شهر الله المحرم والمنكرات فيه

محمد غفران السلفي العبادات

شهرالله المحرم شهر مبارك عظيم، وهو أول شهر من شهور السنة الهجرية، ومن الشهور التي صرح التنزيل بحرمتها وحرَّم الظلم والعصيان فيها خاصة؛ قال الله عزوجل فى كتابه الكريم: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ} (التوبة :٣٦)
فما هي أشهر الحرم؟ هي أربعة شهور كما ورد في الحديث النبوي :عَنْ أَبِي بَكْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ؛ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ؛ ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ : ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ ".(صحيح البخاري، كِتَابُ التَّفْسِيرِ، سُورَةُ بَرَاءَةَ، بَابُ قَوْلِهِ : إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا. 4662)
قال الله تعالى فى الآية الكريمة بعد ذكر أشهر الحرم: {فلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ}.
فالحقيقة أن الظلم ممنوع كل وقت من الأوقات وفي كل شهر من الشهور، لكن حذَّر الله من الظلم والعصيان في تلك الأشهر لحرمتها وقداستها وعظمتها.
وبقي هنا سؤال! وهو ما المراد بالظلم؟
فالمراد بالظلم الجدال والقتال؛ كما قال الله تعالى : {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} (البقرة:٢١٧)
والمراد بالظلم أيضا إرتكاب معصية الله، لإن إثم المعصية يزداد فى هذه الأشهر. كما نقل ابن جرير الطبري رحمه الله فى تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: {إن الله حرم الظلم كل العام ثم خص من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حرما وعظم حرماتهن وجعل الذنب فيهن أعظم والعمل الصالح والأجر أعظم} (تفسير الطبري :١٠ /١٤٤)
فالواجب على كل مسلم أن يجتنب بمعصية الله كل العام عامة وفي أربعة أشهر من الحرم خاصة؛ لأن القلب يصدأ بمعصية الله والعدوان كما جاء في الحديث النبوي : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ زَادَ زَادَتْ حَتَّى يَعْلُوَ قَلْبَهُ ذَاكَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ : {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.( سنن ابن ماجة، كِتَابُ الزُّهْدِ، بَابٌ: ذِكْرُ الذُّنُوبِ:٤٢٤٤، والترمذي، أَبْوَابُ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَابٌ وَمِنْ سُورَةِ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ،٣٣٣٤، ومسند أحمد بن حنبل :٧٩٥٢، واللفظ لأحمد وحسنه الألباني)
ومن المعلوم أن بعض الناس يلبسون الثياب السوداء في شهر محرم الحرام وينوحون على شهادة حسين رضي الله عنه وهذا النوع أيضا من الظلم؛ كما جاء في الحديث النبوي : أَنَّ أَبَا مَالِكٍ الْأَشْعَرِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَتْرُكُونَهُنَّ : الْفَخْرُ فِي الْأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ، وَالِاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ ". وَقَالَ : ” النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا ؛ تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ ".(صحيح مسلم، كِتَابٌ الْجَنَائِزُ، بَابٌ التَّشْدِيدُ فِي النِّيَاحَةِ. ٩٣٤)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم بريئا عن هذا العمل والعاملين عليه: ” لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ ” (صحيح البخاري | كِتَابٌ : الْجَنَائِزُ | بَابٌ : ” لَيْسَ مِنَّا مَنْ شَقَّ الْجُيُوبَ ” ١٢٩٤)
تدل هذه الأحاديث على أن النياحة حرام وهي من أمور الجاهلية، لا تتعلق شيئا بالإسلام، فلا بد للمسلمين أن يجتنبوا عن هذه المنكرات والبدعات و الخرافات.
ومن المنكرات في شهر محرم الحرام أن بعض الناس يسبون و يلعنون و يطعنون على الصحابة رضي الله عنهم مع أن سب الصحابة والطعن فيهم حرام وقد لعن الله على من يسبونهم ويلعنونهم. قال الله تعالى فى سورة الأحزاب : {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا} (الأحزاب :٥٧)
وإيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يشمل كل أذية قولية كان أو فعلية من سب أو شتم أو تنقص له أو لدينه أو ما يعود إليه بالأذى.
ومن سب صحابة النبي صلى الله عليه وسلم فقد سب رسول الله وأذاه، لأن الصحابة رضي الله عنهم نقلة الدين عنه ومن سب رسول الله فقد استحق اللعنة من الله عزوجل.
وقال الله تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا و إثما مبينا} (الأحزاب ٨٥)
فالآية تدل على تحريم سب الصحابة رضي الله عنهم لأن لفظ المؤمنين أول ما يطلق عليهم وسبهم و طعنهم من أعظم الأذى.
وقد ثبت في السنة النبوية الصحيحة التحذير من الوقوع في سب الصحابة وتنقيصهم.
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين”.
(ذكره الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته ٦٢٨٥ وحسنه)
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي ؛ فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلَا نَصِيفَهُ ".(صحيح البخاري، كِتَابٌ، فَضَائِلُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ، بَابٌ؛ ٣٦٧٣)
فالحاصل أن سب الصحابة والطعن فيهم حرام في ضوء النصوص الشرعية، فالواجب على كل مسلم أن يحذر من الوقوع في ذلك ويعتقد حرمة ذلك، وأنه من أعظم الذنوب التي لا يقع فيها إلا رافضي ضال.
نحن أهل السنة نستغفر لهم ونذكرهم بقوله تعالى: {ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا في الإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف الرحيم}.

Leave a Reply

avatar
3000
  Subscribe  
Notify of