عاشت قطر و عاشت السعودية

محمد شاهد يار محمد سياسة

كتبه باللغة الأردية: د. شمس كمال أنجم
ونقله إلى العربية: محمد شاهد يار محمد السنابلي


لطالما انتظرتُ منذ زمنٍ طويلٍ هذه الصورةَ التي ترونها أمامكم. فما إن رأيتها حتى اهتزّت نفسي طربًا، وطار قلبي فرحًا، وشعرتُ بسعادةٍ غامرةٍ. هل تعرفون لماذا؟ لأنّ لي بها علاقةً قويةً وعميقةً.
هذه الصورةُ لبطلين عظيمين من دول مجلس التعاون الخليجي، ولقائدين شابّين من قادتها. فها أنتم تشاهدون على يمين الصورة صاحبَ السمو أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني، وعلى يسارها وليَّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود.

لقد عرفتُ الأمير محمد بن سلمان -أوّلَ ما عرفتُ- عندما تم تعيينه وليًّا للعهد للمملكة العربية السعودية. وأما والده الملك سلمان بن عبد العزيز فقد عرفتُه -مذ عرفته- كصفته أميرًا لمدينة الرياض.
وذلك أنني لما سافرتُ عام (1993م) إلى مدينة الرياض عن طريق المدينة المنورة، فمكثت فيها يومين؛ أجوبُ ربوعَها وأجول أطرافَها؛ فحينها سمعتُ ولأوّل مرّةٍ عن الملك سلمان بن عبد العزيز. وقد بهرني ما شاهدت فيها من موجة الرقي والازدهار وحركة التطور والعمران. وكم أذكر لكم من مشاهداتي فيها؛ أفأحدّثكم عن مطارها الفخم الرائع؟ أم أصف لكم شوارعها العريضة وطرقها الواسعة؟ وهل أتكلم عن المبنى الجميل لوزارة الداخلية؟ أم أحدثكم عن جامعاتها العريقة؛ مثل جامعة الملك سعود، وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية؟ أحدثكم عن ماذا وعن ماذا يا ترى؟

إنّ موجة الرقى والازدهار التي شهدتها مدينةُ الرياض حتى قبل السنوات الأولى من العقد الأخير من القرن العشرين؛ إنها إن دلّت على شيءٍ؛ فإنما تدلّ على رؤية أميرها الثاقبة، ونظرته البالغة.
ثم مَن لا يعرف جدَّ الأمير محمد بن سلمان الملكَ عبد العزيز مؤسِّس مملكة التوحيد؟
وأما صاحبُ السمو الشيخ تميم أمير دولة قطر، فأنا أعرفه قبل انخراطه في سلك السياسة وخوضه في غمارها، وكان شقيقه الصغير جاسم بن حمد آنذاك وليًّا للعهد، بينما كان والده الشيخ حمد بن خليفه أميرًا للبلاد. نعم، أنا أعرفه من ذلك الوقت الذي بدأت فيه دولةُ قطر تشهد موجةَ الرقي والازدهار في ربوعها، وجعلت العالَمَ يشهد يُشيد بثقلها ووزنها السياسيين.

أنا أعرف هذه الشخصيات، وهؤلاء القادة؛ فهذا لا يعني أنهم يعرفونني، كلا! فأنا لستُ بشيءٍ أمام هؤلاء الملوك والأمراء. وأين أنا من هؤلاء؟ فأنا لا أمتُّ إليهم بصلةٍ بتاتًا، إلا أنّ لي علاقةً قويةً بهذين القائدين، وذلك لأنّ بلادهما الغالية بمثابة بلدي الثاني؛ حيث إنني عشتُ فيهما أيامًا سعيدةً من حياتي، ولي فيها ذكرياتٌ جميلة.

وفي الحقيقة أنّ الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية هي التي أتاحت لي تلك الفرصة السعيدة التي تشرّفت فيها أوّل مرةٍ بركوب الطائرة، واكتحلت عيناي برؤية مآذن ومنارات الحرمين الشريفين وأنا دون سنّ العشرين من عمري، وسعدت بالسجود في الروضة الشريفة، وتشرّفت بزيارة الكعبة المشرفة، وأداء مناسك الحج، وتقبيل الحجر الأسود، وتعرّفت على أزقّة الحرمين الشريفين وأحيائهما؛ كل ذلك في هذه السن من عمري. كما تشرّفت بالتتلمُذ على أيدي أساتذة العلم والفنّ هناك، وارتويتُ من علومهم، ونهلت من معارفهم، وسقيتُ أرض علمي ومعرفتى من بحر علومهم، وما إلى ذلك من النعم التي حظيت بها على أرض السعودية.

وأما دولة قطر، فلا تسألوا عنها! وإني لأذكر ذلك اليوم الأوّل الذي وطئت فيه قدماي أرضَ مطار الدوحة، ثم لم أشعر كيف مرّت تلك السنوات السبع أو الثمان. ولازلت أذكر كورنيش الدوحة؛ حيث كنا نتجوّل ونركض. وها أنا لم أنس -بعدُ- فندقَ شيراتون وجزيرة النخيل؛ حيث كنا نجلس ونصطاد الأسماك. وقد كنت أتمشّى بعد صلاة الفجر، وأستنشق ذلك الهواء النقي والنسيم العليل الذي لم أجده في غير قطر، ولا زلتُ أنتشي بعرْفه الشَّذِيّ، وأستمتع بأريجه الذَّكِي. وما تركتُ في الدوحة بُقعةً إلا وقد غربلتُها ولا مكانًا إلا وقد زرتُه. كما أنّ ذكرى إذخر وجليل من قطر لا تفارق مخيلتي حتى اليوم. ولا يكاد يمر يومٌ إلا وأنا أسترجع تلك الذكريات والمشاهدات وتعتني بها ذاكرتي حفظًا وترتيبًا وتأليفًا، وذلك لأنها جزءٌ مهمٌّ من حياتي. وسوف أقوم بتدوينها بكل تفصيل في قصة سيرتي الذاتية.
لما وقع نظري على صورة تميم المجد لدوحة الخير، ووليّ العهد السعودي البطل الشجاع -وهما يمشيان سويًّا وقد وضع أحدهما يده في يد الآخر- غمرتني البهجة والسرور، وتحقّقت أمنياتي، واستجيب دعائي، وتحقق رجائي.

تعرفون لماذا؟ وذلك لأنه قبل سنواتٍ من الآن، لما وقعت المقاطعة بين هذين الأخوين ، و على إثر ذلك تعاركت طائفتان متحمّستان من العلماء في شبه القارة الهندية على منصات التواصل الاجتماعي من أجل تبرير هذه المقاطعة ومعارضتها، فكنت قلت يومئذ: إني أحبهما جميعًا، وأنا لا أفرّق بين قطر والسعودية. ولا أستطيع الانحياز إلى أي طرف منهما. وكذلك كنت قلت : إنّ هؤلاء إخوةٌ أشقّاء، وأبناءُ أعمام تجمعهم أواصر القرابة وصلة الأرحام، ولا عيب أن يقوم بينهما جدارٌ من الخلاف والشقاق، فقد جرت العادة أنه إذا اجتمعت الأواني في مكانٍ واحدٍ تصادم بعضها ببعض. وكنت أرى من أول يوم أنّ هذا الجدار من الخلاف والشقاق الذي أقيم بينهم سيسقط عاجلا أم آجلا. وأنه سيزول غدًا هذه الفرقة والخلاف الذي زرعه الأعداء في قلوبهم، وستفتح الحدود التي أغلقت بين البلدين. وذلك لأنهم أشقاء وأبناء أعمام، وأنهم لن يستطيعوا العيش متفرقين ومتباعدين.
وأنا اعتقد أنّ ما قام به أمير الكويت الجديد -كما وردت بذلك الأنباء- لتحقيق المصالحة بين البلدين قد حقّق بذلك إنجازًا كبيرًا سيضاف في سجل إنجازاته الأخرى، وأنه قد ترك بذلك بصمةً له في تاريخ الدول الخليجية؛ تجعل الأجيالَ تذكره على مرّ الزمان.

أصدقائي! ما دامت السعودية وقطر والأميران تميم ومحمد تجمعهما أواصر التعاضد والتكاتف والتحالف فإنّ دول الخليج ستعيش تحت ظلال المحبة والألفة والوئام. ولن يستطيع أحد أن ينظر إليها نظرة سوء وشر. ولن يخطر ببال أحد أن يحتلّ هذه البلاد التي هي معاقل الإسلام؛ فإنهما من أبطال وقادة الدول الخليجية، وهما بمثابة حصنٍ منيعٍ لها. ولن تتعرّض بلادهما وقيادتهما لأيِّ خطرٍ أو تهديد ماداما يسيران كالجسد الواحد. وما عليهما إلا أن يعرفا عدوَّهما المشترك، ويَحذَرا عيونَ الحاسدين ونظراتِهم، وأن يكونا يدًا واحدةً ضدَّ أعداءهما.
ولا يخفى على أهل الحلّ والعقد أنه إذا قام جدارُ الخلاف والكراهية بين بلدين مُتجاورين؛ فلا يُحصى كم تعاني تلك الشعوب وكم يتضرّرون. ثم إنني عشتُ في دول الخليج عشر سنوات أو اثني عشر عامًا؛ فشاهدتها عن كثب، وما زلت أشاهد أنّ الدول الخليجية هي معاقل الإسلام التي إذا انتصر عليها الأعداء، وقاموا باحتلالها، فحينئذ ستُقضى على عزة الإسلام وقوته، وتتمزّق وحدةُ الأمة الإسلامية، وتذهب سطوة الدول العربية ومجدها.
ولذا فإنّ المصالحة الخليجية في الوقت الراهن ليست حاجةً مُلحّةً فحسب؛ بل هي عبارةٌ أيضًا عن تاريخ آبائهم وأجدادهم، والحفاظُ على تراث الآباء من واجب الأبناء.

أصدقائي! إنما أنا شاعرٌ وأديبٌ؛ فلا أكتب في قضايا السياسة قطّ؛ لأنه كما قال الأديب المعروف عمر فروخ: اثنان لا يكتبان عن السياسة؛ أحدهما: من لا يعرف عن السياسة شيئًا. والآخر: من يعرف كل شيء عن السياسة.
وهذا لا يعني أنني لا أعرف عن السياسة شيئًا، كما لا أَدَّعي أنني أعرف كل شيء عن السياسة. ولكن لما رأيت هذه الصورة؛ غرقتُ في بحر ذكرياتي، وشعرت بفرحةٍ غامرةٍ، وبهجةٍ عارمةٍ؛ فلم أتمالك نفسي وقلمي من كتابة هذه السطور.
حفظ الله بلاد الخليج من عيون الحاسدين، وحرسها من مكر الماكرين، ورزق قادتها وزعماءها حُنكةً سياسيةً، ورؤيةً ثاقبةً، وجعلهم جنودًا ودعاةً وحماةً للإسلام والمسلمين.

لتحيا قطر ولتحيا السعودية

1
Leave a Reply

avatar
3000
1 Comment threads
0 Thread replies
0 Followers
 
Most reacted comment
Hottest comment thread
1 Comment authors
محمد حسن Recent comment authors
  Subscribe  
newest oldest most voted
Notify of
محمد حسن
Guest
محمد حسن
ما شاء الله تبارك وتعالى

حفظكم الله وبارك فيكم وجزاكم خيرا كثيرا