قاضي نذر الإسلام حياته وشعره

حسن الزمان جلال الدين السير و التراجم

توطئة:
الأدب البنغالي من الآداب الثرية العالمية التي أكسبه سمعة وشهرة في العالم كله الشاعرُ البنغالي العظيم رابندرانات طاغور بديوانه الشهير "جيتانجالي” وأمال الناس إلى قراءة الأدب البنغالي الذي أنجب كثيرا من أبناءه الأعلام الذين منهم من طار صيته في أرجاء البلاد، ومنهم من لمع كالقمر في السماء، ومنهم من خانه الحظ فلم يحظ بالصيت والشهرة ودفن تحت الخمول والتراب. ومن أولئك الأعلام في الأدب البنغالي الشاعر الثائر قاضي نذر الإسلام الذي عاصر طاغورا وأدى بأشعاره دورا ملموسا في النهوض بالشعب والصمود في وجوه الإنجليز المحتلين، فهو شاعر وموسيقي ومسرحي وكاتب وروائي، إذ كان له دور فريد في الأدب البنغالي تأليفا وترجمة.
نشأة قاضي وأسرته:
ولد قاضي نذر الإسلام في قرية شوروليا بمديرية بردوان في ولاية بنغال الهندية في 24 من شهر مايو سنة 1899م لأبوين فقيرين في أسرة مسلمة يلقب أعضاءها بـ”قاضي”، وكان يدعى بــ”دُوخُومِيَان” في عائلته وأهل القرية. أما أعضاء الأسرة فكانوا ستة أنفس؛ الأبوان قاضي فقير أحمد وزاهده بيغم، وأخت اسمها أم كلثوم، وثلاثة إخوان قاضي صاحب جان، وقاضي عالي حسين، وقاضي نذر الإسلام. كانت أمه زاهده امرأة متدينة بينما كان أبوه إماما في المسجد. وكانت هذه الأسرة تعاني من شدة البؤس والفقر المضنك فلا يمتلك الكثير من المال.
طفولته وتعليمه:
تلقى قاضي حظا يسيرا من التعليم في إحدى الكتاتيب، ولم يتجاوز فيه إلى المدرسة نظرا إلى البؤس المتزايد في الأسرة، ولأجل اليتم الذي أصابه وكان دون العشر سنين. وشد مئزره في الطفولة ليكسب ما يسد جوع نفسه وأهله، وشمر عن ساق الجد في ميدان الشعر فالمسرحية، فكان يكتب الأغاني منذ صباه لجماعة تقوم بعرض المسرحية، ويتعلم من أهلها التمثيل على خشبة المسرح، ولكن حب التعليم كان يموج في صدره فغادر المسرح سنة 1910م إلى المدرسة وقضى سنوات عدة بين فترات مختلفة متنقلا بين العمل والدراسة لكنه لم يوفق بالحصول على شهادة الثانوية فغادر حياة المدرسة تماماً وعاش طفولته متنقلا بين المهن المختلفة وقرض الأشعار في أوقات الفراغ.
حياته العملية:
انضم قاضي في شبابه سنة 1917م بالعسكر الإنجليزي واستمر في وظيفته ثلاثين شهرا وما يزيد، ثم غادره سنة 1920م إلى كولكاته حيث جعلها مقرا له، وكان يدرس أثناء الفترة الكتب الأدبية للشعراء الكبار أمثال طاغور وشاراد تشاندرا، وكذلك المجلات الأدبية التي كانت تصدر آنذاك مثل مجلة براواسي (مجلة المهجر)، وسابوج بترا (الصحيفة الخضراء)، وسَوْغات (الهدية) وغيرها. والتقى بالشاعر البنغالي الكبير رابندرانات طاغور سنة 1921م في مدرسته شانتي نكيتن (دار السلام) فنشأت بينهما أواصر ودية، وتوطدت هذه العلاقة الحميمة إلى أن لقي ربه. وله قصائد مختلفة قصدها في مدحه وتكريمه أشهرها قصيدة "كيشور ربي” (طاغور صغيراً) كما رثاها بقصيدة له بعد مماته اسمها "واشرو بوشبانجالي” (الدموع المنهمرة).
مرضه ووفاته:
قاسى هذا الشاعر الثائر مرارة الحياة بكثرة كاثرة، وفجع بصوته وعقله اللذين فقدهما في مرض ألم به سنة 1942م، ولكن الذي زاد الطين بلة هو الحرب العالمية الثانية التي صدته عن سبيل العلاج إلى عشر سنين. وقد أسست هيئة كانت تشرف على علاجه وأرسلته إلى مدينة رانشي (بولاية جَهار كَند حالياً) حيث قضى أربعة أشهر في مستشفى خاص فلم يبرء من مرضه، وقد أحيل إلى مستشفى في لندن سنة 1953م فما زاده الأطباء إلا قنوطا. وازداد الهجوم عليه من الأمراض المختلفة عبر السنين وجرته من الهند إلى خارجها أمام الأطباء حتى هزمته المنية في 29 أغسطس سنة 1976م بمستشفى في بانجلاديش، ودفن نفاذا على وصيته بجوار مسجد في جامعة داكا.
الجوائز:
نال هذا الشاعر تكريما كثيرا من الحكومة الهندية فقد منحته عدة جوائز وأوسمة، كما كرمته بتسمية المطار والمحطة والشوارع المختلفةباسمه، ومنها تأسيس جامعة قاضي نذر الإسلام بمديرية بردوان سنة 2012م. ومنحته حكومة ولاية بنغال الغربية الهندية سنة 1945م الوسام الذهبي "جوغات تاريني”، ومنحته الحكومة الهندية المركزية سنة 1960م وسام "بدما بهوشان” تكريما له ولسعيه في مجال تطوير الأدب البنغالي. وكرمته حكومة بانجلاديش سنة 1974م بمنحه الشهادة الفخرية للدكتوراه، كما منحته أعلى الوسام البنجلاديشي "إيكوشي بدك” في سنة وفاته وهي سنة 1976م.
شعره:
كان نذر الإسلام كاتبا مكثرا وشاعرا غزير الإنتاج، شديد الولوع بالموسيقى، وذلك يبدو جليا في إنتاجه الشعري الذي جُمع في عدة دواوين. وقد تناول هو في شعره جميع الأغراض على وجه التقريب من السياسة والاجتماع إلى الغزل فضلا عن الأغاني الشعبية والأشعار الإسلامية التي أنتجها بعدد لا بأس به.
أما شعره في الوصف والطبيعة فهو قليل لأنه كان يعتني كل العناية بآلام الشعب وهمومهم وكان قلبه يذوب عليها. وقد أشير عليه مرارا أنه ينظم شعرا ما لا يكسبه شهرة ولا يخلده في ذاكرة التاريخ، فرد على من أنكره ردا شنيعا أن من سره اعتداء الإنجليز فليصف بالزهرة ليخلد اسمه، ولا يسرني هذا العناء للاشتهار فلا أهتم إلا بما يقاسيه الشعب من الآلام. وهو الذي حيثما جعله من المدفوعين إلى الخمول في هذا الزمان، جعله من الخالدين في الأدب البنغالي كما يصف ذلك في قصيدته الشهيرة "أمر كيفيت” (الاعتذار) التي أبين معناها فيما يلي:
اسمعوا يا أصدقاء! إذا أنتم تشعرون بالمسرة فبادروا أنتم إلى وصف الأزهار وجمال الطبيعة لتكونوا خالدين في سجل التاريخ، أما أنا فسواء علي أن أسمى شاعرا أو لا أسمى، إنما يصرفني عن تلك الغاية آلام الشعب وهمومها، وسواء علي أن ينساني التاريخ أو يخلد في ذاكرته.
مدة الحياة الأدبية:
عاش هذا الشاعر عمراً طويلاً ولكنه لم يرزق أن يعيش الحياة الأدبية من حياته إلا قليلا. وإنه عاش عيشة متقلبة في سرير المحن يمينا وشمالا. بدأ الشعر وهو دون العشر سنين، وانتهى به وهو في الثانية والأربعين. عاش في السرير مختلا وفي الحياة معتلا؛ جار القدر عليه شديدا، فقد صوته فلم يبق أن يملي شعرا، وفقد عقله فلم يرفع قلما ليسطر سطرا. وطالت به الأمراض حتى انقضت أربع وثلاثون سنة من غير خيال وفي غير مجال. فما أتانا في هذه السنوات يعد قليلا، وما لم يأت يعد جزيلا. ولو أن الله نسأ في صحة نذر الإسلام فلم تأخذه السنون عبطة لأحكمته السراء وصقلت شعره التجارب وكان للتاريخ فيه رأي آخر.
أعماله الأدبية:
تعاقبت على الشاعر سلسلة من النكبات كان لها تأثير شديد في نفسه، فمن فقدان أبيه ولم يحلم هو بعد، إلى ضيق ذات اليد، إلى البؤس في مخبز رب العمل، إلى جور الإنجليز مما عصر نفسه عصرا، وراح ينظم ثورته شعرا يعصر فيه روحه، وينفث فيه آلامه وآلام الناس، فاتسع أفقه الاجتماعي، وانتشر شعره بين الناس، وتحزب له الكثيرون حتى أصبح شاعر المجتمع والوطن يدافع عن حقوق قومه ويحمل على السلطة الغريبة التي تتحكم في بلاده.
كان قاضي كاتبا بديعا كما كان شاعرا مطبوعا، فقد تناول المسرحية وعالج القصة القصيرة بأسلوب بديع. وهو كثير الإنتاج في كليهما إذ يبلغ عدد إنتاجاته في الكتب والمجلات إلى ما يزيد على السبعين. ومن أشهر دواوينه الشعرية "أوغني بينا” (المزمار الناري)، و”بِشير بانشي” (المزمار السام)، و”تشواكروباك” (الكروان)، و”برولوائي شيخا” (لهب مدمر)، و”سواربوهارا” (فاقد الكل)، و”دولون تشانبا” (الشنبق المتدلي)، و”ساموبادي” (الاشتراكي)، و”تشايا نوات” (نغمة موسيقية)، و”بوبير هواء” (الصبا) وغيرها.
المراجع
الأدب الهندي المعاصر، محيي الدين الألوائي، الطبعة الأولى، القاهرة.
مجلة ثقافة الهند، المجلد 57، العدد 2، السنة 2006م.
قاضي نذر الإسلام، باسودها تشاكرفارتي، مطبعة ناشيونال بون تراست، نيو دلهي.
مرتضى غلام أحمد، جيبيه راكها إيتيهاس.
en.m.wikipedia.org/wiki/Kazi_Nazrul_Islam

1
Leave a Reply

avatar
3000
1 Comment threads
0 Thread replies
0 Followers
 
Most reacted comment
Hottest comment thread
1 Comment authors
حشر الدين عبد الشهيد Recent comment authors
  Subscribe  
newest oldest most voted
Notify of
حشر الدين عبد الشهيد
Guest
حشر الدين عبد الشهيد
ما شاء الله، فري لانسر العربية! أهنئكم بهذا الإصدار للقراء العرب.
قرأت مقالين كتبا باللغة العربية، أحسست فيهما نشازا في الأسلوب والطرح، كأنهما لم يخضعا للمراجعة والتحرير،.
الرجاء مراجعة المقال وتحريره، وتنقيته من العجمة وأثر التعريب قبل النشر، ثم نشره سليم اللعة عربي الأسلوب.
بارك الله في الجهود ونفع بها الإسلام والمسلمين.