لقد كان في قصصهم عبـرة

محمد عارف جميل المباركفوري القاسمي القرآن وعلومه

[نسجِّلُ شكرنا وتقديرنا لفضيلة الشيخ محمد عارف جميل القاسمي المباركفوري على إرسال مقاله الجميل لمجلتنا، وثقته بنا، فجزاه الله خيـرًا وبارك فيه، ونأمل منه الاستمرار والدَّيمُومة في تزويدنا بخواطره ومقالاته القيِّمتين. الشيخ القاسمي من العلماء المُتمكِّنين في مختلف العلوم من التفسيـر والفقه والأدب العربي، المُتحلِّين بالآداب الفاضلة، المتصفين بالزهد والورع، يمارس تدريـس الفقه والأدب العربي بالجامعة الإسلامية: دار العلوم، ديوبند، الهند، إضافة إلى مسؤولية مساعد تحرير لمجلتها "الداعي”. نسأل الله لنا وله التوفيق والسَّداد، إنه سميعٌ مجيبٌ.
(المباركفوري)]


حكى الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم قصص كثير من الأنبياء عليهم السلام، وفيها كثير من العبر والدروس، ومن هذه القصص قصة إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام. لقد عاش إبراهيم عليه السلام حياته كلّها ابتلاءً وامتحانًا من الله تعالى، وكان التوفيق الإلهي حليفه في كل ذلك؛ فقد ابتلاه الله تعالى بأمره بذبح ولده الأعز الذي رزقه في سنٍ متأخرٍ، وعلى شوقٍ كبيرٍ، وانتظارٍ طويلٍ، وبعد أن دعا الله تعالى أن يهبه ولدًا صالحًا يؤنسه في غربته، ويعينه على طاعة ربه و الخضوع له، والدعوة إليه؛ وذلك عوضًا عما لاقاه في قومه من المعاناة والأذى الكثير الذي يستنفد الصبر. فلما كبر إسماعيل وترعرع، وأخذ يذهب مع أبيه، ويمشي معه، أمرَ الله تعالى إبراهيم بذبحه، فقال تعالى:﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ [الصافات/ 102].
إنه لمشهد يتمـــزّق لـــه الكبد ويتشقّق، وتخــــور لـــه القوى وتنهار، و تتّطحم له العزيمة، ويقف له القلب عن الخفقان؛ فمن اليسير على المرء أن يقدِّم ما يملكه من غالٍ ونفيس؛ بل ونفسه التي بين جنبيه، وأما أن يترك فلذة كبـــــده فريســــةً للمكـــروه فمـا أعسره وأصعبه! إنه لايبالي بالقتال دونه مادام فيه عرقٌ ينبض، وبين جنبيه قلبٌ يخفق.
إن هذه القصة تعلِّمنا أنّ الإيمان يتطّلب التضحية: تضحية أغلى شيء يملكه الإنسان، وأن محبة الله وطاعته والاستسلام والانقياد له تفوق المال والنفس والولد، ونِعَمَ الدنيا كلها، وإلى هذا المعنى يشير النبي ﷺ بقوله: «فوالذي نفسي بيده، لايؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من والده وولده». [صحيح البخاري: (14)]، ومارواه عبد الله بن هشام رضي الله عنه، قال: كنا مع النبي -ﷺ- وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب ، فقال له عمر: يا رسول الله، لأنت أحب إليّ من كل شيءٍ إلا من نفسي. فقال النبي ﷺ: «لا، والذي نفسي بيده، حتى أكون أحبّ إليك من نفسك». فقال له عمر: فإنه الآن، والله، لأنت أحب إلي من نفسي. فقال النبي ﷺ: «الآن يا عمر». [صحيح البخاري: (6632)].
لِنَنْظُرْ كَمْ مِنَّا مَن يَضرب بأوامر الله تعالى وتوجيهات رسوله الكريم -ﷺ- عُرضَ الحائط لعَرض الدنيا وحطامها وشهواتها وأهوائها، فيُمـسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، ويُصبح مؤمنًا ويمسـي كافرًا أعاذنا الله تعالى منه.

Leave a Reply

avatar
3000
  Subscribe  
Notify of