عقدُ النـيَّةِ على إطلاق مجلةٍ عربيةٍ في بيئةٍ أعجميةٍ حيث نشكو قلةَ القرَّاء وعدم توفُّر الوسائل المادية والمعنوية يُشبه نحتَ الجبال الراسيات أو حفرَ الآبار في أرض صَخريَّةٍ صُلبةٍ قاحِلةٍ، على الرغم من هذا وذاك أزمعنا على التغلُّب على المشاكل وتذليل الصِّعاب وركوب الأهــوال وتحمُّـل المخاطـر، إيمـانًا بأن الطريق الحق سيجد أعوانًا وأنصارًا، والنيةَ الصادقةَ ستشُقُّ سبيلها إلى قلوب المخلصين، المتفانين في النهوض بالأمة من الانهيار إلى صَهوة المجد، ومن الانحلال إلى رَبْوة القِيم السَّامية، ومن الانخفاض إلى سُموِّ الكرامة وتسنُّم العَظَمة.
نعم ! قمنا بإطلاق مجلةٍ عربيةٍ، ليست كمجلات تُصدر وصحف تُطلق وجرائد تُنشـر فتُباع، إنما هي حركةٌ، أنشئت للتجديد والإصلاح، ونهضةٌ أحدثتْ لإعادة الناس إلى مجدهم التليد وربطِهم بالمستقبل الزاهر القويم، وإيقاظِهم من سُباتهم العميق، وخلقِ الشعور بأنهم هم الوارثون للمجد العتيق، والمصلحون لما فسَد من أمر الأمة الإسلامية، وإخراجِهم من هُـوَّة الشقاق والنـزاع إلى الوحدة والتماسك والمحبة والإخاء والتوادد والتراحم والتآزر والتناصـر.
نعم ! لم نقم بإطلاق مجلةٍ عربيةٍ فحسبُ، وإنما هي دعوةُ التآخي والتآزر بين الأقلام الواعدة، وتوطيد علاقتِهم باللغة العربية وآدابها، والعناية بقضايا الأمة الإسلامية الهندية في ظروفنا المعاصـرة في مناحي الحياة المختلفة، بجعل الناطقين بالضَّاد فيها أن ينفُضوا غُبارَ الخمولِ عنهم و يمسَحُوا النوم عن مُحيَّاهم، وبتوفيـر الواحة العلمية والمحطة الأدبية لتتلاقح الأفكار وتحتك المشارب وتصادف الميول وتعانق الخواطر لنظفر في توليد أفكار أسمى وتحشيد أقلام أفضل وتجميع عناصـر أصلح. ومن ثم تنشأ منتدى العلم والفضل والثقافة وملتقى النبل والأدب والحضارة، وتكون نبراسًا للأمة الحائرة في فَلَوات الغفلة، ومصباحًا للتائهين في قواحل البلاهة والذُّهول.
نعم ! إنها حركةٌ نبثُّ بها روحَ الوئام والاحتـرام بين المستمسكين بذيول رسالة الإسلام الخالدة، وبين الأقلام التي تجري فتلْسَعُ، وتنهَشُ الأعراض وتقضِم، وتعَضُّ اللحموم الميتة في أجداثهم، وتتلاعبُ بأكفانهم البِيض المُغطَّاة من تراب التوقيـر وأخشاب التبجيل، وبين الأقلام التي تسـطُر فتتقيَّأ الأفكار الآجنة والميول الآسنة فتفسد البيئة وتُوصِب العقول وتُسقم الأذهان. أفكارٌ تتضارب ومشاربُ تتنازع وفهومٌ تتغاير لكنْ على القلوب أن تتقاربَ وتتماسكَ، وعلى النفوس أن تتآلفَ وتتواءم، فإنَّهم كالبُنيانِ يشُـدُّ بعضُه بعضًا.
إننا لا نغلُو في تخطيط أهدافنا ولارسم طريقتنا فنتحلَّق في سماء التمنِّيات، ولا نفرط فنيئَس، ولانؤمن بادِّعاءات معسولة تُثَـرثَر، ولا تبجُّحات مُبهْرجـَـة تُشَقْشَق، وإنما إنتاجاتنا من خلال صفحات المجلة تنطق نطقًا، وتُفصِح عن معالم أهدافها إفصاحًا، وتُتـرجِم عن غاياتها ترجمـة.
تسْعَدُ المجلة بتوجيه الدعوة إلى قادَةِ الفكر ورادَةِ العلم وطلبته وحــمَلة الأقلام للتعاضد والمساندة بإنتاجاتهم القيمة وخواطرهم الغالية لها، شَعورًا بفداحة المسؤولية وضخامتها، ويستعصي حملها بدونكم، والأمل منعقدٌ عليكم وعلى جميع الغيورين على دينهم الذي استمسكوا به، وعقيدتهم التي تشبثوا بها، أن لا يجعلوننا نتِـيه ونحـتَار.
ونؤمن ـ مُقرِّين بقلَّة زادِنا ووحشةِ طرقِنا ـ بأنَّ محبي العلمِ وعشَّاقَ الثقافةِ سوف يشجِّعوننا ويرحِّبون بجهدنا المتواضع بصدر رحْب وبقلب عطوف، معتقدين اعتقادًا جازمًا أنَّ هذه النبتة ستكبـُر وتظل كالدوحة الظليلة المورقة، وتصبح كالشمعة المحتـرقة التي تُنيـر الطرق باحتـراق نفسها لعابري السُبل المدلهمة البهيمة الحالكة.
