من المعلوم بالضرورة أن معرفة العقيدة السلفية الصحيحة، والتعمق في صعبها وذلولها، وانتهاج المنهج السلفي السليم في فهمها، والتعامل معها، ومعالجتها في الحياة البشرية المسلمة من مقتضى الدين الحنيف، وبها يكتمل دين العبد ويتم إيمانه بل بحسب زيادته في العلم بالله والعقيدة الصحيحة يزيده إيمانا وبحسب نقصانه فيه ينقصه إيمانا، حيث قال الله تعالى: "فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك” وبوب الإمام البخاري رحمه الله على هذه الآية بقوله: "باب العلم قبل القول والعمل” فقدم سبحانه العلم على العمل كما استدل الإمام البخاري والعلماء غيره. وأي العلم أراد الله جل ذكره؟ علم الكلام؟ أو المنطق؟ أو الفسلفة؟ أو غيرها من العلوم الدنيوية؟ كلا بل مراد الله سبحانه وتعالى هو العلم الشرعي، العلم بالرب وبوحدانية الرب في الخلق والملك والأمر والعبادة والإنابة والخوف والرجاء، والعلم بكل شيء اختصه الله لنفسه أو خصه به رسوله، والعلم بكل ما أمر به هو أو أمر به رسوله صلى الله عليه وسلم.
والعقيدة الإسلامية هي معرفة التوحيد الخالص وهو كما هو معروف ينقسم إلى ثلاثة أقسام: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، فاختلف قوم في هذا التقسيم نفسه فردوا على من قسموه مع أنه منهج السلف قاطبة وثابت بأدلة القرآن والسنة القطعية الصريحة واضحا جليا، وشذ قوم فزادوا فيه تقسيما خاصا بإسم توحيد الحاكمية وعلى رأسهم هذا السيد قطب وقد رد عليه هذه الزيادة في التقسيم المعروف وبدعها جماعة من العلماء السلفيين منهم الإمام حامل لواء الجرح والتعديل في هذا الزمان ربيع بن هادي عمير المدخلي حفظه الله والألباني وابن باز وابن عثيمين والفوزان والعباد وغيرهم كثير حفظ الله منهم الأحياء ورحم منهم الأموات.
وليس هذا التقسيم تقسيم اصطلاحي حيث لا مشاحة في الاصطلاح وأنت مختار في التسمية والتعديد كما ظن بعض من لا دقة عندهم في التعبير والتشريح بل هو تقسيم شرعي استقرائي وحقيقة شرعية مأخوذة بالتتبع لنصوص الكتاب والسنة كما صرح بذلك أئمتنا الكبار، قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: "وقد دلَّ استقراء القرآن العظيم على أنَّ توحيد الله ينقسم إلى ثلاثة أقسام” (أضواء البيان :3/410) ثم جعل رحمه الله يفصل القول في بيان كل قسم وإيراد أدلته.
وقال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله: "هذا التقسيم الاستقرائي لدى متقدمي علماء السلف أشار إليه ابن مندة وابن جرير الطبري وغيرهما، وقرره شيخا الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وقرره الزبيدي في تاج العروس وشيخنا الشنقيطي في أضواء البيان في آخرين رحم الله الجميع، وهو استقراء تامٌّ لنصوص الشرع، وهو مطرد لدى أهل كلِّ فنٍّ، كما في استقراء النحاة كلام العرب إلى اسم وفعل وحرف، والعرب لم تفه بهذا، ولم يعتب على النحاة في ذلك عاتب، وهكذا من أنواع الاستقراء”(التحذير من مختصرات الصابوني في التفسير ص: ٣٠)
وأخطأ من قال: "أن شيخ الإسلام ابن تيمية هو الذي اخترع تقسيم التوحيد إلى ألوهية وربوبية وأسماء وصفات وأنَّ هذا التقسيم بدعة خلفية مذمومة حدثت في القرن الثامن الهجري، أي بعد زمن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو ثمانمائة سنة ولم يقل بهذا التقسيم أحد من قبل”. وقد صنف الدكتور عبد الرزاق البدر حفظه الله كتابا في الرد على أمثاله سماه ب(القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد) وفند فيه شبهات هؤلاء مستدلا بنصوص الكتاب و السنة وأقوال سلف الأمة فمن أراد التفصيل فليراجعه.
وهنا أذكر بعض كلمات قاله حفظه الله في معرض الرد عليهم خاصة على حسن السقاف، قال حفظه الله: "وأما قول الكاتب إنَّ هذا التقسيم اخترعه ابن تيمية، ولم يقل به أحد من السلف الصالح، ولم يوجد إلا في القرن الثامن الهجري فهذا دليل على قصور علمه وقلة خبرته ومعرفته بكتب السلف الصالح إذ هي مليئة بالتصريح تارة والإشارة تارة إلى هذه الأقسام، ولو ذهبت أنقل كل ما أعلمه من أقوالهم في ذلك لطال المقام، لكن حسبي أن أورد هنا بعض النقول ونزراً يسيراً من النصوص المشتملة على ذكر أقسام التوحيد الثلاثة لبعض الأئمة الذين كانوا قبل شيخ الإسلام ابن تيمية ليظهر كذب الكاتب وليبين جهله”.
ومما ذكره حفظه الله كلام للإمام أبي عبد الله عبيد الله بن محمد بن بطة العكبري المتوفى سنة ٣٨٧هـ.
أنقله لكونه أوضح وأبين وأدل على المسئلة. قال رحمه الله في كتابه "الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة” ما نصه: ” … وذلك أنَّ أصل الإيمان بالله الذي يجب على الخلق اعتقاده في إثبات الإيمان به ثلاثة أشياء:
أحدها: أن يعتقد العبد ربانيته ليكون بذلك مبايناً لمذهب أهل التعطيل الذين لا يثبتون صانعاً.
والثاني: أن يعتقد وحدانيته ليكون مبايناً بذلك مذاهب أهل الشرك الذين أقروا بالصانع وأشركوا معه في العبادة غيره.
والثالث: أن يعتقده موصوفاً بالصفات التي لا يجوز إلا أن يكون موصوفاً بها من العلم والقدرة والحكمة وسائر ما وصف به نفسه في كتابه.(نقلا من كتاب "القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد ص:32)
هذا وأما القسمان الأولان من أقسام التوحيد الثلاثة فأجمع العلماء على قبولهما كما هما، وفهمهم عنهما على وجه سوي ولكن وقع فيهم الخلاف والنزاع الكبير في القسم الثالث منها فتفرقوا الى فرق عديدة وجماعات مختلفة: فمنها المعتزلة الذين يثبتون الأسماء كلها وينكرون الصفات كلها، و الجهمية القائلون بإنكار جميع الأسماء والصفات لله عز وجل، و الأشاعرة المثبتون للأسماء كلها المنكرون للصفات سوى السبعة المعروفة، وغيرها من فلاسفة وقرامطة وباطنية وكلابية وكرامية وماتريدية، أما أهل السنة والجماعة فيثبتون ما أثبته الله تعالى لنفسه أو أثبته له رسوله من غير تمثيل ولاتكيف ولا تحييز ولا تجسيم وينفون ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل ولا تأويل مذموم كما قال الله تعالى: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير مع العلم والإيمان بمعاني ألفاظ النصوص وما دلت عليه كما قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: "الكيف منه غير معقول، الاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة” (الحلية لأبي نعيم:6/325 وسير أعلام النبلاء :8/100، وقد صنف الدكتور في إثبات وشرح هذا الأثر رسالة سماه ب "الأثر المشهور عن الإمام مالك في الاستواء” فمن أراد فليراجعه)
ومما أثبت الله ربنا تبارك وتعالى لنفسه من الصفات الكاملة والنعوت الجميلة وقرره أهل السنة والجماعة لله عز وجل إثبات صفة العينين على وجه يليق بجلاله سبحانه.
وهنا أذكر الأدلة من الكتاب و السنة في إثبات أن لله عينين اثنتين لا عين واحدة ولا أعين كثيرة وأورد كلام أهل العلم من السلف الكرام الى يومنا هذا:
الأدلة على ثبوتها كثيرة:
أولا من القرآن:
(١) قال تعالى: "وَاصْبِرْ لِحُكمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا” (الطور الآية: ٤٨)
(٢) وقال تعالى: "وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي” (طه الآية: ٤٩)
(٣) وقال تعالى: "وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا” (هود الآية: ٣٧)
(٤) وقال تعالى: "تَجۡرِی بِأَعۡیُنِنَا جَزَاۤءࣰ لِّمَن كَانَ كُفِرَ”(القمر الآية ١٤)
(٥) وقال تعالى: "فَأَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡهِ أَنِ ٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡیُنِنَا وَوَحۡیِنَا”(المؤمنون الآية:٢٧)
ثانيا من السنة:
(١) حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "إنَّ الله لا يخفى عليكم إنَّ الله ليس بأعور (وأشار إلى عينيه)، وإن المسيح الدجال أعور عين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية”(أخرجه البخاري (٧٤٠٧) واللفظ له، ومسلم (١٦٩)
قال العلامة ابن عثيمين عقب هذا الحديث: "وهذا الحديث يدل على أن لله تعالى عينين اثنتين فقط.
ووجه الدلالة أنه لو كان لله أكثر من اثنتين، لكان البيان به أوضح من البيان بالعور، لأنه لو كان لله أكثر من عينين، لقال: إن ربكم له أعين، لأنه إذا كان له أعين أكثر من اثنتين، صار واضحا أن الدجال ليس برب أبين.
وأيضا: لو كان لله عز وجل أكثر من عينين، لكان ذلك من كماله، وكان ترك ذكره تفويتا للثناء على الله، لأن الكثرة تدل على القوة والكمال والتمام، فلو كان لله أكثر من عينين، لبينها الرسول عليه الصلاة والسلام، لئلا يفوتنا اعتقاد هذا الكمال، وهو الزائد على العينين الثنتين.”(شرح العقيدة الواسطية:1/313)
(٢) حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية إِنَّ الله كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا، فَوَضَعَ إبْهَامَهُ عَلَى أذنه، والتي تليها على عينيه”(رواه أبو داود (4728)، وابن حبان (1/498) (265)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (9/132) (9334). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (13/385): إسناده قوي على شرط مسلم. وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4728) إسناده صحيح.)
فهذه الآيات الخمس وهذان الحديثان في إثبات صفة العين لله، وذكرت الصفة الإلهية تارة بالجمع وتارة بالإفراد، ولم يقع ذكر هذه الصفة مثناة تصريحا لا في القرآن ولا في السنة الصحيحة، والأحاديث الواردة وفيها التصريح بالعينين ضعيفة لا تصح لكن استفيد إثبات العينين لله من الحديث الوارد في الصحيحين المذكور آنفا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الدجال قال: "إنه أعور العين اليمنى، وإن ربكم ليس بأعور” والعور عند العرب صفة ذي عينين أحدهما معيبة والأخرى سليمة، فالعور في كلام العرب يتضمن إثبات معنيين: أحدهما إثبات العينين فالعور لا يطلق وصفا على ذي عين واحدة ولا على ذي أعين كثيرة، والآخر: أن تلك العينين معيبة والأخرى سليمة، فلما نفى النبي صلى الله عليه وسلم العور عن الله قال: "وإن ربكم ليس بأعور” انتفى عنه عيب إحدى عينيه سبحانه وتعالى، واستفيد إثبات العينين لله، لأن العور لا يكون إلا مع ذي عينين. كما ذكر ابن فارس: "(عَوَرَ) الْعَيْنُ والْوَاوُ وَالرَّاءُ أَصْلَانِ: أَحَدُهمَا يَدُلُّ على تَدَاوُلِ الشَّيْءِ، وَالْآخَرُ يَدلُّ على مَرَضٍ في إِحْدى عيني الْإِنْسانِ وَكُلّ ذي عَيْنَيْن. وَمَعنَاه الْخُلوُّ من النَّظَرِ. ثم يحْمَل عليه وَيُشْتَقُّ مِنْهُ. وَالْأَصْلُ الْآخَر الْعَوَرُ في الْعَيْنِ. قال الْخليل: يُقَالُ انْظُرُوا إِلَى عَيْنِهِ الْعَوْرَاءِ. ولا يقال لِإِحْدَى الْعَيْنَيْنِ عَمْيَاءُ. لِأَنَّ الْعَوَرَ لَا يَكونُ إِلّا في إِحْدَى الْعَيْنَيْنِ. وتقول: عُرْتُ عَيْنَهُ، وَعَوَّرَتْ، وَأَعَرْتُ. "(مقاييس اللغة لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا:4/184-185)
هذا فهم السلف واستنباطهم من الحديث، والسلف والأئمة أعلم باللغة التي نزل بها القرآن وجاءت بها السنة، فهم أعلم بدلالات الكتاب والسنة وأعلم بمراد الله من كلامه وبمراد سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ممن جاء بعدهم، فكل فهم في القرآن أو في السنة يخالف فهم السلف فهو باطل مردود.
ثالثا: أقوال أهل العلم :
قال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي بعد أن ذكر حديث الدجال: "ففي تأويل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليس بأعور” بيان أنه بصير ذو عينين خلاف الأعور”(نقض الإمام أبي سعيد عثمان بن سعيد الدارمي على المريسي الجهمي العنيد:1/327)
قـال ابن خزيمة بعد أن ذكر جملة من الآيـات تثبت صفة العين: "فواجب على كل مؤمن أن يثبت لخالقه وبارئه ما ثبَّت الخالق البارئ لنفسه من العين، وغير مؤمن من ينفي عن الله تبارك وتعالى ما قد ثبَّته الله في محكم تَنْزيله ببيان النبي صلى الله عليه وسلم الذي جعله الله مبيِّناً عنه عزَّ وجلَّ في قولـه: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن لله عينين فكان بيانه موافقاً لبيان محكم التَّنْزيل، الذي هو مسطور بين الدفتين، مقروء في المحاريب والكتاتيب”(كتاب التوحيد:1/97).
وبوَّب الَّلالَكَائي بقولـه: "سياق ما دل من كتاب الله عزَّ وجلَّ وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على أن صفات الله عزَّ وجلَّ الوجه والعينين واليدين” (أصول الاعتقاد:3/412).
وقال أبو الحسن الأشعري: "جملة ما عليه أصحاب الحديث و أهل السنة، الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله الى أن قال:وإن له عينين كما قال: تجري بأعيننا، (القمر: ١٤)”(الإيمان الأوسط لابن تيمية :1/439) وهذا إجماع أهل السنة أصحاب الحديث. ونقل الباقلاني أيضا إجماع السلف على هذا (أنظر شرح العقيدة الواسطية لابن عثيمين:1/314)
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: "الله سبحانه موصوف بأن له عينين، وأنه ليس بأعور خلافًا للدجال فإنه أعور العين اليمنى”(مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 28/ 397).
وقال الشيخ الألباني: "والمنقول في كتب التوحيد وكتب العقائد أن له عينين، وبعض العلماء القدماء يستدلون بحديث الدجال أنه أعور 🙁 وإن ربكم ليس بأعور وإن أحدكم لن يرى ربه حتى يموت ) ليس عندنا نص صريح بأن له أكثر من عينين. والمتوارث عن عقيدة السلف هو إثبات العينين على ظاهر حديث الدجال على كثرة طرقه، فالذي يتبادر من هذا الحديث، ولا يخطر في البال سواه أن الدجال إحدى عينيه طافية، وهو أعور، وإن ربكم ليس بأعور، معنى ذلك أن الله عز وجل موصوف بالعينين وليس بالثلاثة أو أكثر لأنه ما عندنا نص بالأكثر”(سلسلة الهدى والنور رقم الشريط:183)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "وأجمع أهل السنة على أن العينين اثنتان، ويؤيده قول النبي صلى الله عليه وسلم في الدجَّال: ((إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور”(عقيدة أهل السنة والجماعة ص: 12).
وقال الشيخ عبد الله الغنيمان: "قولـه:(إن الله ليس بأعور): هذه الجملة هي المقصودة من الحديث في هذا الباب؛ فهذا يدل على أن لله عينين حقيقة؛ لأن العور فقدُ أحد العينين أو ذهاب نورها”(شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري :1/285)
وقال الشيخ صالح بن عبد الله العصيمي بعد ما ذكر التفصيل في المسئلة وأثبت العينين: "وهذا الذي ذكرناه لا مدخل فيه للقياس، فهو ليس قياسا للخالق على صفة المخلوق، وإنما استفيد من الوضع اللغوي، فهو تفسير للصفة وإثبات لها بما خوطبنا به من كلام الشرع الذي تفسيره في كلام العرب على الوجه الذي ذكرناه”(شريط: دليل ثبوت صفة العينين العصيفي)
وممن نص على إثبات العينين لله تعالى واستدل بالحديث: أبو محمد بن قتيبة في (الرد على بشر المريسي ضمن عقائد السلف:406) وأبو بكر الباقلاني في كتابه (الرد على من نسب إلى الأشعري خلاف قوله كما نقله شيخ الإسلام في بيان تلبيس الجهمية(2/34)، واللالكائي في (شرح أصول اعتقاد أهل السنة :3/471)، وأبو عمرو الداني في (الرسالة الوافية (49) تحقيق محمد بن سعيد القحطاني)، وشيخ الإسلام بن تيمية في (الجواب الصحيح (4/413) تحقيق الحسن العلوي)، وابن القيم في (مختصر الصواعق المرسلة (1/66)، وممن نص أيضاً على إثبات العينين لله تعالى أبو الحسن الأشعري في (الإبانة (129) ط الجامعة الإسلامية) وأبو إسماعيل الهروي (كتاب الأربعين في دلائل التوحيد(64) تحقيق د.علي بن ناصر الفقيهي)
وفي الختام أختم بحثي بذكر كلام للإمام ابن عثيمين رحمه الله حيث قال في (مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين:1/151-153) بعد ذكر التفصيل في المسئلة: "وبهذا تبين وجوب اعتقاد أن لله تعالى عينين، لأنه مقتضى النص وهو المنقول عن أهل السنة والحديث.
فإن قيل: ما تصنعون بقوله تعالى: {أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا} وقوله: {تجري بأعيننا} حيث ذكر الله تعالى العين بلفظ الجمع؟
قلنا: نتلقاها بالقبول والتسليم، ونقول: إن كان أقل الجمع اثنين كما قيل به إما مطلقا أو مع الدليل فلا إشكال؛ لأن الجمع هنا قد دل الدليل على أن المراد به اثنتان فيكون المراد به ذلك، وإن كان أقل الجمع ثلاثة فإننا نقول جمع العين هنا كجمع اليد في قوله تعالى: {أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما}. يراد به التعظيم والمطابقة بين المضاف والمضاف إليه، وهو "نا” المفيد للتعظيم دون حقيقة العدد، وحينئذ لا يصادم التثنية.
فإن قيل: فما تصنعون بقوله تعالى يخاطب موسى: {ولتصنع على عيني} . حيث جاءت بالإفراد؟
قلنا: لا مصادمة بينها وبين التثنية؛ لأن المفرد المضاف لا يمنع التعدد فيما كان متعددا، ألا ترى إلى قوله تعالى: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} . وقوله تعالى: {واذكروا نعمة الله عليكم} . فإن النعمة اسم مفرد، ومع ذلك فأفرادها لا تحصى.
وبهذا تبين ائتلاف النصوص واتفاقها وتلاؤمها، وأنها – ولله الحمد – كلها حق، وجاءت بالحق، لكنها تحتاج في بعض الأحيان إلى تأمل وتفكير، بقصد حسن، وأداة تامة، بحيث يكون عند العبد صدق نية بطلب الحق واستعداد تام لقبوله، وعلم بمدلولات الألفاظ، ومصادر الشرع وموارده، قال الله تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} . فحث على تدبر القرآن الكريم وأشار إلى أنه بتدبره يزول عن العبد ما يجد في قلبه من الشبهات، حتى يتبين له أن القرآن حق يصدق بعضه بعضا. والله المستعان.
Leave a Reply