أحبائي التلاميذ! ها قد آن وقت الرحيل إلى منازلكم فتتوجهون إلى بيوتكم لتقضوا إجازة عيد الأضحى بين الأهل والعشيرة، إنها نصف شهر، خمسة عشر يوما، وإن لهذه الأيام قيمة لا تقدر بأي ثمن، فإنه أغلى ما يملكه الإنسان، إذاً تحتاجون إلى التذكير والتنبيه لبعض الأشياء حتى لا تذهب الإجازة سدىً.
أحبائي! أنا معلمكم ولست بخيركم، العصمة والكمال لله سبحانه، فأوصي وأنصح نفسي وإياكم بملازمة التقوى فى السر والعلن، بدأت بنفسي أولا فإن الإنسان مهما بلغ من العلم والفضل فإنه يحتاج إلى التزكية، والإنسان مركب من الخطأ والنسيان، والمزكي للغير يزكي نفسه كما يزكي الآخرين.
ومما يجب التنبه أولاً : أنكم ستسافرون بالقطار أو بمراكب أخرى فلا تنسوا الدعاء والذكر أثناء الرحلة والظعن، فبذلك تحفظون من غوائل السفر ومكابده، ويقيكم الله من مكائد الشيطان، وعليكم بالرفق في التعامل مع المسافرين والتحلم، فينبغي أن لا تثور ثائرتكم لأدنى ما تلاقون، فإن الإنسان يعرف من شيمته ولا تنسون أنكم طلاب العلم الشرعي، فعندما تنتهون إلى دياركم وقراكم فيجب عليكم ملاحظة بعض الترتيبات والاستعدادات لتعريف نفوسكم وبناء شخصياتكم وهي كما تلي:
انتبهوا بأننا وأنتم تقفون على أسواق يقدّر الناس قيمتنا من حيث ما يصدر منا فمثلنا كمثل الخضريين الذين يبيعان الخضراوات جنباً إلى جنب أحدهما أكثر انتباهاً للزبائن وأكثر تردداً للمشترين والآخر أقلّ انتباهاً مع أنّ المبيع واحد فتعجب الناس لصنيعهما فأخذ باحث ينظر في أمرهما، فوجد أن الرجل الذي يكثر ترداد الزبائن عنده هو لنظافته وجمال مظهره فإذا انفلق الصبح بكّر بالاغتسال وتوجه إلى دكانه وجلس مبتسما مبتهجا إلى الناس، أما الآخر فإنه لم يكن يهتم بالاغتسال ويصبح في دكانه، تظهر عليه آثار النعاس عابسا قمطريرا أشعث رأسه متوسخا ثيابه، فالأناس لا يقبلون عليه وقليلا ما يشترون منه.
والأمر الثاني لإقبال الناس على الأول أنه كان حسن الأخلاق ليّن التعامل مع الناس فإذا أتى إليه زبون وسأل الأسعار للخضراوات لايستئم ولا يتضجر بل يبتسم على وجهه ويخبر عن قيمة الأشياء. أما الخضري الآخر فإنه كلما أتى إليه زبون وسأل الأسعار لشيء من الخضراوات وغاص فيها غضب وعبس وساءت أخلاقه وبادر قائلاً : خذ طريقك إن لم ترد الاشتراء، فأضحى الناس يبتعدون منه لأجل سيرته.
أما الأمر الثالث الذي جذب انتباه الناس إلى الأول فإنه كان منفتحاً على الناس وتفاعل معهم حتى لم يكد يأتي إليه زبون إلا ويستبشر أمامه ويسأل عن أحواله وعن عائلته وكيف كان البقل الذي اشتراه منه بالأمس، فإن هذا كله يؤثر على كل من يأتي إليه تأثيراً إيجابياً، وأما الخضري الثاني فإنه لا علاقة له مع الناس وإن كانت الزبائن يعاملون معه قِدماً هذا الذي ينفّر الناس منه.
فيا أيها الطلاب! أنتم رجال الغد وقواد المستقبل، المجتمع ينظر إليكم نظرة العطشان إلى الماء، فكونوا مثل ذلك التاجر الخضري الذي يملك ثلاث خصال:
١- جمال المظهر والملبس والله جميل يحب الجمال.
٢- حسن الأخلاق وحلو الشمائل.
٣- العلاقة الوطيدة مع الشعب.
كثير من الطلاب عندما يذهبون إلى بيوتهم ينزوون إلى غرفاتهم ويحبسون أنفسهم داخل حجراتهم فلا تكون علاقاتهم مع المعايشين لأحياءهم فيتخرجون ولا يعرفهم المصلون لمساجدهم ولا المترددون للحفلات الدينية فتخفو قدراتهم وكفاءاتهم، والسبب الأكبر لانزواءهم عن الناس هو الهاتف الذكي الذي أشغل الكثير من بني آدم، فإياكم وإياكم أن تكون ساعاتكم الغالية تهدر في غير ما ينفع.
Leave a Reply