كلما كثرت وسائل التيسير وازدادت، ازدادت معها بعض المشاكل أيضا والعهد الذي نعيش فيه صار كقرية فليس هناك بعد أصلا، تلاشت المسافات وانقمشت الأبعاد وأصبح بوسع الإنسان أن يصل إلى حقيقة أي ركن من أركان العالم بمجرد ضغط زر على هاتفه النقال كما يستطيع أن يتصل بأي واحد من الناس بنفس العملية. ولا يفوتنا أن وسائل الترفيه قد تغيرت تغيرا جذريا فهناك مواقع التواصل الاجتماعي التي بها يمكن للمرء أن يفرح نفسه حراما أو حلالا فيشاهد الأفلام الوثائقية والأفلام الإباحية ويستمع إلى الأغاني ويستمتع ببرامج أخرى على يوتيوب وفيس بوك وتويتر وما إليه. بجانب هذه الأمور أصبح الوصول إلى العلم سهلا فإن المعارف قد فتحت أبوابها لكل من هب ودب على مواقع شبكة الانترنت والذي دفع بكثير من الشباب في خداع وحيرة والتباس من الأمر وهذا يتطلب عناية ورعاية فائقتين من العلماء الراسخين.
الإعراض عن العلماء: تواجد الوسائل الحديثة يجعلهم في غنى عن الأساتذة والعلماء الكبار فهم لا يحتاجونهم وكل ما يلزمهم هو الرجوع إلى مواقع النت للحصول على أية حقيقة، هذا ما يزعمه خطأ كثير من شبابنا اليوم وأفلح الشيطان فحول نعمة إلى نقمة وسهولة إلى صعوبة.
عدم الإصغاء إلى كبار السن والاستهزاء بهم: وليست المشكلة مع الأساتذة فقط فقد أصبح كبار السن أصحاب الخبرة والحلول في آرائهم لا شيئ أو كأنهم أثقال بدون أية قيمة حتى في أمور لها صلة وثيقة بالخبرة والتجارب.
المسارعة إلى الفتوى و القضاء: كما نشعر بأن الجيل الجديد في مسارعة في الإدلاء بالآراء في كل أمر حتى في القضايا التي يستصعبها أصحاب الخبرة والراسخون في العلم فهم لا يتفوهون بكلمة إلا بعدما يستعرضونه من كل جانب وأما الجيل الجديد فكأنه يعرف كل شيئ ولا يمنعه من إطلاق آرائه مانع ولذلك نراهم لا يتحرجون في تبديع أحد أو تفسيقه أو تكفيره.
قلة الدعاة العلماء و تكاثر غيرهم: وثمة مشكلة وهي ليست صغيرة فقد برز على الشاشات والمنصات دعاة لا يعرفون اللغة العربية ولا يستطيعون الاستفادة من الكتاب والسنة مباشرة غير أنهم أعطوا من حسن التقديم و استخدام الوسائل الحديثة شيئا كثيرا وهم على فئات فمنهم من يعمل في حقل الدعوة تحت إشراف من العلماء ومنهم من غرتهم الأهواء وبعض الصيت وإقبال العامة عليهم والذي يجعلنا نناقش الأمر بكامل الجدية أن عامة الناس وحتى المثقفين يميلون إلى مثل هولاء الدعاة أكثر.
والآن لو نظرنا في هذه المشاكل والأمور لرأينا أن سهولة الوصول إلى معلومات وتوافرها يلعب دورا هاما فالناس بضغط الزر على الجوال لا يعرفون الحديث فحسب بل ويصلون إلى أنه ضعيف أو صحيح، هناك تطبيقات تترجم النصوص وهم يعتمدون عليها وهذه الوسائل الحديثة من نعم الله علينا ولكننا في حاجة شديدة أن نعنى بطريقة استعمالها فمثلا لو أن واحدا بحث في النت حديثا ضعفه بعض أهل العلم كمثل الألباني فجعل الرجل يعارض به عالما قضى حياته في خدمة الحديث لأنه لا يرى نفس الحديث ضعيفا لا يجوز الاستدلال به، بدون أن يعرف مدى ضعف الحديث وأسباب ضعفه عند الألباني والطرق الأخرى للحديث يمكن أن يكون البعض منها صحيحا أو حسنا حتى عند العلامة الألباني أو هناك حديث بسند آخر بنفس المعنى وهو ليس بضعيف فهو لا يعرف هذه الأمور كلها غير أنه مصر على تغليط عالم أو تشهيره فهذا مما يستدعي منا الانتباه وليس من الضروري أن يكون العالم صحيحا في رأيه ولكن معارضته بهذه الطريقة خطيرة.
هذا وإليكم مشكلة أخرى ما زالت تزداد وتتفاقم يوما فيوما وهي التصنيف بين العلماء فالمناقشة حول من يتأهل لأن يؤخذ منه العلم من العلماء تمتد إلى أن لا يكاد يبقى عالما يتأهل له وهولاء الأحداث بدون أن يعرفوا أبجد الشريعة الإسلامية يحكمون ويقضون في هذه الأمور فيفصلون في الأغلاط الموهومة وبها يفتون بأن العلماء فقدوا أهليتهم.
وليس من المعقول أن نعرض عن هذه الظاهرة أو نأتي بعصا السحر ونقضي عليها مفاجئة وليس لنا سبيل إلا أن نجيد الطريقة المثلى للتربية الدينية نعالج بها هذه الانحرافات. وبما أن قضية التربية الدينية متعلقة تماما بالعلماء فعليهم أن يدركوا بعض الأشياء. فعليهم أن يعنوا بتقنيات جديدة ويعرفوا طرق استخدامها فلو أنهم ذهبوا ينقلون من فتاوى الشيخ ثناءالله الأمرتسري مثلا ويصدرون الفتاوى فالناس سيقدمون ما كتبه ابن تيمية وابن باز وصالح العثيمين وسيقدمون الأدلة من الكتاب والسنة فلا بد للعلماء إذن أن يزيدوا من معارفهم، ويدارسوا المسئلة المقدمة مباشرة، ويستعرضوا آراء العلماء فيها ثم بعد ذلك يصدروا الفتوى ولا يفوتهم النظر في شبكة الانترنت حتى يكونوا على علم بما كتبه أحد بغض النظر عن الصواب والخطأ لكي يتمكنوا من إرجاع الأمور إلى نصابها وبيان ضعفها وحقيقتها.
وعلى الأساتذة في المدارس الدينية ترسيخ الثقة والقوة العلمية في طلبتهم بتعليمهم طريقة الاستفادة من أمهات الكتب فلو كان اعتماد عالم على موقع خاص للنت فإن كثيرا من المثقفين سيتفوقون عليه ببيان المسائل الدينية وسيخسر العلم و الدين معا.
كذلك نحتاج إلى إعداد علماء يحملون العلم ويعرفون لسان القوم فهم قادرون على التكلم بالإنكليٍزية واستخدام الوسائل الحديثة بكامل المهارة وعرض المسائل في ضوء العلم والمعرفة بغاية من العقلانية والرزانة وبذلك سنفوز بإيقاف السيل العارم للدعاة غير العلماء الذين في معظم الأحيان يهدمون ولا يبنون.
وليس بخاف علينا ما نجده من شكاوى عامة في أوساط العلماء من عدم التقدير لهم وذلك أمر محسوس فقد أهمل الناس العلماء ولم يقدروا قدرهم ولكننا معشر العلماء يجب أن نعرف أن القضية لا تنحل بمجرد الشكاوى بل بالجهود وتقديم الخدمات ونظرا إلى ما أفسده الناس وخربه المثقفون علينا أن نضاعف من جهودنا ففي الماضي كان علينا إصلاح العامة ولكننا اليوم في أشد حاجة إلى أن نصلح العامة ومن خدعه شيطانه فأصبح من الدعاة يضل ويضل وهو لم يزل في طور المدعو وهذا بلا شك يقتضي مساعي حثيثة وصبرا وجلدا متفاقمين .
وفقنا الله لما يحبه ويرضاه.
Leave a Reply