يا معشر المعلمين! ارفعوا رؤوسكم باعتزاز!!

تسليم الدين حفاظ الدين العالي التعليم والتربية

لا يسع لأحد من أفراد المجتمع، صغيراً كان أو كبيراً، فقيراً كان أو غنياً، رجلاً كان أو امرأة، أن ينكر ما للمعلمين من فضل و شرف ومكانة عظيمة في إخراج المجتمعات الإنسانية من دياجير الظلام إلى الأنوار الساطعة، وفي رفع الجھل والأمية و قلع الغواية والضلالة.

لا يمكن لأحد منا أن ينكر فضل المعلم الذي يھذب الطالب ويثقفه ويقيم اعوجاجه و ينقله – بفضل الله وعونه – من ظلام الجھل إلى نور العلم، ويفتح له مغاليق القراءة والكتابة، ويسھل له عراقيل التحدث والتكلم، على يديه تحول من جاھل غِر أخرس إلى متعلم أو عالم أو متحدث، يقرأ العلوم المختلفة ومھارات الحياة المتنوعة، و يعرف طرق التعايش و يخدم المجتمع.

ما من طبيب إلا وقد تعلّم الطب من معلم، وما من مھندس إلا وقد تعلم الھندسة من معلم، وما من كاتب إلا وقد تعلم الكتابة من معلم، وما من محامٍ إلا وقد تعلم المحاماة من معلم، وھكذا دواليك.

فما زال ولا يزال المعلم ھو الذي يحتاج إليه جميع الناس، خلافاً لغيره من أھل الوظائف المختلفة والمھن المتنوعة الأخرى، الذين قد تحتاج إليھم يوماً وقد لا تحتاج إليھم آخر، أو احتياجك إليھم يكون لفترات محدودة و أوقات مخصوصة. فالطبيب مثلاً قد يعيش المرء عمره كله دون أن يراجعه، والمھندس قد تـقضي حياتك كلھا دون أن تفتقر إليه، والمحامي قد ينقضي عمر أحد منا كله ولا يحتاج إليه، والشرطي قد يرتحل المرء من دار الفناء إلى دار القرار بدون أن يتعامل معه أي تعامل. وليس غرضي من ذكر أمثال ھذه الوظائف والمھن أنھا ليست وظائف شريفة و مھمة، كلا، لا شك في كون ھذه الوظائف من تلك الوظائف والمھن المھمة والمؤثرة التي تشرئب إليھا الأعناق و تتوق إليھا النفوس. لكن الأمر الذي أريد أن ألفت انتباھك إليه ھو احتياجك المباشر لھا. أما المعلم فما منا إلا وقد تعلم منه، وجلس بين يديه، وتلمذ عليه وتلقى منه العلوم والمعارف المختلفة سنين عدداً. وليس ھناك من ترمي إليه بفلذة كبدك ساعات طوالاً بدون أن تشعر بأي خوف وخطر إلا وھو المعلم. وليس ھناك من تودعه طفلك الصغير الذي ما زال محتاجاً إلى إمساك أصابعك للسير والمشي إلا وھو المعلم الشفوق.

يبذل المعلم قصارى جھده كي يرعى طفلك الصغير ويھذب أخلاقه ويثقف لسانه ويعلمه ما يحتاج إليه في جميع مراحل حياته : الطفولة والشباب والكھولة، ويصبر على إزعاجه صبرا ربما لا تستطيع أن تصبره، ويتحمل بكل ضبط و ھدوء بطء تعلمه، ربما يردد كلمة واحدة مائة مرة أو أكثر ليحفظھا طفلك المزاجي الذي لا يبالي بما في قلبه من عواطف حسنة و أحاسيس جميلة تجاھه. تراه يتعامل مع طفلك كالأب الرؤوف والأم الحنون، يفرح بنجاحه ويقلق لفشله.

ھذا غيض من فيض من تلك الأدوار المھمة والتضحيات العظيمة التي يقوم بھا المعلم في تنمية الجيل الصاعد وترقية المجتمع الإنساني وتھذيبه. المعلم ھو الذي يرقي المواھب المكنونة في النفوس، وھو الذي ينشئ في الناشئة استعداداً و صلاحية للتقدم، لا يسع لأحد أن يرتقي و يتقدم إلى الأمام ويظفر بأعلى الدرجات و أسمى الوظائف بدون عبور سلم المعلم، فإن المعلم ھو أول سلم من سلالم التقدم والتطور ، وبه فقط تستطيع أن تصعد وترتقي إلى سقف الرقى والازدھار . ولذا أرى أن ھناك كثرة كاثرة من النصوص الشرعية التي جاءت ببيان فضل المعلم و مكانتة الشريفة. منھا : ما روي الترمذي أن النبي ﷺ قال: إن الله و ملائكته وأھل السموات والأرض حتى النملة في جحرھا و حتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير (الترمذي :2685-صححه الألباني)
ومنھا: ما أخرجه البخاري في صحيحه أن النبي ﷺ قال: خيركم من تعلم القرآن و علمه ( بخاري : 5027) فھذا الحديث يدل بصراحة على أن أفضل المسلمين وأرفعھم ذكراً، وأعظمھم نفعاً وإفادةً، وأعلاھم عند الله درجةً من تعلم القرآن وعلمه. فلا مھنة ولا وظيفة أفضل وأشرف من تعلم القرآن وتعليمه .

ومكانة المعلم ھذه تتطلب من جميع أھل الوظائف ومن جميع أفراد المجتمع بدون أي استثناء أن يھتموا بالمعلم و يحترموه ويقدروه ويرفعوا من شأنه ويعطوه حقوقه، وأن لا يقللوا من قدره أي تقليل مھما كانت المبررات والمعاذير، وإلا تكون العواقب وخيمة.

يا تري كيف يستطيع أحد أن يجترئ على التھوين من شأن المعلمين باغتصاب حقوقھم وقد رفع شأنھم النبي ﷺ بجعلھم ورثة الأنبياء حيث قال ﷺ : وإن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درھماً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر (أبوداود :3641 – صححه الألباني) فقوله ﷺ ھذا كما يدل على أنه ينوط بالعلماء والمعلمين تعليم الناس و مراعاة حقوقھم في التعلم والتعليم فكذلك يدل على وجوب إكرام العلماء والمعلمين وتبجيلهم.

وما أصدق أمير الشعراء أحمد شوقي حينما قال عن المعلم أبياته التي ذاع صيتھا في مشارق الأرض و مغاربھا :

قم للمعلم وفه التبجيلا
كاد المعلم أن يكون رسولا

أعلمت أشرف أو أجل من الذي
يبني و ينشئ أنفسا وعقولا

فالواجب علينا أن نكرم المعلمين ونحترمھم ونعيد لھم ھيبتھم ووقارھم ونعطيھم من المزايا والخصائص ما يجعلھم يفتخرون بوظيفتھم، ونجعلھم في عيون النشء الجديد من العظماء، و نبذل ما وسعنا لأن تكون مھنة التعليم من أفضل المھن وأشرفھا، ولأن يكون المعلم الأكثر تقديراً و إجلالاً في المجتمع حتى يتمنى كل فرد من أفراد المجتمع أن يصبح معلم الغد.

Leave a Reply

avatar
3000
  Subscribe  
Notify of