بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى مَا أَلْهَمَ وَعَلَّمَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ نَعْلَمْ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَيْرِ خَلْقِهِ مُحَمَّدٍالنَّبِيِّ الْأَكْرَمِ، الْمَبْعُوثِ إلَى سَائِر الْأُمَمِ بِالشَّرْعِ الْأَقْوَمِ وَالْمَنْهَجِ الْأَحْكَمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَبَعْدُ:
نص الحديث:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺيَقُولُ : اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي ، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي ، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي ، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ”، الحديث أخرجه مسلم في "صحيحه” (8 / 81) برقم: (2720)، وأخرجه البخاري في "الأدب المفرد”، (ص:223)، (ح:668)، بلفظ:” واجعَل المَوتَ رَحْمَةً لِي مِن كُل سُوء”، وصححه الألباني، وله شاهد من حديث الزبير بن العوام، أخرجه البزار في "مسنده” (3 / 198) برقم: (986) عَنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقُولُ: ” اللَّهُمَّ بَارِكْ فِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَفِي آخِرَتِي الَّتِي إِلَيْهَا مَصِيرِي وَفِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا بَلَاغِي، وَاجْعَلْ حَيَاتِي زِيَادَةً فِي كُلِّ خَيْرٍ ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً مِنْ كُلِّ شَرٍّ”، وله شاهد:عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺبِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَوَصَلَّى وَقَالَ: ” اللهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي، وَوَسِّعْ عَلَيَّ فِي ذَاتِي، وَبَارِكْ لِي فِي رِزْقِي”، قال الهيثمي في "مجمع الزوائد”، (10/109)، (16964): "رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو يَعْلَى، وَرِجَالُهُمَا رِجَالُ الصَّحِيحِ غَيْرَ عَبَّادِ بْنِ عَبَّادٍ الْمَازِنِيِّ، وَهُوَ ثِقَةٌ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ”، وأخرج البزار في "مسنده”، (6/22)، ( 2092)، والطبراني في "المعجم الكبير”،،(8/33)،(7298)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء”(6/46)، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ، عَنْ أَبِيهِ, أَنَّ كَعْبًا حَلَفَ لَهُ بِالَّذِي فَلَقَ الْبَحْرَ لِمُوسَى صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ, أَنَّا نَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ، أَنَّ دَاوُدَ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ كَانَ يَدْعُو بِهَؤُلَاءِ الْكَلَمَّاتِ عِنْدَ انْصِرَافِهِ مِنَ الصَّلَاةِ: اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِيَ الَّذِي جَعَلْتَهُ عِصْمَةَ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي جَعَلْتَ فِيهَا مَعَاشِي، اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِعَفْوِكَ مِنْ نِقْمَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، اللَّهُمَّ لَا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ، قَالَ كَعْبٌ: وَحَدَّثَنِي صُهَيْبٌ أَنَّ مُحَمَّدًا ﷺكَانَ يَقُولُهُنَّ عِنْدَ انْصِرَافِهِ مِنَ الصَّلَاةِ.، قال ابن رجب في "فتح الباري”،(7/417): "وفي إسناده اختلافٌ”، وقال الهيثمي في: "مجمع الزوائد”،(10/111) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَفِيهِ يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ طَلْحَةَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ”، وقال الضياء في "المختارة”(ص:59): "إِسْنَاده صَحِيح”، وفي "عمل اليوم والليلة”، لابن السني،(ص:122)، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ – قَالَ: وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ فِي سَفَرٍ – رَفَعَ صَوْتَهُ حَتَّى يَسْمَعَ أَصْحَابُهُ: "اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي جَعَلْتَهُ عِصْمَةَ أَمْرِي، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي جَعَلْتَ فِيهَا مَعَاشِي – ثَلَاثَ مَرَّاتٍ – اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي جَعَلْتَ إِلَيْهَا مَرْجِعِي – ثَلَاثَ مَرَّاتٍ – اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْكَ – ثَلَاثَ مَرَّاتٍ – اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ”، وعند ابن السني في”عمل اليوم والليلة”، (128) 147)، والبيهقي في "الدعوات الكبير”، (1/103)،(46)، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَالَ:”الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَلَّلَنَا الْيَوْمَ عَافِيَةً، وَجَاءَ بِالشَّمْسِ مِنْ مَطْلِعِهَا، اللَّهُمَّ إِنِّي أَصْبَحْتُ أَشْهَدُ لَكَ بِمَا شَهِدْتَ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ، وَشَهِدَتْ بِهِ مَلَائِكَتُكَ، وَحَمَلَةُ عَرْشِكَ، وَجَمِيعُ خَلْقِكَ، إِنَّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْقَائِمُ بِالْقِسْطِ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، اكْتُبْ شَهَادَتِي بَعْدَ شَهَادَةِ مَلَائِكَتِكَ، وَأُولِي الْعِلْمِ، وَمَنْ لَمْ يَشْهَدْ مِثْلَ مَا شَهِدْتُ بِهِ، فَاكْتُبْ شَهَادَتِي مَكَانَ شَهَادَتِهِ، اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ، وَمِنْكَ السَّلَامُ، وَإِلَيْكَ السَّلَامُ، أَسْأَلُكَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ أَنْ تَسْتَجِيبَ لَنَا دَعْوَتَنَا، وَأَنْ تُعْطِيَنَا رَغْبَتَنَا، وَأَنْ تُغْنِيَنَا عَمَّنْ أَغْنَيْتَهُ عَنَّا مِنْ خَلْقِكَ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي إِلَيْهَا مُنْقَلَبِي”.
شَرْحُ الْغَرِيبِ:
-أصلح لي ديني: بأن تُوفِّقني للقيام بآدابه على الوجه الأكمل.
– عِصمة أمري: العصمة المنع والحفظ، أي: ما أعتصم به في جميع أموري، أي: يستمسك ويتقوى به في أموره كلها، لئلا يدخل عليها الخلل.
– معاشي: أي: مكان عيشي، وزمان حياتي، بإعطاء الكفاف.
-معادي: المعاد: إما موضع العود، أو مصدر، والمراد به: ما يعود إليه يوم القيامة، أي: زمان إعادتي؛ باللطف، والتوفيق على العبادة، والإخلاص
– راحة لي من كل شر: أي: راحة لي من الفتن، والمِحن، والابتلاء بالمعصية والغفلة
قال ابن الجوزي في "كشف المشكل”،(3/588)”اللَّهُمَّ أصلح لي ديني .”:أَي بِهِ أستمسك، وَعَلِيهِ فِي نجاتي أعول”
قال الدهلوي في ” لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح”،(1/444){وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ} أي: التجؤوا إلى اللَّه بطاعته ليحميكم، واعتصم هكذا: التجأ إليه، وفي الدعاء:” أصلح لي ديني ..”ي، أي: حافظ لجميع أموري، فإن فسد فسد جميع الأمور، أي: يتمسك ويتقوى به في الأمور كلها، وبالجملة المراد ههنا التمسك بالكتاب والسنة واعتقادهما والعمل بهما، والاجتناب عن البدع والأهواء،وفي "مجمع بحار الأنوار”،(5/540):”أصلح لي ديني الذي هو "عصمة” أمري، فإن من لا دين له لا عصمة لنفسه ولا لشيء من أمره،وقال الطيبي في "الكاشف عن حقائق السنن”،(6/1924):” قوله:”عصمة أمري” هو من قوله تعالي: {واعتصموا بحبل الله جميعاً} أي بعهد الله، وهو الدين، وإصلاح المعاد اللطف والتوفيق علي طاعة الله وعبادته، وطلب الراحة بالموت إشارة إلي قوله ﷺ:”إذا أردت فتنة قوم فتوفني غير مفتون”،هذا هو الذي يقابله الزيادة في القرينة السابقة، وهذا الدعاء من الجوامع”،وقال الدهلوي في ” لمعات التنقيح "(5/252):”قوله:(ديني الذي هو عصمة أمري) فإن العصمة في النفس والمال والعِرض إنما تحصل بالدين، وإصلاحُ الدنيا بوصول الكفاف على وجه الحلال، ليتم أمر المعيشة، ويحصل به العونُ على الطاعة، والسلامةُ عن الآفات التي تورث خللًا وتشويشًا في الوقت، وإصلاح المعاد: التوفيق لما يهيِّئ النجاة عن العذاب، والفوز بالسعادة في الآخرة، وجَعْلُ الموتِ راحة من كل شر: التوفي عند خوف الفتنة، ولحوقِ الضرر في الدين،وقال الأمير الصنعاني في "التَّحبير لإيضَاح مَعَاني التَّيسير”،(4/276):”العصمة : المنعة. أي: منعة أمري عن شرور الدنيا والآخرة، والإصلاح: ضد الإفساد، وهذا حديث جليل اشتمل على خمس جمل كلها شاملة لصلاح كل حال”
وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي ، أَيْ : مَا يَعُودُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . ينظر:”النهاية”،(3/ 316)، جاء في ” المفاتيح في شرح المصابيح”،(3/243):”(العِصمَةُ): الحِفْظُ؛ يعني اللهم احفظْ ديني عن الخَطَأِ والزَّلَل والرِّياء، وعما لا يليقُ ولا تُحِبُّه، فإنه عِمادُ أمري، فإن فَسَدَ دينهُ فَسَدَ جميعُ أموره وخابَ وخَسِر،”وأصلِحْ لي دنيايَ التي فيها مَعَاشي”؛ يعني: احفظْ من الفساد ما أحتاجُ إليه من الدنيا، وهذا سؤالُ إنباتِ الزَّرْع والأشجارِ والبركةِ فيها، ونماءِ المواشِي، ونبوعِ المياهِ من الأرض، ونزولِ المطر، واتِّباعِ الناسِ إياه، وإيقاعِ الأُلْفة والمَحَبَّةِ بينه وبين أزواجِه وأولادِه والمسلمين، ودَفْعِ أعدائِه، وغيرِ ذلك مما يَحتاجُ إليه في الدنيا.”وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي”:(المَعَادُ): مصدرٌ مِيميٌّ، أو مكانٌ مِن (عاد) إذا رَجعَ؛ يعني: ارزقني عملًا يقربني إليك حتى يكونَ عيشي طَيبًا، يعني في الآخرة،”واجعل الحياةَ زيادةً لي في كلِّ خيرٍ”؛ يعني: اجعلْ حياتي سببَ زيادةِ طاعتي، يعني: اجعل عمري مصروفًا فيما تُحِبُّ، وَجنِّبني ممَّا تكرَهُ، "واجعلِ الموتَ راحةً لي من كلِّ شَرًّ”؛ يعني: اجعلْ موتي بالشهادةِ والاعتقادِ الحسنِ والتَّوبةِ، وكلَّ نيةٍ وخصْلَةٍ تحبُّها، حتى يكونَ موتي سبب خلاصي من مشقَّةِ الدنيا وحصولي على راحةِ ما بعدَ الموت”،وقال ابن المَلَك في "شرح مصابيح السنة للإمام البغوي”،(3/222):” اللهم أصلح لي ديني”؛ أي: احفظه عن الخطأ،”الذي هو عصمة أمري”؛ يعني: ديني هو المعتمد عليه في شأني، ولاشك أنَّه كذلك؛ لأنه إذا فسد لم يبق لصاحبه صلاحٌ لا في الدنيا ولا في الآخرة،”وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي”؛ أي: احفظ من الفساد ما أحتاج إليه في الدنيا من إثبات زرعٍ، وإثمارِ شجرٍ، وإنماءِ مواشِ، وإنباع مياهٍ، وإنزال مطرٍ، "وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي” مصدر ميميٌّ من عاد: إذا رجع؟، يعني: ارزقني عملًا يقرِّبني في الآخرة إليك، "واجعل الحياة زيادة”؛ أي: سبب زيادة، "لي في كل خير”؛ يعني: اجعل عمري مصروفاً فيما تحب، وجنّبني عما تكره، "واجعل الموت راحة لي من كل شر” بأن يكون على شهادة واعتقادٍ حسنٍ وتوبةٍ، حتى يكون موتي سببَ خلاصي عن مشقة الدنيا، وحصولِ راحتي في الآخرة”، وخلاصة آخر هذا الدعاء: اجعل عمري مصروفًا فيما تحب، وجنِّبني ما تكره.ينظر:”توضيح الأحكام”،(7/581)
المعني الإجمالي للحديث:
هذا من الأدعية الجوامع التي كان الرسول ﷺيدعو بها ،وهذا الحديث مِنَ الْأَدْعِيَةِ الْجَامِعَةِ لِخَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ،يقول الطيبي: "وهذا الدعاء من جوامع الكل””فيض القدير”،(2/137)، ومن هدي النبي ﷺفي اختيار الدعوات أنهيحب جوامع الدعاء ويترك ما سوى ذلك وكان يدعو كثيراً: {رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}[البقرة: 201]، يدعو بها وإذا دعا بدعاء دعا بها فيه، وكل الأدعية الواردة في القرآن والسنة جوامع لخيري الدنيا والآخرة فهي مشتملة على سؤال أعلي المراتب وجليل المطالب وسني المواهب في العاجلة والآجلة وفيها أمان من الاعتداء في الدعاء أحرى بالإجابة بإذن الله ،وهذا من الأدعية الجوامع،وفي الحديث الدعاء بصلاح الأمور كلها، فإن الله تعالى إذا وفق العبد للقيام بآداب الدين، ورزقه من الحلال كفافًا، ووفقه للإخلاص، وحسن الخاتمة، وأطال عمره على طاعته، ووقاه من الفتن، فقد حصل له سعادة الدنيا والآخرة. ،يقول الشوكاني في "تحفة الذاكرين”،(ص:428):”هَذَا الحَدِيث من جَوَامِع الْكَلم لشُمُوله لصلاح الدّين وَالدُّنْيَا وَوصف إصْلَاح الدّين بِأَنَّهُ عصمَة أمره لِأَن صَلَاح الدّين هُوَ رَأس مَال العَبْد وَغَايَة مَا يَطْلُبهُ وَوصف إصْلَاح الدُّنْيَا بِأَنَّهَا مَكَان معاشه الَّذِي لَا بُد مِنْهُ فِي حَيَاته وَسَأَلَهُ إصْلَاح آخرته الَّتِي هِيَ الْمرجع وحولها يدندن الْعباد وَقد استلزمها سُؤال إصْلَاح الدّين لِأَنَّهُ إِذا أصلح الله دين الرجل فقد أصلح لَهُ آخرته الَّتِي هِيَ دَار معاده وَسَأَلَهُ أَن يَجْعَل الْحَيَاة زِيَادَة لَهُ فِي كل خير لِأَن من زَاده الله خيرا فِي حَيَاته كَانَت حَيَاته صلاحا وفلاحا وَسَأَلَهُ أَن يَجْعَل لَهُ الْمَوْت رَاحَة لَهُ من كل شَرّ لِأَنَّهُ إِذا كَانَ الْمَوْت دافعًا للشرور قَاطعا لَهَا فَفِيهِ الْخَيْر الْكثير للْعَبد وَلكنه يَنْبَغِي أَن يَقُول اللَّهُمَّ أحيني مَا كَانَت الْحَيَاة خيرا لي وتوفني إِذا كَانَ الْمَوْت خير لي كَمَا علمنَا رَسُول الله ﷺفَإِنَّهُ يَشْمَل كل أَمروَمَعْلُوم أَن من لم يكن فِي حَيَاته إِلَّا الْوُقُوع فِي الشرور فالموت خير لَهُ من الْحَيَاة وراحة لَهُ من محنها”انتهي،والدعاء لغة: هو النداء والطلب، وشرعاً: هو سؤال الله تعالى الحاجة – رغبة ورهبة – من قبول عمل أو مغفرة زلل أو جلب نفعٍ أو كشف سوء أو دفع خطر أو صرف عذاب أو تحقيق ثواب في الدنيا والآخرة ،أما منزلة الدعاء وشأنه عند الله سبحانه: فلقد اختص الدعاء من بين أنواع العبادة بأن سماه الله ورسوله عبادة كما قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60]، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ : { ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } ،ونوَّهَ ربنا بشأن الدعاء بقوله: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ}[الفرقان: 77]،وفي هذا أبلغ الدلالة على عظم شأن الدعاء من الدين، وعظم منزلته وأهله عند رب العالمين، ولذا يسمع ربنا لداعيه المخلص له فيه ، ولا سيما عند الاستغاثة والاضطرار؛ قال تعالى: {أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ}[النمل: 62]،وقال تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}[العنكبوت: 65] ،الدعاء عبادة عظيمة وحبل موصول، وعروة وثقى مع الله عز وجل، يقول السعدي: "فالأمور كلها وإن كانت بمشيئة الله وإرادته، فالمطالب الدينية: كسؤال الرحمة والمغفرة، والمطالب الدنيوية المعينة على الدين: كسؤال العافية والرزق وتوابع ذلك، قد أُمر العبد أن يسألها من ربه طالبًا ملحًا جازمًا، وهذا الطلب عين العبودية ومخها، ولا يتم ذلك إلا بالطلب الجازم الذي ليس فيه تعلق بالمشيئة، لأنه مأمور به، وهو خير محض لا ضرر فيه، والله تعالى لا يتعاظمه شيء”،ويقول الشوكاني في ” ولاية الله والطريق إليها”،(ص:391):”وَيَنْبَغِي لطَالب الْخَيْر وباغي الرشد أَن يلازم من الْأَدْعِيَة النَّبَوِيَّة مَا تبلغ إِلَيْهِ طاقته، وَأَقل حَال أَن يلازم الْكَلِمَات الجامعة”،قوله:(اللَّهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري): دعا بإصلاح الدين أولاً؛ لأنه أعظم المقاصد، وأهم المطالب؛ لأن من فسد دينه فقد خاب وخسر الدنيا والآخرة، وسؤال اللَّه إصلاح الدين هو أن يوفق إلى التمسك بالكتاب والسنة "اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري: فوصف الدِّين بأنَّه عصمة الأمر، وهو عين الحقيقة. لأنَّ صلاح الدين هو رأس مال العبد، وغاية ما يطلبه، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي: وأما صلاح الدنيا -لأنَّها مكان وموضع معاشه- فحقيقةٌ لابد منها في حياته، فمن لم تستقم معيشته، لا تتم له آخرته، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي: وأما صلاح آخرته، التي هي المرجع والمصير -فحول ذلك يسعى العباد بفعل الطاعات، وترك المنهيات، وقد استلزمها سؤال صلاح الدين؛ لأنَّه إذا أصلح الله دين الرجل، فقد أصلح له آخرته التي هي دار المعاد، واجعل الموت راحةً لي من كل شرٍّ: لأنَّه إذا كان الموت دافعًا للشرور قاطعًا لها، ففيه الخير الكثير للعبد، قوله: (وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي): أي أصلح لي عيشي في هذه الدار الفانية القصيرة، بأن أُعْطَى الكفاف والصلاح،فيما أحتاج إليه، وأن يكون حلالاً مُعيناً على طاعتك، وعبادتك على الوجه الذي ترضاه عني، وأسألك صلاح الأهل، من الزوجة الصالحة، والذرية والمسكن الهنيء، والحياة الآمنة الطيبة، قال جلّ شأنه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ،ربنافي سورة محمد ﷺ يقول{وَالَّذِينَ آَمَنُواوَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَالْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ}[محمد:2]؛ وتكفير السيئات ثواب أخرويٌّ عظيم، ينبني عليه دخول الجنة والوقاية من النار، وهذا نتيجة الإيمان والعمل الصالح، والبال قال العلماء هو الأمر، وقالوا هو الحال، وقالوا هو الشأن، وقالوا هو القلب،وقالوا هو النية؛ أصلح شأنهم. أصلح حالهم.. أصلح نيتهم.. أصلح قلوبهم.. أصلح عقولهم ونفوسهم، إذا صلح الحال صلحت الحياة والأمور حصل الفوز والفلاح، حصلت الراحة والطمأنينة، حصلت النعمة والنعيم النفسي،استقام الأمر، ورضي القلب، واستمتع الإنسان بالحياة{سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ}[محمد:5-6]،نلاحظ أن صلاح البال في الآية الأخرى معطوف على الهدى، وصلاح البال إذاً يحتاج إلى سلوك سبيل الله ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: عَصَمَهُمْ أَيَّامَ حَيَاتِهِمْ، يَعْنِي أَنَّ هَذَا الْإِصْلَاحَ يَعُودُ إِلَى إِصْلَاحِ أَعْمَالِهِمْ حَتَّى لَا يَعْصُوا ،وقَوْلُهُ تَعَالَى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةًوَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[النحل:97]: أي في الدنيا بالقناعة، وراحة البال، والرزق الحلال والتوفيق لصالح الأعمال، فالحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت،ومن أحسن عمله في الدنيا أحسن الله إليه في الدنيا والآخرة ، قوله: (وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي):أي وفّقني للعملالصالح الذي يرضيك عني، وملازمة طاعتك، والتوفيق إلى حسن الخاتمة حتى رجوعي إليك يوم القيامة، فأفوز بالجنان، قال اللَّه:{وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ}، لم يقل تعالى ممدود، بل قال: {مَعْدُودٍ} أي يُعدّ عدّاً إلى هذا اليوم العظيم،أي: لمدة مؤقتة لا يزاد عليها ولا ينتقص منها ، فينبغي لنا أن نعدّ العُدّة إلى هذا اليوم، قوله: (واجعل الحياة زيادة لي في كل خير): أي اجعل يا اللَّه الحياة سبباً في زيادة كل خير يرضيك عني من العبادة والطاعة، ويُفهم من ذلك أن طول عمر المسلم زيادة في الأعمالالصالحة الرافعة للدرجات العالية في الدار الآخرة، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: "مَنْ طَالَ عُمْرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ” قِيلَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قَالَ: "مَنْ طَالَ عُمْرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ”،قوله: (واجعل الموت راحة لي من كل شر): أي اجعل الموت راحة لي من كل هموم الدنيا وغمومها من الفتن والمحن، والابتلاءات بالمعصية والغفلة, ويُفهم من ذلك أن المؤمن يستريح غاية الراحة، ويسلم السلامة الكاملة عند خروجه من هذه الدار،كما جاء في الصحيحين: عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الأَنْصَارِيِّ، أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ، فَقَالَ:«مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا المُسْتَرِيحُ وَالمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ قَالَ: «العَبْدُ المُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالعَبْدُ الفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ العِبَادُ وَالبِلاَدُ، وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ» ،قال الأمير الصنعاني في”التَّنويرُ شَرْحُ الجَامِع الصَّغِيرِ”، (3/152):”(اللَّهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري) العصمة المنع والعاصم المانع فمعنى: عصمة أمري المانع لكل شأن من شأني في الدنيا والآخرة عن خلاف ما ترضاه(وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي) حياتي فإنه لا يتم صلاح الدين المطلوب أولًا إلا بصلاح الدنيا(وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي) عودي إلى لقائك والمراد من صلاح الدارين صلاح أمورهما التي بها تطيب الحياة والممات والتحقيق أنه إذا صلح الدين فقد صلح حال الدارين (واجعل الحياة زيادة لي في كل خير) أزداد فيها من الأعمال الصالحة (واجعل الموت راحة لي من كل شر) اجعله خيرًا من الحياة التي لا تخلو عن شر فلا يصيبني شر عذاب القبر وفتنته ولا شر النار فهذا دعاء جامع لأنواع الخير كلها في الدين والدنيا والآخرة والأولى”،ويقول ابن هبيرة في "الإفصاح عن معاني الصحاح”،(8/82):”هذا الحديث يشتمل على دعاء شامل، وهو من جوامع الكلم التي أوتيها رسول الله ﷺ، فأما قوله: (أصلح لي ديني) فإنه بدأ بالأهم، وهو الدين ثم وصفه بأنه عصمة الأمر في الدنيا من الهلكة، وفي الآخرة من النار، ثم ذكر بعد ذلك الدنيا فقال:(وأصلح لي دنياي) والدنيا صفة لموصوف محذوف، والمحذوف هو الحياة، فإذا قلت الدنيا؛ فمعناه الحياة الدنيا؛ فلما أضافها ﷺفقال: (دنياي) أضاف الصفة إليه ﷺ، ثم ذكر العذر في سؤاله إصلاحها؛ بأن قال: (التي فيها معاشي) يعني التي أعيش فيها لأعبدك، ومن المعاش الكسب والسعي في الأرض لاستجلاب الرزق وذلك قد يكون عبادة لله عز وجل، ثم عقب ذلك بأن قال: (وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي) فرتب ﷺ الآخرة بعد الدنيا منحيث إنها بعدها زمانا ووقتا، ثم ذكرها ﷺ ليكون ذكره لها إيمانا بها وإقرارا بالمعاد إليها، ثم طلب ﷺ ليكون ذكره بعد ذلك كله، أن يجعل الله سبحانه وتعالى الحياة زيادة له في كل خير؛ لأن الحياة إنما يقصد بها المؤمنون أن يزدادوا من الخير عند ربهم جل جلاله، ثم قال: (واجعل الموت راحة لي من كل شر) فأراد ﷺ أن يجعل الموت راحة له من كل شر، لا من عبادة الله سبحانه وخدمته، فإن العبادة خير”، وقال القاري في ” مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح”،(5/1721):” يقول اللهم أصلح لي أي عن الخطأ (ديني الذي هو عصمة أمري) أي ما يعتصم به في الصحاح، العصمة المنع والحفظ قال تعالى: {واعتصموا بحبل الله} [آل عمران: 103] أي بعهده وهو الدين، وقيل معناه: أن الدين حافظ جميع أموري فإن من فسد دينه فسدت جميع أموره وخاب وخسر في غيبته وحضوره وخزله وسروره (وأصلح لي دنياي) أي من يعينني على العبادة (التي فيها معاشي) قيل معناه: احفظ من الفساد ما أحتاج إليه في الدنيا (وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي) مصدر عاد إذا رجع، أي وفقني للطاعة التي هي إصلاح معادي (واجعل الحياة زيادة) أي سبب زيادة (لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر) أي بأن يكون على شهادة واعتقاد حسن وتوبة، حتى يكون موتي سبب خلاصي عن مشقة الدنيا وحصول راحة في العقبى قال الطيبي – رحمه الله: إصلاح الدنيا عبارة عن الكفاف فيما يحتاج إليه وأنه يكون حلالا ومعينا على طاعة الله، وإصلاح المعاد اللطف والتوفيق على عبادة الله وطاعته، وطلب الراحة بالموت إشارة إلى قوله ﷺ:”إذا أردت بقوم فتنة فتوفني غير مفتون”، وهذا هو النقصان الذي يقابل الزيادة في القرينة السابقة”،وقال المناوي في "التيسير بشرح الجامع الصغير”،(1/219):”اللَّهُمَّ اصلح لي ديني الَّذِي هُوَ عصمَة أَمْرِي) أَي الَّذِي هُوَ حَافظ لجَمِيع أموري فَإِن من فسد دينه فَسدتْ أُمُوره وخاب وخسر قَالَ الطَّيِّبِيّ هُوَ من قَوْله تَعَالَى {واعتصموا بِحَبل الله جَمِيعًا} أَي بِعَهْد الله وَهُوَ الدّين (وَأصْلح لي دنياي الَّتِي فِيهَا معاشي) أَي بِإِعْطَاء الكفاف فِيمَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَكَونه حَلَالا معينا على الطَّاعَة (وَأصْلح لي آخرتي الَّتِي فِيهَا معادي) أَي مَا أَعُود إِلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة قَالَ الطَّيِّبِيّ إصْلَاح الْمعَاد اللطف والتوفيق على طَاعَة الله وعبادته وَطلب الرَّاحَة بِالْمَوْتِ فَجمع فِي هَذِه الثَّلَاثَة صَلَاح الدُّنْيَا وَالدّين والمعاد وَهِي أصُول مَكَارِم الْأَخْلَاق (وَاجعَل الْحَيَاة زِيَادَة لي فِي كل خير) أَي اجْعَل حَياتِي زِيَادَة فِي طَاعَتي (وَاجعَل الْمَوْت رَاحَة لي من كل شَرّ) أَي اجْعَل موتِي سَبَب خلاصي من مشقة الدُّنْيَا والتخلص من غمومها، وقال في "فيض القدير”،(2/137):” أي الذي هو حافظ لجميع أموري فإن من فسد دسنه فسدت جميع أموره وخاب وخسر في الدنيا والآخرة (وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي) أي بإعطاء الكفاف فيما يحتاج غليه وكونه حلالا معينا على الطاعة (وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي) أي ما أعود إليه يوم القيامة وهو إما مصدر أو ظرف ذكره ابن الأثير قال الحرالي: قد جمع في هذه الثلاثة صلاح الدنيا والدين والمعاد وهي أصول مكارم الأخلاق التي بعث لإتمامها فاستقى في هذا اللفظ الوجيز صلاح هذه الجوامع الثلاث التي حلت في الأولين بداياتها وتمت عند غاياتها فإصلاح الدين بالتوفيق لإظهار خطاب ربه من جهة أحوال قلبه وأخلاق نفسه وأعمال بدنه فيما بينه وبين ربه من غير التفات لعرض النفس والبدن إلا بالتطهر منه واستعمال الحلال الذي تصلح النفس والبدن عليه لموافقته لتقويتها وإصلاح المعاد بخوف الزجر والنهي التي لا تصلح الآخرة إلا بالتطهر منه لبعده عن حسناها وخوف الأمر الذي تصلح الآخرة عليه لتقاضيه لحسناها والمقصود بالزجر والنهي الردع عما يضر في المعاد إلا أن الردع على وجهين خطاب لمعرض ويسمى زجرا كما يسمى في حق البهائم وخطاب المعتل على التفهم ويسمى نهيا فكان الزجر يزيغ الطبع والنهي يزيغ العقل انتهى (واجعل الحياة زيادة لي في كل خير) أي اجعل حياتي زيادة سبب طاعتي (واجعل الموت راحة لي من كل شر) أي اجعل موتي سبب خلاصي من مشقة الدنيا والتخلص من غمومها وهمومها لحصول الراحة،ويقول ابن علان في” دليل الفالحين "،(7/279):” بأن توفقني للقيام بآدابه على الوجه الأكمل الأتم (الذي هو عصمة أمري) أي: ما أعتصم به في جميع أموري، وفي الصحاح: العصمة المنع والحفظ، وقيل: هو مصدر بمعنى الفاعل، وقد قال تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعاً)(وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي) أي: مكان عيشي وزمان حياتي، أي: بإعطاء الكفاف فيما يحتاج إليه، وبأن يكون حلالاً ومعيناً على طاعة الله (وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي) أي: مكان عودي، أو زمان إعادتي باللطف والتوفيق، على العبادة والإخلاص في الطاعة وحسن الخاتمة (واجعل الحياة) أي: طول عمري (زيادة لي في كل خير) أي: من إيقان العلم، وإتقان العمل (واجعل الموت) أي: تعجيله (راحة لي من كل شر) أي: من الفتن والمحن والابتلاء بالمعصية والغفلة، ومحصل آخر هذا الدعاء: اجعل عمري مصروفاً فيما تحب، وجنبني ما تكره”،إصلاح الدين أعظم المقاصد، وأهم المطالب؛ لأن من صلح دينه سعد في الدنيا وفي الآخرة، ومن فسد دينه فقد خاب وخسر الدنيا والآخرة، قال تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ } [النحل: 30] فبيَّن سبحانه أنه يُسعدُ المحسنَ بإحسانه في الدنيا وفى الآخرة، كما أخبر أنه يُشقى المسيءَ بإساءته في الدنيا والآخرة، قال تعالى: { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124] أَيْ: خَالَفَ أَمْرِي، {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} أَيْ: فِي الدُّنْيَا، فَلَا طُمَأْنِينَةَ لَهُ، وَلَا انْشِرَاحَ لِصَدْرِهِ، بَلْ صَدْرُهُ ضَيِّقٌ حَرَج لِضَلَالِهِ، وَإِنْ تَنَعَّم ظَاهِرُهُ، وَلَبِسَ مَا شَاءَ وَأَكَلَ مَا شَاءَ، وَسَكَنَ حَيْثُ شَاءَ، فَإِنَّ قلبه فِي قَلَقٍ وَحَيْرَةٍ وَشَكٍّ، فَلَا يَزَالُ فِي رِيبَةٍ يَتَرَدَّدُ. فَهَذَا مِنْ ضَنْكِ الْمَعِيشَةِ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْعِزَّ قَرِينَ طَاعَتِهِ، وَالذُّلَّ قَرِينَ مَعْصِيَتِهِ، فَقَالَ تَعَالَى:{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [سُورَةُ الْمُنَافِقُونَ: 8].وبيَّن النبي ﷺأن تعمّد مخالفة أمره سبب في الذل والصغار، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِﷺ:” َجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي”، ويؤكد هذا المعنى ما جاء في تفسير قوله تعالى: {إنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ}[الأعراف: 152]، وَكَانَ مِنْ دُعَاءِ بَعْضِ السَّلَفِ: وَلَا تُذِلَّنِي بِمَعْصِيَتِكَ
مسألة: بمَ يكون إصلاح الدين؟1- بإصلاح القلب: فإذا أصلح العبدُ قلبَه أَمِنَ من أمراض القلب فلزم إصلاح القلب أولا ليسلم للعبد دينُه وإيمانه، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ وفيه:”. .. أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ، صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ، فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ”،وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ” لاَ يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلاَ يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ ".
2 – بالإخلاص لله تعالى والمتابعة لرسوله ﷺ في أي عمل يعمله العبد: فإن التمسك بهذين الأصلين عصمة للعبد من الشرور كلها، ومن مضلات الفتن، والمحن، والضلالات التي تضيّع الدين والدنيا فالله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا لوجهه ،وقد ذكر الماوردي في ” أدب الدنيا والدين”،(ص:133)، عدة أَشْيَاءَ هِيَ قَوَاعِدُ وأسس إصلاح الدنيا :والدين هو الأساس الأول والأعظم في إصلاح الدنيا، قال:” الدِّينَ أَقْوَى قَاعِدَةٍ فِي صَلَاحِ الدُّنْيَا وَاسْتِقَامَتِهَا، وَأَجْدَى الْأُمُورَ نَفْعًا فِي انْتِظَامِهَا وَسَلَامَتِهَا”، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ، قَالَ: "قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللهُ بِمَا آتَاهُ "، وعَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "طُوبَى لِمَنْ هُدِيَ إِلَى الإِسْلَامِ، وَكَانَ عَيْشُهُ كَفَافًا وَقَنَع”، وسؤال العبد ربه صلاح آخرته يشتمل على ثلاثة أركان:التوفيق لفعل الطاعات والتسديد في فعلها، والمداومة على ذلك حتى يلاقاه، والتوفيق لحسن الخاتمة، وخلاصة القول: هذا الحديث من أدعية نبينا ﷺالمأثورة ومن جوامع كلمه ، تضمن الدعاء بخيري الدنيا والآخرة، فقد دعا أولاً بصلاح الدين الذي هو رأس الأمر وزمامه، ثم دعا بصلاح الحال في الدنيا التي يعيش فيها وعليها يترتب المصير في الآخرة، ثم دعا بصلاح الآخرة التي إليها المصير والمعاد، ثم دعا الله أن تكون الحياة سبباً في زيادة الخير ورفع الدرجات، وأن يكون الموت إذا حان الأجل سبباً وخلاصاً من شرور الدنيا وآفاتها وأكدارها، وبهذا يعلمنا ﷺ أن ندعو بخيري الدنيا والآخرة؛ كما قال تعالى:{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ{[البقرة:201]
فقه وفوائد الحديث:
1- الدين ينمي لدى المسلم شعورا بمسؤوليته الذاتية تجاه نفسه ومجتمعه، وتجاه ربه، وعن أفعاله كافة،”فَلِأَنَّهُ يَصْرِفُ النُّفُوسَ عَنْ شَهَوَاتِهَا، وَيَعْطِفُ الْقُلُوبَ عَنْ إرَادَتِهَا، حَتَّى يَصِيرَ قَاهِرًا لِلسَّرَائِرِ، زَاجِرًا لِلضَّمَائِرِ، رَقِيبًا عَلَى النُّفُوسِ فِي خَلَوَاتِهَا، نَصُوحًا لَهَا فِي مُلِمَّاتِهَا. وَهَذِهِ الْأُمُورُ لَا يُوصَلُ بِغَيْرِ الدِّينِ إلَيْهَا، وَلَا يَصْلُحُ النَّاسُ إلَّا عَلَيْهَا. فَكَأَنَّ الدِّينَ أَقْوَى قَاعِدَةٍ فِي صَلَاحِ الدُّنْيَا وَاسْتِقَامَتِهَا، وَأَجْدَى الْأُمُورَ نَفْعًا فِي انْتِظَامِهَا وَسَلَامَتِهَا، وَلِذَلِكَ لَمْ يُخْلِ اللَّهُ تَعَالَى خَلْقَهُ، مُذْ فَطَرَهُمْ عُقَلَاءَ، مِنْ تَكْلِيفٍ شَرْعِيٍّ، وَاعْتِقَادٍ دِينِيٍّ يَنْقَادُونَ لِحُكْمِهِ ” فالدين ضروري للعبد في الدنيا والآخرة، والرِّسَالَةُ ضَرُورِيَّةٌ فِي صَلَاحِ الْعَبْدِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ، فَكَمَا أَنَّهُ لَا صَلَاحَ فِي آخِرَتِهِ إِلَّا بِاتِّبَاعِ الرِّسَالَةِ، فَكَذَلِكَ لَا صَلَاحَ لَهُ فِي مَعَاشِهِ وَدُنْيَاهُ إِلَّا بِاتِّبَاعِ الرِّسَالَةِ، فَالْإِنْسَانُ مُضْطَرٌّ إِلَى الشَّرْعِ، فَإِنَّهُ بَيْنَ حَرَكَتَيْنِ حَرَكَةٍ يَجْلِبُ بِهَا مَا يَنْفَعُهُ، وَحَرَكَةٍ يَدْفَعُ بِهَا مَا يَضُرُّهُ، وَالشَّرْعُ هُوَ النُّورُ الَّذِي يُبَيِّنُ مَا يَنْفَعُهُ وَمَا يَضُرُّهُ، فَهُوَ نُورُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ، وَعَدْلُهُ بَيْنَ عِبَادِهِ، وَحِصْنُهُ الَّذِي مَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ، وما شرعت الطاعات إلا لنفع العباد في العاجل والآجل، ولهذا كان حفظ الدين أهم الضروريات الخمس، ومقصد المقاصد، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} وكان من دعائه ﷺ: «اللهم أصلح لي ديني ..”، أي:الذي هو حافظ لجميع أموري، فإن من فسد دينه فسدت جميع أموره، وخاب وخسر في الدنيا والآخرة، فلو تعرض الدين للضياع أو التحريف والتبديل لضاعت المقاصد الأخرى، وخربت الدنيا، ولو راعى المكلفون هذا المقصد لحافظوا على مقاصد الشريعة الأخرى
2-الوسطية من أبرز خصائص هذه الأمة،ن والوسطية واضحة في مثل قوله تعالى:{وَالَّذِينَ إذَا أَنفَقُوا لَمْ
يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً}[الفرقان: 67]،وفي قوله:{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}[القصص: 77]،وقوله: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً}[البقرة: 201] ،وفي دعائه: "اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي…”، وكذا: فإن الوسطية سمة ثابتة بارزة في كل باب من أبواب الإسلام: في لاعتقاد، والتشريع، والتكليف، والعبادة، والشهادة والحكم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله، والأخلاق والمعاملة، وكسب المال وإنفاقه، ومطالب النفس وشهواتها ، ومن ينظر في شريعة الإسلام يجدها كافية وافية شافية، جاءت بما فيه كمال الروح والبدن وصلاح الفرد والأمة وهناء العالم بأسره فأقامت البرهان على أن الإسلام دين إنساني عالمي واقعي نزل من السماء ليحكم الأرض وليملأها عدلا وسلاما، ومحبة ووئاما، ورخاء ورفاهية ولأن الإسلام دين واقعي التزم في كل ما شرعه أن يلائم طاقة الإنسان، ويناسب مقدرته فلا يكلفه شططا، ولا يرهقه عسرا، ولا يطلب منه ما يحرجه أو يشق عليه قال تعالى:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}، وقال:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا}، وقال: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفاً}، وقال:{مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}،وتمشيًا مع واقع الإنسان، وتقديرا لظروفه، ومسايرة لطبيعته وخصائصه اهتم الإسلام بشئون دنياه كما اهتم بشؤون أخراه، فلم يفرض عليه أن يعتزل الناس، وينقطع لعبادة الله ويهمل أمر نفسه، ويغفل مطالبه الجسمية، وغرائزه النفسية كلا، فقد سمح له بأن ينال حظه من العاجلة، ويستجيب لغرائزه، ويسَّر له الطريق في غير إفراط ولا تفريط، وهيأ له السبيل في حدود الاعتدال والكمال، وفي كتاب الله تقدير وتكريم لمن يقول: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}، لم ينكر الله عليهم أن يطلبوا الدنيا، وكذلك لم ينكر عليهم أن يقدموها في الطلب على الآخرة، وفي السنة النبوية إرشاد لنا بأن نتوجه إلى الله بهذا الدعاء: "اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي ….”، وتطبيقا لنظرة الإسلام الدنيوية عني الرسول ﷺ بأن يزيل ما وقع في ذهن حنظلة من التباس، وما سرى إليه من وهم حين زعم أنه نافق لأنه تشاغل بشؤون أهله وماله، أخرج مسلم في "صحيحه”،(2750): عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ، قَالَ: – وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ قَالَ: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ؟ يَا حَنْظَلَةُ قَالَ: قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، فَنَسِينَا كَثِيرًا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ "وَمَا ذَاكَ؟ ” قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ نَكُونُ عِنْدَكَ، تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً” ثَلَاثَ مَرَّات”،كذلك صحح الرسول ﷺ نظرة أصحابه الذين حسبوا أن الغلو في العبادة مما يتقرب به إلى الله، وأن إهمال النفس والأهل مما ينالون به رضاه،أخرج البخاري في "صحيحه”،(1153)، عَنْ عَبْد اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ لِي النَّبِيُّ ﷺ:”أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ؟» قُلْتُ: إِنِّي أَفْعَلُ ذَلِكَ، قَالَ: "فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتْ عَيْنُكَ، وَنَفِهَتْ نَفْسُكَ، وَإِنَّ لِنَفْسِكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ حَقًّا، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ” ، وأخرج البخاري في "صحيحه”،(5063): عن أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ ﷺ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ:” أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي” ، هكذا رتب الإسلام حياة الإنسان، ووضع لها أكمل نظام راعى مطالب جسمه ، وراعى مطالب غريزته ، وراعى حقوق الناس ، لم ينس الإسلام أي حق بل جاء ليعطي لكل ذي حق حقه، في حدود الاعتدال والكمال، حافظ على صحة الإنسان وحث على توقي الأخطار والأضرار قال تعالى: {خُذُوا حِذْرَكُم}،وقال:{وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}، وقال ﷺ: "لا يوردن ممرض على مصح” ، ودعا إلى العلاج والتداوي قال ﷺ:” يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً، أَوْ قَالَ: دَوَاءً إِلَّا دَاءً وَاحِدًا” ، توازن عجيب بين الدين والدنيا، ولنا في رسولنا وقدوتنا المثل الأعلى والقدوة الطيبة، فهو الذي وازن بين الدين والدنيا، وبين الروح والمادة موازنة تتألق سمواً وروعة وجلالاً وكمالاً، جمع صلى الله عليه وآله وسلم بين الدين والدنيا، وبين الروح والمادة، لم يغلب جانباً على حساب جانب، ولم يفرط في جانب على حساب جانب، كلا، ويظهر موقف المسلم في هذا الدعاء النبوي الذي يجمع الدين والدنيا والآخرة، فلا غنى له عن واحد منها،”اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي..”، فاهتم الإسلام بالحياتين وجمع بين الحسنيين وجعل الدنيا مزرعة الآخرة وأنكر على الغلاة تحريم الزينة والطيبات، وأنكر على الآخرين انهماكهم في الترف والشهوات، قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ}[ محمد:12]، وقال جل شأنه: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}[الأعراف:31-32] ، فالإسلام لا يدعو إلى الرهبنة والانقطاع للعبادة، وإنما يدعو إلى الوسطية بين طلب الدنيا وطلب الآخرة، فهو القائل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)}[الجمعة: 9 – 10]، وقد دعا ﷺ أمته إلى الاعتدال في أمور الدين والدنيا، وحذر النبي ﷺ من الغلو في الدين وهو المغالاة والتعسير على النفس والتشديدعليها، مما يؤدي إلى الملل، وترك الواجبات، وترك ما أحل الله تعالى لعباده، وإلزام الإنسان نفسه بما لا يلزمه به الشرع،أخرج مسلم في "صحيحه”،(2760)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: "هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ” قَالَهَا ثَلَاثًا، والمتنطعون: أي المتشددون في غير موضع التشدد ،وأخرج البخاري في "صحيحه”،(39)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:”إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ”، فسددوا: أي توسطوا في العمل، وقاربوا: أي دون إفراط ولا تفريط، فالإفراط هو مجاوزة الحد والغلو فيه، والتفريط هو التقصير في الشيء وتضييعه
3- صلاح العبد في أقواله وأعماله واعتقاداته إنما يكون بتوفيق الله سبحانه وتعالى، ولهذا فإن حاجة العبد إلى إصلاح الله له وتوفيقه هي أعظم الحاجات، وأكبر الأمور التي ينبغي للعبد أن يسعى في طلبها ونيلها، وإذا لم يوفق الله عبده لذلك ضل، كما كان النبي ﷺوأصحابه يرتجزون يوم الخندق:” وَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا … وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا "، وفي القرآن يقول الله تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً}، ويقول سبحانه: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}، والآيات في هذا المعنى كثيرة.ولو تأملت أدعية النبي ﷺلوجدت الكثير منها يدور حول هذا المعنى ، ومنها حديثنا ومن أنفع ما يكون في ملاحظة مستقبل الأمور استعمال هذا الدعاء وكذلك قوله:” اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ”، فإذا لهج العبد بهذا الدعاء الذي فيه صلاح مستقبله الديني والدنيوي بقلب حاضر، ونيةٍ صادقة، مع اجتهاده فيما يُحقق ذلك، حقق الله له ما دعاه ورجاه وعمل له، وانقلب همه فرحاً وسروراً ، يقول الغزي في” حسن التنبه لما ورد في التشبه”،(3/65-67):”الصالحين إنما أصلحهم الله تعالى، وأنه إنما يطلب الصلاح بتوفيق الله إليه، ولا شك أن من أصلح الله له دينه ودنياه وآخرته فقد استكمل الصلاح، وظفر بالفلاح، وتمت سعادته، وقد جمع رسول الله ﷺ لفاطمة رضي الله تعالى عنها مبسوط هذا الدعاء في كلمة واحدة؛ فروى النسائي في "عمل اليوم والليلة”، والحاكم -وصححه على شرطهما- والبيهقي في "الشعب” عن أنس رضي الله تعالى عنه: أن النبيﷺ قال لها: "يا فاطِمَةُ! ما يَمْنَعُكِ أَنْ تَقُولي: يا حَيُّ يا قَيُّومُ! بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، لا تَكِلْنِي إِلَى نفسِيَ طَرْفَةَ عَينٍ، وَأَصْلحْ لِي شَأْنِيَ كُلَّهُ”، ورواه أبو بكر بن السُّني عنه، ولفظه: قال رسول الله -ﷺ- لفاطمة رضي الله تعالى عنها: "ما يَمْنَعُكِ أَنْ تَسْمَعِي ما أُوْصِيكِ، تَقُولي إِذا أَصْبَحْتِ وَإِذا أَمْسَيْتِ: يا حَىُّ يا قَيُّومُ! بِكَ أَسْتَغِيثُ؛ فَأَصْلِحْ لِي شَأْنِيَ كُلَّهُ، وَلا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِيَ طَرْفَةَ عَينٍ”، وروى الخطيب عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أن النبيﷺ قال لها رضي الله تعالى عنها: "يا فاطِمَةُ! ما لِيَ لا أَسْمَعُكِ بِالغَداةِ وَالعَشِيِّ تَقُولينَ: يا حَيُّ يا قَيُّومُ! بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ؛ أَصْلِحْ لِي شَأْنِيَ كُلَّهُ،وَلا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي”،الحديث أخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة” (ص: 381)، والحاكم في "المستدرك” (2000)، والبيهقي في "شعب الإيمان” (760).(3)،وابن السني في "عمل اليوم والليلة” (ص: 48)،و الخطيب في "تاريخ بغداد” (8/ 48)
4- الدعاء بالمأثور وفوائده:إذا كان الدعاء عبادة؛ وجب أن يختص بالله، وأن يحترز فيه من الوقوع في الشرك أو فيما هو ذريعة إليه، ولهذا نصح العلماء للداعين أن يدعوا بالمأثور، ففي” شرح ابن علان للأذكار النووية ” عن عياض، أنه قال: ” أذن الله في دعائه، وعلم الدعاء في كتابه لخليقته، وعلم النبي ﷺ الدعاء لأمته، واجتمع فيه ثلاثة أشياء: العلم بالتوحيد، والعلم باللغة، والنصيحة للأمة؛ فلا ينبغي لأحد أن يعدل عن دعائه ﷺ، وقد احتال الشيطان للناس من هذا المقام؛ فقيض لهم قوم سوء يخترعون لهم أدعية يشتغلون بها عن الاقتداء بالنبي ﷺ، وأشد ما في الحال أنهم ينسبونها إلى الأنبياء والصالحين، فيقولون: دعاء نوح! دعاء يونس! دعاء أبي بكر الصديق!! فاتقوا الله في أنفسكم، لا تشتغلوا من الحديث إلا بالصحيح” ،جاء في "الدر المختار”،(2/ 630) – وهو من أشهر كتب الحنفية – ما نصه: عن أبي حنيفة: لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به، والدعاء المأذون فيه، المأمور به، ما استفيد من قوله تعالى:{ وَلِلّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}[الأعراف: 180]،يقول النووي في "المجموع شرح المهذب”،(4/656):” وَمَنْ آدَابِ الدُّعَاءِ كَوْنُهُ فِي الْأَوْقَاتِ وَالْأَمَاكِنِ وَالْأَحْوَالِ الشَّرِيفَةِ وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَرَفْعُ يَدَيْهِ وَمَسْحُ وَجْهِهِ بَعْدَ فَرَاغِهِ وَخَفْضُ الصَّوْتِ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ وأن لا يتكلف السَّجْعَ وَلَا بَأْسَ بِدُعَاءٍ مَسْجُوعٍ كَانَ يَحْفَظُهُ وَكَوْنُهُ خَاشِعًا مُتَوَاضِعًا مُتَضَرِّعًا مُتَذَلِّلًا رَاغِبًا رَاهِبًا وَأَنْ يُكَرِّرَهُ ثَلَاثًا وَلَا يَسْتَعْجِلَ الْإِجَابَةَ وَأَنْ يَكُونَ مَطْعَمُهُ وَمَلْبَسُهُ حَلَالًا وَأَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى وَيُصَلِّيَ وَيُسَلِّمَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ وَيُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ بِظَهْرِ الْغَيْبِ لِلْأَهْلِ وَالْأَصْحَابِ وَغَيْرِهِمْ وَطَلَبِ الدُّعَاءِ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَخَادِمِهِ وَمَالِهِ وَنَحْوِهَا وَيُسَنُّ الْإِكْثَارُ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ”، وملازمة الذكر والدعاء فيه استجلاب كل خير وبركة، ودفع كل بلاء وضر، وقرب من الرحمن ونيل رضاه وبعدٌ عن الشيطان وطرد له ولأعوانه، وقد كان رسول الله ﷺ أيضًا يرشد إلى ملازمة الذكر والدعاء، كما أنه يذكر الله على كل أحيانه فإنه يدعو ربه في كل الأحيان بكل خير من خيري الدنيا والآخرة، ويدعو كذلك لأصحابه بما ينفعهم في دينهم ودنياهم وأخراهم ، وللدعاء آداب يجب مراعاتها والأخذ بها ومنها: الجزم فيه واليقين على الله بالإِجابة،وحضور القلب وعدم الغفلة عند الدعاء، والدعاء في كل الأحوال، وأن يخفض صوته بين المخافتة والجهر، وأن يسأل الله بأسمائه الحسنى، ويثني عليه، ويصلي ويسلم على رسول الله ﷺ، وأن يتوخَّى أوقات الإِجابة، ولا يتكلف السجع في الدعاء، وأن يكون مستقبلاً القبلة، رافعًا يديه، متوضئًا قبله، مع إظهار الافتقار والضعف والشكوى إلى الله عز وجل والله يجيب دعاء من دعاه ولكن قد يؤخر الإِجابة لحكمة بالغة: ليُكثر العبد من دعاء خالقه وخشوعه بين يديه؛ ليحصل له بهذا من خير العظيم وصلاح القلب ما هو أنفع له من حاجته، وقد يؤخرها الله لحكم أخرى هو أعلم بها، ويتخيَّر المسلم الأدعية الجامعة التي أخبر النبي ﷺأنَّها مظنَّةُ الإجابة، أو أنَّها متضمِّنَةٌ لاسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب، وإذا سُئل به أعطى، إلاَّ أنَّ ها هنا أمراً نبَّه عليه أهل العلم لا بدَّ من العناية به وتحقيقه، وهو أنَّ الداعيَ ينبغي له مع قيامه بالدعاء مستوفياً لشروطه وآدابه أن يستتبع ذلك القيامَ بلوازم ذلك ومُتَمِّماته، وذلك بالسعي والجدِّ والاجتهاد في نيل المطلوب ” فسؤال الله الهدايةَ يستدعي فِعلَ جميعِ الأسبابِ التي تُدركُ بها الهدايةُ؛ العلميةُ والعمليةُ، وسؤالُ الله الرحمةَ والمغفرةَ يقتضي مع ذلك فعل الممكن من الأسباب التي تُنال بها الرحمة والمغفرة، وهي معروفة في الكتاب والسنة، وإذا قال الداعي: اللَّهمَّ أَصلِح لي ديني الذي هو عِصمةُ أمري، وأَصلِح لي دنياي التي فيها معاشي، إلى آخره يقتضي في هذا الطلب والالتجاء إلى الله أن يَسعى العبدُ في إصلاح دينه بمعرفة الحقِّ واتِّباعه، ومعرفة الباطل واجتنابه، ودفع فتن الشبهات والشهوات، ويقتضي أن يسعى ويقومَ بالأسباب التي تَصلُحُ بها دنياه، وهي متنوعةٌ بحسب أحوال الخلق، وإذا قال الداعي:{رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ المُسْلِمِينَ}، فمع هذا التضرع إلى الله يسعى في شكر نعم الله عليه وعلى والديه اعترافاً وثناءً وحمداً واستعانةً بها على طاعته، وتعرّف الأعمال الصالحة التي ترضي الله والعمل بها، والسعي في تربية الذرية تربية إصلاحية دينية، وهكذا ،وقال ابن عباس كما في "صحيح البخاري”،(6337):” فَانْظُرِ السَّجْعَ مِنَ الدُّعَاءِ فَاجْتَنِبْهُ، فَإِنِّي عَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ يَعْنِي لاَ يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ الِاجْتِنَابَ ” ،وأخرج الترمذي في "جامعه”،(486):”عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، قَالَ: "إِنَّ الدُّعَاءَ مَوْقُوفٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَا يَصْعَدُ مِنْهُ شَيْءٌ، حَتَّى تُصَلِّيَ عَلَى نَبِيِّكَ ﷺ”،وأخرج معمر بن راشد في "جامعه”،(19790)، عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: فِي حِكْمَة آل دَاوُد وَحقّ على الْعَاقِل أَن لَا يشْتَغل عَن أَربع سَاعَات: سَاعَة يُنَاجِي ربه وَسَاعَة يُحَاسب فِيهَا نَفسه وَسَاعَة يُفْضِي فِيهَا إِلَى اخوانه الَّذين يخبرونه بعيوبه ويصدقونه عَن نَفسه وَسَاعَة يخلي بَين نَفسه وَبَين لذاتها فِيمَا يحل ويجمل فَإِنَّهُ هَذِه السَّاعَات: عون على هَذِه السَّاعَات وَإِجْمَاع للقلوب وَحقّ على الْعَاقِل أَن يكون عَارِفًا بِزَمَانِهِ حَافِظًا لِلِسَانِهِ مُقبلا على شَأْنه وَحقّ على الْعَاقِل أَن لَا يظعن إِلَّا فِي احدى ثَلَاث: زَاد لِمَعَاد أَو مرمة لِمَعَاش أَو لَذَّة فِي غير محرم”،وأخرج ابن عساكر بسنده في "تاريخ دمشق”،(18/185)، عن الربيع بن أنس عن أبي العالية قال:” إن الله تعالى قضى على نفسه أن من آمن به هداه؛ وتصديق ذلك في كتاب الله (وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ)، ومن توكل عليه كفاه، وتصديق ذلك في كتاب الله (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)، ومن أقرضه جازاه، وتصديق ذلك في كتاب الله (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً)؛ ومن استجار من عذابه أجاره، وتصديق ذلك في كتاب الله (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً)، والاعتصام الثقة بالله، ومن دعاه أجابه، وتصديق ذلك في كتاب الله (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) "، ويقول ابن القيم في ” الفوائد” (ص:51):” لَا تسأم من الْوُقُوف على الْبَاب وَلَو طردت ".
5- يقول ﷺ: ” لا يتمنيّن أحدكم الموت من ضر أصابه”، وهذا نَهْيٌ في صورة النفي للمبالغة، قال القاري:” والنفي بمعنى النهي أبلغ، لإفادته أن من شأن المؤمن انتفاء ذلك عنه، وعدم وقوعه بالكلية منه، والمعنى لا يحل للمؤمن أن يتمنّى الموت من أجل ضرر دنيوي لحق به لأن معناه التبرم من قضاء الله ” فإن كان لا بد فاعلاً ” أي فإن ضاقت به الأحوال واشتدت النوائب حتى اضطرته أن يتمنى، شيئاً تنفيساً عن نفسه وابتغاءً لفرج الله ” فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي ” أي أبقني حياً إن كان بقائي في هذه الحياة تترتب عليه منفعة في ديني ودنياي وعاقبة أمري ” وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً "، أي واقبضني إليك على الإيمان والطاعة، إذا كان ذلك خيراً لي في ديني ودنياي وعاقبة أمري، أو كان بقائي في هذه الدنيا يعرضني للفتنة، وسوء الحال والمآل، دل الحديث على أَنه يستحب للعبد المؤمن إذا اشتدت وعليه الَكروب أن يصبر، ويلجأ إلى الصلاة والتضرع والدعاء، وأن يقول كما علمه رسول الله ﷺ: ” اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي…. "، والله أعلم ، ويقول الصنعاني في "سبل السلام”،(2/716):”تَضَمَّنَ الدُّعَاءُ بِخَيْرِ الدَّارَيْنِ وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ الدُّعَاءِ بِالْمَوْتِ بَلْ إنَّمَا دَلَّ عَلَى سُؤَالِ أَنْ يَجْعَلَ الْمَوْتَ فِي قَضَائِهِ عَلَيْهِ وَنُزُولِهِ بِهِ رَاحَةً مِنْ شُرُورِ الدُّنْيَا وَمِنْ شُرُورِ الْقَبْرِ لِعُمُومِ كُلِّ شَرٍّ أَيْ مِنْ كُلِّ شَرٍّ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ”، وفي ” البدرُ التمام شرح بلوغ المرام”،(10/477):”تضمن هذا الحديث الدعاء بخير الدنيا والآخرة، وفيه دلالة على أنه يجوز الدعاء بالموت إذا خاف على نفسه الفتنة، وظاهره: ولو كانت الفتنة في الدنيا بوقوع المضار، ولكنه معارض بحديث: "لا يتمنَّيَن أحدكم الموت لضر نزل به”، ويحمل هذا على أن المراد بالشر ما كان من الشرور المتعلقة بالدين، والله أعلم”.
6-من فوائد الحديث: أنه ينبغي للإنسان أن يدعو بهذا الدعاء السببين: الأول: ما فيه من الفائدة العظيمة العائدة للإنسان, والثاني: التأسي برسول الله ، ومن فوائد الحديث: أن الدين أهم شيء على الإنسان؛ لأن النبي ﷺبدأ به, ولهذا إذا أردت أن تدعو الله لشخص بصلاحه قل: أصلح الله لك الدين والدنيا, فابدأ بالدين، لأنه إذا صلح الدين صلحت الدنيا, دليل ذلك قوله تعالى:{مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]
7-إنّ التفريق بين شؤون الدّنيا وشؤون الآخِرة كان سببَ التّخلّف الذي أزرى بأمّتنا وأقعدها عن نشرِ رسالتِها، حين فهِم أقوامٌ مِن ذمّ الدّنيا إهمالَ الحياة الدّنيا وتركَ عمارتها والهروبَ عن إصلاحها وتنميتها والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولّد فيهم ذلك سلبيةً مقيتة وانهزاميّة وضعفًا وخوَرًا يأباه الدّين، قال تعالى:{ وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا ءاتِنَا فِى الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}[البقرة:201]، الحسنة في الدّنيا تشمَل كلَّ مطلوبٍ دنيويّ من عافية ودارٍ رحبة ورزق واسع وعلمٍ نافع وعمل صالح ومركَب هجِل وثناءٍ جميل، والحسنة في الآخرة أعلاها دخولُ الجنّة وتوابعُه من الأمنِ من الفزع الأكبر وتيسير الحساب، فالدّنيا في المفهوم الإسلاميّ وسيلة وذريعةٌ لتحصيل مقاصدِ الشريعة ومطيّة للآخرة، فإنّها إذا فسدت فربّما أدّى فسادُها إلى إيقاف الدّين، فلا شكّ أنّ الدين سيضعف إذا وصل حالُ أهلها إلى قلّةِ الرزق ، فلا يُقبَل أن يقول مسلم: أنا أحفظ ديني وأدَع الدنيا يُعبَث بها ويُفسد فيها؛ لأنّ من صلحت حاله مع فساد الدّنيا واختلال أمورِها لم يعدم أن يتعدّى إليه فسادُها ويقدح فيه اختلالها؛ لأنّه منها يستمدّ، ومن فسَدت حاله مع صلاح الدّنيا وانتظام أمورِها لم يجِد لصلاحها لذّةً ولا لاستقامتها أثرًا؛ لأنّ الإنسانَ دنيا نفسِه،أخرج الحافظ أبو نعيم ٍ في "حلية الأولياء”،(10/56)، عن يَحْيَى بْنَ مُعَاذٍ الرَّازِيَّ يَقُولُ: ” النَّاسُ ثَلَاثَةٌ: فَرَجُلٌ شَغَلَهُ مَعَادُهُ عَنْ مَعَاشِهِ , فَتِلْكَ دَرَجَةُ الصَّالِحِينَ وَرَجُلٌ شَغَلَهُ مَعَاشُهُ لِمَعَادِهِ فَتِلْكَ دَرَجَةُ الْفَائِزِينَ وَرَجُلٌ شَغَلَهُ مَعَاشُهُ عَنْ مَعَادِهِ , فَتِلْكَ دَرَجَةُ الْهَالِكِينَ”، أما الآثار الواردة في ذم الدنيا في كتاب الله تعالى وفي سنة رسوله ﷺ إذا كانت تشغل العبد عن طاعة الله مما يكون قبل الموت، وعلى هذا فإن الأموال والأولاد والمناصب إذا استعان بها صاحبها على طاعة الله فليست مذمومة، وإذا شغلت عن طاعة الله أو أدت إلى معصيته فهي مذمومة ، وقد أورد الماوردي أن رجلاً ذَمَّ الدُّنْيَا عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ رضي الله عنه: الدُّنْيَا دَارُ صِدْقٍ لِمَنْ صَدَقَهَا، وَدَارُ نَجَاةٍ لِمَنْ فَهِمَ عَنْهَا، وَدَارُ غِنًى لِمَنْ تَزَوَّدَ مِنْهَا، وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ – رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ -: مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ: إذَا كَانَ فِي الْبَيْتِ بُرٌّ فَتَعَبَّدْ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فَاطْلُبْ، يَا ابْنَ آدَمَ حَرِّكْ يَدَك يُسَبَّبْ لَك رِزْقُك. انتهي من ” أدب الدين والدنيا "،(ص:131)،وهذا الحديث وأمثاله من الأحاديث التي جمعت للعباد بين مصالح الدين والدنيا ، يبين النظرة الشاملة الكاملة لدين الإسلام التي تجمع للعباد بين مصالح الدين والدنيا، والتلازم والترابط الوثيق بين إصلاح الدين وإصلاح الدنيا وإصلاح الآخرة، فلا صلاح للدنيا بدون إصلاح الدين، ولا صلاح للدين بدون صلاح الدنيا، ولا صلاح للآخرة بدونهما، وفي النهاية نقول: هذا دعاء عظيم من جوامع كلمه ﷺ، جمع خير الدنيا والآخرة، والدين والدنيا،وكان ﷺ يحب الجوامع من الدعاء ويدع ما سوى ذلك، كدعاءه هنا بصلاح الدنيا والدين والمعاد التي جمعها في هذا الحديث ، فحقٌّ على كل سامع له أن يحفظه، ويدعو به آناء الليل وآناء النهار، لعل الإنسان يوافق ساعة إجابة، فيحصل على خيري الدنيا والآخرة
يَا خَالِقَ الْخَلْقِ يَا رَبَّ الْعِبَـادِ وَمَنْ *** قَدْ قَالَ فِي مُحْكَمِ التَّنْزِيلِ أُدْعُونِ
إِنِّي دَعَوْتُكَ مُضَطَرًّا فَخُـذْ بِيَـدِي *** يَا جَاعِلَ الأَمْرِ بَيْنَ الكَافِ وَالنُّونِ
برحمتك يا أرحم الراحمين
يَا مَن يَرَى مَا فِي الضَّمِيرِ وَيَسْمَعُ … أنْتَ المُعَدُّ لِكُلِّ مَا يُتَوَقَّعُ
يَا مَنْ يُرَجَّى لِلشَّدَائِدِ كُلِّهَا … يَا مَنْ إِلَيْهِ المُشْتَكَى وَالْمَفْزَعُ
يَا مَنْ خَزَائِنُ مُلْكِهِ فِي قَوْلِ كُنْ … امْنُنْ فَإِنَّ الْخَيْرَ عِنْدَكَ أجْمَعُ
مالِي سِوى فَقْرِي إِلَيْكَ وَسِيلَةٌ … وَبالاْفتِقَارِ إِلَيْكَ فَقْرِي أدْفَعُ
مَالِي سِوَى قَرْعِي لِبَابِكَ حِيلَةٌ … فَإِذَا رَدَدْتَ فأيَّ بَابٍ أقْرَعُ
وَمَنِ الَّذِي أدْعُو وَأهْتِفُ بِاسْمِهِ … إِنْ كَانَ فَضْلُكَ عَنْ فَقِيرِكَ يُمْنَعُ
حَاشا لِفَضْلِكَ أنْ يُقَنِّطَ عاصيًا … الْفَضْلُ أجْزَلُ وَالْمَوَاهِبُ أوْسَعُ
وَآخِرُ دَعْوَانَا بِتَوْفِيقِ رَبِّنَا ………. أَنِ الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي وَحْدَهُ عَلَا
وَبَعْدُ صَلاَةُ اللهِ ثُمَّ سَلاَمُهُ …….. عَلَى سَيِّدِ الْخَلْقِ الرِّضَا مُتَنَخِّلَا
مُحَمَّدٍ الْمُخْتَارِ لِلْمَجْدِ كَعْبَةً ……. صَلاَةً تُبَارِيْ الرِّيحَ مِسْكاً وَمَنْدَلَا
وَتُبْدِي عَلَى أَصْحَابِهِ نَفَحَاتِهَا……… بِغَيْرِ تَنَاهٍ زَرْنَبًا وَقَرَنْفُلَا الحواشي: – عصر الجمعة:26 من ذي القعدة 1441ه ، 17من يولية 2020م
– مستلةً من مقدمة ابن الهمام لكتابه:”فتح القدير”،(1/7)
-أخرجه ابن السُّنِّي في "المسند”،(32/344)،( 19574)،وصححه النووي في "الأذكار”،وقال ابن حجر في "نتائج الأفكار” (ص268):” في الحكم على الإسناد بالصحة نظر..”، وقال الارنوؤط: حديث حسن لغيره.
-ينظر:”جامع الأصول”،(4/333)، و”توضيح الأحكام”،(7/581)
-ينظر:” تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم”،(ص:358)
-ينظر:” السراج المنير شرح الجامع الصغير في حديث البشير النذير”،(1/309)،و”فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام”،(6/512)
-ينظر:” النشر في القراءات العشر”،(2/446)
-مهمات وجوامع في الدعاء، عبدالله بن صالح القصير ، ملتقي الخطباء
-” تطريز رياض الصالحين”،(1/809)
– يؤخذ من التعاريف اللغوية أن الدعاء هو:الإتجاه إلى الله تعالى بطلب نفع أو دفع ضر، أو رفع بلاء، أو النصر على عدو، أو نحو ذلك، فهذا الاتجاه بالسؤال المنبعث من القلب لله تعالى هو روح العبادة ومخها. ينظر:” مباحث العقيدة في سورة الزمر”،(ص:195-196)
-أخرجه النسائي في "الكبرى” (11400) وأبو داود في "سننه” (1479) والترمذي في "جامعه” (2969)
-ينظر:” معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول”،(2/443)
– وبهذا الإيمان يستريح بال المؤمن، ويطمئن قلبه، ولا تنزع به نازعة من عداوة أو بغضة أو مجافاة، لأى دين من الديانات السماوية، إذ كانت كلّها مجملة فى الإسلام، مطوية تحت جناحه.. ولعلّ هذا معنى من معانى كلمة «الإسلام» التي كانت عنوانا لهذا الدين، الذي يجد من يدين به، السلام بين مشاعره، كما يجد السلام مع الناس! وذلك صلاح البال على تمامه وكماله، والبال هو الحال والشأن، الذي يكون عليه الإنسان، يقال: ما بال فلان؟ أي ما شأنه؟ وما حاله؟. ينظر:” التفسير القرآني للقرآن "،(13/308)
-ينظر:”معالم التنزيل في تفسير القرآن”،للبغوي،(7/247)
-ينظر:” معالم التنزيل في تفسير القرآن”،(5/42)،و”تفسير القرآن العظيم”، لابن كثير(4/586)
-ينظر:”تفسير القرآن العظيم”، لابن كثير(4/350)
-ينظر:”شرح الدعاء من الكتاب والسنة”،(ص:308-312)
– فالمعصية تورث الذل ولا بد، فالعز كل العز في طاعة الله تعالى، قال تعالى:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا}[فاطر: 10]أي فليطلبها بطاعة الله فانه لا يجدها إلا في طاعته.ينظر:” ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي”،(ص:422)
-ينظر:” المفاتيح في شرح المصابيح” للمظهري الحنفي (3/ 243)،و”غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب”، (2/ 548)،و”فقه الأدعية والأذكار”،(2/ 153)،و”فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب”، (9/ 272)
-ينظر:”أدب الدنيا والدين”،(ص:134)
-ينظر:”مجموع الفتاوي”،(19/99)،و” لوامع الأنوار البهية”،(2/261)، و” الإسلام أصوله ومبادؤه "،(2/79)
-ينظر:”مجموع الفتاوى”،( 19/ 99)،و”الموافقات”،للشاطبي،( 2/ 6)،و ” مجلة البحوث الإسلامية”،(90/329)
-ينظر:” مجلة البيان”،(114/48)
-ينظر:”مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية”،(5/424-426)
-ينظر:”وسطية الإسلام وسماحته ودعوته للحوار”،(ص:29-30)
-ينظر:”موسوعة الأخلاق والزهد والرقائق”،(2/18)
-ينظر:” تذكرة المؤتسي شرح عقيدة الحافظ عبد الغني المقدسي”، (ص:31-32)
-ينظر:” الوسائل المفيدة للحياة السعيدة”،(ص:23)
-ينظر:” رسالة الشرك ومظاهره”،(ص:276)
-ينظر:”مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية”،(47/254)
– يراجع: "مجموع الفوائد واقتناص الأوابد”، لابن سعدي (ص:98)،و”فقه الأدعية والأذكار”،(2/153-154)
-ينظر:”منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري”،(5/205)
-ينظر:”فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب”،(1/89)
-ينظر:”الزيادة والإحسان في علوم القرآن”،(6/327)
-ينظر:”المفهم”، للقرطبي،(7/48)،و”الكوكب الوهَّاج”،(25/120)
– ينظر::” المستطرف في كل فن مستطرف "،(ص:486)
-"إرشاد السالك إلى أفعال المناسك”،(1/391)، هذه الأبيات لأبي القاسم عبد الرحمن السهيلي، أورد ابن فرحون ذلك عند ترجمته للإِمام السهيلي في: (الديباج 1/ 480 – 481).
-مقتبسةً من ختام ” حرز الأماني ووجه التهاني في القراءات السبع”، للشاطبي (1/84)
Leave a Reply