الفرق بين صلاة الرجل وصلاة المرأة

محمد أسلم المدني المباركفوري العبادات

بقلم: العلامة المحدث الشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله
نقله إلى العربية: الشيخ محمد أسلم المدني المباركفوري/ الأستاذ بالجامعة السلفية بنارس.


اعلم أنَّ فقهاء الحنفية (1) يذكرون في الصلاة وما يتعلق بها أكثر من خمس وعشرين فرقاً بين الرجل والمرأة، ولكنهم يذكرون خاصة في أفعال الصلاة وهيئة أدائها وكيفيتها هذه الفروق التالية:
1. لا تستحب للمرأة القراءة بالجهر في الصلوات الجهرية، بخلاف الرجل.
2. يرفع الرجل يده إلى الأذنين في ابتداء الصلاة عند التكبيرة الأولى والنساء يرفعن إلى المنكبين(2). ويستدلون بهذا الحديث أن النبي ﷺ قال لوائل بن حجر: ((إذا صليت فاجعل يديك إلى حـــذاء أذنيك، والمرأة تجعــل حـــذاء ثدييها)). أخــرجــه الطبراني في الكبير(3). وهذا حديث ضعيف لا يعتبر به.
يقول صاحب الجامع الأزهـــــر(4) عن هذا الحديث: أخرجه الطبراني في الكبير عن وائل بن حجر عن طريق ميمونة بنت حجر بن عبد الجبار عن عمتها أم يحيى بنت عبد الجبار، ولم تعرفا، وبقية رجاله ثقات. انتهى(5).
ولأنَّ الحديث في حد الفرق في رفع اليدين ضعيف، لا يستدل به. يقول الشوكاني: ولم يرو ما يدل على الفرق بين الرجل والمرأة في مقدار الرفع. وروي عن الحنفية أن الرجل يرفع إلى الأذنين، والمرأة إلى المنكبين؛ لأنه أستر لها. ولا دليل على ذلك(6). نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار (2/ 73).
3. يضع الرجل يده تحت السرة، والمرأة على صدرها أو دونه فوق السرة؛ لأنه أستر لها. والأحاديث الضعيفة الغير الصحيحة الثابتة عن النبي ﷺ أنه كان يضع يديه تحت سرته: حملوها في حق الرجال، والأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي ﷺ في وضع اليدين على صدره ﷺ جعلوها خاصة في حق المرأة؛ لأن مراعاة الستر أولى من مراعاة السنة، فيا للعجب(7).
4. تخفض المرأة في الركوع قليلاً، ولا دليل عليه، بخلاف الرجل فإنه يبسط تماماً بحيث يسنوي ظهره، لا ينكس ظهره عن رأسه ولا يرفعه بل يبسطهما.
5. يضع الرجل أكف اليدين في الركوع على الركبتين منفرجة غير ملاصقة، بخلاف المرأة فإنها لا تضعها منفرجة كالرجال.
6. تفرش المرأة اليدين مع الذراعين في السجود. وهذا لا دليل عليه، بخلاف الرجل فإنه يرفع ذراعيه عن الأرض.
7. لا تجافي المرأة إبطيها في السجدة، أي: تضم المرفقين إلى جنبيها. وهذا لا دليل عليه، بخلاف الرجل.
8. تضم المرأة بطنها بفخذيها في السجود، أي تخفض في سجودها بحيث لا تجافي بطنها عن فخذها بخلاف الرجل، فأنه ليس له مجافاة بطنه عن فخذه. ويستدلون على ذلك بحديثين:
أحــدهمـــا: ما رواه أبو داود في مراسيــــله(8) أن رسول الله ﷺ مـــرَّ على امرأتين تصليـــان، فقال: إذا سجـــدتمــا فضمـــا بعــــض اللحـــم إلى الأرض، فإن المرأة ليست في ذلك كالرجــــــل. هذا حديث مرسل(9). والمرسل لا يصلح أن يكــــون دليلاً ولاحجة (10).
والثاني: إذا سجدت المرأة التصقت بطنها بفخذها كأستر ما يكون لها. أخرجه البيهقي(11) وضعفه ابن عدي في الكامل(12) عن ابن عمر مرفوعاً. وهذا حديث ضعيف أيضاً.
9. تتورك المرأة بين السجدتين، وفي القعدة الأولى والثانية، بأن تخرج رجليها إلى الجهة اليمنى، وتجلس على إليتها اليسرى، بخلاف الرَّجل فإنه ينصب رِجله اليمنى في المواضع الثلاثة ويفرش رِجله اليسرى ويجلس عليها. والأحاديث الصحيحة التي ثبت بها أن النبي ﷺ كان يتورك.
والتورك: هو نصب الرِجل اليمنى والجلوس على الورك اليسرى بتقديم الرجل اليسرى إلى جهة اليمنى، أخرجه البخاري في صحيحه(13). أو إخراجها إلى الجهة اليمنى والجلوس على الورك اليسرى، أخرجه أبو داود في سننه(14) جعلوها في حق النساء للآثار التالية:
عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سئل كيف كان النساء يصلين على عهد رسول الله ﷺ، قال: كن يتربعن، ثم أمرن أن يحتفزن. أخرجه أبو حنيفة في مسنده(15).
قال القاري: أي يضممن من أعضائهن بأن يتوركن(16).
وعن نافع أن صفية كانت تصلي، وهي متربعة. أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه(17). وعن نافـــع قـــال: كن نســـاء ابن عمر يتربعــــن في الصــلاة. أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه(18).
فعلم من هــــذا بـوجـــود الفــرق بين جلســة الرجـــل والمـــــرأة، لكـــــن في صحيــــــــح البخاري: كانت أم الدرداء تجلس في صلاتها جلسة الرَّجل، وكانت فقيهة(19) أي: أن أم الدرداء الكبرى الصحابية أو الصغرى التابعية كانت تجلس جلسة الرَّجل بأن تفترش في القعدة الأولى، وتتورك في القعدة الأخيرة. فعلم من هذا أنه لا فرق بين الرجل والمرأة في الجلسة في الصلاة. ويذكر علماء الحنفيــــة فروقــــا آخر غيرهــا، ولكن الحقيقــة أن الفروق المذكــــورة بين الرجل والمرأة في أحكام الصلاة لا تثبت بأحاديث صحيحة(20).

الحواشي:

( ) ينظر: الفتاوى السغدية (1/ 71 – 72) وحاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح (ص: 209، 215، 217).
(2) شرح الوقاية (1/ 134).
(3) (22/ 19، برقم 28) وسنده ضعيف.
(4) هو: العلامة المناوي الشافعي، المتوفي سنة 1031هـــ.
(5) الجامع الأزهر (1/ 39) وضعفه ايضاً العلامة عبد الحي اللكنوي في عمدة الرعاية (1/ 134) واستغربه ابن الملقن في البدر المنير (3/ 463).
(6) ينظر: فتح الباري (2/ 259) قال القاضي خان في فتاواه (1/ 85): والمرأة ترفع كما يرفع الرجل. وهذا صححه العلامة ابن عابدين في حاشيته (5/ 279) حيث قال عنه: وهو من أهل التحقيق والترجيح.
(7) البحر الرائق (1/ 320) ومراقي الفلاح (ص: 209) مع الطحطاوي.
(8) أخرجه أبو داود في مراسيله، باب ما جاء في الدعاء (ص: 103) والبيهقي في السنن الكبرى (3/ 223). وقال الحافظ: رواه البيهقي من طريقين موصولين، لكن في كل منهما متروك. التلخيص الحبير (1/ 242) وضعفه العلامة الألباني في ضعيف الجامع (544). وهو مخرج في سلسلة الأحاديث الضعيفة (2652).
(9) لأنه من رواية يزيد بن أبي حبيب التابعي. التهذيب (11/ 318) روى عنه سالم بن غيلان التجيبي، قال عنه الدارقطني: متروك. ينظر: ميزان الاعتدال (2/ 113).
(10) ذكر الإمام مسلم رحمه الله في مقدمة صحيحه (1/ 132) أن المرسل في أصل قولنا، وهو قول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة. وكذا حكاه ابن عبد البر عن جماعة من أصحاب الحديث . . . وهذا الذي استقر عليه آراء حفاظ الحديث ونقاد الأصر وتداولوه في تصانيفهم. ووجه ذلك أنه حذف فيه راو غير معروف. وقد يكون غير ثقة، والعبرة في الرواية بالثقة واليقين ولا حجة في المجهول. التمهيد (1/ 8).
(11) (2/ 223) وضعفه.
(12) (2/ 631) في ترجمة الحكم بن عبد الله، أبو مطيع البلخي.
(13) في كتاب الأذان، باب باب سنة الجلوس في التشهد (828).
(14) في كتاب الصلاة، باب من ذكر التورك في الرابعــة (965) وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 181).
(15) (ص: 191) بسند ضعيف.
(16) شرح مسند أبي حنيفة (ص: 191).
(17) (1/242 رقم 2784).
(18) (1/242 رقم 2789). ورواه أحمد في مسائل ابنه عبد الله (ص: 71) عَنْ ابن عمر أنه كان يأمر نساءه يتربعن في الصلاة فلا يصح إسناده لضعف عبد الله العمري.
(19) (2/ 355) ووصله في التاريخ الصغير (ص: 95) من طريق مكحول عنها. ورجال إسناده ثقات، كلهم رجال الصحيح. وفي رواية له من طريق أخرى عنه: رأيت أم الدرداء تجلس. فالسند صحيح . . . وأم الدرداء هي الصغرى، واسمها: هجيحة، وهي زوج أبي الدرداء رضي الله عنه. صحيح البخاري باختصار السند للعلامة الألباني (1/ 257).
(20) قال سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله في فتاواه (11/ 79): الصواب أنه ليس بين الرجل والمرأة فرق، وما ذكره الفقهاء من الفرق ليس عليه دليلٌ . . . وحديث ((صلوا كما رأيتموني أصلي)). أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر، إذا كانوا جماعة، والإقامة، وكذلك بعرفة وجمع، وقول المؤذن: الصلاة في الرحال، في الليلة الباردة أو المطيرة (631) أصل يعم الحميع. والتشريعات تعم الرجال والنساء إلا ما قام الدليل عليه بالتخصيص.

Leave a Reply

avatar
3000
  Subscribe  
Notify of