سر السعادة من منظور إسلامي

حافظ جنيد احمد

السعادة من وجهة نظر إسلامية ليست مجرد لحظات فرح وبهجة مؤقتة، بل إنما هي عملية تستمر مدى الحياة تهدف بالأساس إلى تحقيق السعادة الأبدية، وراحة البال، وسكينة القلب، والرضا في هذا العالم والنعيم الأبدي في الآخرة.

الكاتب : حافظ جنيد أحمد

السعادة من أكثر الأهداف المرغوبة في حياتنا، وهي الهدف الوحيد الذي يسعى كل واحد منا لتحقيقه طوال حياته. فالسعادة والهدوء والسكينة وراحة البال والرضا والتحرر من المخاوف ودواعي القلق نسعى جميعا لتحقيقها. هناك توجد وسائل مختلفة لتحقيق السعادة منها ما هو ديني وطبيعي وعملي، فالسعادة الحقيقية لا يمكن تحقيقها إلا من خلال الجمع بينها.  في ثقافتنا عادة ما يعتقد أنه يمكن تحقيق السعادة من خلال تراكم ثروة مادية، فهناك فئة من المجتمع تعتقد أن السعادة والطمأنينة تتحقق نتيجة للسلطة والنفوذ والمكانة الاجتماعية، بينما تعتقد فئة أخرى أن السعادة تكمن بالطموح وتحقيق الذات، وهناك فئة ثالثة تعتقد أن السعادة تتحقق من خلال تحقيق كل الرغبات الشهوانية. كذلك نرى أن الماديين تجاهلوا الجوانب الروحية وبدأوا رؤية الحياة على أنها مجرد وسيلة لإرضاء النزوات والرغبات وهي ما تمثله الاتجاه الغربي مما أدى إلى التخلي عن الدين، فالسؤال الذي يمكن طرحه، هل سيؤدي هذا التوجه إلى السعادة؟ الجواب سيكون بلا. إن المعنى الحقيقي للسعادة لا يفهمه غالبية الناس الذين يبحثون عن السعادة، لذلك نرى أن معظمهم يواجهون الكثير من الصعوبات للوصول إليها مما يودي إلى أن غالبيتهم الذين يسعون إلى تحقيق السعادة ينتهي بهم المطاف دون تحقيقها، فعلى الرغم من تحقيقهم لأهدافهم المحددة إلا أنهم في الواقع غير سعداء.  تكشف الإحصائيات أن أعلى معدلات الانتحار، ومعدلات الطلاق، والصراعات مع الجهات الأمنية، ومشكلات المخدرات، ومشكلات إعادة التأهيل، هي دائماً ما تتفشى في مجتمعات اصحاب الثروة والنخبة. السؤال الأساسي إذن ما هي السعادة الحقيقية؟ وما هو الطريق الصحيح لتحقيق ذلك؟ تعرف السعادة بأنها الشعور المستمر أو حالة السرور والرضا والتمتع والارتياح والسخاء التي تنبع من إرضاء الذات والحياة والاعتقاد بأنها ستحقق منتهى السعادة.

السعادة من وجهة نظر إسلامية ليست مجرد لحظات فرح وبهجة مؤقتة، بل إنما هي عملية تستمر مدى الحياة تهدف بالأساس إلى تحقيق السعادة الأبدية، وراحة البال، وسكينة القلب، والرضا في هذا العالم والنعيم الأبدي في الآخرة.

يحاول كثير من الناس اتباع مسارات معقدة من أجل تحقيق السعادة، إلا أنهم فشلوا في تحديد الطريق الأسهل الذي هو الإسلام. إن السعادة الحقيقية لا توجد إلا بالإيمان بالله عز وجل والتزود من الأعمال الصالحة، فلا يمكن تحقيق السعادة إلا من خلال عبادة الله مخلصين له الدين، والتنافس على القيام بالأعمال الصالحة، وأعمال الإيثار أو العطاء الخيري، وجلب الابتسامة على وجه طفل والتي من شانها أن تجعل قلوبنا سعيدة حقا. في هذا المقال، نحاول شرح الوسائل الحقيقية لتحقيق السعادة من وجهات النظر الإسلامية. وكما نعلم أن السعادة هي الشعور بالرضا والسكينة، ففي الرضا السعادة والغنى الكامل، ولذلك فإن مفتاح تحقيق السعادة الحقيقية هو أن نكون راضين وقادرين على تجربة سعادة الجسد والعقل والروح. الرضا هو علامة على السعادة والغنى والاكتفاء الذاتي والطمأنينة. الرضا هو أحد أعمال عبادة القلب لله. قال النبي ﷺ (صلى الله عليه وسلم): " ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولًا.” (صحيح مسلم 34) قال ابن تيمية عن الرضا، ” الرضا باب الله الأعظم ومستراح العابدين وجنة الدنيا، من لم يدخله في الدنيا لم يتذوقه في الآخرة”. سر تحقيق الرضا هو وضع ثقتنا في خالقنا، المدبر لكل شؤوننا، يجب أن نصدق أن الرحمن جعل لنا من الأمر ما هو الأفضل، إن الوضع الذي نحن فيه هو أفضل وضع بالنسبة لنا، لو لم يكن كذلك، لما كان الرحمن قد إختاره لنا. الثقة الكاملة في الله هي أساس الرضا، والرضا هو واحد من أهم مفاتيح السعادة. الرضا اساس ومصدر السعادة في الحياة، فمنْ ملأ قلبه من الرضا بالقدر، ملأ اللهُ صدرهُ غِنىً وأمْناً وقناعةً، وفرَّغ قلبه لمحبَّتِه والإنابِة إليه، والتَّوكُّلِ عليه. ومنْ فاته حظُّه من الرِّضا، امتلأ قلبُه بضدِّ ذلك، واشتغل عمَّا فيه سعادتُه وفلاحه. فالرِّضا يُفرِّغُ القلب للهِ -وللأسف معظمنا لا يمتلكه-. مما يولم أن نرى أن معظمنا قد وقع في هذا الفخ، نحن نركض وراء مكاسب مادية بسرعة جنونية، نرغب في قيادة السيارات باهظة الثمن بما يتجاوز احتياجاتنا من أجل سمعتنا، تخدعنا الرغبة المستمرة في الحفاظ على مكانتنا في المجتمع وأسلوب حياتنا وباتت العدو الرئيسي للرضا، الشخص الثري هو شخص لا يشعر بالحاجة تجاه شيء ما أو شخص ما في هذا العالم بغض النظر عن مقدار ما يمتلكه من الناحية المادية والكيفية، لذلك فإن الشخص القانع هو غني للغاية لأنه لا يشعر بأنه بحاجة إلى أي شيء أكثر من ذلك. الرضا يجلب السلام الداخلي والهدوء والسعادة والغنى الكامل، الرضا يقربنا إلى الله في الدنيا والأخرة، فكلما زاد مستوى الرضا كلما قلت المشاكل في الحياة. لن يعاني مؤمن قانع من مشاكل نفسية مثل الاكتئاب والمخاوف والقلق، …إلخ. كيف نحقق السعادة الأبدية والرضا؟ السعادة الحقيقية والرضا، هي نتيجة لعدد من العوامل ويمكن تحقيقها فقط من خلال تحقيق التوازن بين الجوانب المادية والروحية للحياة، إذا تغافلنا عن الجانب الروحي للحياة فإنه سيؤدي إلى مرض النفس وهو مرض روحي شائع، والشفاء يكمن في التوكل على الله سبحانه وتعالى وقبول الإيمان به الذي اختاره للبشرية هذا المرض الروحي الذي ،إذا لم يتم علاجه، سيؤدي إلى عواقب وخيمة. قال النبي: " ما من عبد مسلم يقول حين يصبح وحين يمسي ثلاث مرات: رضيت بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا، إلا كان حقًّا على الله أن يرضيه يوم القيامة”(رواه أحمد وصححه الأرناؤوط (18967) السعادة الحقيقية تهدف في نهاية المطاف إلى الإنعام على العبد بحياة سعيدة في الآخرة، هذه هي القضية النبيلة التي تجعل المسلم يسعى إلى أن يصبح أفضل. يقول الله تعالى: " وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُوا۟ فَفِى ٱلْجَنَّةِ خَٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلْأَرْضُ إِلَّا مَا شَآءَ رَبُّكَ عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ”. (11: 108) المؤمن لا يجعل همه "هم الدنيا” وجمع أكبر قدر ممكن من الثروة في هذه الحياة، لأن النبي (ص) قال: "الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر”. (صحيح مسلم ، 2956) إن المؤمن يدرك الخيرات والنعمة التي منحها الله له، وممتن بأن وجوده وجسمه وروحه وعقله كلها وهبت له من الله مما يجعله يحمد الخالق ويعرب عن امتنانه لله، هذا المؤمن يحصل له الرضا والنعم والهدوء الداخلي ما لا يمكن وصفه. فيما يلي بعض الطرق المفيدة لتحقيق السعادة الحقيقية والسكينة والرضا: تعاليم الإسلام تؤدي إلى السعادة: إن تعاليم الإسلام لها تأثير كبير على المسلم الحق، تتشكل سلوكياته وأخلاقه وفقاً لأوامر الله، ونتيجة لذلك، يتمتع بسلامة العقل "حالة من السعادة الكاملة” فبقدر ما يعتمد أحد على خالقه ويتشوق اليه يجد السعادة. الله سبحانه وتعالى يقول في القرآن، "ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين”. (الزخرف، 43:36) في مكان آخر، قال الله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّـهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ. "(الانفال، 8:24) هذه آية عميقة جدا، تكشف أن الحياة المزدهرة لا تتحقق إلا بإطاعة الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم)، إن الحياة الحقيقية والمزدهرة، إذن، هي حياة الشخص الذي يطيع الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم) سرا وعلانية، فالإنسان حي ما دام في طاعة الله واتباع رسوله (صلى الله عليه وسلم) في كل جانب من جوانب الحياة. قال تعالى: "ومن يتوكل على الله فهو حسبه” [الطالق 65: 3] المؤمن يعتمد على الله ويضع ثقته فيه مما يؤدي في نهاية المطاف إلى درء مخاوفه وضيقه ويخففه من المرض العقلي والجسدي مما يؤدي إلى الراحة والسعادة للقلب. القلق من الرزق يتسبب في العديد من المشاكل في حياتنا مما يؤدي في وقت لاحق إلى حرماننا من السعادة. إن الإسلام يعلم أتباعه ألا يهتموا بالمعيشة التي هي مضمونة من الله، لذلك نرى أن المؤمن الحق يعلم علم اليقين أن المعيشة مضمونة طالما تدوم الحياة، وفي حال يغلق باب، يفتح سبحانه وتعالى وفقاً لرحمته وسيلة أخرى ستكون أكثر فائدة. إن تعاليم الإسلام تسري بالمؤمن من عدم الرضا إلى الرضا. يدرك المؤمن الحقيقة أن الإسلام لا يأمر أتباعه بأن يصبحوا رهبان أو ينأوا بأنفسهم عن الملذات الدنيوية، على العكس فهي تحث المؤمن على تسخير كل ما لديه من إمكانيات بطريقة مشروعة لتحقيق أهدافه في هذا العالم والسعادة في دار الآخرة. الإيمان والأعمال الصالحة: ومن أهم الأمور التي تؤدي إلى الرضا والتسليم بأقدار الله عز وجل، الإيمان بالله سبحانه وتعالى وحسن التوكل عليه وتدبر القرآن الكريم، الأمر الذي له تأثير كبير لتحقيق السعادة والرضا، تلك السعادة التي وصفها الله تعالى حينما قال في محكم تنزيله: ” مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. آية (97) سورة النحل. وتلك النعمة التي إذا أُعطيها العبد لكفته من نعمة، فالمؤمن الحق هو الذي يجد الأمن النفسي، هو الذي يجد الراحة والطمأنينة. يلعب الإيمان دورًا حيويًا في حياة المؤمن ليجعله يشعر بالرضا عن الأشياء المتاحة له، ومن خلاله يمكن للمرء أن يتمتع ببركات هذه الحياة والبركة الدائمة في الأخرة. الإيمان بالله يساعد المؤمن على تحقيق السعادة الحقيقية، إنه يقربه إلى الله ويجعله يتوجه إلى الله عز وجل عندما يواجه الفتن والمشكلات في حياته سعيا إلى الحصول على مساعدة ربه للتخفيف عنها. الشرك بالله والكفر يؤدي في نهاية المطاف إلى البؤس، من لا يؤمن بالله سيعيش حتما حياة مليئة بالقلق والبؤس. قال ابن قيم: "إن الأصول التي انبنى عليها سعادة العبد ثلاثة، ولكل واحد منها ضد، فمن فقد ذلك الاصل حصل على ضده: التوحيد وضده الشرك، والسنة وضدها البدعة، والطاعة وضدها المعصية.. ولهذه الثلاثة ضد واحد وهو خلو القلب من الرغبة في الله وفيما عنده ومن الرهبة منه ومما عنده.” (الفوائد) مفتاح السعادة هو إدراك الله وقدرته والايمان بالقدر خيره وشره، فمن يبتغي السعادة الحقيقية يعتمد دائما على خالقه الله سبحانه وتعالى، يتوسل اليه في كل أمر: هدايته، ورزقه، وأحكامه، وبركاته الروحية الجسدية التي لا تعد ولا تحصى. فمنْ ملأ قلبه من الرضا بالقدر، ملأ اللهُ صدرهُ غنا وأمنا وقناعة. يصور القرآن حياة هؤلاء المضللين والأشرار باعتبارهم "الهاكم التكاثر (المكاسب الدنيوية)” (التكاثر ، 1) ، "لعب ولهو ، وزينة وتفاخر بينكم ، وتكاثر في الاموال والاولاد "(الحديد ، 20). فهم الهدف من الحياة: الشرط المسبق الأساسي للسعادة هو فهم الحياة وهدفها الحقيقي. المؤمن يعرف مكانته على الأرض كخليفة يرشده النور الإلهي ويصبح أكثر مسؤولية. يقول القرآن في سورة الإسراء: " وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا. [الإسراء 17: 19.] المؤمن الحق يقدر كل ما منحه الله له من الجسم والعقل والأموال، ويستغلها لتحقيق هدفه الحقيقي، ألا هو كسب مرضاة الله ودخوله الجنة. ومما يثير القلق أننا نرى أن غالبية المسلمين في الوقت الراهن سلكوا مسلكا أخر واختاروا وحددوا أهدافاً تتعارض مع الهدف النبيل الذي خلقوا من أجله، فلم يعد إرضاء الله يأتي في مقدمة أولوياتهم وانطلقوا سعياً وراء رغباتهم الدنيوية، ونتيجة للانحراف عن الهدف الحقيقي، يعيش المسلمون في جميع أنحاء العالم في إذلال. والمسلم الحق هو من يسلم أموره كلها ويجعلها خالصة لله رب العالمين حتى ترضى نفسه ويطمأن قلبه، يحب الآخرة أكثر من هذه الحياة الدنيوية ويوثرها على كل ما في هذا العالم، وعد الله أجرا عظيما لمثل هذا المؤمن. قال الله تعالى في القرآن الكريم، ” يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك هو الفوز العظيم ". (المائدة 5: 119) في آية أخرى، تقول: "جزائهم عند ربهم لهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ابدا رضي الله عنهم ورضوا عنه. "(البينة 98: 8)

صقل القلب: الإكثار من ذكر الله هو مفتاح تحقيق السعادة وتسلية القلب وطمأنينته والرضا. ذكر الله سبحانه وتعالى يتسبب في سعة القلب وطمأنينته والقضاء على القلق والحزن، إذا لم يول الاهتمام البالغ بالروح، فإنه سيؤدي في نهاية المطاف إلى قلق كبير ومشاعر السخط وعدم الرضا مما يستدعى إلى أن تغذى الروح بالإيمان الحقيقي في وحدانية الله.

الله سبحانه وتعالى يقول: " الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّـهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّـهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ. "(13:28)

إذا كان المؤمن يكرس اهتماماته لصقل قلبه فسيجد بداخله مشاعر من الرضا والسعادة والنعيم. وقال العلامة ابن تيمية (رحمه الله) بعد تعذيبه ونفيه وسجن: ” ما يفعل أعدائي بي؟ ..أنا جنتي و بستاني في صدري ..أين ما رحت فهي معي ..أنا حبسي خلوة ..و نفيي سياحة ..و قتلي شهادة ..المأسور من أسره هواه ..و المحبوس من حبس قلبه عن ربه”. إن هذه الكلمات لا تصدر إلا عن مؤمن صادق ومخلص لله. يضمن الإسلام للمؤمنين السعادة الروحية والغنى الكامل والرضا بغض النظر عن وضعهم المالي أو الاجتماعي في الحياة، المسلم الحق الذي زكى قلبه سيكون سعيدًا بغض النظر عن الظروف المرضية أو الصحية أو الغنى أو الفقر التي يمر بها. (الوبيل الصايب من كليم الطيب)

يقول الله تعالى: " الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴿١٥٦﴾ أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ. "(2: 156-7) من العجيب أن عبد الله عندما يمسه الشر أو يصيبه مكروه يتوب الى الله ويسأل الفرج من الكرب بينما لا يلجأ إلى الله لعلاج قلبه قبل أن يموت من مرض الجهل، والإهمال، وتحقيق رغباته، نتيجة لذلك يرتكب كبار الذنوب دون ان يشعر بالذنب ومدى خطورة أو تأثير تلك الذنوب عليه. المؤمن الحق دائما يبحث عن الأشياء التي تقربه إلى الله واضعا كل أموره أمام الله، ويلقي نفسه بين يديه، وبالتالي يتغلب على كل هم وحزن، ونتيجة لذلك تصبح حياته طيبة وتملأ نفسه سكينة. يقول ابن القيم: "إنَّما يجد المشقَّةَ في ترك المألوفات والعوائد من تركها لغير الله، أمَّا من تركها صادقًا مُخلِصًا مِن قلبه لله فإنه لا يجد في تركها مشقَّةً إلاَّ في أَوَّل وهلة، لِيُمتحَن أصادقٌ هو في تركها أم هو كاذب؟ فإن صبر على تلك المشقَّة قليلاً استحالت لذَّة”. (الفوائد) قال ابن القيم، "اطلب قلبك في ثلاثة مواطن: عند سماع القرآن، وفي مجالس الذكر، وفي أوقات الخلوة، فإن لم تجده في هذه المواطن فسلِ الله أن يمنَ عليك بالقلب، فإنه لا قلب لك”. (الفوائد) تجنب المقارنات: إن الشعور بعدم الكفاءة والعجز هو المصدر الرئيسي للاستياء وعدم الرضا. ينظر الناس عمومًا إلى من فوقهم ويرغبون في أن يكونوا مثلهم، ولكن الإسلام ينصحنا أن ننظر إلى من هم دوننا ونشعر بالرضا عما أعطانا الله.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم» [رواه البخاري ومسلم].

فبهذه النظرة يرى المؤمن بأنه يفوق كثيرًا من الخلق في العافية وتوابعها، وفي الرزق وتوابعه، فبالتالي يزول قلقه وهمه وغمه، ويزداد سروره واغتباطه بنعم الله.

الطريقة الأكثر فاعلية للتعامل مع هذه الحالات غير السارة هي إهمال الأشخاص ذوي المستويات الأعلى في المعيشة. قال الله تعالى في القرآن الكريم، "لا تمدن عينيك الى ما متعنا به ازواجا منهم زهرة الحيوة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى "(القرآن 20: 131) الشعور بالسلام والأمن: السعادة لها علاقة أكبر بالعقل البشري والقلب، ومن ثم فإن سلامة العقل والأمن بجميع صوره "الأمن في الأموال، الأمن في الأنفس، الأمن في الأولاد، الأمن في العتاد، الأمن في الحياة والأمن النفسي” كلها تلعب دوراً أساسياً في تحقيق السعادة، لهذا السبب نحن نرى أن العديد من الناس الأثرياء لا يجدون الطريق إلى السعادة رغم كل الرخاء والرفاهية التي يستمتعون بها في حين أن العديد من الناس الذين يعيشون حياة بائسة هم قادرون على التمتع بالسلام الداخلي والهدوء النفسي والسعادة والرضا. يمكن للإنسان أن يحقق هدفه المهني ويصل إلى ذروة النجاح إلا أن ما هو بعيد عن متناوله هو راحة البال والشعور بالأمن الذي لا يمكن تحقيقه إلا بالتخلص من الخوف والقلق ومراعاة واجباته تجاه ربه سبحانه وتعالى. فالمسلم حينما يستشعر رقابة الله تعالى له في كل لحظة، ويحاول بشتى جهوده أن يطيعه في كل ما يصدر عنه من أقوال أو أعمال، حينها سيشعر بالراحة والسكينة تملأ نفسه، فيسعد بحياته ويهنأ بعيشه؛ لأن الله تعالى سيكون معه في كل لحظة وفي كل خطوة يخطوها. تطوير الإرادة القوية والثقة بالنفس: إحدى الطرق المفيدة لتحقيق السعادة والهدوء هي الثقة بالنفس والإرادة القوية، هذه هي العوامل الرئيسية لتطوير وتوجيه حياة الفرد نحو النجاح والسعادة، كما أنها مفيدة في التخلص من الصعوبات ومصاعب الحياة وتحمل كل الصعاب التي تعيق طريق الإنسان نحو تحقيق هدفه من الحياة والذي يؤدي في النهاية إلى جلب السعادة. تجدر الإشارة هنا إلى أنه بالنسبة للمسلم إن الثقة بالنفس لا تعني أنه لا يحتاج إلى مساعدة ربه، كما لا يعني أنه لا يحتاج إلى طلب المساعدة من إخوانه. كان النبي (صلى الله عليه وسلم) دائما يسأل ربه: لا تكلني الى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله. وروى عن أبي بكره قوله: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "دعاء من هو في محنة: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت ". رواه أبو داود (5090) ؛ ذكره الألباني "حسن” في صحيح أبي داود. لا يمكن للمسلم أن يستغني عن ربه سبحانه تعالى. المسلم الحق هو الذي يعجل إلى ربه ويفر إليه طالبا رضاه، الثقة بالنفس هي ميزة مكتسبة المسلم يحتاج إلى مساعدة ربه، وكلما وضع ثقته في ربه ازدادت ثقته بنفسه ويصل إلى أعلى مستوى. قراءة القرآن وتدبره: يبقى القرآن الكريم أهم غذاء للقلب. تلقى أصحاب النبي (ص) التدريب والإلهام من القرآن الكريم، لقد ظل القرآن رفيقهم الدائم، ودليلهم، ونورهم وقائدهم. القرآن هو الحكمة والإلهام، أولئك الذين يكرسون وقتهم في القراءة وفهمها، يحصلون على الإلهام والتوجيه ليعيشوا الحياة الآمنة والراضية.  يقول القرآن أنه عندما يستمع الناس إليه حق الاستماع يزداد إيمانهم، "إنما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا”. الانفصال 8: 2.] لماذا، اليوم عندما نستمع إلى القرآن أو نقرأه لا يوثر على قلوبنا ولا تتغير حياتنا. كفى بالقرآن ظلما أننا ننظر اليه كأنه شيء من الماضي ولم يعد له أي دور في الوقت الراهن، الطريقة المثلى للاستفادة من القرآن الكريم هي قراءته مستحضرين كانه ينزل علينا، يجب أن نشعر بأننا في محادثة مع خالقنا. الغرض الوحيد لنزول القرآن هو هدايتنا واستسلامنا وخضوع جوارحنا لله، ومن ثم فمن الضروري للغاية التأكد من أننا لا نتلوه فقط، بل إننا نعيش بما يدعونا إليه، يجب أن يكون له تأثير عظيم على أفعالنا. من أهم الأسباب لتفشي القلق، والحزن، وعدم الرضا، في المجتمعات، هو هجر القرآن وإهمالنا. يجب علينا التمسك بما يأمرنا وتجنب ما يمنعنا عنه، إذا تأثرنا بالقرآن، وبدانا في تغيير حياتنا بصدق وفقا لأوامره، سيساعدنا الله في تحقيق السلام والهدوء. قلة الرغبة في الدنيا وما فيها: من الطبيعي أن يرغب الإنسان في امتلاك أكبر قدر ممكن من الدنيا، إلا ان الشخص الذكي والعالم والمتقي لن يعلق أماله على الأمور الدنيوية لدرجة أن يضع زمام حياته في يديها، وعندئذ تصبح القلوب عبيدة ويزداد أمل الدنيا.  إن الرغبة الشديدة في هذه الحياة تنافي الهدف الأساسي الكامن في خلقنا مما يخفف التشوق والرغبة الحقيقية في الآخرة، كلما كنا أكثر صلابة وتشوقا للعالم المادي كلما قطعنا رابطنا عن الآخرة، مما يودي الى عدم اليقين وعدم الرضا والقناعة. إن الرغبة في اكتساب المزيد والخوف من الخسارة من الأسباب الحقيقية للشعور بالحزن وعدم الرضا، ولذلك فإن علاج هذا المرض يكمن في معرفة أن الله سبحانه وتعالى قد قدر لنا أرزاقنا، طالما يسعى المرء إلى الكسب سيحصل على ما كتب له.  قال النبي: " وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ "(الترمذي 2516) الحديث المذكور يكفي لإرشادنا وهدايتنا. المؤمن الحق يدرك أنه لا يحدث أي شيء إلا بإذن الله (سبحانه وتعالى)، لذلك الشخص الذكي قلبه مرتبط بأعلى هدف وهو الآخرة، والذي من شأنه أن يزيل كل الآلام والندم، المؤمن لا يطلب المساعدة إلا من الله، فالرغبة في والشوق الى لقاء الله تظل الهدف الأشمل للمسلم. ولذلك من الأهمية، أن يكون المؤمن على حذر بأن لا يرتبط بالأمور الدنيوية إلى درجة ان تسيطر على حياته وإلهائه عن الهدف الحقيقي للآخرة. قال ابن القيم: "لا تتم الرغبة في الآخرة إلا بالزهد في الدنيا”. (الفوائد) الشخص الذكي لن يضع المال على قائمة أولوياته، الذي هو من الأسباب الرئيسية للاكتئاب والقلق وتدني احترام الذات، فمن أراد نيل الرضا، فعليه أن يقضى على رغبته الجاحدة في كسب المزيد وبلوغ المراتب. قال النبي (صلى الله عليه وسلم)، "فأبْشِرُوا وأَمِّلُوا ما يَسُرُّكُمْ، فَوَاللَّهِ ما الفَقْرَ أخْشَى علَيْكُم، ولَكِنِّي أخْشَى أنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كما بُسِطَتْ علَى مَن كانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كما تَنَافَسُوهَا، وتُهْلِكَكُمْ كما أهْلَكَتْهُمْ.”(صحيح البخاري 4015) سيكون من الخطأ الاعتقاد أنه لا ينبغي لنا أن نستمتع بما أخرجه الله من زينة والطيبات من الرزق، وقلة الرغبة في الدنيا لا تعني أن يكون الإنسان زاهدًا في دنياه فيتجرد من كل شيء، ولا يعمل من أجل حياة أفضل، بل إن عليه أن يسعى ويتوكل على الله تعالى حتى يحقق أحلامه في الدنيا وسعادته في الآخرة.  ومما ينبغي ان نعلم أنه لا خير في هذا العالم إذا لم نتهيأ أنفسنا للعالم التالي، بالنسبة إلى المؤمن الحق، لا حب الا حب الآخرة: لكي يتحقق ذلك، يجب أن تكون محبة الله ورسوله أشد وأعظم [البقرة 2: 165]، والتي من شانها أن تكسبنا ملذات هذا العالم والسعادة الابدية في الأخرة. قال معروف الكرخي: قال لي بعض أصحاب داود الطائي: إياك أن تترك العمل، فإن ذلك الذي يقربك إلى رضا مولاك، فقلت: وما ذلك العمل قال: دوام الطاعة لمولاك , وحرمة المسلمين، والنصيحة لهم (وفيات الأعيان 5/232) ومن ثم، يتعين على كل من يسعى لتحقيق السعادة الحقيقية أن يحرر نفسه من آفات التوجهات والممارسات الهادمة المزعومة التي يروجها الماديون، وأن يتحول إلى العالم الروحي بآراء ومعتقدات وتقاليد مختلفة جداً. العيش بين الصبر والامتنان: أحد أهم مصادر تحقيق السعادة والطمأنينة في هذه الحياة هو العيش بين الصبر والامتنان، ومن ثم فإن الهم الرئيسي للمؤمن يبقى في التمسك بالله وتطوير علاقة وثيقة معه. المؤمن دائما يكون ممتنًا وشاكراً لله على الخيرات الرائعة التي كان ينعم بها بما في ذلك ثروته وصحته ومكانته وقدراته الفكرية وحياته، وهو يدرك أن وجوده ذاته وقوته غير المنقطعة تعتمد فقط على الله، فكل الشكر والامتنان لله. لذلك، فإن المؤمن دائما ممتن لله على كل البركة التي تلقاها وصابر على المصائب التي يعاني منها أو المحن التي يمر بها، ونتيجة لذلك، يجد راحة البال والسعادة، كل شخص يمر بهاتين الحالتين، ومن ثم لا تعني حالة من الضيق أو حالة من الازدهار أننا في نهاية المطاف فائزين أو خاسرين. لقد بين الله لنا ذلك: "لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور. "[القرآن الكريم: الفصل 57 ، الآية 23] التحمل في طاعة الله ورسوله: لن تتحقق السعادة الحقيقية أبداً دون ابتلاء ومحن دائمة. على كل مسلم أن يعود نفسه على طاعة الله، فعدم فهم هذا المبدأ بشكل صحيح سيؤدي إلى الإحباط وخيبة الأمل.  يقول تعالى: "أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين. [ سورة العنكبوت (29) ، الآية 2-3.] فالمؤمن الحق يتلقى ما يسره بالقبول لها وشكر الله عليها، واستعمالها فيما ينفع، وبالتالي يحصل له الابتهاج بها والسرور، ويتلقى المكاره والمضار والهم والغم بالصبر الجميل، واحتساب الأجر والثوابقال النبي (صلى الله عليه وسلم): " عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير ، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن ؛ إن أصابته سرّاء شكر ؛ فكان خيراً له ، وإن أصابته ضرّاء صبر ؛ فكان خيراً له. "[ مسلم 2999] كسب المعارف المفيدة: البحث عن المعرفة المفيدة يجلب السعادة. إن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم؛ مجرد التفكير في هذا يجلب ابتسامة من السعادة إلى وجه المؤمن، إن انشغال الذات بمعرفة مفيدة هو من بين وسائل درء المخاوف والقضاء على ما يحول دون تحقق السلام والهدوء للقلب. ومع ذلك، فالأهم ان يكون السعي لتحقيق السعادة من خلال المعرفة المرتبطة بالنية الصادقة، وان تكون خالصة لوجه الله. المعرفة والإيمان هما أفضل ثروة للقلوب والأرواح التي تصل بالمؤمن إلى مرتبة أعلى في هذه الدنيا وفي الآخرة. يشدد الإسلام على اكتساب معرفة الله عز وجل وصفاته، والمؤمن يتلذذ المتعة ويشعر بالسعادة الحقيقية وفقا لدرجة المعرفة والحب والسلوك الجميل الذي يكتسبه. وفقا لذلك، فإن الألم والندم سيكون وفقا لدرجة ارتباطه بهذه الأهداف العظيمة. أشد الناس خشية لله العالم، لذلك كلما زاد معرفة العبد كلما أصبح أكثر تواضعا ورحيما. حال المسلم الأكثر صحة الأكثر سخاء. أما حال الكافر فهو كلما زاد معرفته كلما يكون أكثر تعجرفا وفخورا وطماعا، والأكثر ثراء الأكثر بخلا. الله سبحانه وتعالى يبلو الناس بالمعرفة، فالمؤمن الذي يدرك انه ابتلي بالعلم والمعرفة يصبر ويسعى جاهدا للفوز فيه وبالتالي يعود سعيدًا في حين يفشل غير المؤمن في الاختبار ويعود بائسا. الغنى الحقيقي: الغنى غنى النفس. قال ابن سعدان: تقنَّع بما يكفيك والتمس الرِّضا * * * فإنَّك لا تدري أتصبح أم تمسيفليس الغنى عن كثرة المال إنَّما * * * يكون الغنى والفقر من قبل الَّنفس الشخص غني إذا كان يشعر بذلك، والآخر فقير إذا كان يشعر بذلك. وبناءً عليه، أوضح النبي (صلى الله عليه وسلم) ذات مرة أن "مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ، فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ” (سنن ابن ماجه 4105)، أن الحرص المذموم على الدنيا لا يزيد صاحبه نفعا؛ لأن رزقه قد قدر وكتب، فلا يأتيه إلا هذا المقدار المكتوب له ، مهما أتعب نفسه من أجل الدنيا ، فعلى الإنسان العاقل أن يكتفي بطلب الدنيا بطريق مشروع من غير حرص زائد. ولكن من جعل الآخرة أهم مسألة له، تطرق الرسول صلى الله عليه وسلم قائلاً: "وَمَنْ كَانَتِ الْآخِرَةُ نِيَّتَهُ، جَمَعَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ”. أن ما كتب للعبد من الرزق يأتيه لامحالة، إلا أنه من طلب الآخرة يأتيه بلا تعب، ومن طلب الدنيا يأتيه بتعب وشدة، فطاب الآخرة قد جمع بين الدنيا والآخرة. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ الغِنَى عَنْ كَثْرَةِ العَرَضِ، وَلَكِنَّ الغِنَى غِنَى النَّفْسِ” (صحيح مسلم،1051). التذمر المستمر في قلوب أكثر الناس هو ما يجعلهم غير سعداء، نرى العديد من بيننا ممن يتمتعون بثروة ضخمة في هذه الدنيا ولكنهم ليسوا سعداء، لذلك نجد أن أولئك الذين يمتلكون القليل من المال والثروة ولكنهم لا يشعرون بالحاجة إلى المزيد، لا يجدون هذا التذمر في قلوبهم. فمن المعلوم حقا أن أغنى شخص ليس هو الذي يملك أكثر من غيره، بل إنما هو الذي يرضى بما لديه. على حد تعبير السيد بوب مورهيد ، "ينفق الناس اليوم أكثر ولكن لديهم أقل، يشترون المزيد لكنهم قليلا ما يستمتعون، لديهم منازل كبيرة ولكن أقل دفئا واصغر أسر داخلها، أكثر راحة ولكن أقل وقت، لديهم منازل ولكنها ليست بيوت، لديهم درجات أكثر ولكن أقل إحساسًا، معرفة أكثر ولكن أقل حكمًا وحكمة، خبراء أكثر ومع ذلك مشكلات أكثر، أدوية بوفرة ولكن أقل عافية، لقد ضاعفوا ممتلكاتهم لكنهم قللوا من قيمهم، لقد تعلموا كيفية كسب العيش بدون معرفة الحياة، لقد فعلوا أشياء أكبر ولكن ليس أشياء أفضل.” الخلاصة: السعادة الحقيقية ليست عبارة عن اكتساب الثروة والشهرة والسمعة والمكانة وتلبية رغبات المرء بل السعادة تتحقق من خلال تراكم المتعة من الجسم والقلب والروح. الإسلام هو الدين الوحيد الذي يشدد على ضرورة إثراء القيم المادية والروحية في آن واحد، كل أحكام الله سبحانه وتعالى المتعلقة بجوانب عدة من الحياة والعبادة والاقتصاد والمجتمع تهدف إلى تحقيق السعادة للفرد. من أهم مصادر السعادة إتباع تعاليم الإسلام بإخلاص ابتغاءً لمرضاة الله، فلنعلم أن الإعراض عن ذكر الله لا يؤدي إلا إلى التعاسة والبؤس وعدم الرضا.  قال سبحانه وتعالى: "من أعرض عن ذكري (أي لا يؤمن بهذا القرآن ولا يعمل وفق تعاليمه) فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى”. (القرآن 20: 124) تساعدنا المبادئ التوجيهية التي قدمها الإسلام على البحث عن السعادة في هذا العالم. هنا يجدر بنا ان نلتفت إلى النقطة الجديرة بالملاحظة أن السلام التام والهدوء والأمان والسعادة الأبديّة لا يمكن أن تتحقق إلا في الفردوس الأعلى حيث لن يكون هناك أي خوف وقلق وألم والتي نعاني منها في هذه الحياة الدنيوية، لذلك فإن مفتاح السعادة في هذا العالم والقادم هو السعي إلى إرضاء الله سبحانه وتعالى والتقرب إلى الله بكل ما يرضيه. لأولئك الذين يبحثون عن السعادة، من الضروري الاهتمام بحماية القلب وأن يكونوا حذرين من كيفية قضاء يومهم وليلهم، سائلين أنفسهم هل كانوا راضين بما قسمه الله لهم، فمن الضروري للغاية أن يصبح الرضا نمط حياتهم لكونه تعبير عن الثراء والسعادة والهدوء والرضا. في ضوء ما سبق، يمكن لنا ان نستنتج بأن السعادة تكمن في أن تصنع قراراتك بذاتك وبنفسك، أن تعمل ما تريد؛ لأنك تريده، لا لأنهم يريدون، أن تعيش حياتك مستمتعًا بكل لحظة فيها، أن تبحث عن الأفضل في نفسك وفيمن حولك. فالسعيد الحق هو من رضي بما قسم الله له وصبر لمواقع القضاء خيره وشره وأحس وذاق طعم الإيمان بربه. الإنسانية الآن تبحث عن حلول المشاكل التي يواجهها العالم على كل الجبهات ونحن المسلمين حاملي الرسالة الإلهية الأخيرة يوجد لدينا دواء لكل هذه الأمراض، لقد حان الوقت للتوجه إلى الإنسانية التي تعاني من أمراض الجسد والروح، ونقل هذه الرسالة التي وحدها تكفل راحة البال والهدوء والسعادة الأبدية والرضا في هذه الحياة والنعيم الأبدي في الآخرة.

Leave a Reply

avatar
3000
  Subscribe  
Notify of