار ووقفة التأمل.
3- توجيه نافع لمعالي الأمين العام للرابطة.
4- تقلبات مدهشة حول أزمة الخليج.
ففي التوطئة أكد شيخنا الدكتور على أهمية الوحدة والتماسك والتآزر، وحذَّر من التفرق والتشتت وأضراره وما يترتب على الأمة والمجتمع من الآثار السيئة والعواقب الوخيمة، و«مظاهر الانقسام تتكرر في مسلمي الهند حينا لآخر، فهم لا يقفون صفًا واحدًا لحل القضايا المصيرية، ولايتخذون موقفًا موحدًا في الأمور الأساسية».
وبيَّن أن مثال ذلك هو «ما وقع من عدوان العراق على الكويت، وتعرضت الدول المجاورة للأخطار، وأبدى مسلمو الهند موقفًا متضاربًا جدًا، مع أن العدوان كان سافرًا، ورَأْيَ العلماء في الحادث كان واضحًا.
إن فرقة المبتدعة في الهند تعادي المملكة العربية من القديم … فهؤلاء جميعًا انتهزوا هذه الفرصة … وبدأوا يوجهون الملام والمطاعن إلى حكومة خادم الحرمين الشـريفين للإجراءات التي اتخذتها في سبيل الدفاع عن الأراضي السعودية والمقدسات الإسلامية، وعن نفوس المواطنين وأموالهم و أعراضهم …
ففي مثل هذا الوضع رأت الجامعة السلفية ببنارس تسليط الضوء على الحقائق وتفنيد المزاعم الكاذبة … ومجلة «صوت الأمة» أيضًا نشـرت بعض المقالات المهمة الخاصة بالأزمة ؛ ثم رأت الجامعة نشر مجموعة من المقالات في هذه الرسالة حتى يتضح موقف الجامعة السلفية من الأزمة… ».(ص:2ـ3ـ4).
أما المقال الأول في هذا الكتاب فهو: رؤية سليمة إلى الأزمة الخليجية.
بدأ شيخنا الدكتور ـ رحمه الله ـ هذا المقال بذكر ذلك القلق البالغ والاستنكار الشديد الذي أبداه أهل الحل والعقد والخبراء حول عدوان العراق. ثم قام ـ رحمه الله ـ بتوضيح بعض النقاط، وهي كالآتي:
أساس التأييد في الإسلام، وجوب مراعاة الهدف، موقف أهل الباطل من المملكة، سبب العداء، مآثر المملكة العربية السعودية. ومن ثم بيان تلك المآثر في أربع نقاط مهمة أساسية، موقف الحكومة السعودية من قضية فلسطين، دعم الحركات الإسلامية، مقاومة القاديانية، جهود المملكة المحروسة في القضاء على التعامل الربوي، مقاومة النصرانية، العناية بإعداد العلماء والدعاة، المسئولون عن الأزمة الراهنة، ماهو الواجب علينا.
وبهذا انتهى المقال في الصفحة العشرين من الكتاب.
هذا الاستعراض السريع يعطينا فكرة كافية عن موضوع المقال ومحتوياته وأهدافه.
أما المقال الثاني فهو «فرحة الانتصار ووقفة التأمل»:
كتب شيخنا الدكتور ـ رحمه الله ـ هذا المقال بعد «انتهاء مرحلة من أزمة الخليج بانسحاب القوات العراقية من الكويت، وعودة الإخوة الكويتيين إلى ديارهم آمنين سالمين».. ومن ثم بيان مدى فرحهم وسرورهم بعد أن عاشوا ستة أشهر في القلق واليأس.
ثم استطرد إلى بعض توجيهات مهمة ودية للإخوة الكويتيين ـ بعد أن فرج الله عنهم الكرب ونصـرهم نصـرًا مؤزرًا ـ في أربع نقاط، ولاشك أن هذه التوجيهات غاليةٌ رشيدةٌ جديرةٌ بأن تُقرأ وتُنشـر وتُوضع موضع الاهتمام والعمل، ولا سيما في مثل هذه المناسبات، وأسلوبه ـ رحمه الله ـ يشير إلى كمال إخلاصه تجاه الأمة الإسلامية والعربية.
أما المقال الثالث فهو: «توجيه نافع لمعالي الأمين العام للرابطة»:
هذا المقال يشتمل على توجيهات مهمة لمعالي الأمين العام للرابطة الدكتور عبد الله عمر نصيف وتعليقات شيخنا الدكتور ـ رحمهم الله ـ الهامة المستوعبة لجوانب الموضوع بكامله. بحيث يعقد عنوانًا ثم يعلِّق عليه بقوله «أقول».
فبادئ ذي بدء جاء فيه أن معالي الأمين العام دعا أهل العلم لإجراء التحاور وإزالة الشبهات حول الأزمة، ثم ذكر شيخنا معلقًا عليه بعض وسائل الباطل القديمة بعنوان «المناداة بالجهاد وتحرير القدس»، ثم بعنوان «جدوى النصيحة بالمراجعة»، ذكر فيه ما أكد معالي الأمين العام بأنه «ينبغي على عامة المسلمين الذين انطلقت عليهم هذه الدعوات الباطلة أن يراجعوا أنفسهم… »، علق عليه الدكتور مفصَّلا وقال: إن النصيحة غالية، لكن لا تتحقق إلا لمن سلمت نياتهم وتنقت سرائرهم.. ».
وبعد ذلك يأتي عنوان: «مسؤولية قادة المسلمين»، ثم نقل توجيه الأمين العام حيث يقول: «على قادة المسلمين أن يتثبتوا من القضايا، ويرجعوا إلى أحكام الشـريعة الإسلامية قبل أن يندفعوا وراء عاطفة أو رغبة أو مصلحة لإصدار الأحكام المخالفة لشريعتنا … » يعلِّق عليه شيخُنا فيقول:
«الجماعات التي وقفت تبارك اجتياح العراق لكويت، هي جماعات لاتملك قيادات حكيمة، فإن قوَّادهم يُنتخبون بالتصويت، وهذا النظام المريب الجائر يضع لقمان الحكيم والهبنقة في منزلة واحدة، ولذلك نرى في قيادات الجماعات الثورية في أغلب الأحيان ليسوا من علماء المسلمين .. ». (ص:30).
عندما يلاحظ القارئ البصير هذه التعليقات يندفع إلى الاعتراف بقيمتها العلمية وأسلوبها المتسم بالقوة والجودة، ونظرة الكاتب العميقة الثاقبة على القضايا المصيرية والحلِّ الواقعي لها. وننصح ـ ولسنا أهلا لذلك ـ لطلبة العلم بقراءة هذه التعليقات الواقعية لدراسة المواقف والأحوال التي كانت آنذاك، إلى جانب معرفة الموقف العادل الصحيح من تلك الأزمة بين المواقف العديدة والهتافات الخلابة والدعايات الكاذبة.
أما المقال الرابع والأخير فهو: «تقلُّبات مُدهشة حول أزمة الخليج »:
أولًا تكلَّم شيخنا ـ رحمه الله ـ عن سبب تضارب المواقف تجاه الأزمة الخليجية، ومن أسبابه «ضلال الإعلام وتضليله»، ولاسيما دور الإعلام الهندي كان مؤسفًا جدًا، فإنه وقف تمامًا مع موقف صدام حسين، وهو موقف الشيعة الروافض في الهند، ثم نصح الدكتور ـ رحمه الله ـ ناصحًا أمينًا حيث قال:
« إنَّ القلم أمانة في أيدي الكُتَّاب، ووظيفة الإعلام ليست التلعب بمصيرة الأمة، والمتاجرة بالكلمة داء جسيم، والاندفاع والتهور في القضايا المعقَّدة والمسائل العويصة من شأن الانتهازيين الذين يضحون بالمثل العليا والقيم الرفيعة لأجل تحقيق المصالح الذاتية. كانت وظيفة الإعلام تنوير الشعوب، ولكن القائمين عليه قد سخروه لتخدير السذج وخداعهم، فزيَّنوا لهم موقف حاكم العراق، وصوروه في صورة الزعيم الذي بلغ ذروة الإخلاص للمسلمين، وفي صورة البطل الذي يستطيع مقاومة الأعداء كلهم وإرغامهم على ما يريد.
وبعد الخداع والتغرير بدأ المسلمون السذج يحلمون باليوم الذي ينتصـر فيه بطل حزب البعث على الدول التي تجمعت لتحرير الكويت، وبينما هم كذلك إذ حلَّتْ الكارثة فاندحرتْ القوات العراقية الباسلة، وخضع البطل واستسلم لجميع الشروط التي سبق أن رفضها بكل قوة، وهنا سكتت الأصوات التي طالما خدعت الشعوب، واختفى المبطلون للطغاة ؛ فلم يبقَ للشعوب المسكينة إلا أن تتجرَّع كؤوس الندامة والأسف .. ».
ثم ذكر الدكتور ـ رحمه الله ـ السبب الثاني لتضارب الآراء وتفرق الأمة إلى جماعات وأحزاب، وهو: «موقف الجماعات الثورية».
يقول بأسلوبه البليغ الجميل: «وموقف جماعة المسلمين الثورية من أزمة الخليج كان جد غريب مثل الإعلام المغرر… دون ضرب إسرائيل».
ثم ذكر ـ رحمه الله ـ بعد ذلك: «موقف أهل الحديث» الذين وقفوا عكس موقف الجماعات الإسلامية الثورية، واختاروا الموقف العادل الصحيح المستمد من الشريعة الحكيمة، ليلها كنهارها لايزيغ عنها إلا هالك.
ثم تكلم ـ رحمه الله ـ عن الموضوعات الآتية توضيحا مزيدًا للفكرة المطروحة في المقال، وهي:
1- التباكي لا يجدي.
2- لماذا تأخَّـــرنا.
3- التسلي بالتكُّهنات.
4- مصير النكران الجميل.
5- المطالبة بموقف المعونة.
6- الموقف من الاستعمار.
7- الحديث عن المؤامرات.
وبهذا انتهى هذا الكتاب الممتاز الذي يكشف لنا صورة واضحة عن أزمة الخليج والعدوان العراقي الغاشم إلى جانب تسليط شيء من الأضواء على جهود المملكة العربية السعودية حول مثل هذه القضايا ومسائل المسلمين الأخرى في العالم كله.
طبع الكتاب لأول مرة في شهر شوال 1411هـ = 1991م. من إدارة البحوث الإسلامية للدعوة والإفتاء بالجامعة السلفية بنارس الهند.

[جزء من كتاب: الدكتور مقتدى حسن الأزهري في ضوء مؤلفاته: دراسة تحليلية استقصائية، بقلم: راشد حسن المباركفوري]

Leave a Reply

avatar
3000
  Subscribe  
Notify of