نجمٌ أفل وشمسٌ غربت

عبدالسلام بن صلاح الدين الفيضي المدني السير و التراجم

نجمٌ أفل وشمسٌ غربت
(خاطرة سريعة على وفاة المحقق الأصولي الشيخ علي حسين السلفي رحمه الله)


عد ظهر هذا اليوم بتاريخ ٢٣ يوليو، 2020م الموافق 2/12/1441هـ تلقى العالم بأسره نبأ وفاة العالم الكبير، الأصولي، المحقق، النحوي، المفتي، الفقيه الشيخ أبي جميلة علي حسين بن علي جان بن عالم مياں بن بوجن مياں الكاشفي السلفي ببالغ الحزن والأسى في خضم وفيات العلماء البارزين والمحدثين النابغين في الفترة الأخيرة، وكان قد قارب 68 عاماً حافلاً بالإنجازات العلمية والمسؤوليات الضخمة والعطاءات التربوية والإفادات التدريسية والمشاغل الفقهية والمناصب العلية، فسكن المتحرك وقعد الماشي وبكى تلاميذه ومحبوه وانهالت كلمات العزاء وجمل المواساة، فإنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله وأبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان.

ولد الشيخ -رحمه الله- في 23/1/1952م وذلك في قرية أجداده "بَرا سر شاه” بمديرية "باكُور” بولاية جاركند، وكان قد نشأ وترعرع في قريته وتعلم العلوم الابتدائية هناك، ثم توجه إلى مدرسة كاشف العلوم الكائنة بـ (دلهي) حتى تخرج فيها عامَ 1976م، ثم سافر إلى الجامعة السلفية ببنارس عامَ 1976م ليلتحق بها حتى يضطلع على أساتذتها البارعين ومشايخها النابغين في العلوم الشرعية والفنون الإسلامية والمناهج المقررة، وقد تخرج فيها عامَ 1981م بعد ما قضى فيها خمس سنوات متلمذاً على أيدي مشايخها ومن أبرزهم:
(1) فضيلة الشيخ العلامة شمس الحق السلفي –شيخ الحديث بالجامعة السلفية ببنارس ومفتيها-
(2) والشيخ المناظر العلامة رئيس الأحرار الندوي –صاحب المؤلفات الكثيرة الماتعة والمصنفات المفيدة-
(3) والشيخ الأديب الأريب العلامة الدكتور مقتدى حسن الأزهري -رئيس الجامعة السلفية وصاحب الكتب الكثيرة والمؤلفات النافعة-.
(4) والشيخ العلامة محمد إدريس آزاد الرحماني –الماهر في العلوم العقلية والنقلية-.
(5) والشيخ عبد السلام المدني –صاحب التصانيف والحواشي العديدة.
و بما أن الجامعة لمست منه أوصافه العلمية وصفاته الجميلة ومواهبه القوية في العلم والمعرفة وقدرته في الفنون الإسلامية وتمكنه من المناهج الشرعية وتضلعه في الحديث وعلومه ومهارته في التحقيق والتأليف وإبداعاته في الفقه والفتاوى وتحمسه في السلفية السنية، قامت بتعيينه فيها مدرساً ومعلماً ومربياً، وذلك عامَ 1981م إثرَ تخرجه فيها، فقد قضى حياته كلها ما يقارب نصف قرن ونذر نفسه لها ووقف عمره كله ولم يخرج منها إلا للدعوة إلى الله وإلقاء المحاضرات والمشاركة الفعالة في الندوات والمؤتمرات وقد تفانى في ذلك أيما تفانٍ.
عرف الشيخ –رحمه الله– واشتُهِر اشتهاراً عظيماً بتحقيقه الأنيق لكتاب (فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للإمام السخاوي) حتى عدَّه فضيلة الشيخ العلامة عبد الباري بن حماد الأنصاري –وفقه الله العلي- من أحسن الطبعات وأفضلها وأعلاها، وقد طبع الكتاب داخل الهند وخارجها عدة طبعات، أولها طبعة الجامعة السلفية ببنارس، وقد أثنى عليها فضيلة الشيخ عبد الكريم بن عبد الله الخضير –عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية– ثناءً عاطراً، كما أثنى عليه العلماءُ البارزون في هذا الفن من مشايخ العرب والعجم، وهذا يعتبر بلاشكٍ مفخرة عظيمة للشيخ السلفي –رحمه الله– وتحقيقه الأنيق.
كما أنه كان يتمتع بالأخلاق الفاضلة والأوصاف الجليلة والسمات الرفيعة والشيم الجميلة والخصال الحميدة، وكان ديِّناً خيراً متواضعاً منكسراً، يحب العلم و العلماء، مقدراً لهم و محباً، قريباً من طلابه وأحاسيسهم، ملتمساً احتياجاتهم وطلباتهم، ساعياً في إشباع رغباتهم العلمية، يعلمه ويشهد على ذلك كل من استفاد منه أو رآه أو لقيه أو عاصره، وبالأخص تلاميذه البررة وطلابه الذين تلمذوا على أيديه –رحمه الله – وتخرجوا عليه، مستفيدين من علمه الزاخر، وعددهم كثير يصعب إحصاءهم وحصرهم في ملف صغيرٍ ودفترٍ وجيزٍ، وأتمنى منهم أن يقوموا بكتابة المقالات عن حياته العلمية وشخصيته الفذة وما إلى ذلك.
و بما أنه –رحمه الله- كان يملك مكانةً مرموقةً ورتبةً عاليةً في الجامعة السلفية ببنارس فقد تقلد عديداً من المناصب العلية والمسؤوليات العظيمة فتولى –في الفترة الأخيرة– مشيخة تدريس البخاري فيها، ورئيساً لجنة الإفتاء بالجامعة، وعضواً فعَّالاً في اللجنة العلمية بالجامعة، وقد أدى دوره الملموس فيما أنيط إليه من التدريس والتعليم والتربية والإفادة والإفتاء، فقد كان نعم المعلم و نعم المربي، فرحمه الله رحمةَ الأبرار وأسكنه فسيح جناته.
وقد استفاد خلقٌ كثيرٌ من علومه الزاخرة ومداركه الفقهية وفتاويه الصادرة والمنشورة خلال صفحات مجلة (محدث) الأردية الشهرية الصادرة من الجامعة السلفية ببنارس، وقد تلمذ عليه الكثيرون الذين برزوا في ميادين العلم والدعوة فمنهم من برزَ في مجال التعليم والتربية، ومنهم من نبغَ في مجال الترجمة والتحقيق، ومنهم من ظهر في ميدان التأليف والتصنيف، ومنهم من فاق في ساحة الخطابة والدعوة وما إلى ذلك، وسوف يقوم طلابه ومحبوه بالتنقيب عن حياته الحافلة بالإنجازات العلمية والتحقيقات الأنيقة والعطاءات الرشيق – بإذن الله تعالى -.
ومما يوسف له كثيراً أن ولاية جاركند قد فقدت اليوم –كما فقد العالم كله – عالماً جليلاً وأصولياً نبيهاً ولغوياً كبيراً ومحققاً بارعاً وكاتباً نحريراً ومفتياً جليلاً ومحدثاً نبيلاً، فقد تجول في ربوع الهند داعيةً وواعظاً وناصحاً، كما أنه –رحمه الله- لم يألُ جهداً في نشر علمه وبث الوعي السليم في ولايته (جاركند) فقد كانت له مشاركات فعَّالة وجهود دعوية في الولاية يشهده القاصي والداني، وكانت له علاقات وطيدة وصلات متينة مع علمائها ومشايخها البارزين وقد حدثني بذلك أكثر من مرة الشيخ المفتي عبد العزيز الحقاني ـ شيخ الحديث بجامعة إصلاح المؤمنين و مفتيهاـ وكانا يتبادلان في كثيرٍ من أمور الفتوى والاجتهاد، كما أنهما كانا بالبحث عن سبل الفتوى والإرشاد في ولاية جاركند، فرحمه الله رحمة الأبرار وحفظ الشيخ الحقاني ومتَّعَنا بطول حياته.
و كان يزور مدار س الولاية حيناً بعد حين فترة وتلو الأخرى ويحث مسؤوليها بالقيام بتعليم أبناء المسلمين وبناتهم وتثقيفهم على منوال السلف الصالح من غير إفراطٍ ولا تفريطٍ في هذه الولاية الجديدة وتطويرها تعليمياً وتربوياً ودعوياً.
وجديرٌ بالذكر ونسعد حيث أننا نقوم بتسليط الضوء على ما قام به الفقيد –رحمه الله- من جهود وإنجازات علمية فمنها:
(1) فتح المغيث بشرح ألفية الحديث (تحقيق وتعليق)
2) العلامة نواب صديق حسن خان البوفالي: حياته وآثاره (باللغة العربية غير مطبوع)
3) نقض المنطق للشيخ ابو العاص الوحيدي (تعريب = طبع في عدة حلقات في صوت الأمة بنارس).
4) عناية علماء المسلمين بموضوع التوحيد (تعريب = مطبوع من الجامعة السلفية بنارس).
5) إعجاز القرآن للشيخ مجيب الرحمن البنجلاديشي ( باللغة الأردية، ترجمة وتعليق)
(6) جائزة الأخوي في التعليقات على سنن الترمذي: تأليف الشيخ ثناء الله المدني (تحقيق وتعليق وتصحيح بالتعاون مع الشيخ عبدالوهاب الحجازي)
(7) العلامة النواب صديق حسن خان البوفالي: حياته وآثاره (وهذا كتاب حافل يقع زهاء أربع مئة صفحة ولم يرَ النور بعدُ، ولعل الله من يوفق لطبع هذا الكتاب الحافل والسفر الشامل عن حياة علم من أعلام السنة)
وقد اعتبرت وفاته خسارة فادحة للجامعة السلفية خاصةً ولمسلمي الهند عامةً- ولعل الله يحدث بعد ذلك أمراً.
و قد صليت جنازته في 23/7/2020 م – 2/12/1441 هـــ من يوم الخميس ليلةَ الجمعة تمام الساعة التاسعة في الحرم الجامعي بالجامعة السلفية وأمَّ المصلين الشيخ يونس المدني –شيخ الجامعة السلفية ببنارس، ودفن جثمانه في مدينة بنارس بالهند، رحمه الله رحمة الصالحين وأدخله فسيح جناته وألهم ذويه وأهله ومحبيه ومرتاديه وتلاميذه الصبر والسلوان.

آراء و مقترحات

كما لا يخفى على شريف علم تلاميذه ومحبيه ومن لقيه أو عاصره أن الشيخ له جهودٌ عظيمة في التحقيق والـتأليف والترجمة ومساعٍ مشكورة في الفقه والفتاوى، فمن المناسب جداً عمل الآتي، لعل الجيل القادم –أساتذةً وطلاباً ومستفيداً ومرتاداً- يستفيد من علمه:
(1) القيام بجمع فتاويه وطبعها مع تخريج وتحقيق.
(2) القيام بإعادة طبع مؤلفاته وتحقيقاته وتراجمه.
(3) القيام بجمع مقالاته ورسائله المبثوثة في بطون الصحف والمجلات والجرائد.
(4) القيام بتسليط الضوء على جهوده الدعوية –سواءً أكانت في مدينة بنارس أم خارجها.
(5) على علماء جاركند –بالأخص- أن يقوموا بالكتابة عن شخصيته وحياته وجهوده العلمية والدعوية.

نسأل الله تعالى التوفيق والسداد.

1
Leave a Reply

avatar
3000
1 Comment threads
0 Thread replies
0 Followers
 
Most reacted comment
Hottest comment thread
1 Comment authors
النيبالي Recent comment authors
  Subscribe  
newest oldest most voted
Notify of
النيبالي
Guest
النيبالي
رحمه الله تعالى