القتل الغوغائى الهندوسي، وصمة عار على جبين الهند

محمد شاهد يار محمد سياسة

في بلاد الهند لقد عادت أحداث العنف والقتل الغوغائي ضد المسلمين إلى الواجهة من جديد، بعد أن كانت هدأت عاصفتها أو خفت موجتها خلال فترة الانتخابات البرلمانية التي جرت في البلاد قبل بضعة أشهر. ففي هذه الأيام أصبح لا يكاد يمر يوم إلا نشاهد و نسمع هنا وهناك في أرجاء الوطن عن حادثة عنف أو قتل لشباب المسلمين على أيدي الحشود و العصابات الغوغائيين من الهندوس .

ومن أشهر الأحداث و أبشع الجرائم التي وقعت خلال الأيام الماضية القليلة وأشعلت مواقع التواصل الإجتماعي، هي تلك التي تعرض لها شابان مسلمان، أحدهما يدعى تبريز الأنصاري من ولاية جاركند. كان قد رجع إلى أهله و وطنه في إجازة بعد أن قضى مدة في الغربة لأجل كسب لقمة العيش الكريم، و كان حديث عهد بالزواج، ولم يمض على زواجه إلا أيام قليلة حتى صار ضحية على أيدي الهندوس الغوغائيين الذين أمسكوه على حين غفلة منه، وألصقوا به تهمة السرقة زورا وبهتانا، وربطوه بعمود الكهرباء، ثم انهالوا عليه ضربا بالأيدي والأرجل والعصي والحبال، وقذفوه بالشتائم والألفاظ البذيئة، كما أكرهوه على التلفظ بكلمات الكفر، والعياذ بالله. وأذاقوه من ألوان الأذى و صنوف التعذيب ما لا يتحمله أي حيوان فضلا عن الإنسان، بل لمجرد سماعها تقشعر الجلود والأبدان. وبلغ بهم القسوة والوحشية إلى أن كانوا يصورون هذا التعذيب الوحشي والبشع ويتلذذون به وهو يصيح و يصرخ تحت وطأة الضربات والركلات و يبرئ نفسه من تهمة السرقة ويستغيث ويستنجد ولكن لم تجد صرخاته وآهاته آذانا صاغية. ومتى كانت الوحوش الضارية ترحم ضحيتها.
وبعد عشر ساعات من التعذيب والتنكيل المستمر جاءت الشرطة فبدلا من أن تأخذه إلى المستشفى أخذته للتحقيق والاستجواب ولكن أنى له أن يقوى على الاستجواب فقد انهارت أعصابه وخارت قواه وأصابه الضعف الشديد. ثم أدخل المستشفى لتلقي العلاج حيث فارق الحياة متأثرا بالضربات والإصابات.

وأما الشاب الآخر فهو من العاصمة دهلي. كان في طريقه الى البيت، راجعا من عمله قرابة منتصف الليل، و إذا بمجموعه من الشباب الهندوس كانوا له بالمرصاد. تعرضوا في البداية بسلب جواله ونهب أمواله ثم سحبوه إلى أحد الأحياء المجاورة مع ضربه وسحله وطافوا به في الحي قائلين: ها نحن أمسكنا سارقا. وأهل الحي كانوا يشاهدون هذه الجريمة ساكتين صامتين. واشتد ظلمهم وأذاهم له حين سمعوه يقول في آهاته و صرخاته: الله أكبر.

إن هذه الظاهرة بهذه الصورة المروعة لم تكن موجودة من قبل. وإنما ظهرت بعد تربع الحزب الشعب الهندي "حزب بهاراتيا جاناتا” (BJP) على عرش الحكومة الهندية عام 2014 ، و منذ ذلك الحين راح ضحيتها مئات الأبرياء من المسلمين. علما بأن هذا الحزب الذي يقوده رئيس الوزراء ناريندر مودي هو من أكثر الأحزاب السياسية تطرفا وعنفا ضد المسلمين، ولاقى المسلمون إبان حكمه من الظلم والاضطهاد والأذى ما لم يلاقوه في حكم غيره من الأحزاب السياسية.

ويلاحظ أن وتيرة العنف تشتد والأحداث تتزايد بشكل غير مسبوق، و لاسيما بعد فوز هذا الحزب "بأغلبية ساحقة” و وصوله إلى سدة الحكم للمرة الثانية. فالحكومة الحالية هي المسؤولة عن كل هذه الجرائم والأحداث لأنها ترتكب على مرأى ومسمع منها دون رقيب ولا حسيب. ونرى أن المنظمات والحركات الهندوسية المتطرفة تمارس العنف و التطرف بكل حرية وتدوس بأقدامها كل القوانين والأعراف والأخلاق، فلا القانون يردعها ولا الأعراف تمنعها عن ارتكاب الجرائم الوحشية والانتهاكات الجسيمة. ومن هنا يتبين أن هناك تواطؤا واضحا و فاضحا بين الحكومه وأجهزه الأمن، ولولا هذا التواطؤ الواضح لما تجاوزت في بغيها و طغيانها ولما عاثت في الارض فتنة و فسادا.

وتهدف هذه الحركات والمنظمات الهندوسية المتطرفة من وراء هذه الانتهاكات وأعمال الشغب والقتل إلى ترويع المسلمين الآمنين وتخويفهم وتضييق الخناق عليهم وتنغيص عيشهم وبالتالي تهجيرهم قسريا من البلاد، كما صرح بذلك زعماؤهم في أكثر من مناسبة، ولا سيما قبل وأثناء الانتخابات التشريعية بل هم أصبحوا يرددون هذه النعرات والشعارات الطائفية البغيضة بين حين وآخر. وبعبارة أخرى هم بزعمهم يسعون جاهدين إلى تحويل البلاد من دولة علمانية إلى دولة هندوسية حيث لا يسمحون ببقاء المسلمين ومساجدهم ومدارسهم على أرض البلاد. ولكن هيهات هيهات لما يزعمون. وتبا لهم ولما يمكرون.

ومما يبشر بالخير أن هناك شريحة كبيرة من الشخصيات البارزة من البرلمانيين والإعلاميين من الشعب الهندوس و غيرهم من أصحاب الديانات الأخرى الذين يؤمنون بالتعايش السلمي بين مكونات الشعب الهندي ولا يرضون بتاتا بما يجري حاليا في البلاد حيث نراهم يدينون هذه الجرائم و يدافعون عن ضحايا القتل الغوغائى، وليس هذا فحسب بل سمعنا أصواتهم القوية في البرلمان وهم يهاجمون الحكومة ويدعونها إلى ترجمة وعودها الانتخابية على أرض الواقع و التي من أبرزها "التنمية من أجل الجميع” وينتقدون سياساتها العدائية المناهضة للمسلمين، مطالبين بوقف هذه الجرائم الهمجية و محاكمة المتورطين المجرمين وتقديمهم للعدالة عاجلا غير آجل ليسود القانون وليعم الأمن والسلام في أرجاء البلاد.

وليعلم هؤلاء الغوغائيون أنهم مهما فعلوا ومهما طغوا وتجبروا فلن يحققوا شيئا من أهدافهم وطموحاتهم من تحويل البلاد إلى دولة هندوسية و حرمان المسلمين من حق التصويت أو إقصائهم وتهميشهم أو تهجيرهم، وأن ما يقومون به من الجرائم الوحشية ضد المسلمين هي في الحقيقة وصمة عار عليهم وعلى جبين الهند، وأنهم بسبب تصرفاتهم المشينة يسيئون إلى سمعة الوطن في العالم. فالناس كانوا يضربون الهند مثالا يحتذى به في التسامح و التعايش السلمي بين أتباع و أصحاب الديانات الكثيرة المتنوعة، لكن العالم الآن بات يعرف أن هناك حركات متطرفة من الهندوسية تنشر الفتنة والفوضى و تحاول إذكاء نار الحرب على أساس الدين وتقتل المسلمين بسبب "البقرة المقدسة” أحيانا و "جهاد الحب” أحيانا أخرى. وليعلموا أن البلد حق للجميع، وليس لأحد دون أحد، وأن دستور البلاد يكفل للجميع ممارسة الشعائر والطقوس الدينية بكل حرية وارتياح، ولا يحق لأحد فرض ديانته على غيره بالقوة ومن يفعل ذلك فإنما يتحدى القانون و يخاف الدستور.

كلمة أخيرة للمسلمين الهنود:
في هذه الظروف الحرجة الراهنة يجب علينا ما يلي :

١- محاسبةأنفسنا، فالمحاسبة طريق الانتصار وسبيل للفوز والفلاح في الدنيا والآخرة ولنتذكر قول الله تعالى "قل هو من عند أنفسكم” في هذه الآية الكريمة : { أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَة قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْد أَنْفُسكُمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } (سورة آل عمران 165) هذه الآية نزلت في الصحابة مع ما كانوا عليه من الصلاح والتقى فكيف بنا نحن؟ مع التدبر في قوله تعالى:(وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ۗ ) (سورة آل عمران 120)

٢- الرجوع إلى الله عز وجل بالدعاء والتضرع والتذلل بين يديه. فالدعاء سلاح المؤمن مهما كانت الظروف، ومن ذلك تحصين أنفسنا و أولادنا بالمحافظه على الأذكار والأدعية مثل أذكار الصباح والمساء وأذكار السفر والخروج من المنزل فإنها خير وسيلة للوقاية من شر الأشرار وكيد الفجار.

٣- توحيد صفوف المسلمين و لم شملهم، وتناسى اختلافاتهم المذهبية الفرعية، والعوده إلى القواسم المشتركة لمواجهة التحديات والأزمات. فالوحدة قوة والفرقة ضعف وضياع و سبيل إلى الذل والهوان.

٤- العمل على تخطيط محكم للدفاع عن المسلمين والحفاظ على حقوقهم المشروعة التي ينص عليها دستور البلاد، كل ذلك بالحكمة والعقلانية دون الانجرار إلى الانفعالات.

٥- ممارسة الضغط على الحكومة من قبل المنظمات والجمعيات بالطرق والوسائل المشروعة من أجل اتخاذ قرار حاسم وصارم ضد الغوغائيين الهندوس۔

٦- وعلى شباب المسلمين أن يأخذوا حذرهم، وأن يبتعدوا عن الأماكن و المناطق المشبوهة، وأن لا يخرجوا بمفردهم قدر المستطاع كي لا يقعوا لقمة سائغة للحشود الغوغائبن.

هذا، وأسأل الله عز وجل أن يحفظنا من كيد الأعداء ويكفينا شرهم فإنه ولي ذلك والقادر عليه،
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

Leave a Reply

avatar
3000
  Subscribe  
Notify of