معركة المصالح

عبدالمعيد المدني التعليم والتربية

نتحدث عن المصالح حول النقاط التالية:

۱۔ الاستقامة علی الدین
هنالك في الحیاة الیومیة تدور معارك عدیدة في النفس والمجتمع؛ معارك دائرة في النفس بین الهواجس والإرادة الطیبة، بین النیة الطیبة والنیة الفاسدة، بین الإیمان والكفر، وبین الیقین والشك وبین المصالح الدینیة والمطامع الذاتیة۔ والذي یفوز في هذه المعارك ویصرع الكفر والفسوق والعصیان والشكوك والشبهات؛ فهذه أكبر المعارك التي یفوز فیها۔ وهی معركة حاسمة والمعارك التی تدور رحاها بعدها في المجتمع، فهي معارك لیست فیها ضراوة مثل ما في المعارك الدائرة في النفس والذي یستطیع ان یغلب علی المعارك الدائرة في النفس فهو أولی بأن یغالب المعارك في الخارج في المجتمع۔ والمعارك فی الداخل والخارج لها صلة فیما بینها آخذة بعضها حجز بعض، متوقفة بعضها علی بعض في هزیمتها وغلبتها مستدیمة لا تفتر۔
۲۔ أحوال المعركة
ولهذه المعارك أحوال۔ فالمعركة الداخلیة التی یغلب فیها المرء المسلم سلاحها الرضا بالقدر والتوكل والاحتساب، والرغب والرهب، والصبر والحب في الله ولله، والطاعة۔ والذی ینهزم فیها فأمره أن المطامع والشكوك والشهوات واتباع هوی النفس تغیر علیه ولیس عنده رصید إیماني للدفاع عنه۔
وللغلبة فیها یجب علی المرء أن لا یغفل عنه طرفة عین، ویراقب علی نفسه مراقبة جادة حتی آخر لحظات حیاته۔ فالخطر كبیر، وفتنة عمیاء مستطیلة، ولربما یغفل المرء عنها فتغیر المطامع الذاتیة و الأهواء والشكوك، والحرص علی المال والجاه، والغلبة والعلو علیه فیبوء بالفشل في المعركة النفسیة أولا، وفي المعركة في المجتمع أخیرا، أحیانا في لحظات، وأحیانا في أعوام ولو یحسب نفسه بطلا جریئا خائضا فیها بكل حماسة و بسالة قاطعا دبر الكفر والإلحاد۔
۳۔ المراقبة
ربما یری الخائض فیها أنه في عراك حاسم مع الباطل، ویضحي نفسه للحق مع أنه في صمیم الباطل لأنه غیر هدف المعركة ومصلحتها وانهزم في معركته الداخلیة، وربما یتقنع بالإرجاء فیكتفي بالرصید الإیماني القولي والقلبي۔ ولا إعتناء له بالداخل، یحسب أنه حر فیه یفعل كیف یشاء ویعیش حسبما یشاء، ویعاشر من یشاء، ویفتخر مع ذلك أنه مسلم محق، ویعد نفسه من طلائع الحق۔
وأحیانا یفني في سبیل المعركة ولاینهزم فیها، و أحیانا معركته فی الداخل تشغل باله فلا یلتفت إلی الخارج فیُهزم في الداخل والخارج۔
۴ ـ هدف الاستقامة
والمعركة في الداخل والخارج لا تكون إلا للمصالح الدینیة المتمثلة في حسنات الدنیا والآخرة، ودرء المفاسد والأضرار في العاجل والآجل۔ وهي لاتكسب إلا لأجلها ولایكون الخوض فیها إلا بشروط هذه المصالح الدینیة، بل یتحتم الخوض فیها بشروطها۔ المصالح الدینیة هي الحاسمة فی كسبها و في الخوض فیها، وجمیع الجهود الدینیة الفردیة والاجتماعیة لیست إلا لتحقیقها۔
۵ ــ المصالح الدینیة
ولیكن واضحا أن جلب المصالح الدینیة، ودرء المفاسد والضرر عن العباد والبلاد اعتبار لهما في الشریعة الإسلامیة، بل أحكام الشریعة كلها تحقق المصالح الدینیة۔ قال شیخ الإسلام ابن تیمیة ’’إن الشریعة الإسلامیة جاء ت بتحصیل المصالح وتكمیلها، وتعطیل المفاسد وتقلیلها‘‘ (۱) وقال الإمام ابن القیم الجوزیة ’’الشریعة مبناها وأساسها علی الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة ومصالح كلها، وحكمة كلها۔(۲)
والمصالح الدینیة متبادرة من نصوص الإسلام قال الله تعالی مخاطبا رسوله الكریم صلی الله علیه وسلم ’’وما أرسلناك إلا رحمة للعالمین‘‘ (۳) وقال تعالی ’’وما أنزلنا علیك الكتاب إلا لتبین لهم الذی اختلفوا فیه وهدی ورحمة لقوم یؤمنون (۴) والرحمة تشمل رعایة مصالح العباد الدنیویة والأخرویة ودرء المفاسد عنهم، ولا تتحقق رحمته ــ صلی الله علیه وسلم ــ إلا إذا أنجزت المصالح، ودرءت المفاسد ۔ وقال تعالی: ’’إنما یرید الشیطان أن یوقع بینكم العداوة والبغضاء في الخمر والمیسر، ویصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون‘‘ (۵) فتحریم الخمر والمیسر یمنع عن الناس مفسدة الصد عن ذكر الله وعن الصلاة۔ ودرء المفسدة لا جرم أنه تحقیق لوجه من وجوه المصالح الدینیة۔ وقال تعالی: ولكم في القصاص حیاة یا أولی الألباب ‘‘ ۔(۶) فالقصاص شرع لتحقیق المصلحلة الكبری وهي حیاة الناس، وصیانة حیاة البشر یعني توفیر الأمن والاستقرار والطمانینة، وحقن الدماء، بتوبیخ من ترغبه نفسه۔
۶۔ أقسام المصالح
إن أحكام الشریعة كلها تحقق مصالح العباد التی تتعلق إما بالضرورة أو الحاجة أو الجمال والكمال. وهي كلها معتبرة بمصالح الآخرة۔ فالأولی هي التي تقوم علیها معتقدات الناس وعباداتهم وحیاتهم وإذا فاتت اختل النظام، وحل الفساد وعمت الفوضی۔ هذه الدعامة الضروریة وتفاصیلها أی الضروریات للمصالح هي حفظ الدین والنفس، والعقل، والنسل والمال۔ وهي لازم توفرها لأن الحیاة لا تقوم بدونها۔
والدعامة الثانیةللمصالح، الحاجة ومسائلها أي الحاجیات فهي التي تحتاج البشریة إلیها لتتوفر السهولة والسعة في الحیاة والتعایش، وفي عدم وجودھا یصیب الناس الضیق والحرج۔
أما الجمالیات فمرجعها مكارم الأخلاق ومحاسن العادات وإذا عدمت انعدمت حیاة قائمة علی النهج السلیم القویم الذي تتقاضاه العادات الحسنة والفطر السلیمة۔
۷ ــ معیار المصالح والمفاسد
ومعیار المصالح والمفاسد هو الإسلام، فما یقرره الإسلام مصلحة فهو مصلحة، وما یقرره مفسدة فهو مفسدة۔ وما خرج امرؤ عن هذا المعیار إلا وقع في هوی نفسه، والهوی لا یصلح لیمیز بین الصلاح والفساد۔ فهذا المعیار یحدد حدودا للصلاح ویحدد حدودا للفساد وهو معنی قول الله تبارك وتعالی: ’’ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض‘‘ (۷) وقال تعالی: ’’ یا داؤد إنا جعلناك خلیفة في الأرض فاحكم بین الناس بالحق، ولا تتبع الهوی فیضلك عن سبیل الله‘‘ (۸) فلیس هناك إلا الحق والهوی، والحق ما أنزله الله، وفیه بیان للمصلحة والمفسدة، وماعداه الهوی، وهو باطل وفیه فساد للناس. فالمصلحة إذن في إتباع الحق المنزل من الله وهجر ماسواه۔ قال تعالی: ’’اتبعوا ما أنزل إلیكم، ولاتتبعوا من دونه أولیاء ‘‘ (۹)
والإنسان عاجز بطبیعته عن إدراك المصالح الحقیقیة، وطریق الوصول إلیها في الدنیا والآخرة. وإذا أدرك بعضها في الدنیا فإنه عاجز عن إدراك مصالحه في الآخرة، وطریق الوصول إلیها، وإنما یستطیع ذلك إذا سار علی الشریعة، واستضاء بضیاءها، ووقف عند حدودھا، ووزن الأمور بمیزانها۔
في الواقع تتحقق مصلحة الإنسان الحقیقیة في اتباع ما أنزل الله، وإدارة أمور الدنیا وفق التعالیم الإسلامیة۔ لأن فیها سعادة البشر في الدنیا، ومع هذه السعادة الدنیویة سعادة عظمی في الآخرة بالظفر برضا الله وغفرانه، والدخول إلی الجنة۔ وإنما یقصد بتقدیر الإسلام لمصالح العباد، وتشریعه الأحكام والمناهج لتحصیلها تھیئتهم للظفر بسعادة الآخرة ومصالح الدنیا في الحقیقة لیست مطلوبة لذاتها، وإنما هي وسیلة لمصالح الآخرة۔ وإذا تعارضت مصلحة دنیویة ظفر الإنسان بسعادة الآخرة یجب أن ترفض، وأي شيء یؤدي إلی سعادة الآخرة یجب أن یؤخذ۔ فلا یجوز التفریط في الآخرة من أجل الدنیا ومنافعها الزائلة، ومصالحها المنبتة قال تعالی ’’فاما من طغی وآثر الحیاة الدنیا، فإن الجحیم هي المأوی، وأما من خاف مقام ربه ونهی النفس عن الهوی فإن الجنة هي المأوی‘‘ (۱۰)
وللإمام الشاطبي تفسیر طیب نفیس لهذه الآیة حیث قال ’’والمصالح والمفاسد الأخرویة مقدمة في الاعتبار علی المصالح والمقاصد الدنیویه باتفاق، اذ لا یصح اعتبار مصلحة دنیویة تخل بمصالح الآخرة، فمعلوم أن ما یخل بمصالح الآخرة غیر موافق لمقصود الشارع فكان باطلا‘‘ (۱۱)
فالمحرم إذن تقدیم الدنیا علی الآخرة، والاستبشار به، والسعي له۔ ولیس المحرم تحصیل الدنیا واستعمالها للآخرة۔ قال تعالی: ’’وابتغ فیما آتاك الله الدار الآخرة، ولاتنس نصیبك من الدنیا‘‘ (۱۲) فالدنیا مزرعة الآخرة، ومتاعها وسیلة للوصول إلیها۔
۸۔ تهافت الناس علی مصالح الدنیا
غضا عن المصالح الدینیة هناك تهافت علی المصالح الدنیویة، ومحاولة مكثفة لإلباسها لباس المصالح الدینیة، ودارت معارك في الخارج للوصول إلیها، وحصولها۔ ونسي الناس أو كادوا أن ینسوا أن هناك معارك في الداخل یجب علیهم الدخول فیها والخروج منها فائزین غالبین منتصرین۔
حمي الوطیس لها، وأصبحت ضاریة حاسمة، وكشف الناس عن ساق الجد، وإن الرجال، والرموز الإسلامیة، والمنظمات العالمیة والمحلیة، والمعاهد والمدارس وأصحابها أصبح شغلهم الشاغل المصالح الدنیویة إما علی أساس تاویلات النصوص الدینیة والأفكار والفلسفات المستوردة وإما الضغوط المادیة والاجتماعیة الحقیقیة أو الانتحالیة تضطرهم إلیها، وربما تجلبهم المصالح الذاتیة والأطماع إلیها۔
وإن خوض أصحاب الفكر والفلسفات في معركة المصالح هي أخطر شيء للإسلام والمسلمین وأضره علیهم۔ هولاء جعلوها معركة دامیة في المسلمین وفي العالم كله، وصنیعهم تبدد لطاقة المسلمین، وصد عن دعوة الدین وأكبر حاجز في سبیلها، وتمویه لها۔
وأخطر من هولاء أولئك الذین یحبون الالتزام الدیني، ویحیون له۔ فإن هولاء مع اختلافهم في التوجهات والإتجاهات كادوا أن یتهالكوا في طلب المصالح والعراك لها۔ فالتوجهات المادیة والانغماس في تكاثرها جعلت القصود والطلب مشوهة، والعقول والضمائر متلوثة بها۔ وأصبحت أسلحة تستعمل لتغلب بعضهم علی بعض أو لتغلب فرقة علی فرقة وجماعة علی جماعة وذلك بعد التقنع بأیدولوجیات مخلتفة مزدانة بادعاءات واقتناعات دینیة وقومیة مع أنها في كثیر من الأحوال لیست الا خدعة ومخادعة كسراب بقیعة یحسبه الظمآن ماء۔
۹۔ أسباب مصالح دنیویة
المتهافتون علی مصالح الدنیا، والمتكالبون علیها، یتنوعون في أسالیبهم، واستعمال الأسباب للحصول علیها والأسلحة للتغلب علی منافسیهم، وهم كلهم یبددون طاقاتهم، ویضیعون مؤهلاتهم واستعداداتهم، ویھدرون الأسباب التي وقعت بأیدیهم۔
هذه الأسباب والأسلحة التي تستعمل في معركة المصالح یمكن حصرها في أمور تالیة:
ــ الأكاذیب: أیسر الأسالیب للتغلب علی المصالح، الأكاذیب والإدعاءات وتكبیر الرموز والأهداف وتفخیمها، والدس ضد الآخرین فهم أحری بحصول المنافع والمصالح الدنیویة في أسرع وقت ممكن۔
ـ الدسائس والمؤامرات: فإذا لم تجد الأكاذیب، ولم تأت الثمار المرجوة، ولم تحصل النجعة فالحرب من جدید۔ وهي حرب المؤامرة والدسائس وهي تكون علی قدم وساق۔ وإن امرؤ اعتاد علی الإختلاف والاصطناع وأتقن في صناعة المؤامرة والدسائس ینسی الدین، والدعوة، والأمة، والشعب، ومصالح الدین، وإنما ینغمس في إحباط الأعمال الإسلامیة كلها مع أنه یستیقن أن جهوده كلها دین وخیر، ومصلحة دینیة، وتضحیة لصلاح الأمة ودرء المفاسد عنها۔ وذلك لقناعته بأیدولوجیاته الفردیه أو الحزبیة أو لتقنعه بالتأویلات الفاسدة والعصرانیة۔
فالدسائس التي تحاك الآن مآساة كبری للأمة الإسلامیة۔ هذه كلها تجري وعیا أو بغیر وعي ویؤامر شخص ضد شخص وفرقة ضد فرقة، وجماعة ضد جماعة۔ وهي كلها تجري في وضح النهار وفي ظلمة اللیل، وإن كانت ’’الحكمة‘‘ و ’’المصلحة‘‘ تمنع المنغمسین فیها عن الاعتراف بها۔ وسواء اعترف الناس بهذه أو لا یعترفوا فإن النتائج التي تتمخض عنها لا یمكن أن تبعد عنها۔ لابد أن تذوق وبالها من التشتت والضغینة والتباعد فیما بین الناس والتخاذل۔
یبدو أن مؤمرات ودسائس شتی حلت محل التزكیة والتربیة فردا وجماعة في الأمة۔ وإنها خلقت ظروفا لیست فیها إلا الفوضی والأثرة والحزبیة والعصبیة الجاهلیة والطمع والنفاق والتكتل وسوء الظن۔
ــ العلو: العلو سیطر علی العاملین في میدان الدعوة۔ وإن الأحزاب والجماعات لها مرجحات وأولویات. وإن الافتخار بها ینشأ في منتسبیها العلو۔ فهم یحسبون أنفسهم سباقین في كل شيء عدا غیرهم ویحسبون أحزابهم ونظمهم أحسن من غیرهم۔ هذا العلو یجر معه الدعاوي والأحقیة، ویبعدهم من المنهجیة۔ والإحساس بالأحقیة، والشعور بها یحث علی التنافس والخوض في معركة المصالح وإذا فاتت فرصة أو لم تسنح ولم ترو الغلة وتشف الظمأ فیتلوها الفساد، والخوض في معركة المصالح عاقبته الفساد۔ وقد حمی وطیسه وفشا الفساد وعم وطم۔
وإن التجارب السابقة والرواسب والهزائم الماضیة كلها لا یعتني بها ولا تكترث ولایلقي لها بالٌ۔
وإن معركة المصالح، ولأجل حصولها بهذه الأسلحة الفتاكة للدین والأخلاق والمصالح الدینیة والأمة الإسلامیة یخوضها الناس في كل مكان۔ والمتبادر من أعمال الناس ونشاطاتهم أنهم قد انهزموا في المعركة في الداخل۔ وإن الدین والأخلاق، والمصالح الدینیة لاتمنعهم عن تعاطیها۔
۱۰ــ إغارة الهوی
إن المعارك المصلحیة الدنیویة لها لذة في نفس الخوض فیها، ولذة في إدارتها، ولذة في التغلب أو الانهزام فیها؛ وذلك أن الشیطان یزینها وإن المرء یستبیحها، والأحزاب تستبیحها ظنا منها أنها هی مصالح دینیة وتحسب الانتساب إلی الإسلام واصطناع الأسالیب والفلسفات لرقي المسلمین وتحدید الأهداف لها حقا ثابتا لها لاتدخل فیه لأحد، والسعي وراء تحقیقها كذلك ومنتسبیها، وهو حق لأغراض نبیلة ولا مشاحة في اختیار الأسباب أیة كانت۔ من غیر أن یفهموا أن المصلحة المطلوبة تجب أن تكون مصلحة دینیة تستند إلی نصوص الكتاب والسنة، وتعود بالفلاح والصلاح فردا وجماعة للأمة الإسلامیة، وتحك علی معیارها، وینتهج أصحاب المعارك للمصالح علی المنهج القویم، والصراط المستقیم ویؤثروا المصالح الأخرویة، علی المصالح الدنیویة، ویقدموها علی غیرها، ویدرأوا الفساد والمفاسد عن العباد۔ لكن معركة المصالح قد جانبت بأصحابها عن الطریق، وإن الأهواء أغارت علی الخائضین في معركة المصالح مع الغوغائیة، والأكاذیب والادعاءات والمؤامرات والعلو والفساد فلیست أمام أعینهم إلا الأغراض الدنیویة والتلذذ بالأید ولوجیات والفلسفات والنعرات والغوغاء۔
واشتدت وطأة الهوی علیهم حتی أن كثیرا منهم تحلو لهم ملامح الإرهاب، ویباح عندهم إزهاق النفس، وإحراق الأموال والممتلكات لتحقیق المصالح ظنا منهم إنها لمصالح الأمة۔ فالذی یخسر الحرب والمعركة في الداخل لا یستطیع دفع إغارة الهوی علیه فهو یخسر المعركة للمصالح۔
۱۱۔ ولو ذهب كل بمصلحته
ولو قدر أن یذهب كل بمصلحته مقارعا الناس والمجتمع بأسلحته الفتاكة المذكورة فلن تكون هناك مصلحة دینیة وإنما ستغالب بالمصلحة الدنیویة الحزبیة والفردیة۔ و إذا لا توجد عملیة تحقیق المصالح الدینیة ودرء المفاسد عن العباد فستُملأ الدنیا فسادا وعنادا وظلما وجورا۔ وإن الذین تكثفت جهودهم لتحقیق مآربهم الذاتیة والحزبیة تحت غوغائیة وأیدولوجیات، ومخارقة لجمیع الحدود الأخلاقیة والدینیة والإنسانیة فهم من أكبر خلق الله شقاوة وأخسرهم حظا في الدنیا والآخرة وأبعدهم سعادة في الدنیا والآخرة۔
إن هذا من أكبر المآسي أن یسعی الإنسان في حیاته منتسبا إلی الدین والدعوة، وخدمة خلق الله ویفني عمره ویضیع حیاته في جمع المخازي ویضیق صدره عن الحق، ویحرص علی جمع الامتیازات، ویدعي الحقوق، ویتبع الهوس والهوٰى۔
إن المرء إذا فشل في معركته الداخلیة فلن یوفق إلی أن یتابع الحق، ویعطیه أهله وإن الشیطان یزین مؤامراته ضد البشریة والصالحین، وعامة الناس ویریها جهادا ومجاهدة، وأعمالا صالحة لصالح الإسلام والمسلمین حتی یحسب ضغائنه نصحا للمسلمین وعداوته لهم مصادقة، ومكائده حكمة وبصیرة، وخیانته حقا۔
۱۲ــ عقلیة المصالح
في معركة المصالح تنقلب الموازین، وتتبدد مؤهلاتها ولایظلم طریقها، وعقلیة المعاركین لها، ولها نشوة ولذة، والمتعارك فیها یحمل هذه الأثقال الباھظة علی ظهره فإنه یعیش في المجتمع الإسلامي فلا یتكیف به بل المصالح الذاتیة أو الحزبیة تجعله سكران، لا یقوم إلا سكران، ولا یمشي إلا سكران ولا یفكر إلا سكران ولایعمل إلا سكران۔ یغلب علیه سكر المصالح، ونشوتها، ویلتذ بلذتها ویبیت ویصبح أجنبیا یعیش فیما بین الناس، ولا یعیش معهم یكون معهم بجسمه المادي یری ویشاهد ولكن یكون في انقطاع دائم من المجتمع بمعتقداته، ومصالحه، وعقلیته وشعوره۔
وإذا كانت المصالح المادیة الفردیة أو الحزبیة جمعت أفرادا وأحزابا فإنها تكون أخطر للبشریة كلها۔ وإنها تظهر في أشكال شتی۔ فالنفاق والغدر والخیانة والتخاذل والانتهازیة والریاء والعلو والكبر والفساد، والتكالب علی الشهرة والمنصب والمال والإرهاب لیست إلا ثمراتها، والعقلیة المظلمة، والسلوك الغوي، والتعنت والتفرق، وضیاع الموالاة والتبري كلها من نتائجها۔
والذي یشاهد واقع المسلمین الذین لهم عقلیة حركیة، وسلوك عصراني في أي بلد وبأي اسم یعرفون ،لهم مساهمة فعالة في معركة المصالح، وكذلك یقطفون جمیع أثمارها التي ذكرت۔ فغلبتهم نشوتهاوسكرها فلا انقطاع وهم یلتذون بلذتها وزین لهم الشیطان أعمالهم فیرون مؤامراتهم ضد المسلمین والحكومات والمجتمعات جهادا ومجاهدة وضغائنهم إخلاصا ونصحا، وعداوتهم مصادقة، ومكائدهم حكمة وبصیرة، وخیانتهم حقا وأمانة مهضومة۔
۱۳ـ وخیمة معركة المصالح المادیة
لا یخفي علی أحد أن هذه المعركة هي أكبر عمل الآن في مجتمعات المسلمین في أنحاء العالم كلها۔المعركة في الداخل فاشلة، والمعركة في الخارج علی قدم وساق بكل ضراوة، والمعركة الحزبیة باسم الإسلام دامیة وأهلها یدوسون جمیع القیم، والمؤمرات قائمة، والحقوق ضائعة، والفتن عارمة۔ والتباغض والتشاحن شحن القلوب، والمكائد وتعلیلات لها ملأ العقول والأذھان۔ و’’الصلحاء‘‘ و’’الأتقیاء‘‘ و ’’المفكرون‘‘ الذین یُعدون علی أساسها یكثرون۔ ولیس هناك مجال لرفع كلمة الحق، والإنكار علی هذه الأعمال التی زینها الشیطان حتی أن الكنایة والرمز علی رموز المصالح وأعلامها تعد من المس بالكرامة والتجریح بهم۔ وإنها ستكون أكبر جریمة من القتل والإلحاد والشرك والبدعة وإن نار العداوة تضطرم وتضطرم حتی تكون كأنها قطعة من نار جهنم یعذب فیها من یقترب منهم، ویستاء منهم، ومن تصرفاتهم الباطلة۔
لقد ضاعت صیحات الصحوة، وإن أصحاب هذه الصیحات، ومراكزها أصبحت مشكلة كبری للفرد المسلم والمجتمع المسلم۔ لقد انحطت الأعمال الإسلامیة، والدعوة الإسلامیة وانحطت وانحطت حتی كأن المؤمرات الحزبیة حلت محلها۔ والتربیة الإسلامیة وإعداد الفرد الصالح والمجتمع الصالح في المعاهد فكأنها تعتزم علی إعداد الرجل المتآمر والفرد الحزبي وإنسان المصلحة۔ ویبدو أن الرصید الإسلامي من تقوی وصلاح وتوكل وخشیة وحب وعقیدة جازمة إسلامیة، وإیمان كامل وطاعة ورغبة ورهبة وصبر وأمانة وتعاون على البر والتقوٰی، ومناصحة ومناصرة ومشاورة ووحدة و ۔۔۔۔۔۔۔۔لیست لها أیة قیمة، وإن المؤامرة والكید والاحتیال هي هي رصید الفرد المسلم والمجتمع المسلم وإن اصطیاد الفرض لحصول الامتیازات والثروات والمناصب والأموال هي الهدف الأخیر والعیاذ بالله۔
والمشكلة أن هذا الرصید المادي رصید البغي والفساد والمؤامرة یفتخر بها ویعلل لها تعلیلات كأنها هي المطلوبة دینا، ویرخی علیها ستار بكل حزم وتدبیر لتخفى على الناس أو تلوح للناس جهودا دینیة طیبة حسب القیم الإسلامیة۔ ویصادف الرفض والإنكار والرد من أنكر علی هذه التصرفات الجائرة، تصرفات البغي والفساد۔

الحواشي:
(۱) منهاج السنة النبویة ۱/۱۴۷، ۲/۳/۱۱۸۔
(۲) إعلام الموقعین ۳/۱۔
(۳) الأنبیاء : ۱۰۷
(۴)النحل:۶۴
(۵)المائدة : ۹۱
(۶)البقرة: ۱۷۹
(۷) المؤمنون: ۷۱
(۸) ص: ۲۶
(۹) الأعراف: ۳
(۱۰) النازعات: ۳۷
(۱۱) الموافقات ۲/۳۸۷
(۱۲) القصص:۷۷
٭٭٭

Leave a Reply

avatar
3000
  Subscribe  
Notify of