تغير وجه الدكتور أحمد عندما صادف رؤية المريض في غرفة الجراحة إثر دخوله، وكاد أن يفقد السيطرة على نفسه، وحدق نظرته على وجهه، ولم يكن الرجل أجنبيا بالنسبة له، بل كان نقطة تحول في حياته في مهمته لفتح سلسلة من المستشفيات الخيرية لخدمة البشرية، وقد لمح في ذهنه جميع ما مر به من الحادث الذي غير حياته من التعاسة إلى السعادة، وتذكر كل الذي حدث معه في الجامعة مع صديقه.
كان أحمد جالسا تحت الشجرة في الجامعة، ويبدو الحزن العميق في وجهه الشاحب، ولا يشعر ضجيج الطلاب وما يجري حوله من المناقشات؛ إذ رآه زميله في الدرس وربت بيديه ظهره، فرفع رأسه إليه ثم انحنى ولم يقل شيئا ولا يدري أحد ما أزعجه اليوم، وقد مزق حياته في بداية التحاقه بالجامعة مع مجموعة من الطلاب، ودائما يسبب له المشكلة ويسخر منه ويستخف من قيمته ويهين، حتى أنه كان يعتاد بمواجهة هذه السخرية الحادة، ولكن أزعل أحمد اليوم وجهه الكئيب المحزن كأنه يألم من اختلاج في داخله، فخاطب أحمد وسأله عن سبب سكوته وأخباره فلم يجب، ولكنه عندما أصر بدأ الدموع يقطر على خديه وينتحب، فسلاه أحمد وسأله عن السبب ووعده بنصرته، فقص ما حصل لأمه من الشلل ولم يستطيع التحرك وهي في المستشفى يتراوح بين الحياة والموت ولا يملك مالا لعلاج أمه، وأعطى زميله كل ما أرسل أبوه لرسوم الدراسة لعلاج أمه وألغى هذا الفصل، غيرت هذا الحادثة حياته وتأثر شديدا عما حصل له من معاونة صديق لم يترك أي فجوة لكسره وتمزيقه وإزعاجه ولكنه مد يد العون بكل ما يستطيع في وقت لم يمد أصدقائه أيديهم الذين يصاحبونه دوما.
وقد تغير رصيف حياته، وبذل نفسه في مؤاساة الآخرين، ونصرتهم تباعا لصديقه، وقد تخرج من الجامعة وفتح سلسلة من المستشفيات لعلاج المرضى والجرحى، وها هو قد يستعد لجراحة شخصية، اسمه يعبر عن التعاون والبر والمؤاساة، وكان اسم المستشفى باسمه، وصحبته استعارت له الإيثار والعيش لصالح الآخرين، وأجريت عملية الجراحة، وتكللت بالنجاح، فسجد الدكتور سجدة شكر، ودخل الغرفة بعد استيقاظه، والدموع ترقرق في عينيه، وعندما رآه صديقه مبتسما فلم ينفد الصبر ودمعت عيناه من فرط السرور، وقبل جبهته، وكان يشعر كأنه تعافى من مرض دائم.
Leave a Reply