الملاحظة: إن هذا المقال الذي كتبه العالم النبيل الشيخ عبدالحسيب العمري المدني حفظه الله ورعاه، قد صادفني أثناء مطالعتي للجريدة المؤقرة الصادرة من عروس البلاد "بمبئي” المسماة ب”دي فري لانسر” فوجدته مطابقا للواقع الذي يتطلب مثل هذه المقالات أشد الطلب في وقت تظهر فيه يوماً فيوما، فئة من منكوسي القلوب، فاقدي الفكر السليم تحت قناع يستر وراءه الجهلة الأغبياء الذين ينتقصون الصحابة رضي الله عنه ويسبونهم ويحاولون الوضع من مكانتهم المرموقة السامية، ملبسين بشعار حب آل بيت الرسول صلوات ربي وسلامه عليه، ويقسمون الصحابة إلى طائفتين متضادتين تزعم إحداهما خصما عدوا للأخرى كما يؤكدون”بني أمية” مبغضا مشاحنا ضد آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، استنادا إلى بعض الروايات التأريخية المكذوبة التي ترفضها الحقائق والوقائع رفضا كليا وينكرها العقل القويم الذي يؤمن بالآيات والأحاديث الصحيحة التي وردت في الصحابة بدون أي استثناء، رضي الله عنهم ورضوا عنه.
فهذا كله قد جرني إلى أن رأيت من المناسب، نقله إلى العربية فما كان من صواب في التعبير فمن الله وما كان من خطأ أو تقصير فمني ومن الشيطان.
تعريب: محمد عمر صلاح الدين
الحمد لله رب العالمين والصلاه والسلام على نبينا محمد بن عبدالله الأمين أما بعد!
فلا بد من تكرار ذكر الحقيقتين البارزتين للإسلام في ضوء الشريعة الإسلامية دعما بالدلائل العلمية والبراهين الناصعة في العصر الراهن وذلك بالنظر إلى بعض الوقائع والأحداث المعاصرة.
وهما:
(١) بيان أن الموالاة لآل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم على وجه يليق بهم والبراءة من النواصب، من عقائد أهل السنة والجماعة، المتفق عليها عندهم والمبرهنة بمالا مزيد عليه من جدة وابتكار.
(٢) أنه ليس هنالك في جملة من الصحابة، من في قلبه غيظ وحقد على أهل البيت، فضلا عن أن يكون أحدهم ناصبيا مبغضا لهم.
هاتان الحقيقتان الثابتتان عند أهل السنة ما يدل على أصالتهما الشواهد التاريخية بكثير، بالإضافة إلى توفر البراهين الدالة على أن الصحابة بما فيهم من أهل البيت وغيرهم كان يحب بعضهم بعضاً ويقر بفضل أحدهم وإيمانه الآخر كما يعترف بحسن إرادته ونيته الصالحة، على الرغم مما جرى بينهم من النزاعات الفقهية والخلافات السياسية وما حدث لأجلهما الرد والنقد فيما بينهم.
وقد أصبح من طوية بعض المنتسبين إلى العلم والدراسة وعادتهم، أن يتخذوا ذكر "جرائم” بني أمية والتبرأ منهم، شغلهم الشاغل ويعدوا ذلك "المنوال” عين محبة أهل البيت وآية مودتهم ويرموا بالنصب والبغض لهم، من يخالفهم في هذا الطراز الفكري على أنهم يستهدفون وراء ذلك كله، الطعن في الصحابة بما جعلوا بني أمية من العرضة والستار مثل الروافض الذين لم يكونوا أن يظهروا الصحابة خصوما وفريقا مخالفا لأهل البيت جهرا وعلنا فبدؤا يستخدمون اسم بني أمية على سبيل الرمز. فهؤلاء متهوكون في ضعفين من الفهم الخاطي.
(١) إنهم يرمون سهام الطعن واللمز ونبال السب والشتم إلى "المخالفين” ظنا منهم ذلك من مقتضيات حب أهل البيت.
(٢) ويلعنون بني أمية ويبغضونهم بغير حق.
والحقيقة أن هولاء المتحذلقين بحب أهل البيت، مرمى بعضهم وإحنتهم، الصحابيان الجليلان معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص رضي الله عنهم لما وقع بينهما وبين علي بن أبي طالب من النزاعات والمناقشات السياسية إلا أنهم لكمال مكرهم ودهائهم تبنوا الرمز العائلي "بني أمية” دون الرمز الموحي إلى الصحابة عامة.
هولاء كان الواجب عليهم أن يتدبروا بما أنهم يقدحون في معاوية وعمرو بن العاص من المبادئ والأسس المزعومة المدسوسة في حماية علي رضي الله عنه ومحبته، دون الوقوف على كيفية ما صدر بينهم من الاختلافات والانشقاقات ودون الاطلاع على موقفهم أنفسهم منها في نظرهم، ودون العثور على الموقف الحاسم لأهل السنة والجماعة من ذلك، ويتهمون أولئك الصحابة بما لايليق بهم بمجرد فهمهم السقيم وإنتاجهم الخاطي واستدلالهم الذاتي من الروايات ويجعلونهم من أعداء أهل البيت ما لو يأتي بالغد يقارن بقية الصحابة على نفس تلك الأسس والأصول التي قورن بتحقيقها، أصحاب معاوية رضي الله عنه، ليدخل في حبالتهم أصحاب الجمل عائشة وطلحة والزبير المبشرين بالجنة على لسان النبوة على صاحبها الصلاة والسلام.
فلعله يفرق أحد في هذا المقام الخطير بين أهل الجمل وأهل صفين فهذا الذي يقال له المعيار ذوالطرفين والميزان الثنائي لكون الجماعتين كلتيهما على موقف واحد من علي بن ابي طالب رضي الله عنه وإنما كان الفرق بينهما أن الأولى كانت انهزمت وأما الثانية فقد آل أمرها بين الانتصار والهزيمة. فإن اجترأ أحد على أن يقضي بأنه لا فرق بينهما بل هما سواء في الجرم والإثم -أعاذنا الله من هذا الفكرة الخبيثة- فهذا هوالرفض والتشيع.
وعندما يتخطى المرء إلى هنا فازداد الأمر سوءا وتفاقم حتى تطير رشاشات الجرح والقدح على منصب النبوة بالواسطة غير مباشرة، ولايستقر الأمر على ذلك فحسب بل يلزم من ذلك الإنكار والتكذيب بما نطق لسان النبوة.
المهم هنا تتولد مقدمة تلو الأخرى فمن يسير على جرح الصحابة -أي واحد منهم كان- فهو يتبوأ مصير الرافضة عاجلا أو آجلا.
فها هو ذكر تلك التبعة المنطقية، العالم الشيعي نعمة الله الجزائري (١١١٢ھ) فكتب بكل جرأة:
” إنا لا نجتمع معهم -أي أهل السنة- على إله واحد، ولا على نبي ولا على إمام وذلك أنهم يقولون إن ربهم الذي كان محمد نبيه وخليفته بعده أبوبكر ونحن نقول بذلك الرب ولا بذلك النبي بل نقول إن الرب الذي خلق خليفة نبيه أبابكر ليس ربنا ولا ذلك النبي نبينا.” (الأنوار النعمانية: ٢٧٨/٢)
فهذا هو المآل المنطقي المتوقع الذي يوقع فيه هذه الأصول الرافضية من يقوم بتحقيقها في جرح الصحابة. فالذي لايريد البلوغ إلى هذا المنزل النهائي، ويبتغي السلامة والتحاشي مما يحصل من خلاله من المغبة الخطيرة المهلكة، فعليه أن يوجه مسبقا، وجهته توجيها سديدا بأن يقف عند المقدمة الأولى وقفة فحص واستعراض.
فكان من فقه السلف الصالح ودقة نظرهم وعمق فهمهم أن كانوا مطلعين على ما ينشأ بمثل هذا التصور الزائغ والفكر المنحرف، من الضرر والخسارة التي لم تكن خاطئة زائفة فحسب بل كانت تحمل في طياتها، العواقب البعيدة التأثير، السريعة النفوذ. وكانوا رحمهم الله على علم بأن الجرح والنقد الذي يبدأ من معاوية رضي الله عنه لا يكون مرده مصيبا جيدا، أي اسم شاؤوا أن يسموه أو أية قضية يجعلوها أساسا.
كما قال الشاعر:
لعلكم قدسمعتم تلك المقولة المشهورة
غيروا أول ما كنت نهايته خطيرة
فانظر أيها القاري الكريم إلى هؤلاء الأئمة النبلاء الذين فكرهم وفقهم واحد رغم اختلاف تعبيراتهم وتفاوت سياقاتهم فكل واحد منهم ينبه على المنطلق الذي ينظر كل منهم إلى عواقب منتهاه بنظرة نافذة وفكرثاقب.
فإليك بعض ما قالوا في ذلك:
(١) فروى الخطيب البغدادي رحمه الله في تاريخه(٢٠٩/١) عن ربيع بن نافع رحمه الله أنه قال:
"معاوية بن أبي سفيان ستر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فإذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه.”
(٢)قال الإمام عبد الله بن المبارك رحمه الله:
"معاوية عندنا محنة فمن رأيناه ينظر إلى معاوية شزرا اتهمناه على القوم أعني على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.”
(البداية والنهاية لابن كثير ١٣٩/٨)
(٣) قال وكيع بن جراح رحمه الله:
"معاوية بمنزلة حلقة الباب من حركه اتهمناه على من فوقه.”
(تاريخ دمشق لابن عساكر ٢١٠/٥٩)
(٤) قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله لما سئل عن رجل تنقص معاوية وعمرو بن العاص، أيقال له رافضي؟ فقال: إنه لم يجترئ عليهما إلا وله خبيئة سوء.
(السنة للخلال ٤٤٧/١)
فيما أجاب رحمه الله دليل واضح على أن طريقة التفكير هذه لإظهار حب آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ليست معيارا صحيحا للفحص والتحقيق لذلك.
فالذين يتشدقون قائلين: أننا لانتكلم في الصحابة بأسرهم إنما نحن نخوض في معاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهما، هؤلاء من الذين لم تجد أنفسهم جرأة الرافضة، المبنية على الجهل والظلم والزيغ والضلال ومن الذين لم يرزقوا ما عند السلف الصالح من البصيرة العلمية.
بل هم ممن قال فيهم الله عز وجل:
"مذبذبین بین ذ ٰلك لا إلىٰ هـٰؤلاء ولا إلىٰ هـٰؤلاء”(النساء١٤٣/٤)
فالذي يؤكد وينظر إلى تلك النزاعات الاجتهادية والاختلافات الفكرية، نظرة الصراعات بين آل البيت وعدد يسير من الصحابة وبين "بني أمية” فليعلم انه يروج تفكيرات الرفض والتشيع بوعي أو جهل.
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، آمين.
Leave a Reply