لا بد لكل طالب العلم أن يتعلم اللغة العربية وآدابها حق التعلم ويتعرف عليها معرفة تامة، لأن فهم القرآن والسنة منحصر على التمكن منها وإتقانها، ولا يمكن منهما الاستفادة بدونها، لذلك فإن العلماء البارزين اعتنوا بهذا الفن الجليل إعتناء بالغا إلى جانب عنايتهم بالتفسير والحديث صحة وضعفا، وبرعوا فيها، وكتبوا فيها كتبا كثيرة، لا تعد ولا تحصى، وخلفوا لمن جاء بعدهم ذخائر العلم في اللغة والأدب.
وقديما لم يكن أهل العلم يحتارون في القراءة والكتابة والتكلم باللغة العربية في بلاد العجم، بل كانوا يعتبرونها لغتهم الأم، وكانوا يكتبون الكتب والرسائل في ساعة أو ساعتين.
و ها أنا أضرب لكم بعض الأمثال ليتضح قصدي:
من الذي لم يسمع عن كتاب حجة الله البالغة، لمؤلفه الإمام، مجدد السنة في الهند: الشاه ولي الله الدهلوي، وكتابه هذا المشتمل على أسرار الشريعة قد حظي إعجاب أهل العلم في كافة أنحاء العالم منذ تأليفه إلى عصرنا هذا.
وكذا العالم الجليل الشيخ مسعود عالم الندوي رحمه الله لما أصدر مجلة عربية لأول مرة في دار العلوم بندوة العلماء، وأرسل إلى الدول العربية = تأثر أهل العرب بعربيته وقدرته عليها والتمكن منها.
ولا يغيب عن بالك اسم الخطيب الشهير العلامة إحسان إلهي ظهير رحمه الله، الذي أثرى المكتبات العربية بمؤلفاته القيمة، قيل عنه أنه ألف كتاب مذهب البريلوية بالعربية ردا على مذهبهم في خمسة عشر يوما فقط.
ومن له أدنى إلمام بالأدب يعرف الأديب الأريب الدكتور مقتدى حسن الأزهري، وكان من أجله أدباء العربية في الهند وعلماءها الكبار، الذين بلغت صيتهم أكناف العالم الإسلامي، لبراعته في العربية والقدرة عليها، له أسلوب جميل خاص به، وله كتاب مهم في تاريخ الأدب العربي ونشأته وتطوره في الأردية. لا بد لكل طالب الأدب أن يعتني بهذا الكتاب المهم.
لكن الأسف أن الطلاب والمتخرجين في زمننا أصبحوا ضحايا الانحطاط العلمي، ضعفاء في اللغة العربية وآدابها، يقضون مدة طويلة مثلا سبع سنوات أو ثماني سنوات في المدارس العربية لكنهم لا يملكون الكتابة والتحدث بالعربية، مع أن كتب الإنشاء والتعبير داخلة في مقرراتهم الدراسية من الابتدائية إلى مرحلة الفضيلة، لكن المتخرجين الجدد من الطلاب يصعب عليهم الإنشاء والتعبير أشد صعب، وكذا أبحاث التعليل والتصريف، كبر عليهم حفظها و يتصبب منهم عرق حين استخراج أصل الكلمة من اشتقاقاتها.
ولا تسأل عن النحو، فإنه يعتبر من أصعب الفنون وأدقها لطلاب المدارس، وأما كتب الأدب العربي في النثر فهي سهلة بالنسبة لغيرها.
وأما الكتب المنظوم فيعوذون بالله منها كل يوم و ليلة، يقع الطلاب في دهشة وحيرة من الكتب مثل كليلة ودمنة وأزهار العرب ومختارات وديوان الحماسة، حتى منهاج العربية أيضا قد صعب عليهم وكتب البلاغة في مقرراتهم فقط للتبرك بها.
و لعله يجدر هنا بإيراد اسم الكتب الدراسية المقررة في مدارس أهل الحديث في الهند خاصة.
في النحو : تمرين النحو ، أمين النحو، الآجرومية، تسهيل النحو، شرح مائة عامل، هداية النحو، شرح قطر الندى، شرح شذور الذهب، وغيرها
في الصرف : تمرين الصرف، أمين الصرف، تسهيل الصرف، أمين الصيغة، التطبيق الصرفي، شذا العرف في فن الصرف، علم التصريف وغيرها.
في الإنشاء : معلم الإنشاء كاملا، كتابة المقال، وما يتعلق به.
في الأدب العربي : القراءة الرشيدة كاملا، القراءة الراشدة كاملا، قصص النبيين، كليلة ودمنة، أزهار العرب، ديوان الحماسة، المعلقات السبع، مجموعة من النظم والنثر.
في البلاغة : البلاغة الواضحة، دروس البلاغة.
(هذا حد علمي القاصر) لا يتكلم الطلاب بالعربية ولا يكتبون فيها بل أكثرهم لا يقدرون على إنشاء جملة أو وضع كلمة من عند أنفسهم سوى العدد القليل منهم.
الكتب التي سبق ذكرها مفيدة جدا، لو درسوا حرفا حرفا فهما وإدراكا،
هنا ينشأ سؤال، ما هي الأسباب والعوامل ؟ لماذا الطلاب يضعفون في اللغة العربية وآدابها ؟ مع قراءتهم الكتب المفيدة !!!
تعال نذكر هنا بعض أهم الأسباب ونحاسب أنفسنا في ضوئها
*السبب الأول*
عدم الرغبة : وهو من أعظم الأسباب لضعفهم وعدم تمكنهم منها.
أي فن أو علم إن أردت أن تبرع فيه فعليك أن تجتهد في تحصيله رغبة فيه وحبا له واهتماما بالغا به، لكن الأسف الشديد أن الطلاب والأساتذة في مدارس الهند لا يرغبون في هذا الفن، ظانين أن تعلم اللغة العربية صعب جدا، ويدرسونها وهم لها كارهين.
لو قيل هذا الفن مظلوم لصح.
وبناء عليه فإن مسؤولي المدارس لا يجدون معلمي اللغة العربية وآدابها المهرة. ولذلك ترى أيها القارئ ! يدرس اللغة العربية وآدابها أستاذ أو أستاذان فقط في المراحل كلها من الابتدائية إلى الفضيلة، و تنصب عنايتهم على إتمام المقررات بصورة ما.
فالحاجة ماسة إلى العناية الزائدة بهذا الجانب.
*السبب الثاني* : إهمال تعليم هذا الفن :
أصف هنا طريقة تدريس الكتب العربية الأدبية في مدارس الهند.
مثلا من الإبتدائية:
يركز على جانب تحفيظ الأطفال قواعد النحو ، هذا منهج صحيح لكن التركيز على جانب التحفيظ وإهمال جانب التفهيم يورث السآمة والملل من الفن، والجمع بين الحفظ والفهم أحرى وأجدر.
وقد رأيت كثيرا أن الطلاب إذا كانوا في الصف الأول حفظوا قواعد النحو، وبعضهم إذا سألوا عما أشكل عليهم أسكتهم الأساتذة قائلين أن هذه القاعدة ستدرسون في الصف الثاني. وكان الأولى أن يجيبهم الأستاذ عن سؤالهم إذا سألوا ولا يكتفي التحفيظ فقط.
لأن كتاب أمين النحو وأمين الصرف في الأردية للشيخ أبي عبيدة البنارسي كتاب جامع مختصر سهل للطلاب المبتدئين، فعلى الأساتذة أن يراعوا التفهيم مع التحفيظ حسب مستوى الطلاب.
وإذا انتقل الطلاب إلى الصف الثالث قالل الأساتذة لهم ( يا طلابنا) لعلكم درستم بعض المباحث في الصف السابق في كتاب أمين النحو وفهمتموها ، فلا حاجة لإعادتها.
فالأستاذ يدرس مثلا كتاب هداية النحو مترجما العبارة فقط بدون توضيحها وهذا خطأ ولابد من الاهتمام بهذا الجانب.
و إذا دخل الطلاب في الصف الرابع وشرح قطر الندى أو شرح شذور الذهب أمامهم ، يتحير بعضهم بأسلوب هذين الكتابين ويفكرون كيف ينجحون في هذا العام ؟
وهذان الكتابان يرتفعان عن مستوى الطلبة ولا يعرفون بداية الدرس ونهايته ؟
وهكذا أمر الصرف و الكتب العربية المنثورة.
وفي بعض المدارس يدخل الأساتذة في الفصل ويقرأون العبارة ويترجمونها ويخرجون من الصف ولا يسألون الطلاب هل فهمتم الدرس؟ أم لا ؟
وفي بعض المدارس دخل الأساتذة في الفصل والطلاب يقرأون العبارة فقط ويترجم الأساتذة العبارات، وفي بعض المدارس دخل الأساتذة في الصف و يأمرون الطلاب بقراءة العبارات وبحث المعاني في اللغات.
وفي بعض المدارس دخل الأساتذة في الصف و يأمرون الطلاب بقراءة العبارات و ترجمتها بأنفسهم و ببحث المعاني في اللغات و بإعراب الجمل و الأساتذة ينبهون الطلاب على أخطاءهم فقط وهؤلاء الطلاب هم المفلحون.
إخواني في الله : إن الأساتذة والطلاب لا يهتمون بمادة الإنشاء، وهذه حقيقة لا تنكر.
وحال منهج تدريس الإنشاء لا تختلف عما ذكر أعلاه.
يدخل الأستاذ في الصف و ينقل العبارات من الأردية إلى العربية و بالعكس ويكتب على السبورة والطلاب ينسخون الجمل و العبارات في كراستهم.
هكذا من بداية السنة إلى الانتهاء …
فنحن الآن طلابا وأساتذة في حاجة ملحة إلى العناية والاهتمام بهذه الأمور التي تتعلق بمستقبل أيامنا، فنحن مسؤولون جميعا.
نسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق والسداد.
Leave a Reply