(من كتاب: دام ہر موج ميں ہے) للشيخ أبي القاسم الفاروقي حفظه الله ورعاه
نقله إلى العربية: مسعود بن عبد الغفار
لقد أسس المفكر الكبير سر سيد أحمد خان عام ۱۸۷۵م مدرسة سماها مدرسة العلوم ، و بعد جهد استمر ثلاث سنوات صارت (كلية محمدن الشرقية) ، وكيف لا يبذل هذا الجهد ؟ و الأمة الإسلامية قد أصيبت بالانحطاط العلمي ، وكان في قلبه قلق تجاه سوء حالها يزداد يوما بعد يوم ، فكان من أمنيته الصادقة أن تتقدم الأمة في المجالات العلمية ، ولا تتأثر بحضارة الغيارى بل تواكب الموكب العلمي المعاصر وتعد من الجيل المثقف المتسلح بسلاح العلم.
وكما أن البديهي أن للأمور عوائق و عقبات، فقد واجه هذه العوائق والعقبات السيد أحمد خان بشكل كبير، و تعرقلت جهوده و أموره في سبيله ، حتى وجهت إليه الطعون به و رميت إليه أحجار السب و الشتم، و كفر و بدع و فسق و هجئ ظلما وعدوانا وسلبت عمامته أمام الحضور ، وهتكت حرمته و عرضه أمام الناس ، وطارت عليه سهام الهجاء و العدوان ، واختار أعداؤه كل السبل والوسائل للنيل منه وتشويه سمعته.
و قيل : هذا السيد يريد أن يجعل أبناءنا و أطفالنا من المسيحيين ، لكنه كان مصرا على عمله مع العزيمة الصادقة و الهمة العالية ، تحمل المشاق في هذا السبيل ، وصبر على المصائب ، و مع ذلك ظفر ببناء الكلية ، و قد اعترف به كل من كان له علاقة بالعلم و الحضارة ، ومن كان واثقا بأن سحر العلوم الغربية سوف يظهر الحقائق أعانه ، و مازالت السرج تكتسب الضوء بعضها ببعض فإن إيقاد السراج بالسراج يجعل سلسلة من النور و يشكل بيئة متلألأة لامعة.
وكان لهذه المهمة التعليمية لسر سيد أحمد آثار حسنة في منطقة جاركند ، وصديقه السيد رضا حسين أيضا قام بإنشاء كلية في مدينة بتنة على منوال جامعة علي كره الإسلامية ، و هذه الحركة رحب بها العلماء بكل حفاوة و حرارة ، وحظيت بينهم قبولا ملموسا ، و ممن تأثر به هو العلامة الشيخ أبو محمد ابراهيم الآروي من مدينة آره بولاية بهار ، و كان الآروي رحمه الله متحليا بالأخلاق الحسنة و الآداب الفاضلة و هو صاحب زهد و ورع ، و كان من تلاميذ العلامة محدث الديار الهندية السيد المحدث محمد نذير حسين الدهلوي ، وكان رحمه الله خطيبا مصقعا مؤثرا جدا، إذا خطب أمام الناس جعل الناس يبكون ، وكان قد لقي القبول العام لدى جميع المذاهب والطبقات ، وأينما يتوجه ، كان الناس يوقرونه ويعظمونه ، وقد قضى حياته في تعليم الدين ونشره واشتغل به إلى أن انتقل إلى رحمة الله تعالى إن شاء الله.
و كان رحمه الله مطلعا على الأحوال المستجدة و الظروف المتغيرة و المتطلبات المعاصرة ، فعزم على إدخال التغييرات والتعديلات في المنهج التعليمي القديم في المدارس الإسلامية ، وبذل قصارى جهده في إعداد المقررات التي تساير المتطلبات و المقتضيات في زمنه.
و كان يقول ( إذا كان محرك القطار قويا يسهل سحب عربات القطار ) لقد قام الشيخ رحمه الله بإنشاء المدرسة العربية المسماة بمدرسة محمدية عربية ، عام ١٢٩٧ھ ، وكان النظام التعليمي السائد في ذلك الوقت والطريقة القديمة في التدريس في معظم المعاهد الدينية والمدارس العربية ما زالت الأساليب القديمة و نظام التدريس القديم شائعة حتى بضع سنوات.
ثم اتخذ الشيخ الآروي رحمه الله خطوة ثورية جريئة ، و قام بالتغيير الملموس في المقررات الدراسية أولا ، وجعل المناهج التعليمية محتوية على ثماني سنوات ، و أمر أساتذة المدرسة أن يقوموا بإعداد المقررات ، وأيضا قام بإعداد بعض الكتب للمقررات الدراسية ، فبدأ أولا بإقامة صف واحد في قسم العربية ، و لما كانت النتيجة سارة ، أضاف إليه صفا آخر في العام المقبل ، و هكذا يقوم برفع الدرجات عاما بعد عام ، و أدخل في المقررات المواد الحديثة ( العلوم العصرية ) و اللغة الإنجليزية كمقرر اختياري، وبنى للطلبة سكنا ، و اهتم لهم لياقة الأبدان لممارسة الرياضة البدنية ، وتوفير الميادين للألعاب والمستوصف للعلاج و المعالجة ،
كتب السيد سليمان الندوي رحمه الله في كتابه حياة شبلي أن إبراهيم الآروي رحمه الله أول شخص خطر على باله بأن يدخل المواد العصرية في المدارس الإسلامية ، و وقع هذا الحدث التاريخي عام ١٨٩١ع وبالعام التالي عام ١٨٩٢ع تم الاقتراح لتأسيس ندوة العلماء في مدينة كانفور ، فلا عجب أن تكون هذه الخطوة من الشيخ الآروي رحمه الله من البواعث على تأسيس ندوة العلماء ، و الشيخ الآروي رحمه الله کان عضوا فيها ، و كان يعقد مذاكرة علمية كل سنة على نطاق العالم ، و كان يدعو فيها العلماء و المفكرين و هم يلقون الضوء على موضوعات متنوعة ويناقشون حول أفكار مختلفة ، وكانت تسجل فيها قرارات ، ثم يختبر مستوى الطلاب ، بأن يلقي الطالب خطبة إرتجالا أمام الحضور ثم تنشر محاضر الأعمال للمذاكرة العلمية في عدد من المجلات.
و لدينا محاضر المذاكرة العلمية التي وقعت عام ١٨٩٦ع ، و هذه المذاكرة قد عقدت في مدينة دربهنغه بدلا من مدينة آره ، وأتى الأساتذة و المدراء و الطلاب بثلاث قطارات محجوزة ، وفي هذه الحفلة المباركة السعيدة كان العلماء الكبار و أصحاب الفضل والمفكرون قد شهدوا فيها ، وأسماء بعضهم على النحو التالي ، العلامة المؤرخ شبلي النعماني من كلية محمدن اورنتل وأبو سعيد محمد حسين البتالوي من بنجاب و شمس الدين الأمين العام لأنجمن حياة الإسلام و عبد الماجد باغلفوري و عبد الوهاب أول مدرس في دار العلوم كانفور و حفيظ الله آروي و عبد العزيز رحيم آبادي و الشاه سليمان فلواري شريف و عبد الصمد بهاري و اشرف على الديانوي و حكيم ضمير الحق شاعر مشهور و علي أحسن الأمين السابق لأنجمن حياة الإسلام في مونغير و سيد أبو الخير أنور حسين أول مدرس في أنجمن الإسلامية في فيتهانه و عبد الغفار رئيس جهبرا و حكيم اسحاق رئيس دربهنغه و غيرهم.
استمرت المجالس العلمية ثلاثة أيام ، وألقى الشيخ الآروي رحمه الله الضوء على أهمية العلوم واللغة الإنجليزية وصور غفلة المسلمين عنها ،وانحطاطهم تصويرا أخضل السامعون لحاهم ، ودار بينهم الحديث حول حركة الندوة ، و في نهاية البرنامج رفعت القضية لإعانة المدرسة ، وكان الناس في حماسة و اندفاع حتى قدموا من عندهم ما قدموا ، والناس لم تكن لديهم النقود وقتئذ ، فالفلاحون وأصحاب الأراضي قدموا أراضيهم على زروعها و ثمارها الخضراء و الحقول المزروعة ، وقد حضر في أثناء ذلك طفل صغير وكان حزيناعلى قلة المال ، و قال ، ليس لدي إلا فلسان ، وزوج من الحمامة ، فتفضلهما بالقبول.
کان فی المجلس العلامة شبلی أیضا، لیس الذی کان في زمن من الأزمان یمشی في طريقه يحمل كتابا في المناظرة يتحدى الوهابيين للمناظرة ، و لكنه تأثر بصحبة السر سيد ، وابتعد من التعصب المذهبي كل الابتعاد
بل شبلي كان يحمل في جوفه قلبا يضطرب و هما يحزنه لتقدم قومه و الملة الاسلامية
وکان یرید أن یقف جهده ویصرف همته کلها للقوم والملة وکان مضطربا شدیدا ماذا یقدم لهم؟ وعندما ما وجد سبيلا عرض على الشیخ آروی جبته و عمامته ، و قال له ، بعه بالمزاد العلني ، وابذل ما جر من القيمةلصالح المدرسة ،
فتبين عندئذ أن العلامة شبلي كان وجيها عند الناس وله منزلة رفيعة عندهم و كان علمه مقدرا مشتهرا بين الناس ، و كان كل رئيس و صاحب أرض يود أن يشتريه هو تبركا ، ثم تمكن رجل ذو مال من شراء هذه العمامة على أن يدفعه أرضه و بعض الفلوس سنويا ، و لما عاد ذلك الرجل بعد شرائها رأى أنه حصل على خزينة ، لما حان موعد جمع التبرعات سارع الشيخ شبلي وخلع قميصه وقدمه تبرعا. فحاز هذا القميص أثمانا غالية وذلك لزحام الطالبين له ووصل الأمر إلى أن الشيخ إبراهيم ٱضطرَّ إلى اختيار الأحق به فباعه تلميذا.
هولاء قادة أمتنا وهذا نموذج من إكرام العلماء بين الناس.
Leave a Reply