لقد سمعنا بالأسى والحزن البالغ نبأ وفاة العلامة المحدث الدكتور محمد ضياء الرحمن الأعظمي في يوم عرفة سنة 1441ه عصرًا بتوقيت الهند. رحمه الله تعالى وغفرله وأسكنه فسيح جناته.
ولد الدكتور ـ رحمه الله ـ في بيت هندوكي عام 1943م في بلدة بلرياغنج بمديرية أعظم كره، الهند، وكان يُسمَّى قبل الإسلام «بانكى رام»، وكان يحقد الإسلام كثيرًا وهو في مرحلة بكالريوس في كلية شبلي أعظم كره (في جنب دار المصنفين)، وقدّم إليه أحد آنذاك لمطالعة رسالة «دين حق» للأستاذ المودودي باللغة الهندية، ففكر وهداه الله إلى قبول الحق فأسلم في 1960م، فجاءت المشاكل إلى أن اضطر لأداء الصلوات في حقل «أرهر = نوع من العدس»، مختفيًا عن أعين أهل البيت والناس، ومن أهل بلده رجل صالح وطبيب حاذق معروف: الشيخ أيوب الندوي المعروف بـ «حكيم أيوب صاحب»، كفله ووجهه إلى جامعة دار السلام بعمرآباد، جامعة معروفة في جنوب الهند، فتعلم هناك حتى تخرج فيها بالحصول على شهادة الفضيلة منها، ثم وفقه الله تعالى للالتحاق في عام 1966م بكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية في المدينة النبوية ــ على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم ــ ثم حصل على شهادة الماجستير بعد تقديم رسالة موضوعها «أبو هريرة رضي الله عنه في ضوء مروياته»، من جامعة الملك عبدالعزيز بمكة المكرمة، ثم شهادة الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى من جامعة الأزهر بتحقيق الكتاب «أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم» لابن الطلاع (ت: 497هـ)، والدكتور ــ رحمه الله ــ عمل في رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة كمدير مكتب الأمين العام، ثم وفقه الله تعالى للاشتغال بالتدريس في الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، فكان يدرّس ويقوم بالإشراف على بحوث طلاب الدراسات العليا، وعيّن عميدًا لكلية الحديث الشريف، وبقي في هذه الجامعة المباركة إلى أن أحيل إلى المعاش. ودرّس صحيح البخاري وصحيح مسلم في الحرم النبوي.
شرِّفت بزيارته ثلاث مرات أيام طلبي في الجامعة الإسلامية مابين 2003م و 2006م في بيته، في حي الأزهرية في المدينة النبوية، وفي اللقاء الأول جاء ذكر إكمال مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للشيخ المحدث عبيد الله الرحماني المباركفوري رحمه الله، فقال الدكتور: أي واحد يتقدم لإكماله ولكن بشرط أن ينهج منهج المحدث المباركفوري رحمه الله.
وفي اللقاء الثاني طلبت منه أن يكتب لي بخطه بعض النصائح القيمة؛ فأنكر أولا وبدأ ينصح بالقول، ثم كتب (تلاحظونها بخطه الجميل في أيقونة)، ووجدته في هذه اللقاءات ذا خلق حسن، وكلام طيب واضح، وهيئة حسنة، وتواضع جم، ولايتكلم إلا لحاجة، ويُرى على وجهه نور العلم، وسألته عن مطالعة كتابه «دراسات في الجرح والتعديل» بالمباشرة أو التقديم قبله كتابًا آخر، ليكون مفهومًا تامًا، فقال: لا حاجة إلى هذا، بل طالع مباشرة، وفي أثناء الكلام جاء ذكر كتاب «ضوابط الجرح والتعديل» للشيخ عبد العزيز العبد اللطيف رحمه الله، فأثنى عليه وقال مرارًا : جزاه الله خيرًا، وهذا هو شأن العلماء المخلصين لدين الله.
وسمعت من بعض الإخوة أنه لما كان في إعداد الموسوعة الحديثية الصحيحة المقبولة، كان يقول: الآن تبين لي أن الله عزوجل لماذا خلقني، ولعل الله لم يخلقنى إلا لهذا العمل.
والدكتور ــ رحمه الله ــ كانت له نشاطات اجتماعية وثقافية، اشترك في عدة مؤتمرات إسلامية في المملكة وخارجها، وكتب مقالات محققة، وألف كتبا مهمة في عدة لغات: العربية والأردية والهندية.
ومن تلاميذه المعروفين في الهند شيخنا الدكتور رضاء الله المباركفوري رحمه الله (شيخ الجامعة السلفية بنارس سابقًا، ومؤلف ومحقق العديد من الكتب المهمة)، وشيخنا الشيخ أصغر علي إمام مهدي السلفي حفظه الله (أمير جمعية أهل الحديث المركزية في الهند)، وغيرهما في العالم الإسلامي كثيرون لايحصون.
ولعل الجدير بالذكر أن الدكتور ــ رحمه الله ــ كان يدعو والديه وأهل بيته إلى الإسلام دومًا، وهم يردون: يغضب المجتمع وتغضب آلهتنا، ومع ذلك كان الدكتور يحسن إليهما، ويقدم إليهما المعونات المادية امتثالا لما جاء في الشرع من الإحسان إليهما.
ومن إنجازاته القيمة:
1- أبو هريرة رضي الله عنه في ضوء مروياته: (رسالة ماجستير كما مرّ).
دراسة تحليلية لمائة حديث من مروياته، لبيان المنهج الذي سار عليه في الدفاع عن هذا الصحابي الجليل الذي اتهمه أهل الأهواء، ولقد لقي هذا المنهج قبولا عامًا في الأوساط العلمية، ونوّه به كثيرٌ من أهل العلم في دراساتهم، وألفوا حوله مؤلفات، وأعيد طبعه ملخصًا عام 1418ه، وهو جزء من رسالة الماجستير، البالغ عددُ أحاديثه ألفا وخمسمائة حديث من الكتب الستة ومسند الإمام أحمد.
2- أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن الطلاع القرطبي:
حققه واستدرك عليه للحصول على شهادة الدكتوراه من جامعة الأزهر، ونوقشت عام 1397هـ، وكانت بإشراف العلامة محمد بن محمد أبو شهبة رحمه الله، وطبعت مرة ثالثة مع مزيد من التحقيق والاستدراك عام 1424هـ، وقد ترجمت إلى الأردية لحاجة القضاة والمحامين الإسلاميين في باكستان، وطبعت بمدينة لاهور عام 1987م، وعام 1991م، وعام 2002م.
3- المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي:
درسه وحققه الدكتور رحمه الله، وطبع طبعة ثانية عام 1420ھ. وترجم الكتاب إلى الأردية، وطبع بمدينة لاهور في باكستان، عام 1992م.
4- المنة الكبرى شرح وتخريج السنن الصغرى للبيهقي.
اهتم فيه ـ مع التخريج ــ ببيان فقه الحديث وذكر أقوال العلماء وأدلتهم، وبيان الراجح في الموضوع على طريقة المحدثين.
5- دراسات في الجرح والتعديل:
يقول الدكتور رحمه الله في مقدمته: هذه بحوث في الجرح والتعديل، استخلصتها من أمهات الكتب، ورتبتها ترتيبًا جديدًا؛ ليسهل على الباحثين والدارسين معرفة هذا الفن الغامض الدقيق.
وكان الحافز لجمع هذه النصوص وتعليلها ما لاحظت في طلاب الحديث من ابتعادهم عن منهج المحدثين وعدم معرفتهم باصطلاحاتهم الحديثية، أثناء إلقاء المحاضرات في فقه الحديث مما كنت اضطر كثيرًا إلى الخوض في أصول الجرح والتعديل، فعزمت على جمع هذه النصوص بشكل جديد.
طبع الكتاب أول مرة في جمادى الأخرى 1403ھ = أبريل 1983م في مطبعة الجامعة السلفية ببنارس، الهند. ثم طبع الطبعة الرابعة عام 1419هـ.
6- أمالي بن مرديه (ت: 410هـ) :
قام بدراسته وتحقيقه الدكتور، وطبع طبعة أولى عام 1410هـ.
7- فتح الغفور في وضع الأيدي على الصدور للعلامة الشيخ محمد حياة السندي (ت: 1163هـ) تحقيق ودراسة منه، الطبعة الثالثة عام 1419هـ.
8- التمسك في السنة في العقائد والأحكام:
طبع الطبعة الأولى عام 1417هـ وقد ترجم إلى الأردية عام 1418هـ.
9- معجم مصطلحات الحديث ولطائف الأسانيد: ط/2: عام 1425هـ.
يقول الدكتور رحمه الله في مقدمته: هذه بحوث في مصطلحات الحديث، وعلومه، ولطائف أسانيده، رتبتها على حروف المعجم، غير مراع فيها إلا الحرف الأول، ليكون الكتاب بداية للمجتهد، ونهاية للمقتصد، وذلك تلبية لطلب كثير من الإخوة الأفاضل المثقفين المختصين بغير علم الحديث الشريف وعلومه، وسميتها «معجم مصطلحات الحديث ولطائف الأسانيد».
«وقد كنت ترددت كثيرًا في القيام بهذا العمل نظرًا لوجود مراجع كثيرة في علوم الحديث، ولكن قوي عزمي عندما سئلت عن كثير من المسائل في علوم الحديث، والجرح والتعديل، وأنا في سفر من الأسفار، وليس لدي من المراجع الكافية للإجابة الشافية، فرأيت أن أجمع هذه البحوث المتعلقة بعلوم الحديث المختلفة: كالمصطلح، والجرح والتعديل، ولطائف الأسانيد، وأهم كتب الحديث، وغيرها، المنتشرة في بطون عشرات من الكتب في دفتر واحد ليغني حامله عن الأسفار في الأسفار».
10- بحوث متنوعة في فقه السنة:
نشرت في مجلة الجامعة الإسلامية، وترجم أكثرها إلى اللغة التركية.
11- اليهودية والمسيحية:
طبع أولا في سنة 1409هـ
12- فصول في أديان الهند: (الهندوسية، والبوذية، والجينية، والسيخية).
طبع أولا سنة 1417هـ
وفي هذا الكتاب كشف الدكتور رحمه الله عن كثير من أباطيل هذه الأديان وأساطيرها، وظننا الغالب أنه لايوجد مثل هذه المعلومات المهمة في كتب أخرى غيره، مستفيدًا من مهمات كتبهم، كما زين الكتاب بتجاربه الشخصية وخاصة في الهندوسية، بأسلوب سهل ماتع.
والكتابان (هذا والذي قبله) في الطبعة الجديدة عام 1422هـ في مجلد واحد مع زيادة فصل جديد، وهو: البشارات بالنبي صلى الله عليه وسلم في كتب الهندوس،
13- دعوة القرآن:
ألفه الدكتور رحمه الله باللغة الهندية لغير المسلمين.
14- الرازي وتفسيره.
15- قرآن انسائكلو بيديا: (باللغة الهندية)
ترجم إلى اللغة الأردية، ونشره فريوايئ اكادمي دلهي سنة 1430هـ = 2018م.
16- قرآن كي شيتل جهايا: (في الظل البارد للقرآن الكريم)
طبع الطبعة الأولى سنة 1977م من دلهي.
17- الجامع الكامل في الحديث الصحيح الشامل:
هو مجموع الأحاديث الصحيحة والحسنة المحتج بها في الأصول والفروع، جمعها من كتب السنة المختلفة مثل: الموطأت، والمصنفات، والمسانيد، والجوامع، والصحاح، والسنن، والمعاجم، والمستخرجات، والأجزاء، والأمالي، واهتم بالحكم على الأحاديث بالصحة والحسن، ورتبه على الأبواب الفقهية، وعدد الأحاديث فيه 16000 حديث، وهو عمل جليل، وخلاصة جهوده لمسيرته العلمية، ونرجو من الله سبحانه وتعالى أن يكون الكتاب مقبولا عند الله وعند الناس، ويكون ذخرًا ومغفرة للمؤلف ــ رحمه الله ــ إن شاء الله.
وطبع الكتاب في 12 مجلدًا من دار السلام بالرياض عام 2016م.
جزاکم الله خيرا