الشيخ محمد مقيم الفيضي

عبدالسلام بن صلاح الدين الفيضي المدني السير و التراجم

الشيخ محمد مقيم الفيضي
رحيل أسد السنة المغوار وبطل السلفية المقدام
(خلجات و خواطر)


حينما يعيش العالم الإسلامي في أيام عيد الأضحى المبارك بكل سرور وانبساط وفرحةٍ وقع –كالصاعقة- خبر وفاة الشيخ الأديب والعالم الجليل والداعية الشهير محمد مقيم الفيضي البرتاب غرهي يومَ الأحد الموافق:11/12/1441هــ ـــ 2/8/2020م في (منزله غلوبل بارك الكائن بـــ(مومبرا) ب(مومبائي ــالهند ) بعد صراعٍ مع المرض لم يمهله طويلاً وذلك في الساعة الواحدة والثلث(1:20) صباحاً، فخيَّم الأسى والحزن البالغ على محبيه ومرتاديه وأهله وذويه، فبلغت (إنا لله و إنا إليه راجعون) عنان السماء، فبدأت رسائل التعازي تنهال و تتكاثر، وكلمات التصبير تتراكم وتتضافر، وجمل التسلية تترى وتتناثر، كيف لا وقد غادرَ بنا الحياة رجلٌ خدم السنة السنية طيلة حياته، ونشرَ العقيدة السلفية بقاء ليله ونهاره في هذه الحياة الدنيا الفانية، أمضى عمره كله حتى آخر اللحظة الذي عاشه وهو يجيب على أسئلة المستفتين، ويهدي المسترشدين، وينور طرق المستبصرين، ويزين كرسي العلم المبين. فيا لها من شرف وسعادة. فلا ندري هل نهنيئ العالم الإسلامي بعيد الأضحى المبارك لعام 1441هـــ، أم نعزيه بوفاة هذا البطل الجليل والشجاع المقدام: الشيخ محمد مقيم الفيضي –رحمه الله-، كما أننا في حيرة ودهشة، هل نسمي هذا العام (عامَ 2020م) عام الحزن والأسى أم عام وفاة العلماء الأعلام أم عام الاختبار والامتحان! وقد طوى كثير من العلماء الأفذاذ صفحاتهم النيِّرة الذين أفنوا حياتهم خدمةً للعلم وأهله وترويجاً للسنة المشرِفة وعلومها، فمنهم من قضى نحبه في التفسير ودقائقه، ومنهم من أمضى حياته في الحديث الشريف وعلومه، ومنهم من نذر نفسه وعمره ووقته رواجاً وبثاً ونشراً للعقائد السلفية متمثلاً قول القائل:
الأرض تحيا إذا ما عاش علمها
ومتى يمت عالم فيها يمت طرف
كالأرض تحيي إذا ما الغيث حلَّ بها
وإن أبى عادَ في أكنافها التلف

لا شك فيه ولا مريةَ أنه طويت صفحات العلماء الأعلام الذين سجَّلوا فيها العلوم الجليلة والفنون الشريفة والمقاصد العظيمة والأهداف النبيلة والأغراض النفيسة.
وإن الشيخ محمد مقيم بن حامد علی بن شمشیر علي الفيضي –رحمه الله- كان طوداً شامخاً للسلفية، وجبلاً راسخاً في العقيدة السليمة السنِية، وأسداً مقداماً في وجه أعداء السنة ومخالفيها، وبازاً قوياً لأصحاب البدع والخرافات، وصقراً وقوراً للترهات والخزعبلات، وركناً ركيناً لأحد الأعمدة السلفية، وسيفاً بتاراً مسلولاً لمخالفي السنة المشرِفة، وشجاعاً مغواراً في الرد على المبتدعة والخَونة.
ولد الشيخ الفيضي –رحمه الله – في مدينة كولكتا –إحدى مدن البنغال الغربي بالهند- عامَ1965م وهو من أصله من (بهراه فور -برتاب غراه، اترابراديش بالهند) فنشأ وترعرع فيها في كنف والده، فتعلم العلوم الابتدائية هناك ثم اتجه إلى عاصمة الهند –دلهي– ليلتحق بجامعة رياض العلوم السلفية، ويتلقى العلوم الشرعية والفنون الإسلامية على أيدي مشايخها البارعين وأساتذتها النابغين ثم رحل إلى مدينة مئونات بنجن راغباً في الدراسة بالجامعة الإسلامية فيض عام ليضطلع في العلوم الشرعية والفنون الإسلامية والمهارات الفقهية والأدبية على أيدي مشايخها البارزين وعلمائها الأجلاء المميزين حتى تخرج فيها عام 1985م.
يقول الكاتب النحرير والمؤلف الشهير الشيخ محمد جرجيس الكريمي الفيضي :”وكان الشيخ الفيضي –رحمه الله – يملك مكانةً مرموقة بين طلاب الجامعة حيث أن إخوانه الثلاثة الأشقاء وهم الشيخ محمد مبين الفيضي والشيخ محمد وسيم الفيضي والشيخ المترجم وهم يسكنون داخل الحرم الجامعي غيرَ أنهم لا يأخذون من مطبخ الجامعة شيئا، وهم يتولون إعاشتهم وتغذيتهم بأنفسهم. وهذه ميزة قلما تجدها. وكان يتجول في مدينة مئو خطيباً وداعيةً حتى أصبحَ ترجمانا للسلفية، والمنهج السليم. وصار له صيت وصوت في أنحاء المعمورة، وخدم الدين الحنيف خدمةً جليلةً”.
وكان من أبرز أساتذته الأجلاء الذين أخذ عنهم: الشيخ المفتي حبيب الرحمن الفيضي والشيخ محفوظ الرحمن الفيضي والشيخ المقرئ نثار أحمد الفيضي والشيخ مقصود الحسن الفيضي -رحم الله من مات منهم، وحفظ من بقي منهم ومتعنا الله بطول حياتهم-.
كما أنه استفاد من جامعات المملكة العربية السعودية استفادةً تامة فقد قبل في جامعة الملك سعود، ونهل من منهلها الصافي زهاء ثلاث سنوات وقد تلقى على أيدي مشايخها البارعين وأساتذتها النابغين وعلى رأسهم فضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن ظافر القحطاني والشيخ الدكتور راشد السعودي، ثم قفل راجعاً إلى الهند داعيةً مخلصاً، ومدرساً ناجحاً، ومعلماً باهراً، وبطلاً للتوحيد والسلفية والسنة، وإدارياً محنكاً ومنتظماً ماهراً.
بدأ حياته العملية التعليمية والتدريسية والدعوية من بلدته (برتاب غراه) حتى وصل إلى الجامعة الرحمانية بـــ(مومبائي) معلماً ومدرساً وداعية فقد قام بتدريس صحيح البخاري زهاء سبع سنوات بكل نجاحٍ ومهارة أثبت وجوده فيها ويقدر هذا الزمن قبل عام 2000 م، كما أنه قام بتدريس الصفوف العليا في الجامعة وتخرج على يديه طلاب كثير يصعب ذكرهم، وكانت له صولة وجولة خلال إقامته في الجامعة داخل الحرم الجامعي وخارجه، وله مناشط دعوية قوية، وإنجازات علمية بديعة في المدينة، ومشاركات فاعلة في الندوات والمؤتمرات في ربوع الهند، وكانت له مواقف نيرة مشرفة لا تنسى، عرف ذلك كلُّ من عاصره أو زامله أو خالطه أو رافقه –حضراً و سفراً- فرحمه الله رحمة الأبرار.
عرف الشيخ الفيضي بقدرته التامة وتمكنه الكامل وتفانيه الكلي في جميع ميادين الحياة –تعليماً وتدريساً ودعوةً وتأليفاً وترجمةً وتصنيفاً وإدارةً وأداءً للأمانات التي تسند إليه–، وكان -رحمه الله- خطيباً بارعاً، ومتحدثاً متفوهاً، ومترجماً فريداً، وداعيةً مخلصاً متفانياً، وكاتباً شهيراً، ومؤلفاً ماهراً، ومناظراً باهراً، وترجماناً للسلفية. أمضى حياته كلها في الدعوة إلى الله، وفي نشر العقيدة السلفية بكل ما أوتي من القوة والمهارة، كما أنه قد خدم جمعية أهل الحديث المركزية مدةً غير يسيرة لا يستهان بها بعد ما اختير أميناً عاماً مساعداً لها وذلك عامَ 2003م وذلك لمدة سبع سنوات طوال متتاليات، وقام بمهمته أحسن القيام، وأفضل ما يرام في أداء ما أسندت إليه، وقد سعى –سعياً بليغاً– في إنجاح المؤتمر الثامن والعشرين المنعقد في (باكُور) بولاية جاركند عامَ 2004م الذي عقد خلال الفترة من 13-14-15 مارس من نفس العام، حضره كبار العلماء والمحاضِرين والكتَّاب النابغين وأصحاب الأقلام النيرة من داخل الهند وخارجها، وقد رأيته بأم عيني أنه عمل ميدانياً –دؤوباً متفانياً مخلصاً مجداً- في إنجاح هذا المؤتمر حتى بلغ ذراه، وقد عمل الشيخ الفيضي –رحمه الله- مقدماً للبرامج العلمية، ومنظماً للمؤتمر، ومضيفاً للمشايخ والدعاة والمشاركين دون أدنى كللٍ ولا مللٍ، ولم يستشعر أي تعب ولا نصبٍ ولله دره، وقد كتب مقالات متنوعة ورسائل عديدة وكتابات ماتعة لإنجاح المؤتمر.
وبما أن الله وهبه ملكةً باهرةً في إدارة الأمور فقد أنيطت إليه الأمانة العامة المساعدة لجمعية أهل الحديث الإقليمية بمدينة مومبائي خلال الفترة -2002م حتى اليوم الثاني من شهر أغسطس لعام 2020 م(حتى آخر لحظة من حياته)، وأدى مهامه المناطة بكل جدٍ وإخلاصٍ وتفانٍ وشوقٍ ولهفٍ، استشعاراً للمسؤولية الكبرى، وإحساساً بالأمانة الدينية العظمى، فقد كان يكتب ويفتي ويرد وينافح عن العقيدة السلفية، ويذب عنها وهو في السرير الأبيض كأنه نشط من عقال، لم يخالطه مرض ولم يمسه أي داء أو بلاء، فرحمكَ الله يا أبا عبد النافع، وأسكنك فسيح جناته، وجزاكَ ربي عنا وعن الإسلام خيراً.
كان الشيخ الفيضي إذا تكلم تكلم بوقار، تعلوه الهيبة والسكينة والطمانينة كأن الطيور على رؤوس السامعين جالسة، يبرهن محاضراته القيمة وخُطَبه الرنانة وكلماته النيِّرة ومشاركاته الفعَّالة في المؤتمرات والندوات والمحافل الإسلامية بالنصوص الشرعية المدعومة بأدلة الكتاب والسنة، وقد حباه الله سبحانه قوة خارقة وطاقة بديهية ومهارة فائقة لا محدودة في الطرح والأداء وأخذ الأسلوب الجذاب، وكانت كلماته تخرج من القلب إلى القلب فتقع في نفوس السامعين فتترك آثاراً سليمةً إيجابية إلى أبد الآباد. والشيخ الفيضي – رحمه الله- اسم ساطع لوقار يكسوه تواضع جم وخلق نبيل وشيم سامية وانكسار عظيم وأدب ما بعده روعة، وهيبة تشوبه أنس واعتزاز وافتخار، واتزان وانتظام يخالطهما فرح وانبساط ومحيا تزينه أنوار الإيمان وضياء الشريعة والقرآن، فلله دره، وعلى الله أجره.
كان الشيخ أديباً أريباً بلا منازع فقد أسندت إليه إدارة مجلتي (ترجمان) و(السنة)، وكان قد كتب بكل ما أوتي له من قوة المهارة وإبداع الكتابة ورشاقة الأسلوب، فقد كان صاحبَ قلم سيال وكاتباً نحريراً، يظهر خلال كتاباته حبه للأدب البارز وتمكنه في اللغتين –العربية والأردية- وقدرته فيهما أيما قدرة، وكان القراء لكتاباته يندهشون من أساليبه الرائعة وطرحه الجذاب، ويشتاقون لكتاباته لهفةً وولعاً. فرحمه الله رحمة الأبرار وعامله تعامل الأخيار.
وكان قد قام بتأليف عديد من الكتب النافعة والمؤلفات الماتعة والمترجمات المفيدة أمثال: شمس بير زاده في نظر المحدثين (پیرزادہ محدثین کی عدالت میں)، والدعوة السلفية تعارف (سلفی دعوت ایک تعارف)، كما أنه قام بترجمة كتاب (أشراط الساعة) للشيخ يوسف الوابل باسم (قيامت كى نشانياں)، وكان قد بدأ في حياته الأخيرة عن الرقية الشرعية ويغلب على الظن أنه قد أكمل هذا المشوار وسيرى النور قريباً بإذن الله.
وقد وهبه الله ملكةً قويةً في المناظرة والمجادلة بالتي هي أحسن فقد شاركَ في عديدٍ من المناظرات والمناقشات العلمية وقد خرج منها ظافراً مكللاً بالنجاح الباهر، وكان جريئاً بطلاً شجاعاً لا يخاف في ذلك لومة لائمٍ، وكان من بينها (شوله فور) و(أديشا) و(مدينة مومبائي) وقد سجل فيها المترجَم-رحمه الله- فوزه الباهر، مدعوماً بنصوص الكتاب والسنة، مدللاً بأدلتهما الساطعة، ومبرهناً ببراهينهما الواضحة.
وكان الشيخ الفيضي قد ألمَ به مرض منذ أمد بعيد، أحياناً يتماثل للشفاء وأخرى يرقد السرير الأبيض إلى أن وافته المنية ليلة القر 2، حافلاً حياته بالأعمال الجليلة والإنجازات البديعة والآثار السنية الكثيرة وذلك في تمام 12 ليلاً بتوقيت المملكة العربية السعودية من يوم الأحد الموافق:11/12/1441هــ ـــ 2/8/2020م في (منزله غلوبل بارك الكائن بـــ(مومبرا) ب(مومبائي ــالهند ) بعد صراعٍ مع المرض لم يمهله طويلاً، وقد صلي عليه في تمام الساعة 12 ظهراً قبل الصلاة من يوم الأحد (الموافق :2/8/2020م) و ذلك في مسجد حسن الكائن بــــ(رويل كاردن) بمومبائي، فرحمه الله رحمة الأبرار، وأسكنه فسيح جناته، وألهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان.
وصلى الله وسلَّم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

2
Leave a Reply

avatar
3000
2 Comment threads
0 Thread replies
0 Followers
 
Most reacted comment
Hottest comment thread
2 Comment authors
علي ال حمودمحمد احسان سراج الدین الفیضی Recent comment authors
  Subscribe  
newest oldest most voted
Notify of
محمد احسان سراج الدین الفیضی
Guest
محمد احسان سراج الدین الفیضی
ماشاءاللہ۔۔بارک اللہ فیکم ویوفقک لمزید
علي ال حمود
Guest
علي ال حمود
رحمه الله تشرفت بمعرفته قديما في زيارتي للهند
اسأل الله أن يجعل قبره روضة من رياض الجنة.