ما خلق الله من خلق صغیر أو كبیر إلا وضع له خصائص یعرف بها، هذه هي طریقة الحیاة، وهي التي تكون سببا لنفعه أو ضره، بقائه، أو فنائه، ازدهاره أو ذبوله، وهي ساریة علی المستویات كلها لایخلو عنها فرد أو دولة، رجال أو شعوب، مدن أو بلاد.
إن المملكة العربیة السعودیة أسستها الأبطال والشجعان والأسود الأذكیاء علی أسس من الكتاب والسنة لتحقیق مقتضیاتهما، وقد كانت فیهم جمیع المؤهلات التي تقتضیها إقامة دولة إسلامیة وإدارتها وتحقیق المصالح الإسلامیة ودرء المفاسد، وقد بذلوا جهودا قصوی لحصول المقاصد الإسلامیة ودرء المفاسد، وإنها أثمرت ثمارا یانعة، وآتت نتائج طیبة ممتازة، وكذلك تمیزت بخصائص أصبحت هویة لها تعرف بها، إنها خصائص دخلت في وجودھا، وامتزجت بتكوینها، وهي لاتخفى، وإن كان الغبار یثار حولها حینا بعد حین، والخصائص الكبری التي تمتاز بها عدیدة منها :
1 ــ الجدارة:
إن المملكة العربیة السعودیة أثبتت جدارتها عبر السنوات، وهي تثبت من نواح شتی، هاجت هوجاء وهبت عواصف لتعصف بها في عهودها المختلفة، ولكنها قامت كالنخلة لم تستطع اقتلاعها، ونشأت أزمة تلو أزمة، وثارت فتنة إثر فتنة، ولكنها خرجت منها باسلة ناجحة رافعة رأسها، بینما دول أخری دالت، وحلت محلها دول أخری، ودول تغیرت جغرافیتها وأهدافها وهویاتها، وحضارتها ولسانها، ودول امتدت ودول ابذعرت، ودول لها قواد دمروها وباعوها وأذلوا أهلها وخانوا وغدروا بها.
إنها خطت خطوطا لسیرها علی أساس منهج السلف الصالح، فسارت علیها سیرا حثیثا وتمادت في سیرها عبر العصور من غیر أن تمیل یمینا وشمالا، ومن غیر أن یتخلف أو یزیغ عنها، في المدة الطویلة لحكومتها هاجت زوابع الأباطیل وماجت أمواج الأفكار من رأسمالیة وشیوعیة في أشكالها المتنوعة وعلمانیة ودیموقراطیة، وأفكار وفلسفات شیطانیة في العلم والسیاسة والاقتصاد والاجتماع والأدب والثقافة والحضارة، وجاء دور الاستعمار، والعمالة، والتقلبات العسكریة والسیاسیة، وكذلك اشرأبّت العصرانیة والحركیة التي أشربت العلمانیة والغوغائیة والتكفیریة والخارجیة وغیرها من العِلّات والأمراض، واصطدمت بشواطئها ولكنها رجعت خاسـرة، إنها لم تلن أمامها، ولم تتخشع، كانت خطواتها تخطو إلی الأمام، وهي رابطة الجأش غیر هیابة ولارهابة، ولاتخفی علی أحد سواء كان من الأصدقاء والأعداء المشاكل التي وقع فیها غیرها من بلاد المسلمین وابتلیت بها خربت، وشرد أبناء ها وقتلوا، وعم فیها الدمار والهلاك ورادفتها التقلبات العسكریة والسیاسیة والفساد.
وكذلك أثبتت جدارتها أنها أدت مسئوولیتها الإسلامیة والبشریة، وأفادت المسلمین وعامة الناس بما في أیدیها، وسبقت مثیلاتها فی الإفادة، وهیأت جمیع التسهیلات العلمیة والصحیة والسكنیة لمواطنیها، قادت قوافل العلم والدعوة، وعمرت المساجد، وأقامت المراكز الإسلامیة عبر القارات ونصرت المظلومین المهلوفین، ووزعت الإغاثات في المصابین بالحوادث والزلازل والفیضانات وغیرها، ووفرت الأمن والاستقرار والرفاهیة لأهل بلدها، وأنشات ظروفا ملائمة لهم لیعیشوا فیها بالعز والكرامة، وضمنت لهم حقوقهم، وقدمت خدمات للحجاج لامثیل لها، وخدمت الحرمین الشریفین؛ فنظمت لهما أرقى نظام وأحسنه، حتی لاتبقی صعوبات وعراقیل في سبیل الحج والزیارة.
وجدارتها اتضحت بالتزاماتها بالمواثیق الدولیة، وحسن المجاورة مع البلاد المجاورة لها، وعدم التدخل في أمور داخلیة للبلاد، وابتعادها عن إثارة فتن، والتقلقل فیها، ومناصحتها لكل فرد وشعب وبلد خاصة للمسلمین والبلاد الإسلامیة.
وإن جدارتها تتضح خاصة لأولئك المسلمین الذین یعیشون مضطهدین في بلادهم محرومین من حاجاتهم الیومیة، أما أولئك الذین تلعب بأمخاخهم نشوة الحركیة والعصرانیة في المملكة، ویعیشون في عیش ورغد وترف ویتمتعون بتسهیلاتها الكثیرة الكثیرة؛ فتنشأ في عقولهم وقلوبهم الفتن، وإذا لم تجد طریقها لخروجها فتعود نفاقا، فیتظاهرون بالحب له ولولاة الأمر، ویتحرقون في أنفسهم فتغزو عقولهم وقلوبهم التكفيریة والخروج فیزداد تحرقهم، ولیس هذا إلا ضرب من العذاب لكفرانهم النعمة، ومحاولتهم لشق العصا وتمزیق الشمل والتناءي عن منهج السلف.
وجدارتها ثابتة من نواح شتی ومن كل مدلول سواء كان سیاسیا أو اجتماعیا أو دینیا أو قیادیا، والمناوؤن لها سیزداد ظهور فسادهم، وتتضح أمام العین فتنهم، وستتعری جمیع محاولاتهم الخبیثة إن شاء الله.
2 ــ القيادة الرشيدة :
هذه میزة كبری للدولة أنها سعدت بقیادة رشیدة، رشیدة في الأهداف والغایات، سدیدة في المنهج والطریق، قویمة في السیر والسلوك، سعیدة بالوحدة والتآلف، بعیدة عن الفرقة والانشقاق، مصانة من التكالب والتناحر والتجاذب، فلیست فیها مشاكل الغوغائیة ولا الجمهوریة الغویة، ولا الأیدولوجیات كثیرة التغیر وخلجاتها وتخرصاتها وتقلقلها، ولاالمؤامرات المدمرة المنهكة، ولا المنازعات حول كراسي الرئاسة والوازارة والعمادة والولایة علی مستویات مختلفة من القری والمدن والمناطق والمدیریات والولایات.
وهي رشیدة أمینة متواصلة تتصل حلقاتها بعضها ببعض لا فراغ فیها، فما سقط علم إلا قام علم بسهولة حسب الضوابط المنضبطة من غیر شجار ولاخلاف، كان الرشید استولی علی الأذهان ودخل في القلوب فیوحي إلی تنقل القیادة حسب دستورها، وكل عرف كیف یؤدي واجبه تجاه القیادة وتنقلها، فلا ضجیج ولاتصفیقات ولا النعرات ولا ضوضاء، وإنما الوقار والمسئولیة الجدیدة هي تستولی علی الموقف والواقع، ولیست هذه كلها إلا من مقتضیاتها.
والحنكة والبصیرة والمثابرة والصبر والأمانة والمناصحة كانت منذ البدایة من أوصاف القیادة الرشیدة، فلم تكن عرفت یوما ما بالمثیرات والمزعجات والتهورات، والعاطفیة ، إنها انطلقت من منطلقات الدین والشوری والمناصحة والخیر، والتعامل والنشاطات السیاسیة والاجتماعیة والاقتصادیة والخیریة تشهد علیها.
3 ــ العلماء المخلصون :
كان من حظها السعید أن العلماء المخلصین أرشدوها إلی الحق والقسط، وأخلصوا لولاة الأمور وأدوا واجبهم تجاهها من تسدیدها وأمروا فیها بالمعروف، ونهوا عن المنكر، وربوا الشعب وزكوا نفوس الناس بخطبهم وكتبهم وفتاواهم ونصحهم، وإدلاء آراءهم وتقدیم بحوثهم حول المسائل المتجددة، والمشاكل والفتن والقلاقل وحول المشكلات الاجتماعیة وغیرها، ولیس هذا بخاف علی أحد من له قلب واع لم یتلوث من الغوغائیة والحركیة، أنهم من أخلص الناس وأعمقهم علما، وأتقاهم قلبا، وأتقاهم لله وأصدقهم لهجة، وأثقبهم نظرا، وإنهم كانوا جزءا أو وحدة من وحدات الدولة، وهي كلها متعاضدة متناصرة لم تكن واحدة منها متنافرة عن غیرها، فكان العلماء جهودهم كلها ملتصقة بسلسلة جهود الوحدات الأخری، وهي التي تقوت بها وتعاضدت فیما بینها، فكانوا عماد الدولة وكانت تستفید منهم، وتستضيء منهم، وتتشاور معهم في كل صغیرة وكبیرة، ولم یكن هناك ضغوط علی العلماء لتحقیق الرغبات والأهواء، ولأنهم كانوا من الذین یستعدون لتحلیل الحرام وتحریم الحلال كما یقع في البلاد الأخری التي یتمایل أهلها بأنها دیموقراطیة، والتي یتمناها الحمقاء من المسلمین في بلاد الخلیج.
إن العلماء السعودیین المخلصین لیس لهم نظیر في العالم كله، والنفع الدیني الذي عم بهم في العالم كله قل له نظیر في التاریخ الإسلامي، وقد هدی الله بهم أجیالا متعددة، وخرقت إرشاداتهم الحدود الجغرافیة كلها، ووصلت أضواء ها إلی الزوایا والخبایا وإلی العباد والبلاد والقری والمدن في لغات شتی في صور شتی، وهم كانوا كنزا للدولة، والغوغائیون منهم فیها الذین یبحثون بدیلا عن الدعوة السلفیة ویرجحون الغوغائیة ویمیلون إلی الإرهابیة والتكفیریة، ویتمایلون بالعصرانیة ویتلبسون بالنفاق فهم كالمهلك الرمادي (Gray Goo) أعاذنا الله منهم و أعاذ الدولة.
4 ــ المنهجية :
ومن أهم خصائص المملكة منهجیتها، إن الدولة السعودیة في مراحلها الثلاث انتهجت منهج السلف الصالح، وإنها لم تخرج عن طریقتهم، وذلك أنها تستفید من مصادر الدین الكتاب والسنة، وتعتبر بفهم السلف الصالح، ولیست المناهج الأخری معتبرة عندها فجمیع المناهج، المنهج السیاسي والمنهج الصوفي والمنهج العقلاني والمنهج التقلیدي المذهبي، والمنهج الإلحادي أو الغربي مرفوضة لدیها، وإنما المنهج السلفي هو المعروف والمعتبر عندها.
وكذلك منهج الحكومة فیها السماحة، فالذین یحمدونها فإنهم یستحقون عندها التقدیر إذا كانوا یتأهلون بالجدارة، والذین أصبحت سیماهم الانتقاد الجائر بها فإنهم أیضا یستحقون اعتناءها إذا كانوا یستحقون التقدیر، فالعالم كله یستمتع بخیراتها إذا استحق بها، فلیس هناك حد فاصل بین الذین یسوغ التعامل معهم، وبین الذین لایسوغ التعامل معهم بتاتا كما كان حال الشیوعیین أو كما هي حال الفرق الباطنیة وكما هي حال العصرانیین الذین لیس عندهم الا النفاق في التعامل معها.
ومن منهج الحكومة أنها تفي بالعهود والمواثیق المحلیة والدولیة ولا تنكثها في أیة حال من الأحوال وإن كانت الدنیا كلها تفي بما یرجع بالفائدة إلیها، والتي تضرها تُعرض عنها وتلقیها وراءها ظهریا والعالم یشاهد مآت وألوف من المواثیق والعهود ینكثها دول كبری ودول صغری علی السواء، وفي وفاءها ربما تستهدف باللائمات والشتائم والهواجي من المسلمین وغیرهم، ومن منهجیتها أنها تكتفي بالشریعة الإسلامیة، وتفتخربها، ولا تبتعد عنها في أي حال من الأحوال، وقد استمرت في اكتفاء ها بها في مراحلها الثلاث، وقد رأی المسلمون وقرأوا تاریخ البلاد أنه لم تقم دولة واحدة للمسلمین مثلها في الفترة الكبیرة التي تتواصل فیها، فدولهم تغیرت أشكالها حسب أهواء الزعماء ولا تزال تتغیر، ولكن منهجیة دولة التوحید لا تتركها أن تتبدل فأتی ملوك وذهبوا ولكنها هي هي في جوهرها ومادتها الدینیة.
وهذا شيء كان مُوجبا علی المسلمین علی الإطلاق أن یقدروها حق قدره ولكن أكثرهم في طول فترة حكمها ما عرفوا قدرها، ورأوا لزاما علیهم شتمها وإهانتها ونشر الأراجیف ضدها، وزاد استهتارهم بها، فیا لسوء حظهم ویا لغباوتهم وبلاهتهم.
ومن منهجیتها أن الثوابت من الإسلام تبقی فیها ثابتة لایستطیع أحد أن یتعرض لها، والمتغیرات لا تتجمد ولاتصنع من نفسها موضع الثوابت، فالنوازل التي لها صلة بالمتغیرات تجد أهمیتها فیها كما تستحق.
5 ــ الامن والإستقرار :
إن البشریة جمعاء تتعطش إلی الأمن والإستقرار، والدنیا تحاول اصطناعهما أو تخطط لأمن صناعی؛ إما بقرارات سیاسیة أو قانون شیطاني وإما بتعزیرات جائرة خلال البرلمان أو خلال المحاكم الطاغوتیة، ولكن هیهات وهیهات أن تتمتع به.
أما الدولة السعودیة في الفترات الثلاث فان شعبها لم یحرم من الأمن، وإنها لم تفقد الإستقرار فما بسطت حكمها علی بدوی أو حضري علی قریة أو مدینة إلا أسرع لیستولی علیها ویظلل شعبها، ولم یتأت توفرهما إلا لهیمنة الشریعة علی الشعب والدولة، وإذا كان الحاكم عادلا والمحاكم مقسطة، والشعب مغیارا شجاعا یخاف الله والشریعة منفذة فإن الأمن والاستقرار یرفلان في الدولة، وهي كلها كالشروط لتوفرهما فاذا اختل شرط منها تغیبا أو ینتقصان قدر ما ینقص شرط من الشروط، وإذا نقارنها بدول أخری فإننا نجد أنها تنفق أموالا باهظة علی حصول الأمن والاستقرار، ولكنها تخفق في أهدافها إخفاقا، وإننا نری أن الدول التي تحتذي في السیاسة والرفاهیة، والرقي، والثروة والقوة وتشتهر برقعاتها الواسعة المترامیة الأطراف، ونظامها المحكم الدقیق، وأدوات الحكم المترقیة وجواسیسها، ومحاكمها الكبیرة، وقضاتها المحنكین، وحراستها القویة، وحراسها الكثیرین ومعتقلاتها الكثیرة، وقوانینها العجیبة والعویصة، فشلت في توفیر الأمن وحصول الإستقرار فالقتل، والفتك، والزنا والاغتصاب والسطو علی الأعراض، والغش والرشوة والمخادعة وغمط الحق، والإرهاب، والإفساد، والسرقة وجمیع الجرائم الصغیرة والكبیرة عامة فیها علی مستوی الفرد والجماعة.
أما المملكة فانها بخصائصها الإسلامیة، وشروطها تمكنت من توفیر الأمن، وحصول الاستقرار فلا توجد الجرائم التی فشت في غیرها وعمت، وكان هذا سببا لفرح المسلمین واستبشارهم ونموذجا حیا في أحلك الزمن وأظلمه.
ولایتوفر الأمن والاستقرار لأن الدولة والشعب فی تهین من اعتداءات دولیة أو محلیة ونشوء الفتنة والفساد الداخلی أو خروج المفسدین علی النظام، ولأن الأرواح والأعراض والأموال فی تمتع من الازهاق والهلاك والدمار والاستلاب والنهب، وإنما مسألتهما تعددیة، بجانب هذه التحصینات والتمنعات یجب توفر الصدق والإخلاص والأمر بالمعروف والنهی عن المنكر وشیوع الخیر، إذا تحققت هذه كلها فالأمن یتوفر، والاستقرار یتحقق، وتعم خیراتهما، تزدهربهما جمیع جوانب الحیاة.
إن القوانین الطاغوتیة، والثروة والرفاهیة والنظام الدقیق، وأدوات المخابرات والاستخبار والسلاح والقوات القمعیة والدفاعیة لن تضمن لهما، هل یُرجی في ظروف الكفر والعصیان والفسوق والفواحش والزنا والنهب والقتل أن یتوفر الأمن ویعم الاستقرار كلا والله لایعم ولایتوفر.
6 ــ كثرة اعمال الخير :
إن الدولة السعودیة لم تؤسس إلا لنشر الاسلام، وهدایة المسلمین وخدمتهم، إنها لم تقم لإحراز الأموال، وجمعها وتكدیسها أساسا، بل كانت من أهدافها أن تخدم الاسلام والمسلمین، وقد نجحت في هدفها.
إنها أنجزت أعمالا كثیرة في صور شتی، إن منطقة نجد وماجاورها لم تحظ باهتمام الملوك عبر العصور الإسلامیة، إنها كانت هملی في العصور الأمویة والعباسیة والعثمانیة كلها، وكان الباطنیون أو العشائر والقبائل هم المهیمنون علیها، وكانت من أبعد البلاد في الرقي والتقدم، وكانت غارقة في الغوایات والضلالات وكانت المقاتلة، والطائفیة والاستفزازات والمصادمات هي أكبر خصائصها لكن الدعوة الإسلامیة الصحیحة غیرتها كلها فأصبحت مركز الحضارة والثقافة والرفاهیة، وجعلت جمیع الخیرات وجمیع القوافل الدولیة والمحلیة تمر بها، وهل من الممكن أن یقیس المرء هذه الظروف والأحوال قبل الفترة السعودیة وبعدها علی مقیاس الأفكار البشریة، ویقول إن التحسن في أحوال المنطقة والتغیرات الطیبة فیها كانت موجودة كلا ! إن بركات الدعوة الصحیحة هي التي جعلتها أرض الأمن والاستقرار والرقي والتقدم.
والعجب من المسلمین الذین یسبون الإمام المجدد وأعوانه من الملوك ویفسقونهم ویكفرونهم خاصة في شبه القارة، والحال أنهم في تدهور مستمر مع كثرتهم وموزعون في بلاد ثلاثة ودخلت بینهم جمیع الخرافات والغوایات.
نعم ! إن دولة التوحید أنجزت أعمالا كبیرة كلها خیر، وهذه كلها تمت مع قلة الأسباب والمؤهلات، وفي فترة قلیلة قلیلة جدا، وفي أرض أكثرها قاحلة صحراویة، فكأنها كلها أصبحت معجزة علی الرمال، ولهذه الأعمال الخیرة وجوه شتی :
أولا: إن الدولة وحدت الجزیرة العربیة كلها أول مرة بعد الخلافة الراشدة، لقد كانت قبل تكون الدولة السعودیة ممزقة بین دویلات وأمارات كثیرة، وكانت الأصقاع البعیدة منها أوكارا للباطنیین والضلال لعدم اعتناء الحكومة المركزیة بها لبعدها، ولقلة العائدات المكوسیة، وكان هذا التشتت والفوضی واللاقانونیة سببا كبیرا للفساد والتدهور فیها، فكان من أعمالها الكبیرة التی أنجزتها، توحیدها تحت رایة واحدة، واقتلاع جذور الفساد فیها، إنها لم تكن باغیة ضد الدولة العثمانیة، بل فعلت ما لم تفعلها في العصور من أداء الوجبات الدینیة، تجاه المسلمین في الجزیرة، وتوحیدها لم تكن سهلة فلو لم تكن الدعوة صحیحة والهمم عالیة، والجهاد مستمرا، والشریعة منفذة لم تقم للسعودیین دولة قائمة، لقد واجه السعودیون وأنصارهم ودعوة الشیخ الإمام المجدد مشاكل كبیرة فكان المسلمون عامة ضدهم وكانت الدولة العثمانیة تبدی العداء، وكان الشیعة في إیران وغیرها یتربصون الدوائر بهم، وكانت حكومة مصر ووُلاتها یحار بونهم، وكان الاستعمار البریطاني یؤلب علیهم الناس في مستعمراته، وكان الأمراء للإمارات فیها والقبائل ومشائخها یقومون ضدهم، وقد أتت فترات انكمشت فیها دولتهم أو انتهت ولكن تراجعت بعد فترة قصیرة.
في ظروف هذه المؤامرات، وتدهور حال المسلمین، وتسرب العهن الیهم، وضیاع الأمانات والذمم، استطاع السعودیون أن یتغلبوا علی جمیع المشاكل بعون من الله ونصرته، فا متدت دولتهم إلی أقصی حد من الجزیرة وازدهرت، وها هي تشار الیها بالبنان وهي في ازدهار متواصل مع كثرة المخاوف والمشاكل.
ثانیا: إنها رتبت ترتیبات أولیة لنظامها، فآثرت أن تھییء الأمن والاستقرار في الدولة، فیأمن الناس، وتستقر الأحوال السیاسیة، فتغلبت الدولة علی الظروف واقتلعت الفتن والفساد، واعتاد الناس علی الطاعة، وجعلوا یكرهون الفرقة، ویحبون الجماعة.
ثالثا: العدالة والنصفة شيء فیه حیاة الشعوب والأفراد، وإن الناس عامة یشتد احتیاجهم إلیها، وإنهم فطروا علی التمتع بها و اذا أعطت دولة ما كل ذی حق حقه، وانصفتهم فهي دولة ممتازة تستحق التواصل والدوام وطاعة الناس، وهم یطیعونها من غیر تلجلج وتوقف وهذا اذا كانوا باقین علی فطرتهم، وعاشوا في حالة فطریة أما اذا كانت الفطرة فسدت، والسلیقة تغیرت، وغزتها الأفكار الوافدة فلیست هذه حالة فطریة وإنما هي حالة فاسدة، في هذه الحالة یطلبون بدیلا عن ماهم فیه من مباهج ومسرات ومفارح وحبور ونعمة، والبلهاء یتقدمون في بلاهتهم في طلب البدیل الأجنبی،
نعم العدالة تحققت في الدولة، وجدها الناس من غیر أی ثمن، وجدوها مجانا لأن الشریعة وفرت العدل للناس مجانا فلایستطیع أحد فیها أن یغمط حقوق الناس، ویعتدی بعضهم علی بعض، ویلعب بأعراض الناس ویسلب بعضهم أموال بعض، العدالة غالیة في نفسها، ثمینة في ذاتها ولكنها رخیصة في توفرها للناس، بینما هي رخیصة في نفسها في البلاد الأخری غالیة في توفرها لشعبها فالمحاكم الشرعیة عملا علی ضوابطها تحكم بین الناس بالحق في أسرع وقت وفي أسهل صورة، أما المحاكم العلمانیة فهي تنشأ المحاماة والمحامین ومهنة شیطانیة وتصبح أوكارا للشیاطین للغش والخداع.
وكذلك الدولة تعطی لمواطنیها التسهیلات التعلیمیة والصحیة وجمیع مایمكن لها، فلیس هناك ضرائب والجمارك والمكوس ولیس هناك قروض ربویة، ولا القمار، ولا القوانین الجائرة التی تصدرلابتزاز أموال الناس، والإستبداد بهم.
رابعا: ترقیة البلد علی أسس ثابتة، وإنشاء المؤسسات الصناعیة والتعلیمیة والزراعیة والتجاریة والإدارات الاقتصادیة والجامعات وغیرها، والمؤسسات الأخری التی تفی بحاجة الشعب للرخاء والتقدم وهذه كلها تتم مع المحافظة علی الدین والأخلاق وحقوق البشریة من غیر تغیر في الثوابت مراعة للتعالیم الإسلامیة، فلایكون الرخاء والتقدم علی حساب الثوابت الدینیة، وإنما یبنی التقدم والرقی علی الإجتهادات والمستنبطات المباحة او اللازمة، إن المادیة لا تسمح أن تطغی علی القیم الدینیة والأخلاقیة والقیم البشریة ، هذه هی الفروق الكبیرة بین الرقي والتقدم في السعودیة، وبین الرقي والتقدم في غیرها وهي أشیاء هامة یجب أن تاخذ حیزا كبیرا ومساحة كبیرة فی الفكر الإسلامي، ولكن عشوائیة العصرانیین تفتی بهدرها وعدم الاعتناء بها.
7 ــ الدعوة إلي الله :
إن الدولة السعودیة في عصورها المختلفة حسب مؤهلاتها اعتنت بنشر الإسلام في البلد وفي العالم كله والدعوة إلی الله، وذلك بطرق شتی :
ــ إنشاء هیئة الأمر بالمعروف والنهی عن المنكر في المملكة، ومسئولیتها مراقبة الشعب في الأمور الدینیة، وتوعیتهم بتعالیم الدین.
ــ القضاء والإفتاء، إفتاء العلماء خلال دار الأفتاء وفرعها والتوعیة حسب نصوص الكتاب والسنة، ورفض التقید بمذهب والتعصب له، والقضاء في المحاكم الشرعیة حسب الأحكام الإسلامیة الواردة فیهما من غیر تفرق بین الكبیر والصغیر، وبین الفقیر والغنی.
ــ إصدار المجلات والجرائد الدینیة، وقنوات التلفزیون.
ــ الخطب والمواعظ في مساجد المملكة حسب خطة مدروسة من قبل الحكومة، والمحاضرات للعلماء الكبار، ودروس الفقه والتفسیر والحدیث في المساجد الكبیرة.
ــ طبع البحوث الخاصة، والكتب المصدریة والتوجیهیة وتوزیعها في داخل البلد وخارجها وكذلك طبع الفتاوی والرسائل الصغیرة والكبیرة وتوزیعها بین الناس وكتب متنوعة كثیرة في مواضیع كثیرة للاحتفاظ علی منهج السلف الصالح، وتعمیمه.
ــ طبع التفاسیر والترجمات القرآنیة في لغات شتی في كمیة كبیرة لم یشهد التاریخ مثلها وقد تم توزیع ملایین وملایین نسخة منها.
ــ تدریس المواد الدینیة في المراحل المختلفة حتی الثانویة علی مستوی البلد في التوحید والفقه والتفسیر والحدیث والسیرة والتوجیهات الدینیة الأخری والمعاهد والجامعات الخاصة بها، والموضوعات الدینیة في أقسام خاصة بها في الجامعات كلها.
ــ المیادین الخاصة بالتعلیم والعمل للبنین والبنات.
ــ فتح الجامعة الإسلامیة بالمدینة المنورة وتعلیم المراحل المختلفة من المتوسطة حتی التعلیم العالی لطلاب العالم كله، وفوائدها باهرة ظاهرة للعیان،وجامعات وكلیات اسلامیة عدیدة.
ــ بناء المساجد في المملكة وفي العالم كله.
ــ إنشاء مراكز ومدارس وتحفیظ القرآن في الداخل والخارج.
ــ إرسال ألوف من الدعاة علی نفقات الدولة خلال إداراتها المختلفة.
ــ إنشاء رابطة العالم الإسلامي وخدمة الإسلام والمسلمین خلالها.
ــ إنشاء ندوة الشباب وخدمة الإسلام والمسلمین خلالها.
ــ مؤسسات أخری حكومیة وشعبیة لخدمة الإسلام والمسلمین مثل مؤسسة الملك فیصل.
ــ هیئة كبار العلماء التی ترشد الشعب والدولة في النوازل وفي الأمور الهامة، تشترك في عضویتها العلماء الكبار.
ــ مبرات مختلفة، وهیئات مختلفة.
ــ تبرعات الأسرة المالكة الكبیرة الكثیرة.
ــ بناء المركز لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وفروعها العدیدة بـجدة.
ــ فتح الملحق الثقافي والدیني في سفارات المملكة وخدمة الإسلام والمسلمین الكثیرة الكثیرة خلالها.
ــ إنفاقها في استرداد حقوق المسلمین من المغتصبین.
ــ إدارة الحرمین الشریفین وخدمة الحجاج خلالها.
ــ الإغاثات في النكبات للمنكوبین، والمعونات التی تقدمها للعالم الإسلامي وغیره.
ــ وزارة الشئون الإسلامیة والدعوة والارشاد والأوقاف ومجمع الفهد الإسلامیة لطباعة القرآن والسیرة النبویة.
ــ وزارة الحج وأداء المسئولیة الكبیرة تجاه الأمة خلالها.
هذه صور شتی لدعوتها إلی الله وخدمة الإسلام والمسلمین، وفي جمیع هذه المؤسسات وبجمیع الوسائل الموجودة فیها تنجز الأعمال الدینیة في أحسن صورة وأتمها ولو وضعت جمیع الخدمات الدینیة التي تقدم المملكة إلی الأمة في كفة، ووضعت خدمات غیرها شعبا وحكومة في أخری لرجحت كفة المملكة، ولو نقرأ التاریخ لنجد ان الملوك والأمراء لم تتأت لهم هذه كلها بل عشرها، ولكن یا لخیبة الخانقین من المسلمین وغیرهم علیها أنهم یسلكون دائما تجاهها سلوك العِدی.
8 ــ غاية نبيلة :
لم تكن الدولة السعودیة همها الدنیا یوما ما، إنها وضعت أمامها هدفا نبیلا ألا وهي الصلاح في الدنیا والفلاح في الآخرة، هذه الغایة النبیلة هي التي تبنی سیرة الملوك والأمراء فیها، فهم مع كونهم في التنعم والعیش الرغید والمال الوفیر، وأسباب الرخاء لا ینسون حظهم من الدنیا، وحظهم من الآخرة، وللحصول علیهما یسعون دائما إلی أن یستقیموا علی الصراط المستقیم، وینتهجوا علی منهج السلف الصالح ویلتزموا بالدین في أعمالهم الخاصة وفي سیاسة البلد، وإدارة شئونها.
وإننا نری أن المسلمین في العالم یجمعون الأموال الوفیرة ویضیعونها في غیر طائل، وإن الدول الإسلامیة عامة لاهم لها بغیر نفسها، في خضم هذه البلاد المنطویة علی أنفسها نری الدولة السعودیة تهتم بالمسلمین في العالم كله، وما حالف النبوغ والكمال دولة إلا ایاها.
فأموالها تذهب الی خدمة الإسلام والمسلمین والبشریة كلها، بینما أموال أكثر البلاد إن خرجت من أیدی الاثریاء فانها تذهب في شراء الضمائر، وتألیب البعض علی البعض، والإستبداد بالناس.
وبما أن لها غایة نبیلة فان السماحة أیضا موجودة في حكامها وعلماء ها وشعبها، وهل من مثال توجد مثلها فيالشعوب الأخری، وفي البلدان الأخری، وفي حكامها.
هذه الغایة النبیلة، ونبل النفس، وجود القریحة، والعاطفة الدینیة هي التي حثت شعب المملكة وعلماء ها وحكامها علی أن یستضیفوا المطرودین المضطرین في البلاد الأخری، ویهیأوا لهم المأوی ویكر موهم مع ان عدیدا منهم أصبحوا كلا علیها، وأعدوا عددا من مواطینها فیهم الفساد والعصرانیة، وإنهم الآن تستروا بالنفاق والمؤامرة یحاولون لأخذ البدیل من غوغائیة وعدم الاكتراث بمنهجیة السلف الصالح، والاهمتام بالعقیدة، اللهم جنبنا من النفاق وكفران النعمة ومؤامرة المؤامرین.
ومن آثار الغایة النبیلة أنها تعفو عمن ظلم وتعرض عن كثیرة من الأبواق الكاذبة، والأراجیف المنتنة، والكتابات الجائرة، وقد شاهدنا أن جرائد الشیعة ومجلاتهم وكتاباتهم الكثیرة الكثیرة كانت تنشر وترسل حتی في البوادي والقری خلال سفارات إیران في لغات شتی وتوزع في أهلها الذین كانوا لا یعرفون قضیة الخمیني وثوریته وقضیة نجد، وإن المسلمین في العالم من أقصاه إلی أقصاه كانوا متاثرین بأكاذیبها وكانوا یتناغمون مع نغماتها ویرقصون علیها من الصوفیین والحركیین ویؤججون، ولكن المملكة لم تخرج من سجیتها ومرؤتها وأخلاقیاتها وصمدت أمام الباطل معرضة عن السفهاء مع أن الدول الصغیرة والكبیرة والمنظمات والأحزاب في العالم كله تحتفظ بكشوف الأوفیاء لها، ولا تألو جهدا في إحصاء هم واختبارهم.
أما المملكة فانها تفید المسلمین باسم الإسلام، وأخوة المسلمین في كل مكان وتعفو عن أخطاء هم، وربما ینافق الذین یسرون العداء لها ویذهبون إلیها كالأصدقاء ویخرجون عنها كالعدی، وهذا شیء یجب الحذر عنه، لان الأكالین والبطالین والأفاكین یتضاعف عددهم وهم سیحسبون نفاقهم حكمة ورذالتهم بصیرة وهي مضرة لها ولهم، وإن السلفیة تولد الحذرفی أهلهامن مثل هولاء ، والاستشعار بالحقیقة.
9 ــ التالف :
الوحدة بین الأسـرة المالكة والتآلف بینها وبین شعب المملكة شيء مثالی لا نظیر له، فمنذ تأسیس الدولة قل مارأی التاریخ الوحدة مثلها اللهم إلا في بعض الأحوال، والوحدة في الفترة الثالثة فهي مثالیة، وإن أُسسها تأصلت قویة فقد مرت علیها مأة عام فماصدر صادرفیها ولاورد واردعنها إلا من منطلق الوحدة، وإن إیران الثورة أشاعت أراجیف كثیرة عن المصادمات والخلافات عن الأسرة المالكة ولكنها كلها فشلت فی التاثیر علیها حتی عادت إلی وعیها أخیـرًا.
Leave a Reply