أخرج الدكتور عبد الغفور عطار كتابا باسم "مقدمة الصحاح”، وطبعته دار العلم للملايين، القاهرة سنة ١٣٧٦هـ، ووقع في مائتين وخمس عشرة صفحة.
قد يظن القارئ باسم الكتاب أنه مقدمة أو تمهيد لكتاب الصحاح، فيعرف بما في الكتاب من أهميته وخصوصته وأسباب تأليفه وهدفه كما يذكر عادة في المقدمة، ولكن الواقع يخالف ذلك، إذ الكتاب يزخر بتاريخ المعاجم العربية، وتاريخ اللغة العربية وأهميتها، وذكر القبائل الذين يحتج بلغتهم في الأخذ والرواية، وذكر عناية العرب بلغتهم.
ويزيد الكتاب قيمة وأهمية تقديم الأديب عباس محمود العقاد عليه، فلم يلبث أن أثنى عليه في بداية كلامه، حيث يقول: "أول مقدمة من نوعها في تاريخ معجماتنا العربية، إذ لم يسبق تقديم معجم عربي بمقدمة مثلها في استقصائها لتاريخ المعجمات في لغتنا، وإلمامها بتاريخ المعجمات في اللغة الأخرى”.
وتعرض الأديب عباس محمود العقاد لقيمة الكتاب ومكانته العلمية لاحتوائه على أبرز الآراء والأفكار في الموسوعة المعجمية عامة والصحاح للجوهري خاصة.
ويشتمل تقديم الأديب العقاد على ثماني صفحات، أشاد فيها بالكتاب، وما فيه من الحديث عن اللغة العربية، وقواعدها، ومعجماتها، وآراء المؤلف وتوجيهاته ومناقشته ونقداته وما إلى ذلك.
ويتسم أسلوب العطار بالمتانة، والوضوح، والسلاسة، والدقة، واللطافة؛ لأنه كان أديبا لغويا محققا، كما كان عالمًا باللغة وأسرارها ورموزها.
فالكتاب ضالة لمن يرغب في العربية، ومعاجمها، ونعمة عظمية لمن يريد الجمع بين العلم والأسلوب الأدبي، فيتعلمهما منه معا في أثناء مطالعته.
ولنعلم أن الجوهري جمع في كتابه ” تاج اللغة وصحاح العربية” أصح اللغات وأفصحها مع التنقيح من اللغات الشاذة، والضعيفة، والقبيحة، وغيرها. والجوهري: هو من ابتكر طريقة جديدة، ونظاما مبدعا لم يسبق إليه، وهو نظام القافية أي: رتب مواده المعجمية على آخر حروف الكلمة.
درس المؤلف أحمد عبد الغفور العطار فيه المعجم العربي: نشأته وتطوره، وروّاده، والمدارس المعجمية، وتحدث عن "كتاب تاج اللغة وصحاح العربية” للجوهري بالشرح والتفصيل، فعرض لأبرز مزاياه وخصائصه، ومناهجه وأسلوبه، فجاء الكتاب قريب المأخذ، سهل التناول، عذب المراشف.
واستهلّ المؤلف كتابه بالحديث عن اللغة العربية، وتأثيرها في المجتمع والحياة الإنسانية، وحالها وواقعها في الجاهلية، وكيف صارت لغة نموذجية مختارة على لسان الشعراء والأدباء وخاصة على لسان قريش.
وتحدث عن المعاجم مع تعريفها وتاريخها، وأسباب التأليف فيها، وسبقة علماء العرب في تأليف المعاجم.
كما أفاض القول في من ألّف في المعاجم بداية بالخليل، وانتهى إلى أبي على القالى مع ذكر أهم مؤلفاتهم.
وتناول المدارس المعجمية بالتعريف والشرح، وهي مدرسة التقليبات الصوتية، والقافية، والأبتثية والهجائية العادية.
وتحدث في الأخير عن كتاب "الصحاح” للجوهري من حيث التفصيل بداية بحياة الجوهري وسيرته وروايته وأخذه اللغة العربية، وتحدّث عن كتابه واصفا إياه بحسن ترتيبه، وجودته في المنهج، ودقته في الأسلوب.
ودرس المؤلف أحمد عبد الغفور العطار دراسة موازنة بين الصحاح، والمعاجم الأخرى قبلها وبعدها، وذلك لإبراز مكانته العلمية من بين الكتب الأخرى.
وذكر كيف تأثر العلماء والمؤلفون بكتاب "الصحاح” وأقبلوا عليه شرحا وتذييلا، ونقدا واستدراكا، وتلخيصا ودفاعا عنه.
فذكر مائة وتسعة كتب، كلها تدور حول الصحاح، وتعد دراسة عليه.
ومن أهمها: التنبيه والإيضاح عما وقع من الوهم في الصحاح لابن بري، والقاموس المحيط للفيروزآبادي، ونفوذ السهم فيما وقع للجوهري من الوهم للصفدي، ونور الصباح في أغلاط الصراح، والمنتهى في اللغة لمحمد بن تميم البرمكي، وحواشي الصحاح للشاطبي، والصراح من الصحاح لجمال القرشي، وتهذيب الصحاح للزنجاني، وغيرها.
ومن الطريف أن بعض هذه الكتب لعلماء الهند مثل: كتاب التكملة والذيل والصلة للصغاني، وكتاب القول المانوس في صفات القاموس لسعد الله المراد آبادي، ومنتخب اللغات لعبد الرشيد الحسيني المدني.
فالكتاب ليس مقدمة فحسب، وإنما هو كتاب مفرد بالمعجم العربي، ومثله مثل مقدمة ابن خلدون، ومقدمة ابن الصلاح.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
Leave a Reply