إن الإسلام لم يشرع شيئا من العبادات والشعائر إلا لحكم بالغة، ومقاصد جليلة، وأهداف نبيلة. وما من عبادة أو شعيرة شرعت في الإسلام إلا وكان الهدف الأسمى منها هو التقرب إلى الله عز وجل بالإخلاص والتقوى.
ومن فضل الله على عباده أن جعل لهم مناسبات عديدة، وأياما مخصوصة، يتقربون إليه فيها بعبادات متنوعة بشروط مخصوصة.
والأضحية أيضا من العبادات الجليلة، والوسائل العظيمة التي يتقرب بھا العباد إلى الله تعالى، ومن المقاييس التي يُختبَر بها إخلاصھم وتقواهم . وقد قرن الله عز وجل الذبح بالصلاة في عدة مواضع من كتابه العظيم لبيان عظمه وكبير شأنه وعلو منزلته. وما شرع الله الأضحية إلا ليحقق المضحي في نفسه فضيلة التقوى، شاكرا لله تعالى على نعمة الحياة، ومحييا لسنة إبراھيم وولده إسماعيل -عليهما السلام- ومقتديا بھما في الصبر على طاعة الله، وتقديم محبته عز وجل على ھوى النفس وشھوتھا، ومبتعدا عن قصد السمعة، ومظان الرياء، وعن سائر الأخلاق القبيحة التي تفسد الأعمال، وتضاد الإخلاص والتقوى. قال تعالى: (لَنْ يَّنَالَ اللهَ لُحُوْمُهَا وَلَادِمَاءُهَا وَلَكِنْ يَّنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) (الحج:٣٧) أي لن ينال الله من لحوم هذه الذبائح، ولا من دماءها شيئ، لكن يناله الإخلاص فيها، وأن يكون القصد بها وجه الله وحده (التفسير الميسر)
وكذا علمنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن الناس لا تتفاضل بحسن المظاهر أو كثرة الأموال، وإنما تتفاضل بطھارة القلوب، والخشية من الله، والسعي في الأعمال الصالحة، والاجتناب عن الأعمال السيئة. كما حثنا صلى الله عليه وسلم على الاعتماد على النية وحسن القصد، وحذرنا من الركون إلى الظاھر دون إصلاح الباطن، حيث يقول صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ إِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَى قُلُوْبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ) (صحيح الجامع: 1862- صححه الألباني)
فعلى المضحي أن يحسن نيته وتقواه، ويجتنب عن كل ما يؤدي إلى الافتخار بالأضحية وتشھيرھا، وليعلم أنه ليس بين الله وبين خلقه صلة إلا بالإخلاص والتقوى، فمن كان لله أتقى كان منه أقرب وأكرم. قال تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ) ( الحجرات : 13 )
ولكننا نرى -مع الأسف الشديد- أن معظم الناس لا تتحقق فيهم هذه الخصال التي لأجلها شرعت الأضحية، ولا تعمل فيهم تلك العواطف والمشاعر الحميدة الخالصة التي يطالب بها الله عز وجل كل مسلم عند عمله بأي شعيرة من الشعائر، وعبادة من العبادات.
يمكنك أن ترى أن معارض الأضاحي تقام في كثير من المجتمعات الإسلامية، ويتفرج عليها المتفرجون، وترفع أثمان الأضاحي، وتباع بالمزاد العلني، هذا يقول: ثمن هذه الأضحية خمسون ألفا مثلا، وذاك يقول: بل أنا أعطي أكثر من خمسين ألفا. هذا يباهي بثمن أضحيته، وذاك يفاخر بحجم أضحيته، هذا يقول: ستكون لحوم أضحيتي خمسة كنتالات، وذاك يقول: لحوم أضحيتي ستتجاوز هذا الوزن، وما إلى ذلك من الأقوال والأفعال التي تخالف الإخلاص والتقوى، وتسبب فساد الأعمال.
وهل تعرف من هم؟ معظهم لا يصلون، ولايزكون، ولا يحجون- مع أن الحج قد صار فرضا على بعضهم- لكنهم يضحون كل سنة بالمداومة بكل جد ونشاط، بل ينتظرون منذ شهور قدوم عيد الأضحى بفارغ الصبر، تشتاق قلوبهم إلى عيد الأضحى اشتياقا بالغا، وتتوق أنفسهم إلى شراء الأضحية توقانا شديدا، لكن لماذا هذا الاهتمام البالغ بالأضحية فقط دون غيرها من العبادات والأعمال الأكثر أجرا وثوابا، والآكد حكما ووجوبا؟ هذا لعدة أشياء، أقواها شيئان:
١- ليدخلوا في زمرة المسلمين لأنهم يريدون ظنا منهم إبقاء اسم المسلم عليهم، وتعليق بطاقة الإسلام على أعناقهم بذبح الأضحية فقط.
٢- في الأضحية فائدة عاجلة وظاهرة، حيث يحصلون على اللحوم الوافرة؛ فيملؤون بها الثلاجات، ويستغنون عن شرائها إلى أيام بل إلى شهور.
وما تظن، هل أضحية هولاء تقبل أم لا؟
راجع فتاوى العلماء بهذا الصدد، مثل الشيخ ابن باز، والشيخ ابن عثيمين، وغيرهما من العلماء الكبار، ستطلع على أن أضحية تارك الصلاة مردودة. وأستحسن أن أنقل ھنا كلام الشيخ ابن عثيمين عن ذبيحة تارك الصلاة- فضلا عن أضحيته-أنها أخبث من ذبيحة اليهود والنصارى، حيث قال: الرجل الذي لا يصلي إذا ذبح لاتؤكل ذبيحته، لماذا؟ لأنها حرام، ولو ذبح يهودي، أونصراني، فذبيحته يحل لنا أن نأكلها، فيكون -والعياذ بالله- ذبحه أخبث من ذبح اليهود والنصارى” انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين” (٤٥/١٢)
ففكر أيها المسلم المضحي! ولا تضيع أجر أضحيتك بترك الصلوات، وباقتراف ما يخالف الإخلاص من الرياء والمظاهرات، وزين جميع أعمالك بالإخلاص، واصهرها في بوتقة التقوى، واعلم أن التقوى هي التي تجعل الصلات بينك وبين ربك محكمة ووطيدة، وبقدر التقوى تتعمق الصلة بينك وبينه وتتوثق. واجتنب عن الرياء في جميع الأعمال والعبادات؛ فإنه مما ينافي الإخلاص والتقوى، ويحبط الأعمال، ويحرم العامل من أجر عمله. فعن محمود بن لبيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ، الرِّيَاءُ، يَقُوْلُ اللهُ يَوْمَ القِيامَةِ إِذَا جَزَى النَّاْسَ بِأَعْمَالِهِمْ : اذْهَبُوْا إِلَى الذينَ كُنْتُمْ تُرَاؤُوْنَ فِي الدُنْيَا، فَانْظُرُوْا هَلْ تَجِدُوْنَ عِنْدَهُمْ جَزَاْءً ؟) (صحيح الترغيب: 32، صححه الألباني)
لقد علم من ھذا الحديث أنه من عمل عملا لغير الله، ودون إخلاصه لله، أو مع إشراك غير الله فيه، فھو مردود عليه، وليس له عند الله جزاء ولا أجر، وقد ھدد الله تعالى المرائيين والعاملين بقصد السمعة بأن يذھبوا ويطلبوا الأجر ممن جعلوه شريكا له في أعمالھم، ولن يجدوا عنده أجرا؛ لأنه لا يعطي الأجر والثواب إلا الله عز وجل.
وفقنا الله وإياكم للإخلاص في جميع الأعمال والعبادات، آمين.
شكرا