حديث: "اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي، وَأَعِذْنِي مِنْ شَرِّ نَفْسِي”

الدكتور عبدالرحمن السيد عبدالغفار بلح الحديث وعلومه

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، باسمه تقدس أستفتح، وَبِه أستعين وأستنجح، الْحَمد لله الَّذِي جعل أهل الحَدِيث فِي الحَدِيث وَالْقَدِيم نخبة خلقه، وحباهم بالإجلال والتعظيم، وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، شَهَادَة تنجي قَائِلهَا من نَار الْجَحِيم، وتوجب لَهُ الْفَوْز بجنات النَّعيم، وَأشْهد أَن مَوْلَانَا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، الْمَبْعُوث بِالدّينِ القويم، والصراط الْمُسْتَقيم، صلى الله عليه وسلم وعَلى آله وَصَحبه المخصوصين بالفيض العميم، وَبعد:
نص الحديث:
عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي يَا حُصَيْنُ : كَمْ تَعْبُدُ الْيَوْمَ إِلَهًا ؟ ” قَالَ أَبِي : سَبْعَةً ، سِتًّا فِي الْأَرْضِ ، وَوَاحِدًا فِي السَّمَاءِ ،(عند البزار: قَالَ : سَبْعَةً ، سِتَّةٌ فِي الْأَرْضِ وَوَاحِدٌ فِي السَّمَاء)، قَالَ : فَأَيُّهُمْ تَعُدُّ لِرَغْبَتِكَ وَرَهْبَتِكَ ؟ (وفي ” معجم ابن الأعرابي”،(3/409)،( 1895):”فَأَيُّهُمْ تَعُدُّهُ”)،” قَالَ : الَّذِي فِي السَّمَاءِ ، قَالَ : يَا حُصَيْنُ ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَسْلَمْتَ عَلَّمْتُكَ كَلِمَتَيْنِ تَنْفَعَانِكَ "، قَالَ : فَلَمَّا أَسْلَمَ حُصَيْنٌ قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، عَلِّمْنِي الْكَلِمَتَيْنِ اللَّتَيْنِ وَعَدْتَنِي ، فَقَالَ : قُلِ اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي ، وَأَعِذْنِي مِنْ شَرِّ نَفْسِي”، وعند البزار :” فَلَمَّا أَسْلَمَ حُصَيْنٌ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ عَلِّمْنِي الَّذِي وَعَدْتَنِي ….”، وأخرج أحمد في "مسنده”،(23/197)،( 19992 )، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنَّ حُصَيْنًا، أَوْ حَصِينًا أَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ لَعَبْدُ الْمُطَّلِبِ كَانَ خَيْرًا لِقَوْمِهِ مِنْكَ؛ كَانَ يُطْعِمُهُمُ الْكَبِدَ وَالسَّنَامَ، وَأَنْتَ تَنْحَرُهُمْ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ فَقَالَ لَهُ: مَا تَأْمُرُنِي أَنْ أَقُولَ؟ قَالَ: ” قُلِ اللهُمَّ قِنِي شَرَّ نَفْسِي، وَاعْزِمْ لِي عَلَى أَرْشَدِ أَمْرِي "، قَالَ: فَانْطَلَقَ فَأَسْلَمَ الرَّجُلُ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: إِنِّي أَتَيْتُكَ فَقُلْتَ لِي: ” قُلِ اللهُمَّ قِنِي شَرَّ نَفْسِي، وَاعْزِمْ لِي عَلَى أَرْشَدِ أَمْرِي ". فَمَا أَقُولُ الْآنَ؟ قَالَ: ” قُلِ اللهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَخْطَأْتُ وَمَا عَمَدْتُ، وَمَا عَلِمْتُ وَمَا جَهِلْتُ "،قال الارنوؤط:” إسناده صحيح على شرط الشيخين”،وأخرج البيهقي في:” الأسماء والصفات "،(2/329)،( 894 )،عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي حُصَيْنٍ:”كَمْ تَعْبُدُ الْيَوْمَ مِنْ إِلَهٍ؟” قَالَ: سَبْعَةً: سِتَّةٌ فِي الْأَرْضِ، وَوَاحِدٌ فِي السَّمَاءِ، قَالَ: فَأَيُّهُمْ تَعُدُّ لِرَهْبَتِكَ وَلِرَغْبَتِكَ؟ قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاءِ. قَالَ: أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَسْلَمْتَ عَلَّمْتُكَ كَلِمَتَيْنِ تَنْفَعَانِكَ. قَالَ: فَلَمَّا أَسْلَمَ حُصَيْنٌ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: عَلِّمْنِي الْكَلِمَتَيْنِ اللَّتَيْنِ وَعَدْتَنِيهِمَا. قَالَ صلى الله عليه وسلم:”قُلِ اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي وَعَافِنِي مِنْ شَرِّ نَفْسِي”، تَابَعَهُ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ:”مَنْ فِي السَّمَاءِ”، أَيْ: فَوْقَ السَّمَاءِ عَلَى الْعَرْشِ، كَمَا نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وفي "تاريخ دمشق”،لابن عساكر (73/121)،وفي حديث أبي يعلى:” وقني شر نفسي” ، رواه الروياني، عن الصنعاني، عن خلف بن الوليد، عن أبي معاوية
شَرْحُ الْغَرِيبِ:
"اللهم ألهمني رشدي”، بضم فسكون، ويقال بفتحتين، وهو والرشاد ضد الضلال، أي: ألهمني الهدى بالتوفيق للأعمال المرضية لك والمقربة من فضلك، دعاء من الإلهام، أي: ألهمني بالتوفيق للأعمال الصالحة المقربة إليك ،(رشدي) بضم فسكون وفي نسخة بفتحهما وهما لغتان قرئ بهما {مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} وفي القاموس رشد كنصر وفرح رشد ورشداً ورشاداً اهتدى وأما ما ذكره الحنفي من أن الرشد بضم الراء وفتحها مع سكون الشين وبفتحتين أيضاً والرواية هنا على الأول فوقع في غير محله فإن الفتح مع السكون غير صحيح والرواية غير منحصرة في الأول،”اللهم ألهمني رشدي”: أي: وفِّقني إلى الرشد، والاهتداء إلى مصالح الدين والدنيا، فيدخل فيه التوحيد والتنزيه، وحقيقة الرشد هو الوصول إلى الله تعالى،{يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ}؛ أي: إلى الحق والصواب وصلاح الدنيا والدين، الرشد: خلاف الغي، يستعمل استعمال الهداية ، (وأعذني) أي: اعصمني (من شر نفسي)، فإنها الداعية لحتفي وطردي، إلا إن تداركتني بالإِحسان،سؤال ودعاء من الإعاذة أي أجرني واحفظني، أي: وجّهني لما يرضيك وما فيه صلاحي، واعصمني من شرور نفسي وأهوائها المهلكة، وشهواتها المدمرة التي ربما تجرني إلى معاصيك. وأمراض القلب إنما تنشأ من جانب النفس ولهذا علّم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه خطبةَ الحاجة، المشتملة على التعوذ من النفس:” وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا” أعصمني من شر نفسي فإنها الداعية لحتفي وطردي قال تعالى: {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[يوسف:53] ،قال الدهلوي في:”لمعات التنقيح "،(5/247):”قوله: "ستًّا في الأرض” قالوا: هي يغوث ويعوق ونسر واللات والمناة والعزى، وهي مذكورة في التنزيل”.
المعني الإجمالي للحديث:
هذا من الأدعية الجوامع التي كان الرسول ﷺيدعو بها،وهذا الحديث مِنَ الْأَدْعِيَةِ الْجَامِعَةِ لِخَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ،يقول الشوكاني في ” تحفة الذاكرين "،(ص:430):”وَهَذَا الحَدِيث من جَوَامِع الْكَلم النَّبَوِيَّة لِأَن طلب إلهام الرشد يكون بِهِ السَّلامَة من كل ضلال والاستعاذة من شَرّ النَّفس يكون بهَا السَّلامَة من غَالب معاصي الله سُبْحَانَهُ فَإِن أَكْثَرهَا من جِهَة النَّفس الأمارة بالسوء”،يقول المباركفوري في "تحفة الأحوذي”، (4/254):” عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ بْنِ عُبَيْدٍ الْخُزَاعِيِّ كُنْيَتُهُ أَبُو نُجَيْدٍ بِنُونٍ وَجِيمٍ مُصَغَّرًا أَسْلَمَ عَامَ خَيْبَرَ وَصَحِبَ وَكَانَ فَاضِلًا وَقَضَى بِالْكُوفَةِ ( لِأَبِي ) أَيْ لِوَالِدِي حَالَ كُفْرِهِ ( يَا حُصَيْنُ كَمْ تَعْبُدُ الْيَوْمَ ) اللَّامُ لِلْمَعْهُودِ الْحَاضِرِيِّ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى:{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } ( إِلَهًا ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْمَكِّيُّ : هُوَ تَمْيِيزٌ لِـ ” كَمْ ” الِاسْتِفْهَامِيَّةِ وَلَا يَضُرُّهُ الْفَصْلُ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ أَجْنَبِيٍّ ( قَالَ أَبِي سَبْعَةً ) أَيْ أَعْبُدُ سَبْعَةً مِنَ الْآلِهَةِ ( سِتَّةً فِي الْأَرْضِ وَوَاحِدًا فِي السَّمَاءِ ) أَيْ سِتَّةَ آلِهَةٍ فِي الْأَرْضِ وَإِلَهًا وَاحِدًا فِي السَّمَاءِ ( فَأَيُّهُمْ تَعُدُّ ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ الْعَيْنِ ( لِرَغْبَتِكَ وَرَهْبَتِكَ ) قَالَ الطِّيبِيُّ : الْفَاءُ جَزَاءُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ أَيْ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَأَيُّهُمْ تَخُصُّهُ وَتَلْتَجِئُ إِلَيْهِ إِذَا نَابَتْكَ نَائِبَةٌ ( أَمَا ) بِالتَّخَفِيفِ لِلتَّنْبِيهِ ( إِنَّكَ ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ ( كَلِمَتَيْنِ ) أَيْ دَعْوَتَيْنِ ( تَنْفَعَانِكَ ) أَيْ فِي الدَّارَيْنِ ( اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ وَبِفَتْحَتَيْنِ أَيْ وَفِّقْنِي إِلَى الرُّشْدِ وَهُوَ الِاهْتِدَاءُ إِلَى الصَّلَاحِ ( وَأَعِذْنِي مِنْ شَرِّ نَفْسِي ) أَيْ أَجِرْنِي وَاحْفَظْنِي مِنْ شَرِّهَا فَإِنَّهَا مَنْبَعُ الْفَسَادِ”،ويقول الدارمي في :” نقض الإمام أبي سعيد عثمان بن سعيد على المريسي الجهمي العنيد فيما افترى على الله عز وجل من التوحيد”،(1/288):” فَلَمْ يُنْكِرِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْكَافِرِ إِذْ عَرَفَ أَنَّ إِلَهَ الْعَالَمِينَ فِي السَّمَاءِ، كَمَا قَالَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَحُصَيْنٌ الْخُزَاعِيّ فِي كفره يؤمئذ كَانَ أَعْلَمَ بِاللَّهِ الْجَلِيلِ الْأَجَلِّ مِنَ الْمَرِيسِيِّ وَأَصْحَابِهِ مَعَ مَا يَنْتَحِلُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ، إِذْ مَيَّزَ بَيْنَ الْإِلَهِ الْخَالِقِ الَّذِي فِي السَّمَاءِ وَبَيْنَ الْآلِهَةِ وَالْأَصْنَامِ الْمَخْلُوقَةِ الَّتِي فِي الْأَرْضِ، وَقَدِ اتَّفَقَتِ الْكَلِمَةُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكَافِرِينَ أَنَّ اللَّهَ فِي السَّمَاءِ، وَحَدُّوهُ بِذَلِكَ إِلَّا الْمَرِيسِيَّ الضَّالَّ وَأَصْحَابَهُ، حَتَّى الصِّبْيَانُ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ قَدْ عَرَفُوهُ بِذَلِكَ، إِذَا حَزَبَ الصَّبِي شَيْء يرفع يَدَيْهِ،إِلَى رَبِّهِ يَدْعُوهُ فِي السَّمَاءِ دُونَ مَا سِوَاهَا، ويقول الهروي في”مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح "،(4/1715)قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي أي: حال كفره (يا حصين كم تعبد اليوم) اللام للمعهود الحاضر نحو قوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم} [المائدة: 3] (إلها) مفعول تعبد وحذف مميزها استغناء عنه لأنه دال عليه، واختار ابن حجر أن يكون مميزا لكم الاستفهامية، قال: ولا يضره الفصل لأنه غير أجنبي وفيه توقف. (قال أبي: سبعة) أي: عبد سبعة من الآلهة (ستا في الأرض وواحدا في السماء) أي: على زعمه، قال الطيبي: المذكور في التنزيل يغوث ويعوق ونسر واللات والمناة والعزى كلها مؤنثة، وإنما قال سبعة لدخول الله فيها فغلب جانب التذكير ثم أنث ستا وذكر واحدا اه. وتبعه ابن حجر وفيه أن يغوث ويعوق ونسر من أصنام قوم نوح ولا دلالة على تأنيثها، وإنما العرب كانت لهم آلهة متعددة منها ما ذكر في التنزيل ومنها ما لم يذكر فيه، وقد ورد أن حول البيت المبارك حين فتح مكة المكرمة كان ثلاثمائة وستون صنما كلما مر بصنم صلى الله عليه وسلم أشار إليه بقضيبه وهو يقول: ” {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81] ” فيقع الصنم لوجهه..” رواه البيهقي ، وروي «أنه صلى الله عليه وسلم قال لبعض المجددين في الإسلام: هل نفعك أصنامك؟ وربما قال: نعم نفعني صنم عملته من الحيس فوقع القحط فنفعني أكله فتبسم صلى الله عليه وسلم»، (قال: فأيهم) بضم الياء (تعد) بفتح التاء وضم العين أي: تعده إلها (لرغبتك ورهبتك) وفي نسخة بضم أوله وكسر ثانيه، أو تهيئه لينفعك حين ترجو وتخاف، قال الطيبي: الفاء جزاء شرط محذوف أي: إذا كان كذلك فأيهم تخصه وتلتجئ إليه إذا نابتك نائبة، قال: الذي في السماء) أي: معبود فيها أو قاله على زعمه ولعل سكوته عنه صلى الله عليه وسلم تألفا به (قال: يا حصين أما) بالتخفيف للتنبيه (إنك) بالكسر (لو أسلمت علمتك كلمتين) أي: دعوتين (تنفعانك) أي: في الدارين، (قال) أي: عمران (فلما أسلم حصين قال: يا رسول الله علمني الكلمتين اللتين وعدتني) أي: بتعليمهما (قال: قل) أي: ادع هذا الدعاء متى ما شئت وأما تقييده بما بين السجدتين كما فعله ابن حجر فبعيد جدا (اللهم ألهمني رشدي) بضم فسكون وبفتحتين أي: وفقني إلى الرشد وهو الاهتداء إلى الصلاح (وأعذني) أي: أجرني واحفظني (من شر نفسي) فإنها منبع الفساد قال الطيبي: فيه إشارة إلى أن اتخاذ تلك الآلهة ليس الأهوى للنفس الأمارة بالسوء وإن الرشد إلى الطريق المستقيم والدين القويم هو العلي الحكيم ،ويقول المباركفوري في” مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح "،(8/237):(في الأرض وواحدا في السماء) ، أي ستة آلهة في الأرض وإلها واحدا في السماء (فأيهم) بضم الياء (تعد) بفتح التاء وضم العين، أي تعده إلها (لرغبتك ورهبتك) قال القاري: وفي نسخة يعني من المشكاة بضم أوله وكسر ثانيه، أي تهيئه لنفعك حين ترجو وتخاف. قال الطيبي: الفاء جزاء شرط محذوف، أي إذا كان كذلك فأيهم تخصه وتلتجئ إليه إذا أنابتك نائبة (أما) بالتخفيف للتنبيه (إنك) بكسر الهمزة (لو أسلمت علمتك كلمتين) ، أي دعوتين (تنفعانك) ، أي في الدارين، قال ابن جحر: هذا من باب الإغراء على الشيء بذكر ما يحمل عليه (علمني الكلمتين اللتين وعدتني) ، أي بتعليمهما (اللهم ألهمني رشدي) بضم فسكون وبفتحتين وهما لغتان، وقرئ بهما {مما علمت رشدا} وقال في القاموس: رشد كنصر وفرح رشدا ورشدا ورشاد اهتدى والرشد الاستقامة على طريق الحق مع تصلب فيه – انتهى. قال القاري: أي: وفقني إلى الرشد وهو الاهتداء إلى الصلاح (وأعذني من شر نفسي) بفتح كسر عين أمر من الإعاذة أي: أجرني واحفظني من شرها فإنها منبع الفساد. قال الشوكاني: وهذا الحديث من جوامع الكلم النبوية لأن طلب إلهام الرشد يكون به السلامة من كل ضلال والاستعاذة من شر النفس يكون بالسلامة من غالب معاصي الله سبحانه فإن أكثرها من جهة النفس الأمارة بالسوء ، يقول ابن القيم في ” طريق الهجرتين”،(ص:289):” والعبد فى كل لحظة مفتقر إلى هداية يجعلها الله فى قلبه وحركات يحركها بها فى طاعته، وهذا إلى الله سبحانه وتعالى فهو خلقه وقدره، وكان من دعاءِ النبى صلى الله عليه وسلم: "اللَّهم آت نفسى تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها” وعلّم حصين بن المنذر أن يقول: "اللَّهم ألهمنى رشدى وقنى شر نفسى”، وعامة أدعيته صلى الله عليه وسلم متضمنة لطلب توفيق ربه وتزكيته له واستعماله فى محابه، فمن هداه وصلاحه وأسباب نجاته بيد غيره، وهو المالك له ولها، المتصرف فيه بما يشاءُ ليس له من أمره شيء، من أحق بالخوف منه؟ وهب أنه قد خلق له فى الحال الهداية، فهل هو على يقين وعلم أن الله سبحانه وتعالى يخلقها له فى المستقبل ويلهمه رشده أبداً؟ فعلم أن خوف المقربين عند ربهم أعظم من خوف غيرهم والله المستعان، ومن هاهنا كان خوف السابقين من فوات الإيمان كما قال بعض السلف: أنتم تخافون الذنب، وأنا أخاف الكفر”، فهذا دعاء عظيم، نافع لمنْ أراد السَّداد في الأمورِ وضبْطِ النفسِ عند الأحداثِ والوقائعِ ، وورد في السنة عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "قُلِ اللهُمَّ اهْدِنِي وَسَدِّدْنِي، وَاذْكُرْ، بِالْهُدَى هِدَايَتَكَ الطَّرِيقَ، وَالسَّدَادِ، سَدَادَ السَّهْمِ” وفي رواية "قُلِ اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالسَّدَادَ” أخرجه مسلمٌ(2725) وهذا الدعاء فيه سؤال اللَّه تعالى أن يوقع في نفسه الرشد، وهو طاعة اللَّه ورسوله، كما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً في خطبته:”من يطع اللَّه ورسوله فقد رشد، ومن يعص اللَّه ورسوله فقد غوى” أي: يا اللَّه، يا ذا الأسماء الحسنى، والصفات العُلا, ألقِ في نفسي الهداية, والصلاح, والرشاد، والسداد, واعصمني من شرِّ نفسي؛ لأنها أمَّارة بالسوء, فشرّ النفس أحد منابع الشر وأصوله، وطرقه المؤدية إلى الهلاك، إذا لم يعصم اللَّه تعالى العبد منها, ينظر:” شرح الدعاء من الكتاب والسنة "،(ص:453)
فقه وفوائد الحديث:
1-عقد القشيري في :” السنن والمبتدعات المتعلقة بالأذكار والصلوات”،(ص:247):”فصل فِي جَوَامِع من الْأَدْعِيَة النَّبَوِيَّة والتعوذات الَّتِي لَا غنى للمرء عَنْهَا "، وكذا ابن القيم في "الوابل الصيب من الكلم الطيب”،(ص:149)، وذكروا من بينها حديثنا ، وَعدد من الأحاديث الواردة في هذا الباب ،ففِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو ” اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من عَذَاب الْقَبْر، وَأَعُوذ بك من فتْنَة الْمَسِيح الدَّجَّال وَأَعُوذ بك من فتْنَة الْمحيا وَالْمَمَات، اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من المأثم والمغرم ” فَقَالَ قَائِل: مَا أَكثر مَا تستعيذ من المغرم؟ قَالَ: ” إِن الرجل إِذا غرم حدث فكذب، ووعد فأخلف ".وَفِي صَحِيح مُسلم عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ دُعَاء النَّبِي صلى الله عليه وسلم” اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من زَوَال نِعْمَتك، وتحول عافيتك، وَمن فَجْأَة نقمتك، وَمن جَمِيع سخطك ".وَفِي صَحِيح مُسلم عَن أبي مَالك الْأَشْجَعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يعلم من أسلم أَن يَقُول: ” اللَّهُمَّ اهدني وارزقني وَعَافنِي وارحمني "وَفِي الْمسند عَن بسر بن أَرْطَأَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: ” للهم أحسن عاقبتنا فِي الْأُمُور كلهَا، وأجرنا من خزي الدُّنْيَا وَعَذَاب الْآخِرَة ".وَفِي الْمسند وصحيح الْحَاكِم عَن ربيعَة بن عَامر عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم ” الظوا بِيَاذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام "،وَفِي الْمسند وصحيح الْحَاكِم عَن شَدَّاد بن أَوْس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم : ” يَا شَدَّاد إِذا رَأَيْت النَّاس يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة فاكنز هَؤُلَاءِ الْكَلِمَات: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك الثَّبَات فِي الْأَمر، وعزيمة على الرشد، وَأَسْأَلك شكر نِعْمَتك، وَحسن عبادتك، وَأَسْأَلك قلباً سليما، وَلِسَانًا صَادِقا، وَأَسْأَلك من خير مَا تعلم، وَأَعُوذ بك من شَرّ مَا تعلم، وأستغفرك لما تعلم إِنَّك أَنْت علام الغيوب "،والجامعَ لهذهِ الأدعيةِ: سؤالُ رضوانِ اللهِ عزَّ وجلَّ ورحمتِهِ في الآخرةِ، والنَّجاةِ منْ غضبِه، وأليمِ عقابِه، والعونِ على عبادتِه سبحانه وتعالى وشكرِه.وإنَ الرّابط بينها: طَلَبُ ما عند اللهِ، والإعراضُ عمَّ في الدنيا. إنهُ ليس فيها طلبُ أموالِ الدنيا الفانيةِ، وأعراضِها الزائلِة، أو زخرِفها الرخيصِ. ينظر:”لاتحزن”،(ص:336)
2-العلو من صفات الله الثابتة له بالكتاب والسنة وإجماع السلف، قال تعالى:{وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيم} [البقرة: 255]، وأجمع السلف على ثبوت علو الذات لله وكونه في السماء فيجب إثباته له من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، وهو علو حقيقي يليق بالله، وينقسم إلى قسمين:
أ- علو صفة: بمعنى أن صفاته تعالى عليا ليس فيها نقص بوجه من الوجوه ودليله ما سبق.
ب- وعلو ذات: بمعنى أن ذاته تعالى فوق جميع مخلوقاته ، يقول الطحاوي: "وَهُوَ مُسْتَغْنٍ عَنِ الْعَرْشِ وَمَا دُونَهُ، مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ وَفَوْقَهُ، وَقَدْ أَعْجَزَ عَنِ الْإِحَاطَةِ خَلْقَهُ”،يراجع:” شرح العقيدة الطحاوية””،لابن أبي العز،(ص:281-285)،وفي”خلق أفعال العباد”،للبخاري، (ص:43)،قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، فِي قَوْلِهِ: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54]، قَالَ:”الْعَرْشُ عَلَى الْمَاءِ، وَاللَّهُ فَوْقَ الْعَرْشِ، وَهُوَ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ» وَقَالَ قَتَادَةُ، فِي قَوْلِهِ: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84] قَالَ: «يُعْبَدُ فِي السَّمَاءِ، وَيُعْبَدُ فِي الْأَرْضِ» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [السجدة: 5] ، قَالَ: «مِنْ أَيَّامِ السَّنَةِ» ، وَقَالَ اللَّهُ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ، أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} [الملك: 17]، ويقول ابن قدامة في استفتاح كتابه:” إثبات صفة العلو”،(ص:63):”فإن الله تعالى وصف نفسه بالعلو في السماء، ووصفه بذلك محمد خاتم الأنبياء، وأجمع على ذلك جميع العلماء من الصحابة الأتقياء والأئمة من الفقهاء، وتواترت الأخبار بذلك على وجه حصل به اليقين، وجمع الله تعالى عليه قلوب المسلمين، وجعله مغروزا في طباع الخلق أجمعين، فتراهم عند نزول الكرب بهم يلحظون السماء بأعينهم، ويرفعون نحوها للدعاء أيديهم ، وينتظرون مجيء الفرج من ربهم، وينطقون بذلك بألسنتهم ، وأنا ذاكر في الجزء بعض بلغني من الأخبار في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحابته والأئمة المقتدين بسنته على وجه يحصل القطع واليقين بصحة ذلك عنهم، ويعلم تواتر الرواية بوجوده منهم، ليزداد من وقف عليه من المؤمنين إيمانا وينتبه من خفي عليه ذلك، حتى يصير كالمشاهد له عيانا، ويصير للمتمسك بالسنة حجة وبرهانا”بتصرف، ويقول ابن قدامة في ” لمعة الاعتقاد”،(ص:11):”فهذا وما أشبهه مما صح سنده وعدلت رواته، نؤمن به، ولا نرده ولا نجحده ولا نتأوله بتأويل يخالف ظاهره، ولا نشبهه بصفات المخلوقين، ولا بسمات المحدثين، ونعلم أن الله سبحانه وتعالى لا شبيه له ولا نظير {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] ".
3-معنى الإيمان بالله: التصديق بالله، وعلى أي شيء تصدق؟ هل على مجرد وجود الله؟ فإن الكفار والمشركين كانوا يؤمنون بذلك، والله سبحانه قد أقام الأدلة العقلية على وجوده، وجاءت النصوص النقلية بوجود الله سبحانه وتعالى.
كما في الحيث قال النبي صلى الله عليه وسلم لحصين: "كم إلهاً تعبد؟ …”، فمع وجود آلهة ستة في الأرض فهو يؤمن بالله، ولكن على المشاركة، وإيمانه بالله خاصٌ عند الشدة، كما قال الله عن المشركين إذا جاءتهم شدة: {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت:65] ، والإيمان بإله معبود أمرٌ من ضروريات البشر، لابد في النهاية أن يرجع فكره إلى موجد لها: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ} [الطور:35-36] فهم لم يخلقوا من غير شيء، ولم يخلقوا أنفسهم، ومما يؤيد اعترافهم وإقرارهم بربهم الأعلى الذي يلجأون إليه في الرغبة والرهبة،ومن تقرير وحدانية الله تعالى واستقلاله بالملك والتصرف عن طريق السؤال الذي لا محيد لهم فيه عن الجواب الصحيح.قوله تعالى: {قُل لِّمَنِ الأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}، ففي هذه الآيات الكريمة أمرَ اللهُ رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين لمن الأرض وما فيها من الحيوانات والنبات والثمار، وسائر صنوف المخلوقات؟ ومن المالك لها والمتصرف فيها بالإيجاد، والإفناء؟ فإن كان لديكم علم بذلك فأخبروني به، ستجد أنّهم عند ذلك ينطقون بالحق، وهو أن ذلك لله وحده، فإذا كان ذلك فقل لهم: {أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} ، أي: أفلا تعتبرون أنّه لا تنبغي العبادة،إلاّ للخالق الرازق المحي المميت،وقل لهم: {مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} ، أي: من هو خالق السموات الطباق بما في ذلك الشمس والكواكب والأقمار، ومن هو خالق العرش الكبير الذي تحمله الملائكة الأطهار؟ستجد أنّهم يقولون الله وحده، فقل لهم يا محمد {أَفَلاَ تَتَّقُونَ} ، أي: أفلا تخافون من عذابه فتوحدونه وتتركون عبادة غيره.ثم قل لهم: {مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} ، أي: من بيده الملك الواسع؟ ومن بيده خزائن كل شيء؟ ومن هو المتصرف في هذه الأكوان بالخلق والإيجاد والتدبير؟ وهو مع ذلك يحمي من استجار به والتجأ إليه.وكانت العرب إذا كان السيد فيهم فأجار أحداً، لا يخفر في جواره، وليس لمن دونه أن يجير عليه، لئلا يفتات عليه، إن المشركين عند ذلك: {سَيَقُولُونَ لِلَّهِ، قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} ، أي: إذا كنتم تقرّون بأنَّ الملك والتدبير كله لله جل وعلا، فكيف تخدعون وتعرضون عن طاعته وتوحيده ، ونصوص القرآن كثيرة في ذلك كما قال تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّ تِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} [يونس:31] ، أي أفلا تتقون الشرك في الألوهية إذا أقررتم بالربوبية، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [الزخرف:9] . واعترفوا أيضا بصفة العزة والعلم لله،والآيات في هذا كثيرة معلومة عند الجميع يحتج سبحانه عليهم بإقرارهم بتوحيد الربوبية على إشراكهم في توحيد الألوهية كما قال تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:106]، قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما: إيمانهم إذا قيل لهم من خلق السموات والأرض والجبال قالوا الله وهم يعبدون معه غيره!، وقال عطاء في الآية: إيمانهم وإخلاصهم الدعاء لله في الشدائد وينسون في الرخاء كما قال تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [العنكبوت:65]، قَالَ عِكْرِمَةُ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا رَكِبُوا الْبَحْرَ حَمَلُوا مَعَهُمُ الْأَصْنَامَ فَإِذَا اشْتَدَّتْ بِهِمُ الرِّيحُ أَلْقَوْهَا فِي الْبَحْرِ وَقَالُوا يَا رب يَا رب ،والآية تعم ذلك كله فهذه نصوص القرآن صريحة في أن المشركين يعترفون بتوحيد الربوبية اعترافا جازما غير مترددين ولا متوقفين، بل يقرون بجملة من صفات الرب سبحانه وتعالى ينكرها كثير من المسلمين المنحرفين كإقرارهم بصفة العزة والعلم، ويقرون أيضًا بعلوه فوق سمواته ، والقرآن من أوله إلى آخره، بل وجميع الكتب والرسل إنما بعثوا بأن يعبد الله وحده لا شريك له، وأن لا يجعل مع الله إله آخر، والإله من يأله القلب عبادة واستعانة، وإجلالاً وإكراماً وخوفاً ورجاءً، كما هو حال المشركين في آلهتهم، وإن اعتقد المشرك منهم أن ما يألهه مخلوق ومصنوع، كما كان المشركون يقولون في تلبيتهم "لبيك لا شريك لك، إلاّ شريكاً هو لك تملكه وما مالك” ، وَلَمَّا رَكِبَ بَعْضُ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ فَارًّا مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ فَتَحَ مَكَّةَ, فَلَمَّا اضْطَرَبَ الْبَحْرُ عَلَيْهِمْ وَشَاهَدُوا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا شَاهَدُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ادْعُوا اللَّهَ, فَإِنَّهُ لَا ينجيكم من هذا إِلَّا هُوَ فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنْ كَانَ لَا يَنْفَعُ فِي الْبَحْرِ إِلَّا هُوَ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُ فِي الْبَرِّ إِلَّا هُوَ, لَئِنْ أَخْرَجَنِي اللَّهُ مِنْ هَذِهِ لَأَذْهَبَنَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلْأَضَعَنَّ يَدِي فِي يَدِهِ1، والصحابي هو عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه والحديث أخرجه النسائي ،(7/ 105)، من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه, وسنده حسن،يراجع:”معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول”،(2/485)،ويقول ربنا : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ}،وقوله: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ}، والآيات في هذا كثيرة تبين عجز هذه الآلهة التي اتخذوها من دون الله تعالى وأنها لا تملك لنفسها ولا لغيرها نفعًا ولا ضرًا
3- التوحيد من خصائصه أنه سهل تقبله القلوب، عقيدة يفهمها الطفل والأعرابي في الصحراء، وقد ربى الرسول عليه الصلاة والسلام أصحابه والأمة على أن يفهموا العقيدة، سأل جارية فقال: {أين الله؟ قالت في السماء وفي بعض الألفاظ: أنها لم تتكلم وإنما أشارت إلى السماء فقال: اعتقها فإنها مؤمنة”وكما في حديث حصين ،هذا دين سهل، وعرض التوحيد بمثل هذا يقبله الناس، كذلك في مسند الإمام أحمد بسند صحيح: {أن أعرابياً أتى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام قال: من أرسلك؟ قال: الله؟ قال: إلامَ تدعو؟ قال: أدعو إلى الله، الذي إذا ضاعت راحلتك في الصحراء -خاطبه براحلته لأنه صاحب راحلة- سألت الله فردها عليك، وإذا أصابتك سنة مجدبة فدعوت الله، أمطر عليك سنتك} ، فشهد أن لا إله إلا الله، يعد أسلوب الحوار من أهم أساليب التربية الإسلامية وأفضلها؛ ذلك لأنه يترك المجال للأطراف المتحاورة لإبداء وجهات النظر وتبادل الآراء وتلاقح الأفكار , مما ينتج عنه تصحيح المفاهيم وحل المشكلات وتجاوز العقبات , ومن ثم تسود المحبة والألفة بين أفراد المجتمع ، وقد حاور النبي صلى الله عليه وسلم وفد نصارى نجران لما جاءوه، ونزلت سورة آل عمران محاورة ومجادلة لأهل الكتاب، ولوفدهم الذين جاءوا من نجران، وحاور النبي صلى الله عليه وسلم عدي بن حاتم وقد كان من زعماء النصارى، فحاوره بما هو موجود عنده في الكتاب، وبما يعلمه من دينه، وحاوره بأشياء، وأوقفه على أمور عجيبة،كما حاور عليه الصلاة والسلام أشخاصاً كثيرين،وجاءت السنة النبوية مليئة بالحوارات المختلفة وبأساليب عدة , فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قدوةً حسنةً لكل محاور , تمثل ذلك في تمكنه صلى الله عليه وسلم من أسلوب الحوار من خلال أدبه صلى الله عليه وسلم , واحترامه للطرف الآخر , ومعرفته لنفسيات المحاورين المختلفة. وقد كانت الأساليب الحوارية على صور مختلفة ،فينبغي أن تكون العلاقة بين الداعية والمدعو قائمة على الإشفاق والرحمة، فتقديم الدعوة بقالب التواضع، وتقديم الأفكار والمفاهيم والتصورات بقالب حسن الخلق هو الذي يؤثر فعلاً
4-من العبادات القلبية الخشوع والرغبة والرهبة قوله تعالى {وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} ، ويروى أن ملحدًا جاء إلى جعفر الصادق يسأله عن الله وكيف يجده؟ فقال للسائل: ألم تركب البحر؟ قال: بلى، قال: فهل هاجت بكم الريح عاصفة وكادت السفينة أن تغرق؟ قال: نعم، قال: فهل انقطع أملك من الملاحين ومن كل وسائل النجاة وانقدح في نفسك أن هناك من يستطيع أن ينقذ السفينة من الغرق إذا شاء؟ قال: نعم، قال: فذلك هو الله تعالى وحده لا شريك له ، والعقل السليم لا يرضى بالتجاء صاحبه إلى إله في الشدة وإله آخر في الرخاء؛ لأن الإله المنجي من الكربات حقيق أن يكون إلهاً معبوداً وحده هو في الرخاء، كما في قصة إسلام حصين ،ويقول ابن القيم في”إغاثة اللهفان”،(1/74):”فى علاج مرض القلب من استيلاء النفس عليه هذا الباب كالأساس والأصل لما بعده من الأبواب، فإن سائر أمراض القلب إنما تنشأ من جانب النفس، فالمواد الفاسدة كلها إليها تنصب، ثم تنبعث منها إلى الأعضاء. وأول ما تنال القلب، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى خطبة الحاجة:”الحمدُ لله نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهدِيهِ، وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا”، وقد استعاذ صلى الله عليه وسلم من شرها عموما، ومن شر ما يتولد منها من الأعمال، ومن شر ما يترتب على ذلك من المكاره والعقوبات، وجمع بين الاستعاذة من شر النفس وسيئات الأعمال.
5-أهمية التعرف على الله في الرخاء إذا كنت تقول: يا الله! وقت الاضطرار فإن كفار قريش الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم واستباح دماءهم وأموالهم كانوا عند الاضطرار يقولون: يا الله! {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [يونس:22] إذا كنت تقول: يا الله! وقت الاضطرار فلست وحدك التي تقولها، كفار قريش يقولونها، الاضطرار إلى الله وقت الحاجة، والاضطرار أمر طبيعي في البشر، كن مع الله في حال الرخاء يكون الله معك في الشدة، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في حال الشد،نبي الله يونس بن متى لما ألقي في البحر والتقمه الحوت نادى في الظلمات {أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ}[الأنبياء:87] ،{فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات:143-144]،قال ابن قتيبة: أجمع العقلاء على أن جميع البشر إذا اشتدت بهم الضوائق التجئوا إلى الله، حتى الكافر الملحد، وتجدون هذا في كتب الملحدين الذين أسلموا وكانوا على هذا النهج، مثل كتاب: رأيتُ الله، للملحد الذي أسلم، ومثل كتاب: أين الله؟، ولذلك أمرنا الله أن نلتجئ إليه في وقت الضوائق؛ فإنه هو الذي ينجي سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وهو الذي يقول وقت ازدحام المعركة وتلاقي السيوف والرماح: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال:45].
6-تزكية النفس وتنميتها من أهم الضرورات؛ لأن بتزكيتها يكون فلاح العبد وسعادته في الدارين، وبإهمال التزكية تكون الخيبة والخسارة، والبعد عن الله وعن رضوانه, ويقصد بتزكية النفوس تطهيرها وتطييبها، حتى تستجيب لربها وتفلح فى دنياها وآخرتها ، قال تعالى:{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}[الشمس: 7-10], وقال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}[الأعلى: 144-155]، فإن السلوك الصحيح وتزكية النفوس من أعظم أمور الدين، وأجل خصاله، حيث اهتم سلفنا الصالح بالسلوك الشرعي علماً وعملاً، فالسلوك الظاهر ملازم للإيمان الباطن، وصلاح الظاهر ناشئ عن صلاح الباطن، وكذا العكس لذا كانت إحدى المهـام التي بعث الله عزَّ وجلَّ الرسل من أجلها, فكانت دعوة نبي الله إبراهيم -عليه السلام-: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[البقرة: 129]، ويقول ربنا في سورة آل عمران:{ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)} إن التزكية تُحرر النفس من الآفات، وتطهرها من الموبقات، وتجعلها قابلة للخير، طاردة للشر، قريبة من الله، وبعيدة عن كل ما يغضبه؛ لذا كان حري بكل مؤمن ألا يقدِم شيئًا على تزكية نفسه، ومعرفة عيوبها، والشروع في إصلاحها، فبالتزكية يتحقق القلب بالتوحيد والإخلاص, ويرتقي في المنازل العالية، ويتخلق بالصفات الحسنة، والأخلاق الفاضلة، من الصبر، والشكر، والخوف، والرجاء، والمحبة لله ، والصدق مع الله، ويتخلى عن جميع الأخلاق الرديئة، والصفات القبيحة، كالرياء، والعجب، والغرور، والغضب، وغيرها من آفات النفوس.ولقد كان السلف الصالح يوْلون أمر تزكية النفس وتطهير القلب اهتمًاما بالغًا؛ بل كان أمر تزكيتها مقدم على ما عداه من الأمور, فهاكم بعض النماذج التي تبين كيف عالج السلف أنفسهم، وكيف حاسبوها:عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعتُ عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوماً وخرجت معه حتى دخل حائطاً فسمعتُه يقول ـ وبيني وبينه جدار: “عمر!! أمير المؤمنين!! بخٍ بخٍ، واللهِ بُنَيّ الخطاب لتتقينّ الله أو ليعذبنّك“، ومن عرفَ نفسَه حقَّ المعرفة علِم أنها -كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله-: "علِم أنها منبعُ كل شرٍّ، ومأوَى كل سوءٍ، وأن جهلَها أكثرُ من علمِها، وأن ظُلمَها أعظمُ من عدلِها، وأن ما فيها من خيرٍ هو فضلٌ من الله منَّ به عليها لم يكُن منها”. يعني: لم يكن نابِعًا منها.كما قال تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا}[النور: 21]، وقال تعالى:{وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ}[الحجرات: 7]فهذا الحبُّ وهذه الكراهَة لم يكونَا في النفسِ ولا بِها، ولكنَّ الله هو الذي منَّ بهما فجعل العبدَ بسببهما من الراشدين:{فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[الحجرات: 8]وإن هذه المعرفةَ بالنفس تستلزِمُ التِماسَ العلم النافِع المُنوَّر بأنوار الوحيَين، المُقتبَسِ من مِشكاة النبُوَّة؛ ليرتفعَ به جهلُها. وتستلزِمُ أيضًا العملَ الصالحَ الذي ينتفعُ به ويزولُ ظُلمُها.والاستعاذةُ من شُرور النفس هديٌ نبويٌّ وسنَّةٌ محمديَّةٌ أرشد النبي صلى الله عليه وسلم الأمةَ إليها، لتستعصِمَ بالله منها، ولتستدفِعَ بها جهلَها وظُلمَها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم مُوصِيًا ومُعلِّمًا،فَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: لَا أَقُولُ لَكُمْ إِلَّا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: كَانَ يَقُولُ: "اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ، وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ، وَالْبُخْلِ، وَالْهَرَمِ، وَعَذَابِ، الْقَبْرِ اللهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا، اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا”أخرجه مسلم،(2722)،وأخرج الحاكم في "المستدرك”،(2000)، عن أَنَس بن مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ: ” مَا يَمْنَعُكِ أَنْ تَسْمَعِي مَا أُوصِيكِ بِهِ أَنْ تَقُولِي إِذَا أَصْبَحْتِ، وَإِذَا أَمْسَيْتِ: يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرَفَةَ عَيْنٍ "، هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ ”
وما ليَ من حولٍ ولا لي قوةٌ … بغير إله الخلق ذي العزّ والقهر
هدانا إلى ما لم نكن قبلُ نهتدي … علَّمنا ما قد جهلنا من الأمر
فنحمده في ذاك بدأ وآخرا … ونثني على الهادي وأصحابه الغرِّ
ونهدي لهم أزكى الصلاة مسلمًا … لأجعلها يوم القيامة من ذخري
وأُخلص حبّي للنبيّ وآله ………… وأتباعه طُرَّا وأصحابه العشر
فهم أوضحوا نهجّ الطرق لسالكٍ … وهم قذفوا في لُجَّةِ العلم الدُّرِّ
بهم نقتدي في كل حالٍ ونهتدي … كما يهتدي السارون بالأنجم الزِّهْر
فيا من هو الله المجيبُ لمن دعا … ويا سامعَ الشكوى ويا كاشف الضُّرِّ
بحقِّهِمُ أحْسِنْ خلاصيَ في غدٍ … وخَفّف بحسن العفو لي ثقل الوزر
الحواشي: -مدرس الدراسات الإسلامية بكلية الشريعة الإسلامية ، عصر الأربعاء الموافق :15 من ذي الحجة 1441ه ، 5من أغسطس 2020م
– مستلةً من مقدمة المناوي لكتابه:” اليواقيت والدرر في شرح نخبة ابن حجر”،(1/113)
– الحديث أخرجه الترمذي في "جامعه” (5 / 468) برقم: (3483)،وقال: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، والبزار في "مسنده” (9 / 53) برقم: (3579) ، (3580) والطبراني في "الكبير” (18 / 174) برقم: (396) والطبراني في "الأوسط” (1985)،وأخرجه أحمد في مسنده (2/160) ،والبخاري في خلق أفعال العباد (134)، والدارمي في الرد على المريسي (ص104) والحاكم في المستدرك (4/159) وصححه، والبيهقي في الأسماء والصفات (2/329، ح894) وابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص66-67) والذهبي في الأربعين (ص56، برقم31) ، وفي العلو (ص24) ، وقال: "شبيب ضعيف”، والبخاري في تاريخه (3/ 1) مختصرًا، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2355) وغيرهم،قال البزار :وهذا الحديث لا نعلم أحدا يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا عمران بن حصين وأبوه وقد اختلفوا في إسناده فقال ربعي بن حراش عن عمران بن حصين عن أبيه وقال الحسن والعباس بن عبد الرحمن عن عمران أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحصين وأحسب أن حديث عمران أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبيه أصوب "مسند البزار”، (9 / 53) ، قال العراقي في ” المغني عن حمل الأسفار في الأسفار "،(ص:381):” أخرجه التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن”أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم علمه لحصين”، وَقَالَ حسن غَرِيب وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي "الْيَوْم وَاللَّيْلَة”، وَالْحَاكِم من حَدِيث حُصَيْن وَالِد عمرَان وَقَالَ صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ”، وقال النووى فى ” رياض الصالحين "،( 1 / 426): قال الترمذى: حديث حسن، وقال ابن حجر في "نصب الراية”:( 2/ 20) وسنده صحيح”، وقال ابن القيم في” الوابل الصيب "،(ص:149):” حديث صحيح وَزَاد الْحَاكِم:” اللَّهُمَّ قني شَرّ نَفسِي، واعزم لي عَليّ أرشد أَمْرِي، اللَّهُمَّ اغْفِر لي مَا أسررت، وَمَا أعلنت، وَمَا أَخْطَأت، وَمَا تَعَمّدت، مَا علمت وَمَا جهلت، وَإِسْنَاده على شَرط الصَّحِيحَيْنِ”،وقال القشيري في:”السنن والمبتدعات المتعلقة بالأذكار والصلوات”،(ص:247):”حَدِيث صَحِيح”، والحديث ضعفه الألباني في "ضعيف سنن الترمذي” (690)،وأخرج الطبراني في "المعجم الكبير”، (223)، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عِمْرَانَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَسْلَمْتُ فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: قُلْ: "اللهُمَّ إِنِّي أَسْتَهْدِيكَ أَمْرِي، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي”.
– ينظر:” تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن”،(30/292)،و”شرح مصابيح السنة للإمام البغوي "،لابن الملك (3/220)،و” المفردات”،للراغب (ص: 354)
-ينظر: دليل الفالحين”،(7/292)،و” الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية "،(7/221) ،و” تحفة الأحوذي”،(9/ 320)، ” تطريز رياض الصالحين”،(ص:815)،و”مجلة البحوث الإسلامية”،(95/367)،والحديث أخرجه أبو داود في سننه، ( 2118)، وصححه الألباني.
-ينظر:” النشر في القراءات العشر”،(2/446)
-ينظر:” المغازي "،للواقدي،(2/832)،و”الطبقات الكبرى”،(2/104)،و” تاريخ ابن الوردي”،(1/124)،و” المنتظم في تاريخ الأمم والملوك”،(3/327)
-” لا تحزن”،(ص:287)
-” تعليق مختصر على كتاب لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد”،(ص:66-68)
-"منهج القرآن الكريم في دعوة المشركين إلى الإسلام”،(1/414)
-يراجع:” جامع البيان عن تأويل آي القرآن”،(17-97-100)،و” معالم التنزيل في تفسير القرآن”،للبغوي،(6/255)
-"تأسيس التقديس في كشف تلبيس داود بن جرجيس”،(ص:47)
-"منهاج التأسيس والتقديس في كشف شبهات داود بن جرجيس”،ص:240)
-يراجع:” معارج القبول”، لحافظ حكمي،(1/359-360)،وكتاب دعوة التوحيد لخليل الهراس (ص 40-41)،و”حماية الرسول صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد”،(ص:254) ،”مباحث العقيدة في سورة الزمر”،(ص:359)
-” أسلوب الحوار من خلال سيرة مصعب بن عمير – رضي الله عنه – وتطبيقاته التربوية”،(ص:50)
-” وسطية الإسلام ودعوته إلى الحوار”،(ص:42-45)،و” أسلوب الحوار من خلال سيرة مصعب بن عمير – رضي الله عنه – وتطبيقاته التربوية "،(ص:46)
-"الأجوبة المفيدة لمهمات العقيدة”،(1/18)
-ينظر:”الإسلام في مواجهة الماديين والملحدين”، لعبد الكريم الخطيب( ص12)،”عقيدة التوحيد في القرآن الكريم”،(ص:289)
– ينظر:”الشرك في القديم والحديث”،(ص:1427)
-” تزكية النفوس”،(ص:5)
-” معالم في السلوك وتزكية النفوس”،(ص:3-4)
-مقتبسةً من ختام ” منظومة المقصور والممدود "، محمد بن أحمد بن علي بن جابر الأندلسي الهوّاري المالكي،(ص:36)

Leave a Reply

avatar
3000
  Subscribe  
Notify of