قف من جديد!

عبدالعزيز بن محمد يوسف السلفي التعليم والتربية

(تنبيه: ما بين القوسين مقتبس)

يوم نتائج الامتحان كيوم الحساب ..كل طالب يقول لصاحبه: نفسي! نفسي !
يأتي الأستاذ لكشف النتائج، والقلوب مرتجف، والوجوه مكتئب .. يرهف أسماعه إليه شزرا: أيكون القسم حلوا أم مرا؟! .. كلٌ يريد النجاح، ويطمع في الفلاح، كلما اقترب دوره ارتفع مستوى نبضات جنانه، واضطراب خفقات وجدانه … يكاد أن يغشى عليه روعا وفزعا، والطيش يسيطر على عقله ذعرا وجزعا.
وحينما يشرع الأستاذ في كشف نتائجه يشعر بأن صوته سهم رائش نفذ في صدره، وجرح جرحا يكاد ينخلقع قلبه، يا له من ألم شديد!. لقد خاب ظنه، وذهبت مساعيه أدراج الرياح، لم يبلغ مناه ولم يتحقق حلمه.
ولكن على الرغم من ذلك من كان يثق بنفسه ولم يشعر بالنقص، لا يبالي بما سمع، ولا يكترث لنتائجه وفشله، ولا يحتفل بما يكون عائقا في سبيل هدفه.
وهناك-للأسف- طالب يقف وحيدا متململا متلهفا يده في زاوية الجدران، يعض بنانه ويلوم نفسه، ويعاتب عليها بما دهمه. لقد سقط في يديه وشعر بالعجز واليأس، ركز جل شعوره على الإخفاق في بلوغ مرامه، وعلى نيله المستمر بمستوى أقل من مطلوبه، وصرف كل فكره إلى درجاته القليلة.
أنا اليوم مخاطب إليه لعلي أكون سببا في تسلية قلبه وتسرية كربه:
1-عالج شعورك بالنقص:
فلا تعذب نفسك، ولاتلومها على أمر خلا: فما مضى فقد انقضى. ((لا تحزن على شيء فقدته فربما لو ملكته لكان الحزن أكبر!)) :إنما عليك أخذ العبرة منه للأيام القادمة.
كن حرا وقل لماضيك السيء: لا أريدك بعد اليوم لأن ذكراك تهدم مستقبلي الرائع، ليكن تفكيرك إيجابيا: فإن الأفكار السلبية تمنعك من التقدم في حياتك بشكل أفضل، ويحرمك من خوض التجارب وشؤون الحياة.
قدر نفسك ولا تستخف بقدراتك ولا تحقر ذاتك بالضعف والعجز، لا تقل: خاب سعي وهدر جهدي، ولكن تذكر- يا أخي- أن الجهد لا يخدع صاحبه أبدا (( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى,وأن سعيه سوف يرى، ثم يجزاه الجزاء الأوفى )) فلا تتعجل واصبر ((فمن طلب الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه!))، دع الهم والقلق فإنك على الرغم من جهدك وسعيك إذا لم تجد أي طريق للنجاح فستصنع أنت الطريق!! نعم !

انس أنك تجتهد للحصول على التسعين والمائة بل ركز على تكوين ملكتك وإنشاء استعدادك، فإنه إذا ضاعت شهادتك وأوراقك بسبب الحرق أو السرق فلا معنى لوجودك وشخصيتك ! وكم رأينا من أناس فاقوا الجميع بمهارتهم وموهبتهم مع أنهم لا يعلمون أول حرف من كلمة "الشهادة”.
عندما تخرج من قاعة الاختبار مزق أوراق الأسئلة وكن فرحا؛ فإن هدفك هو الأصل لا الامتحان وبدء الكآبة أن تتحقق من صحة الأجوبة.
والأهم أن ترضى بقضاء الله وقدره فما أروح للنفس وأسكن للقلب من الصبر والرجاء.
٢- ثق بالله ثم بنفسك ولا تخف من الفشل:
واعلم أن ما يضطلعه الرجل لا يستطيعه الطفل، ((وتذكر أن الطيور الرابضة في الأشجار لا تخشى انكسار أغصانها؛ لأنها لا تثق بها بل إنما تثق بأجنحتها.

يا أخي! إن السبب الوحيد الذي يجعل حلمك مستحيلا هو الخوف من الفشل والإخفاق ومصدره:عدم الثقة بالنفس. ((إن الثقة بالنفس لا تأتي من كونك دائما على حق بل من كونك غير خائف على خطأك)).
تذكر أن الفشل هو الفرصة السانحة الوحيدة التي تتيح لك البدء من جديد بذكاء أكبر وحماسة أكثـر ((فإن النجاح هو أن تمر بفشل وراء فشل دون أن تفقد شجاعتك)). قال ربنا: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”. فغير نفسك وجدد حياتك من جديد…. إن الفشل الحقيقي هو أن لا تقف على رجليك من مصرعك!!.
الكمال ليس صفة للبشر فلا تعتقد أن أخطاءك نهاية العالم بل اعترف بها ولكن اقطع وعدا وأقسم على نفسك بتقديم الأفضل في المرة القادمة.
والفائز هو من تجلت له العبر فاعتبر "كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون”.
٣- حدد هدفك:
وانطلق طموحا وافعل ما ترغب فيه وتفضله ((فإنه ليس بإمكانك أن تحقق الفوز إلا إذا أحببت بما تقوم به)). كن رجلا هدفه في معالي الأمور لا ترضى بشيء خسيس وليكن همك أن تغير العالم ((فإن العالم يفسح الطريق للذي يعرف إلى أين هو ذاهب؟ )).
(( اعلم أن في كل شخصية موهبة فيها امتياز فيها جانب تفوق فيها استعداد فيها بذرة عبقيرية ولكن هذه الملكة لا يفطن لها صاحبها فتضيع عليه ويخيل إليه أنه إنسان عادي))، فابحث عن موهبتك التي خلقها الله فيك ركز عنايتك عليها ف”كل ميسر لما خلق له”.
(( تذكر أنه إن حكم على السمكة بالفشل لعدم قدرتها غلى تسلق الشجرة فقد قتلت ملكة السباحة لديها )). يا أخي ! إذا لم يكن الهدف الذي تسعى إليه هو هدفك الشخصي فلن تنال السعادة عند تحقيقه.
لا تشغل بالك أبدا بما يمتلك غيرك من المهارة والصلاحية، ولا تقارن نفسك معهم، ولا تصغ إلى من يسرق أحلامك حتى ولو كان أبوك وأمك.
(( إياك أن تدع غيرك يلون حياتك فقد لا يحمل في يديه سوى قلم أسود)).
كن حرا وافعل ما تريد وفق دينك ومبادئك وأخلاقك واستطاعتك .. وكن كالطير في الآفاق حرا.
٤- استخدم العبارات التحفيزية:
فذاك من مفاتيح الفوز والنجاح، على سبيل المثال اكتب هدفك الشخصي في أوراق عديدة أو اكتب عبارة مؤثرة تذكرك بهدفك مثلا:”سأستطيع فعله ولو اجتمع الليل والنهار وتصادمت السماوات والأرضين”، ثم علقها في جدران بيتك وغرفتك وعند سريرك وفي خلفية جوالك وشاشة القفل وعلى غلاف كتابك: أي في كل موضع يلتفت نظرك إليه دائما: فهي تشجعك على مواصلة الدأب والعمل، وعلى المثابرة والجهد المستمر، كلما تنظر إليها ينتابك شعور غريب : شعور للتقدم والتصدي.
٥- رتب يومياتك:
وخطط الجدول اليومي تسير عليه بنظام متسق فما في الكون شيء إلا وله نظام محدد وله خطة معينة.
أما ترى كواكب النظام الشمسي تجري في فلكها لا تحيد عنه ولا مثقال ذرة !
أما ترى الليل يعاقبه النهار، والنهار يتابعه الليل في نظام وقانون !
وما إلى ذلك من الأمثلة.
حتى الطيور والحيوانات تعيش على نظام، وكل ذلك يوحي أنه ما أفلح شيء إلا وكان له نظاما وقانونا.
وأنت إنسان فأجدر بك أن تنظم أمورك وشؤونك…
٦- ثابر على السعي:
((فليس تحديد الهدف هو أهم مافي الأمور بل الأهم هو خطة السعي وراء تحقيقه والالتزام بها))، فاعتزم فإن مضيت فلا تقف واصبر وثابر فالنجاح محقق، قل: لا شيء مستحيل، لا أعرف اليأس بسهولة، ولا أعرف التسليم للهزيمة بسرعة .. فإن اليأس يقتل كل شيء: ((اليأس موت بلا بعث.))
((تخيل بأن كلمة "Impossible ” هو ” I am possible))
((كن صادقا في تحقيق حلمك فالظروف تساندك للوصول إليه، تذكر أن النجاح سلالم، لن تستطيع أن ترتقيها ويدك في جيبك، إن الحياة مليئة بالحجارة لا تتعثر بها بل ابن بها سلما تصعد به نحو النجاح، فالنجاح لا يحتاج إلى أقدام بل إلى إقدام)).
فهيا للتقدم والتصدي بهمة بل بعزيمة لا تني ولا تلين، تذكر أن الذي غير مجرى التاريخ كان عنيدا مصرا؛ لأنه يعلم أن لكل مشكلة حل؛ فلا شيء صعب مع الإصـرار وعدم الاستسلام.
إياك أن تنسى أن النجاح بالعمل لا بالأمل:
((هيا معا نبني الأماني بالإصرار وبالتدريب والمران))
منحك الله تعالى هذه الحياة القصيرة، إنها نعمة عظيمة فلتستغلها، إنها فرصة ثمينة. اعرض أمام العالم شيئا تحيا به بعد الممات.
ليس الآن فليس للأبد!
هيا فلتحطم رقم الأمس القياسي، هات اليوم بشيء أحسن من الأمس، بشيء مختلف، بشيء جديد. ووالله لا يجديك أي شيء شروى نقير إلا أن تهبه من نفسك كل صغير وكبير.
تقدم خطوة بعد خطوة لا تقف في مكانك ولا تنظر خلفك، تفاءل وابتسم ودع الجرح يلتئم سيجعل الله لك سبيلا ثق به فهو حسبك وهو معك أين ما كنت "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا”.
ومن أراد المزيد فعليه بالسلف الصالح فإن فيهم شفاء العليل وإرواء الغليل. والله أعلم.

Leave a Reply

avatar
3000
  Subscribe  
Notify of