أخي الكريم كَونُك تعرفُ الحقَّ بالدليل لا يَلزَمُ أن تَصْدَعَ به أمامَ الناس، ففي بعض الأحيان كَتْمُ بعضِ العلمِ لمصلحةٍ راجحةٍ خيرٌ في حق الناس، ألم تسمعْ إلى ما قاله النبي صلى الله لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: "لا تُبَشِّرْهم فَيَتَّكِلُوا”، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم كلُّه حقٌّ وصِدقٌ، وفيه نفعٌ كبيرٌ لجميع الناس، ومع ذلك منعه من إخباره بهم لما رأى فيه من مصلحةٍ راجحةٍ لهم.
وتَدَبَّرْ في تعامُلِ النبي صلى الله عليه وسلم – مع من كان عَهدُهم بالإسلام حديثًا بمكة – إذْ أراد النبيُّ صلى الله عليه وسلم إدخالَ الحِجْر – الــمُسـَمـَّى بالحَطِيْم اليوم – في الكعبة المشرفة، ليكونَ بناءُها على قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام، لكن رأى أنَّ بَقاءَ الكعبة المشرفة على بناءها الأول أَولــى مــن تجــديــدِ بنـــاءِهــا لِـمَـــصـــلَــــــــحةِ أولئـــــــك المســـــلمـــــــين الجُـــــــدُد.
كذلك أخي الكريم: إذا عرفتَ الحقَّ بالدليل وأنت من الذين يُشار إليهم بالبَنان، فزِنْ ذلك الحقَّ بميزان المصلحة والمفسدة، وشاوِرْ مَنْ هم أكثرُ منك علمًا وحِلمًا، وأكبر منك سِنًّا، ثم انْظُرْ هل هذا الحقُّ من الأمور التي يجب على الناس معرفتُها، أم ليس لهم فيه كبيرُ فائدة، إذا كان الأمر متعلِّقاً بالوجوب فاصْدَعْ به مع مُراعاة المصلحة والمفسدة، ولا تَعْبَأْ بِتَفَوُّهِ الناس، وإذا كان الأمر متعلقاً بما لا يَعْنِي الناسَ فلا تكن من الذين يفتحون بابَ الفتنة لعامة المسلمين، وراقِبِ اللهَ سبحانه في قولِك وفِعْلِك، لأن ﱡﭐ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﱠ.
وﱡﱚﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱠ.
و «هَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ».
وليكن نُصبَ عينيك: «إِنَّ مِنْ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ، مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيــــحَ الشَّــــــرِّ عَلَـــــى يَدَيْـــــــــــهِ».
أسأل الله عز وجل أن يُصلح أحوالَ المسلمين، ويُوفِّقَ علمائَهم لما فيه الخيرُ والصـــــلاحُ، وأن يُجَــــنــِّـــبَــــنَا الفـــــــِتــــَنَ، ما ظــــــهــــــر منـــــها ومــــا بـــــطــــــــن.