هذه حقيقة ناصعة أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مهما كانوا فإنهم كانوا أفضل منكم دون شك ولا ريب، واعلموا أنكم لن تستطيعوا أن تبلغوا درجة الصحابي الواحد حتى ولو طِرتم في الهواء، وبلغتم عنان السماء، ورُزقتم الحياة مائة مرة بعد الممات.
قولوا لي بربكم!!!
من أين تأتون بتلك العيون التي اكتحلت برؤية جمال خير البرية (محمد صلى الله عليه وسلم)، ذلك الجمال الذي قد أنار الكون وزَيَّنه؟
ومن أين لكم تلك الآذان التي تشرفت بسماع الأحاديث النبوية؟
ومن أين لكم تلك القلوب التي عاشت الأنفاس المحمدية وصَحِبَتها فنفخت فيها روح الحياة؟
ومن أين تأتون بتلك العقول التي استنارت بالأنوار المقدسة واستضاءت بالأضواء المحمدية؟
ومن أين تأتون بتلك الأيدي المباركة التي لامست بشرة النبي صلى الله عليه وسلم مرة واحدة ثم لم يزل مِسكُها العنبري باقيا يفوح مدى الحياة؟
ومن أين تأتون بتلك الأقدام التي مشت ومشت مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى نَفِطَت وتفطرت؟
ومن أين لكم أن تعيشوا في ذلك الزمان المبارك حيث كان الوحي ينزل من السماء على الارض؟
ومن أين لكم أن تكونوا في تلك الأرض المقدسة التي كانت أنوار السيادة المحمدية تتجلى في ربوعها؟
من أين لكم أن تَحظَوا بتلك المجالس المباركة حيث كانوا يُسقَون فيها بكؤوس تفيض شرابًا طهورًا من سعادة الدنيا والآخرة، ومع ذلك كله كان المتعطشون للسعادة والمحبة يهتفون بأصواتهم في نشوة وسرور بـــ "هل من مزيد”؟
من أين تأتون بذلك المشهد الإيماني الذي كانوا يشعرون فيه بالروحانية "كأنهم يرون الله عيانا”؟
من أين تأتون بتلك المجالس المباركة التي كان يسودها الهدوء ويخيم عليها السكون وكأن الحاضرين على رؤوسهم الطير؟
من أين تأتون بذلك العرش الذي كان يتربع عليه صاحب الرسالة والنبوة والذي كان يشار إليه بـــ”هذا الرَّجُلُ الأبْيَضُ المُتَّكِئُ”؟
من أين تأتون بأريج العنبر الذي كان يجعلهم لا يهنؤون بلذة النوم شوقًا وحنينًا إلى لقاء الحبيب (صلى الله عليه وسلم)؟
ومن أين لكم أن تظفروا بذلك الإيمان الذي لم يكن يظفرون به إلا بعد التضحية في سبيله بكل ما لديهم من غال ونفيس؟
من أين تأتون بتلك الأعمال والعبادات التي كانوا لا يقومون بها إلا بعد قياس كل منها بالمقياس النبوي؟
من أين تأتون بتلك الأخلاق والصفات التي كانوا يشتغلون بتهذيبها وتقويمها في ضوء المرآة المحمدية؟
من أين تأتون بتلك الصبغة التي كانت تصنع في كير "صبغة الله”؟
ومن أين تأتون بتلك المواقف الإيمانية الرائعة التي كانت تجعل الناظرين إليها معجبين ومشغوفين بها؟
من أين لكم أن تحظوا بتلك الصلاة التي كان يؤمها أمام الانبياء؟
وأنى لكم أن تكونوا من تلك الجماعة المباركة المقدسة التي كان سيدها سيد الانبياء والمرسلين؟
وأخيرًا!
لكم أن تتكلموا في أصحابي "أصحاب رسول الله” بما تسول لكم أنفسكم من أنواع السباب وسوء الخطاب. ولكن ضعوا أيديكم على صدوركم وناشدوا ضمائركم ثم قولوا لي بربكم!!! إن كان هؤلاء الصحابة -بعد كل هذه الفضائل والمناقب- هم أصحاب سوء في نظركم، ألستم إذن أسوأ منهم؟
ولئن كانوا يستحقون اللوم والطعن، ألستم أنتم إذن تستحقون اللعنة والغضب.
___
كتبه بالأردية: السيد محمد يوسف البنوري رحمه الله
نقله إلى العربية: محمد شاهد يار محمد السنابلي
Leave a Reply