تقاسمت البلدان بتهافت الآراء، تفارقت المدن استيلاء على الاقتصاد، تقاطعت البلاد بانحطاط الأخوة والأخلاق، تقاتل بعضهم بعضا مجافية، فجاشت العيون والأنفس، وأضناها الهم والغم، ثم تناثرت وتساقطت الأناس كأوراق شجر الخريف.
هجروا أفذاذ قومهم وعباقرتهم وبعد! اضطروا إلى البلدان الظالمة المعاصرة لتقيم لهم العدل في معاملاتهم الدخيلة، ودعوها للمفاوضة والمساومة في حل الاختلافات التي وقعت بينهم بسبب عنادهم وأنفهم.
يا للأسف، آه على أنفسنا، تركنا حبل الله وتفرقنا، انصرفنا عن مبادي الإسلام ولجئنا إلى غير الإسلام، ألبسنا على أنفسنا بحرية الغرب، وتخلينا أنفسنا عن الأخلاق الكريمة والآداب الحسنة التي تملّك بها أبطالنا السلف على الدنيا، بنينا المباني الشامخات لاستراحة أنفسنا فيها ولم نبذل جهودنا لاستعداد القوة التي أمر الله تعالى بها من الجيوش المخلصة وآلات الحرب حسب الزمن والوقت والتكنولوجيات الحديثة، أخذناها من أيدي الظالمين بدلا أن نخترعها من أيدينا وأنفسنا لكي يحمونا من شرهم، وهل هذا معقول بأنهم يحمونا من شرهم بذاتهم؟ تسيطروا بها علينا ودهموا بيوتنا وما عرفناهم بأنهم امتلكوا كل شي حتى أراضينا وطردونا من بيوتنا.
يا حكام البلاد الإسلامية، هلا نجتمع ونلتقي في كلمة الشهادة، وأركان الإيمان والإسلام؟ هلا نعرف أن البيت لم ينهدم طالما بقيت عموده؟ هلا نفكر في أصابع أيدينا الخمسة هي متفاوتة في طولها لكنها تساعد وتساهم بعضها بعضا في أخذ الأشياء وقبضها؟ فهل يخلُق بنا كسر الاتحاد، آه على الدول الإسلامية تركت الاتحاد وهو أشد حاجة الوقت لنا؟ ولماذا نكسّر الاتحاد بينما جميعنا متحدون في كلمة الشهادة وأركان الإيمان والإسلام؟ هلا أخبرنا سبحانه تعالى باعتصام حبله وعدم التفرق؟
لماذا هذا الانتشار المرهق وترك الاتحاد واللجوء إلى الأعداء؟ هذا الانتشار والافتراق هو السبب الرئيسي الذي أغرق الأمة المسلمة والمسلمين في كل مكان، اغتنمت الأعداء هذه الفرصة وتدخلوا في شؤوننا الداخلية وبدأوا يتطاولون على المسلمين بظلمهم المجافي في أنحاء العالم.
يا حكام البلاد الإسلامية، اعلموا جيدا، أن الاختلافات الفرعية والجزئية هي تبقى إلى الأبد وإلى يوم الساعة، لا مفر منها، وبهذه الاختلافات الجزئية لم نهدم اتحادنا وأخوتنا، هلا نذكر ونتذكر أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا – ومثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى – والمسلمون كرجل واحد، إن اشتكى عينُه اشتكى كلُّه، وإن اشتكى رأسُه اشتكى كلُّه).
الاقتصاد والمال، هذا فضل من الله تعالى وزينة للدنيا وامتحان منه لعباده، فيلزم بنا أن نتصرف حسب ما تصرف نبينا صلى الله عليه وسلم لبناء الجيل وقوة الدفاع، فلا يجدر بنا أن نتعادى بالحصول عليه بطريقة غير مشروعة ولا يخلق بنا أن نحسد على من أعطاه الله، بل ندعو الله سبحانه تعالى أن يحفظه لهم ويمنَ علينا كمثلهم.
يا حكام البلاد الإسلامية وأُمَراءها، انهضوا من غفلتكم واجتمعوا على رصيف واحد بغض النظر عن اختلافاتكم الفرعية، ما فات الأوان تماما حتى الآن، زينوا أنفسكم بسياسة نبينا صلى الله عليه وسلم وأخلاقه العظيمة والحسنة، وتحلوا لباس الحكم والخلافة كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم أجمعين وعمر بن عبد العزيز رحمه الله، حتما يأتيكم رعاكم مؤاتيا إليكم، فأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين، باليقين التام نستطيع أن نقول لو اجتمعتم واتحدتم في صف واحد كالصلاة لم يتجرأ أحد أن يتطاول على المسلمين في أي مكان كان.
نسأل الله سبحانه تعالى أن يوفق أمراء الأمة الإسلامية وحكامها بالاتحاد والاجتماع على رصيف واحد والتمسك بحبل الله تعالى وألا يتفرقوا.