كانت عبراتي تسكب عندما قصصت على شيخ قصة جدتي، جدتي أريد بها أم الأب لا تسأل قداسة هذه الصلة والآصرة،
فالأم ترعى أولادها وتصلح شؤونها وقد تعجز عند كثرة الإنجاب والتوليد وتواجد العدد الهائل للأولاد تتابعا وفي هذه الآونة الحرجة الجدة هي التي تؤدي دورها كأم لأولاد الإبن.
جدتي كانت منتمية إلى أسرة عريقة في التقليد الأعمى ومتأثلة الجذور في البدع والشركيات، ولما تم الزواج وانتزعت إلى أسرة جدّي قليلة البدع ولو شئتم قلتم كانت القرية متنائية من مكامن البدع ومخابئ الوثنيات، وتستفيد من توافد الشيوخ لقربها عن الشارع العام فتم غرس العقيدة الصحيحة في أهالي القرية بأيدى الدعاة الوافدين من دلال فور وجعل النشأ الجديد للقرية يتواردوون منابع العلم والإرشاد ويروون غليلهم بالهدى والرشاد، فكانت هناك امرأة تشمئز قلبها عن الغي والضلال ويهوى فؤادها إلى الإيمان الصافي والإتباع النقي، فأخذت تبعث ابنها إلى الكتاتيب ليتعلم ويتربى على كنف من العلماء الربانيين هذه هي المجاهدة جدتي السيدة مريم والولد هو أبي ووالدي السيد عبد المجيد الشمسي.
فقد أكمل والدي درسه النظامي في مدرسة شمس الهدى السلفية دلال فور مواجها أنواعا من العسر والشدة والمكره وتولى دراستي فى معاهد الهند وجامعاته المختلفة بالرغم من قلة الكسب ووفرة العيال ويرجع الفضل في تدين الإخوة والأخوات بعد الله سبحانه إلى الأبوين الكريمين والجدة الحنون فالجدة هي التي تغمرني بلطفها وتضجعني في فراشها وتوقظني عند الفجر دون أي تأنٍّ فإذا كان فصل الشتاء قامت تسخّن الماء وتقدّمه إليّ للوضوء حتى لا يبقى لديّ عذر لأجل القرّ فتعوّدت أنا على هجر الفراش الوثير اللين الساخن وحضور الجماعة في باكورة عمري بفضل جدتي، وكانت مهتمة للنظافة أشد الاهتمام، فلا تدني إليها صبيا إلا من كان مواظبا على الطهارة، وكانت لا تقتصر على تقديم الوَضوء فحسب بل توصلني إلى باب المسجد حتى لا أشكو الظلام والوحشة.
كنت طالبا فى الجامعة السلفية بنارس فى مرحلة العالمية وانتهينا من الاختبار لنصف السنة وكنا نقفل إلى منازلنا زرافات وكان السرور يموج بنا لفراغ الأمر المهم واجتيازه بالتفوق، فوصلت إلى البيت وكانت الأمور تجري على مجاريها إذ اصطدمت جدتي بقصب كان في طريقها فسقطت حتى تكسرت عظام رجلها فأخذت تكابد المصاعب وعزّت عليها التنقلات فأصبحت طريحة الفراش وأضحت الطاعمة مطعَمة فكنت أعودها وأطعمها الحليب وألقّنها التهليل ولم يمض يومان إلا لفظت أنفاسها الأخيرة فرحمها الله رحمة واسعة
إنها كانت امرأة شرقية أمية ومعتنقة العقيدة الإسلامية بعيدة عن التزخرفات ساذجة للغاية، تمشي على أقدامها كيلو مترات لزيارة الأقارب، صحبتها في بعض الأسفار فوجدتها متجشمة للمشاق دون أي تكدر وبوجه طلق، تخدم نفسها مع كبرها تغسل ثيابها وتخيط لم تر نظارة العين حتى وافتها المنية.
سقط في يدي عندما سمعت قصة من جدتي أن كنيسة النصارى التي هي قريبة من قريتي، وكان أهل الكنيسة يستغلون بعيلة المسلمين ذات يوم عرض أحد من أهل الكنيسة على جدي أن يرتدّ هو وأسرته على أن يمنحوه جملة من مرافق الحياة، وكان جدي رجلا كريما ولكن غافلا لم يكن محتشما لعقيدته أشد الاحتشام، فلما بلغ جدتي هذا الخبر أنكرت عليهم وغاظت على عقيدتها فتعجبت أنا لتعقلها ولباقتها على الرغم من أميتها وأكبرت أن العقيدة ليس شيئ يدرس في مقصورات الدروس إنما هي عملية تربوية للبيوت.
اللهم اغفر لجدتي واجعلها من ورثة جنة النعيم.
Leave a Reply