المسلمون في ولاية بنغال الغربية وهـُمومهم وتطلُّعاتـُهم في ظل الانتخابات المحلية القادمة

أمير الإسلام بن بحر الحق الجاندفوري سياسة

في الأيام المقبلة القليلة ستستعدُّ دولتنا الحبيبة «الهند» لإجراء انتخاباتِ المجالس النیابية لولايات عديدة، وفي طليعتها: ولاية«بنغال الغربية» الواقعة في شرق الهند، والتي يسكن فيها اليوم قرابة ثلاثين مليون مسلم، بنسبة ثلاثين في المائة من إجمالي سكانها البالغ عددهم نحو مائة مليون نسمة، ومن المعلوم لدى من له إلمامٌ بتاريخ الهند أنّ المسلمين لهم تاريخٌ مجيدٌ، ودورٌ مُشْرقٌ في تنمية هذه البلاد وتطويرها عبر القرون والعصور الماضية، ولا تزال تشهد لذلك المعالمُ الإسلامية والتاريخية؛ من المساجد، والقصور، والمباني، والمكتبات العلمية الموجودة في مختلف أرجاء الولاية وأطرافها.
ومن الحقائق الـمُرَّة أنَّنا إذا نظرنا اليوم في أحوال المسلمين فيها؛ وجدنا الجماهير منهم يعيشون في فقر وبؤس، وجهل وتخلُّف، سواء كانوا يقطنون في مُدنها وبَلداتـِها، أو في أريافها وقُراها؛ وهذا تُؤكِّده التقارير والداراسات المتعددة عن أوضاع المسلمين في الولاية، والتي تُنْشَر بين الفينة والأخرى، منها: تقريرٌ نشره «معهد براتيشي»Pratichi Institute,SNAP»» -أحد مراكز الأبحاث الذي أسَّسَه أمارتيا سين «AmartyaSen» الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد- في الماضي القريب، وكان عنوانه: «واقع حياة المسلمين في بنغال الغربية». ومن أبرز ما جاء في هذا التقرير: 1- أنّ المسلمين الموظَّفين العاملين في القطاع الخاص؛ نسبتهم عبارة عن (1%) فقط.
2- في المناطق الريفية حوالي (47%) من المسلمين ينتمون إلى فئة العمال في الزّراعة وغير الزراعة.
3- حوالي (80 %) من الأُسَر المسلمة في المناطق الريفية؛ دخلها الشهري خمسة آلاف (5000) روبية فقط.
4- وحسب التقرير (3,4 %) فقط من الأسر المسلمة دخلها الشهري خمسة عشر ألف (15000) روبية. إلى غير ذلك من الأمور المحزنة التي تستوجب مـنـّا أن نتوقف عندها، ونُفكِّر فيها ملــيًّـا.
والغرض من الإشارة إليها في هذا المقال الموجز أن نقف على حقيقة واقع المسلمين في هذه الولاية الكبيرة التاريخية؛ مع عددهم الضخم الكبير، القويِّ التأثير في سياسات البلد، وقد مضت عدّة عقود على تحرير البلاد، ولا تزال تدَّعي الأحزاب السياسية كلها من غير استثناء: بأنها تعمل بجدٍّ وإخلاص للـرُّقِيِّ بالأقلية المسلمة.
وقد يقول قائل: إنّ هذا التقرير كغيره من التقارير التي يُبالغ فيها بغرض تثبيط المسلمين، حتى يشعروا بالنقص، ويكونوا مهزومين نفسيًّا وبدنيًّا، ولا يفكروا في إعادة مجدهم وكرامتهم ما داموا أحياءَ.
فأقول: نعم، هذا قد يحصل في أمور؛ أما هذا التقرير عن تخلُّف المسلمين في الولاية؛ فلا داعي للشكِّ فيه؛ لأن الأمور باتت مكشوفة للجميع؛ بل يقول الناظرون في أحوال المسلمين عن كثب؛ بأنك إذا زرت المناطق والمحافظات ذات الأغلبية المسلمة كمديرية:«مرشد آباد» و«مالده» و«ديناجبور الشمالية» ولاسيما المناطق الريفية منها؛ فستجد العجب العجاب، وسترى بأمّ العين أنّ أغلبَ المسلمين يقضون حياتهم في أسوأ درجات الفقر والتخلُّف، ترى مناطق عديدة مكتظة بسُكَّانها ولاشوارع، ولا مدارس، ولا مياه صِحّية، ولا مستشفيات، كثيرٌ منهم يسكنون في بيوت من الطّين، أوالقصب والخشب، فُرص العمل فيها مُتَدَنِّية، والأجور عليها زهيدة، لا يفكِّر الآباء في تعليم الأولاد بل يبحثون لهم عن الأعمال ليحصلوا على لقمة العيش، وقد يضطرُّون لإرسال أطفالهم الصغار إلى مدن كبيرة في الولايات الأخرى ليتمكَّنوا من تحسين أوضاعهم المعيشية.
وكل هذا التخلُّف الذي نلاحظه اليوم في المسلمين فيها؛ اجتماعيًّا، واقتصاديًّا، وتعليميًّا؛ لم يكن وليدَ الصدفة، ولم يطرأ عليهم في فترة حكومةٍ واحدةٍ لحزب خاص من الأحزاب السياسية، بل حدث كل هذا في ظلِّ حكوماتٍ لأحزاب متعددة حكمت الولايةَ واحدةً تلو الأخرى على مدى السنين الطويلة من بعد استقلال الهند إلى وقتنا هذا. فواقع الأحزاب السياسية في الولاية وتعاملها مع المسلمين؛ مؤسفٌ للغاية؛ تجدها قُبيل الانتخابات تتسابق للظفر بأصوات المسلمين لما علمت من عددهم ومدى صلاحية تأثيرهم على أغلب المقاعد، فتأتي إليهم بأنواع من الحيل الماكرة، والوعود البراقة، والكلمات الجاذبة، والبشارات الخيالية؛ ولكن بمجرَّد انتهاء الانتخابات تنسى الأحزاب كل الوعود، ولا تتذكرها إلا إذا قربت الانتخابات الأخرى للحُقْبة الجديدة.
إخوتي القراء! هذا هو واقع تعامل الأحزاب السياسية مع المسلمين بالإجمال على مستوى الولاية بل أيضًا على مستوى الدولة؛ ولكن لنكون مُنصفين في هذا الوصف ينبغي التوضيح والاعتراف هنا؛ بأنّ هذه الأحزاب ليست سواسية في هذا النفاق، فالبعض أشد وأسوأ من البعض الآخر، وقد لُوحظ في السنوات الأخيرة في الحزب الحاكم « تي، ايم، سي» وفي رئيسة الولاية «مـَمْتَا بنرجي» أنّ تعاملها مع المسلمين أحسن من الآخرين، ويبدو للناظر ولو ببعض الأحيان؛ أنها تحاول العدل بين أفراد الشعب الموجودين في الولاية بغضِّ النظر عن دينهم أومعتقداتهم، كما أنها أثبتتْ ببعض مواقفها أنها تحمل في قلبها هموم المسلمين؛ كوقوفها مع المسلمين ضد قانون الجنسية الجديد«CAA» المثير للجدل والقلق بين الهُنود المنصفين على وجه العموم، وبين المسلمين على وجه الخصوص، وقد شاركت«مـمتا بنرجي» بنفسها في بعض المسيرات الاحتجاجية مع أنصار حزبها ضد هذا القانون.
ومن إيجابيات حزبها (تي، ايم، سي) أيضًا؛ مَنْحُ المسلمين الفرصة الأكبر للمشاركة والدخول في الشؤون السياسية، وقد رُشِّح من قِبَل هذا الحزب عدد كبير من الأعضاء المسلمين في الانتخابات السابقة، وبالتحديد في انتخابات عام ألفين وأحد عشر (2011م) فاز قرابة أربعين عُضوًا مُسلمًا من هذا الحزب وحدَه، ولا يوجد حزبٌ سياسيٌّ في بنغال الغربية يُدانِيه في هذا الأمر، وفي ظل حكومة (ممتا بنرجي) على الولاية؛ تُوُسِّع بشكل كبير في ميزانية الصندوق المخصص لأقليات الولاية، وهذا يُعَدُّ بلاشك من محاسنها وحزبها الحاكم، وتُفيدنا الأخبار بأنّ الحكومة الحالية بدأت تساعد الأسر الفقيرة في بناء السكن لها بمبلغ جيِّدٍ، كما أنها قرَّرت راتبًا شَهْريًّا للأئمَّة والمؤذِّنين في جميع المساجد الـمُسَجَّلة لدى الحكومة.
ولعلَّ أكبر شيء يتمتَّع به مسلمو بنغال في هذه الأيام هو؛ الأمن والسلام؛ فمن السهولة بمكان أن يسافر أحدهم وحده من ناحية إلى أخرى داخل الولاية، آمِنًا في نفسه وماله، ودون أن يشعر بشيء من الخوف والقلق، كما هم يتمتعون بأداء شعائرهم الدينية بكل راحة وطمأنينة، ولا شكَّ أنَّ الأمن والأمان نعمةٌ عظيمةٌ، ويـتجلّى قدرها عند افتقادها.
فحكومة «ممتا بنرجي» تسعى جاهدةً للمحافظة على أمن الولاية واستقرارها، وتُؤكِّد لذلك في خطاباتها وجلساتها قائلة: بأنها تؤمن بحقوق الشعب كله، وتحترم الجميع دون تمييز بينهم بسبب العرق أوالدين، وأنها لن تتخلف عن اتخاذ إجراءات صارمة ضد كل من تسوِّلُ له نفسه القيام بإشاعة الفوضى أو إحداث اضطرابات طائفية.
ولأجل هذه الخصائص ولغيرها؛ تـتـبوأ «ممتا بنرجي» مكانة خاصَّة في قلوب عامَّة المسلمين، وهم يعترفون أيضًا بأنَّ الأوضاع بدأت تـتحسَّنُ في عهدها شيئًا فشيئًا؛ ويتطلَّعـُون ويأملون أن تتحَسَّن أحوالهم المادِّية، والاقتصادية، والتعليمية، والسياسية بشكلٍ ملموسٍ في أيامهم القادمة؛ إذا نجح الحزب الحاكم في البقاء على الحكم مع السير على المنوال القديم.
وفي الوقت نفسه؛ هم قلقون جدًّا حول انتخابات هذه الـمرَّة لأمورٍ، منها؛ دخول حزب «مجلس اتحاد المسلمين» في ساحة الانتخابات لأول مرة؛ وهذا الحزب وإن كان حريصًا على العمل لصالح عامّة المتخلفين من المسلمين وغير المسلمين في أرض الواقع؛ غَيـر أنّه بمجرد عنوان اسمه، وببعض الخطابات والتصريحات الصادرة من قبل أعضائه، يلعب دورًا كبيرًا في إثارة مشاعر الهندوس فيتّحدون تحت راية حزب «بـهاراتياجنـتا» المعروف بمواقفه العدائية تجاه المسلمين، وفي المقابل يتسبَّبُ لانتشار أصوات الناخبين المسلمين بين الأحزاب، ويُسَهِّل عمليةَ الانتشار والافتراق في صفوف المسلمين؛ القادةُ المسلمون الآخرون المنتسبون للأحزاب السياسية الأخرى، الذين يدَّعون أنّ حزبهم هو الأصلح للمسلمين، ويتَّهمُون الحزب الحاكم بخداع المسلمين، ويرون أنّه لم يفعل لهم شيئًا يكون جديرًا بالذّكر في حقيقة الأمر، بل استخدمهم إلى الآن كبنك للأصوات فقط.
وعلى هذا؛ يرى الكثيرون بأنّ أصوات الناخبين المسلمين لو انتشرت بين الأحزاب المتعددة، أوصار التصويت ضحيّة العنصرية والطائفية ليفوز حزب «بهاراتيا جنتا» بيسر وسهولة، وعند فوزه بحكم الولاية؛ لايُسْتبعد أن تحدث القلاقل والاضطرابات الطائفية في الأيام القادمة، فـتـتبدَّلُ تطلعات المسلمين وآمالهم الموجودة بالمخاوف والأهوال، ويتعرضون للمكاره والمخاطر، ويئنّون تحت الذلِّ والهوان والبطش والقهر، وقد تنحصر جهود كثير منهم في تفقُّد الأوراق والوثائق لإثبات الهويِّة والجنسية دون أن يجدوا المهلة لأمرٍ آخر.
فعلى المسلمين أن يدركوا القضية قبل فوات الأوان، وأن يفكروا فيها بالجدية، والحكمة والفراسة، وأن يبتعدوا كل البعد عن الحماس الذي قد يـَجُرُّهم إلى خسائر فادحة.
أسأل الله سبحانه أن يحفظ المسلمين في كل مكان بمنِّه وكرمه، ويوفِّق الدُّعاة، والعلماء، والخطباء، والكُتَّاب في ولاية «بنغال الغربية» لإرشاد المسلمين إلى اختيار الأفضل والأصلح لهم، ولذُريَّتِهم، ولمستقبلهم. والله الموفق والمستعان.

2
Leave a Reply

avatar
3000
2 Comment threads
0 Thread replies
0 Followers
 
Most reacted comment
Hottest comment thread
2 Comment authors
Naseem Akhtarوسیم اسماعیل تیمی Recent comment authors
  Subscribe  
newest oldest most voted
Notify of
وسیم اسماعیل تیمی
Guest
وسیم اسماعیل تیمی
مقال رائع جدا
Naseem Akhtar
Guest
Naseem Akhtar

كلمات مستوعبة حول ولاية بنغال الغربية جزى الله الكاتب أحسن الجزاء