اللغة العربية لغة علم وحضارة

ياسر اسعد اللغة العربية وآدابها

على الرغم من تنوع اللغات في العالم، فإن اللغة العربية لا تزال تحتل المكانة الرئيسية بينها، لأنها تمتاز من غيرها بمزايا متعددة لا يسمح المقام بسرد كلها. ناهيك من فضلها أنها لغة اختارها الله عز و جل لآخر كتبه المعجز الحكيم، وتحدى منكريه بالإتيان بمثله أو مثل سورة منه، ولا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا. ثم إن هذه اللغة السامية أغنى لغات العالم مفردات ومعان، لا تكاد تقاربها لغة أخرى. علاوة على ذلك ما يميزها مما في بطنها من ألفاظ عذبة ومعان سامية وتعبيرات أنيقة دقيقة وغيرها. وكل هذه جعلتها –ولا تزال تجعلها- متأقلمة مع العصور والدهور. وحديثنا ههنا يهدف العلاقة بينها وبين العلم والحضارة.

يرى الكثير منا رأيا ذا جانب أن اللغة العربية تعجز عن مواكبة الحضارة والثقافة، وإن تعجب فعجب قولهم أنه ليس في وسعها أن تساير مع العلوم الحديثة والتقنيات المعاصرة. يكفي لردهم أنها لغة ديننا الحنيف الذي لا تأفل شمسه إلى قيام الساعة، إذن حفظ هذا الدين عبارة عن حفظ هذه اللغة في كل العصور، والتاريخ خير شاهد على ذلك. أولم يروا أن العربية –لكونها لغة الإسلام- فجرت بحرا ذخارا من العلوم والمعارف الدينية، فنشأت من بطنها علوم التفسير والحديث والعقيدة والفقه والرجال والإسناد والجرح والتعديل…، ومع مرور الزمن لم تقتصر هممها على العلوم الإسلامية فحسب، بل المنشغلون بها بدأوا يتفنون فيها، فاخترعوا علوم النحو والصرف والبلاغة والعروض والقوافي وما إلى ذلك. وممن أخذ حظه من هذه العلوم نشأ قوم للمترجمين من اليونانية إلى العربية، ففتحوا أبواب المعرفة الهائلة أمام العالم الذي ما زال في أودية الجهل، وجل هؤلاء كانوا علماء في مجالهم، متمكنين من اللغة، بارعين فيها، فأصبحت هذه اللغة لغة العلم والمعرفة والسياسة والمنطق والفلسفة مع كونها لغة الدين والثقافة والحضارة…ولقد صدق الشاعر حيث قال بلسان العربية:

أنا البحر في أحشائه الدر كامن

فهل سألوا الغواص عن صدفاتي

أما دورها الحضاري الريادي فإنه لا ينفك عن دورها العلمي، لأن الحضارة لها ارتباط وثيق بالعلم من حيث لا يكاد يفصل بينهما، فكلما يتقدم  العلم تزدهر الثقافة. ففي السابق نستطيع أن نرى أن ذلك الزمن الحافل بالعلوم العربية كانت حضارته الإسلامية العربية هي التي تعد حضارة العالم، ولم تكن بمثابتها حضارة تنافسها. ومن هذا المنطلق اعترف "جوستاف لوبون” في كتابه "حضارة العرب” أن المرء كلما تعمق في دراسة العربية تجلت له أمور جديدة، وثبت له أن القرون الوسطى لم تعرف الأمم القديمة إلا بواسطة العرب، وأن العرب هم الذين مدنوا أوربا في المادة والعقل والخلق.

ومع كل ذلك يؤسفنا تنكب كثير من أهل هذه اللغة رفقتها، وكذلك الجامعات العربية بدأن يوثرن اللغات الأجنبية، وأهملوا العربية في الجانب التوظيفي، وباتت نتائجها ترى في طلاب الأمة العربية بوضوح أنه لا يدخل تخصص اللغة العربية أحد إلا وقد أقفلت عليه أبواب التخصصات الأخرى. فالوضع الحالي لهذه اللغة بين أبنائها في تدهور مستمر يستدعي أولو الألباب إلى العناية والاهتمام بها.

فإما حياة تبعث الميت في البلى

وتنبت في تلك الرموس رفاتي

وإما ممات لا قيامة بعده

ممات لعمري لم يقس بمماتي

1
Leave a Reply

avatar
3000
1 Comment threads
0 Thread replies
0 Followers
 
Most reacted comment
Hottest comment thread
0 Comment authors
Recent comment authors
  Subscribe  
newest oldest most voted
Notify of
trackback

[…] اللغة العربية لغة علم وحضارة | دي فري لانسر […]