الشیخ عبدالصمد الكاتب رحمه الله والتعریف بكتابه «كتاب الفرائض»

صهيب حسن المدني المباركفوري الكتب بين عرض ونقد

الشیخ عبدالصمد الكاتب رحمه الله
١٣٤٩ – ١٤٣١هـ
١٩٣١- ٢٠١٠م

اسمه ونسبه:
هو الشیخ العلامة الفرضي الأصولی: عبدالصمد بن محمد، الملقب بالكاتب بن محي الدین بن علوان الصغیر بن علی حسن تیّل الأصفري، و(تیل) من قبیلة الأصافرة.
مولده:
ولد الشیخ فی كدونغالور فی مقاطعة ترشور (جنوب كیرالا) بالهند، یوم السابع عشر من ذي القعدة عام ألف وثلاثمائة وتسعة وأربعین هجریة، الموافق الرابع من أبریل عالم ألف وتسعمائة وواحد وثلاثین میلادیة.
نشأته:
نشأ الشیخ فی بیت علم وفضل، إذ كان والده الشیخ محمد الملقب بالكاتب (١٣٠٣-١٣٨٤هـ) لكونه كان كاتباً للشیخ أحمد – رحمه الله – عالما كبیرا، وداعیا وخطیبا، من أبرز الدعاة إلى التوحید، وكان ذا حافظة قویة، إذ كان یحفظ ألفیة ابن مالك حفظا قویا حتی أنه كان یحفظها منكوسة، ویحفظ أیضا كتاب « المجموع شرح المهذب » للنووي، وكانت له جهود كبیرة في إنشاء المؤسسات التعلیمیة والمجلات العلمیة الدعویة في الهند، إذ أصدر مجلة « الإصلاح »، ثم مجلة « الإرشاد »، ثم مجلة « المرشد ».
وكان جد الشیخ عبد الصمد من جهة الأم الشیخ أحمد – رحمه الله – الملقب بـ « كُنِّيْ أحمد » من علماء الشافعیة الكبار، وله مؤلفات في الصرف والنحو وعلم الفلك، وكان الشیخ عبدالصمد یذهب إلی المدارس الدینیة وعمره أربع سنوات ونصف صباحا، وبعدها یتجه للمدارس الحكومیة لدراسة العلوم العصریة، وكان لهذه النشأة الأثر الكبیر في مسیره العلمي والدعوي والخطابي، إذ كانت أول خطبة خطبها وعمره آنذاك اثنتا عشرة سنة.
شیوخه في الهند:
أولهم والده الشیخ محمد الكاتب – رحمه الله – إذ قرأ علیه القرآن الكریم مرات، وتعلَّم منه شیئا من العربیة في صغره، ولم یقرأ علی أبیة كثیرا؛ لكثرة انشغال أبیه في المؤسسات التعلیمیة ولأسفاره للدعوية لشهر أو شهرین.
– شیخه وجدّه من جهة الأم الشیخ أحمد.
– قرأ القرآن علی الشیخ علي حسن.
– الشیخ عبد اللطلیف.
– الشیخ عبید الله.
– الشیخ جمال الدین.
– الشیخ سعد الدین بن أحمد المنكروي وهو شیخه وزمیله، وهو أسن من الشیخ عبد الصمد بخمسة عشر عاما.
قصة رحلته إلی المملكة العربیة السعودیة:
لمّا أراد والده الشیخ محمد الكاتب الحج عام (١٣٦٧هـ) ألف وثلاثمائة وسبع وستین للهجرة، وكانت الحجة الثالثة له، وكانت بالباخرة من ممبائي إلی جدة، وقبل سفره ذلك قال الشیخ عبدالصمد لأبیه: أرید أن أتعلم العربیة والكتاب والسنة في البلاد العربیة إما في مكة أو المدینة، ولقي هذا الطلب من أبیه قبولا وارتیاحا، ووعده بذلك، فلما جاء للحج، ووصل مكة استشار الشیخ عبد المهیمن أبا السمح، وأخاه الشیخ عبدالظاهر والشیخ عبدالله خیّاط – رحمه الله- وهم من أئمة الحرم المكي آنذاك بشأن المجيء بابنه إلی مكة، فأشاروا علیه بأن لا يرسله، ولعل ذلك لحاجته إلی من یرعاه في ذلك العمر فیما یظهر.
ثم ذهب الشیخ محمد بعد ذلك إلی المدینة، فاجتمع بالشیخ العلامة عبدالرحمن بن یوسف الإفریقي – رحمه الله- (مدیر دار الحدیث بالمدینة) فأخبره عن رغبة ابنه عبد الصمد في الدراسة في مكة أو المدینة، فرحب الشیخ عبدالرحمن الإفریقي بذلك وقال له: « أرسله وسیكون ابنا لي، وسأكون له الأب الثاني »، فكانت هذه فاتحة الخیر برحلته إلی المملكة العربیة السعودیة وطلب العلم فیها.
ثم علی إثرها سافر الشیخ عبد الصمد إلی المملكة العربیة السعودیة عام (١٣٦٨هـ) ألف وثلاثمائة وثمان وستین هجریة، الموافق عام (١٩٤٨م) ألف وتسعمائة وثمان وأربعین میلادیة، وكان هذا أول سفره للمملكة، وكانت أیام الحج، وعمره آنذاك ثماني عشرة سنة، ولما وصل المدینة توجّه لدار الحدیث التي كان یتولاها الشیخ عبدالرحمن الإفریقي وسلّم علیه، ثم سأل الشیخ عبد الرحمن أتعرفني؟ فقاله: أنت عبدالصمد بن محمد، وفرح بذلك، وقال: أنت ابني، وبعد مضيّ شهرین أصبح الشیخ یتحدّث مع زملائه بلهجتهم، وبعد سنتین قویت لغته العربیة جدّا.
طلبه للعلم وشیوخه في المملكة العربیة السعودیة:
لازم الشیخ عبد الصمد الشیخ العلامة عبدالرحمن الإفریقي، ولما رآه الشیخ من فصاحته جعله قارئًا له، وقرأ علی الشیخ عبدالرحمن «الموطأ للإمام مالك» كله، و «سنن النسائی» كله، وشیئا من «صحیحي البخاري ومسلم» ، و «مشكاة المصابیح»، و «مصطلح الحدیث»، و «بلوغ المرام» وشیئا من «نیل الأوطار»، وقرأ في المدینة علی الشیخ عبد الكافي وعلی الشیخ علی زنبویه- رحمهما الله- ، وفي عام (١٣٧١هـ) افتتح معهد الریاض العلمي واستدعي الشیخ عبد الرحمن الإفریقي للتدریس فیه، ودعا الشیخ عبد الصمد لسفره إلى الریاض، بل أرسل تذكرة السفر له، ولما قدم الشيخ عبد الصمد إلى الرياض درس فیها في المعهد المتوسط، ثم في الثانویة أربع سنوات ثم في كلیة الشریعة أربع سنوات، وكان تخرجه في كلیة الشریعة (التي تعدّ نواة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامیة) عام (١٣٧٨هـ) وكان من الدفعة الثالثة من خریجیها.
ومن شیوخه بالریاض:
سماحة الشیخ محمد بن إبراهیم آل الشیخ من خلال القراءة علیه في مسجده.
– الشیخ العلامة محمد الأمین الشنقیطي.
– الشیخ العلامة عبد العزیز بن باز، خلال تدرسه بالكلیة، كما كان الشیخ عبدالصمد قارئا له في الریاض خلال زیاراته في البیوت.
-الشیخ العلامة عبدالزراق عفیفي.
-الشیخ محمد عبدالوهاب البنّا رحمه الله إذ قرأ علیه من العلوم العصـریة الحساب والهندسة في المعهد بالریاض.
-وكان قد التقی بالشیخ العلامة حافظ الحكمي بالریاض أو في مكة (رحمهم الله).

أقرانه:
ومن أقرانه وزملائه في الدراسة:
– الشیخ العلامة محمد بن صالح العثیمین
-والشیخ عبدالله بن زاحم من أئمة الحرم النبوي
-والشیخ العلامة صالح الأطرم
-والشیخ عبد الله بن فنتوخ
-والشیخ محمد بن ردن (رحمهم الله جمیعا)
ومنهم فضیلة الشیخ عبد الرحمن البرّاك.
ومن زملائه وقتا طویلا في كلیة الشریعة بالریاض، وفي معهد، وفي صامطة، وفي المدینة، إلى حین موته، وهو من شیوخه في الهند أیضا الشیخ سعد الدین أحمد المنكروي – رحمه الله- وهو من الأعضاء الذین أسسوا الجمعیة السلفیة في كیرلا، وكان أستاذا فیها، وفیها تلمّذ الشیخ عبدالصمد الكاتب، الذي كان أصغر سنا منه علی یده، وقد كان الشیخ سعد الدین رئیس قسم الترجمات في الجامعة الإسلامیة، وكان یقرأ الخطابات الواردة من غیر العربیة علی الشیخ ابن باز بحكم طلاقته في اللغة الإنجلیزیة، ومنهم أیضا الشیخ عمر الملیباری – رحمه الله – المتخرج من كلیة اللغة العربیة بالریاض، في الفترة نفسها، وهو من كبار الدعاة في ملیبار للتوحید والسنة.
الأعمال التی باشرها:
وبعد تخرج الشیخ عبد الصمد فی كلیة الشریعة عین مدرسا فی المعهد العلمي بالمجمعة في ١/٤/١٣٧٩هـ ، فسافر إلىها ومكث فیها عاما دراسیا، ومن تلامیذه آنذاك الشیخ الدریعي، ومعالي الشیخ د.عبدالله التركي، ثم عیِّن بعدها في المعهد العلمي ببلجرشي، ومن تلامیذه هناك الشیخ الدكتور علي بن عبد الرحمن الحذیفي (حفظه الله) إمام المسجد النبوي، ثم بعدها عیّن مدرسا بجیزان، في صامطة في المعهد العلمي في العام الدراسي (١٣٨٠-١٣٨٣هـ) لمدة ثلاثة أعوام دراسیة، ثم نقل إلى بلجرشي في (١/٦/١٣٨٣هـ)، واستمر فیها إلى (٢٩/٤/١٣٨٤هـ).
ثم انتقل الشیخ عبد الصمد إلى المدینة التي كانت أمنیته، وجاء لأجلها، فعیّن مدرّسا بالمعهد الثانوي بالجامعة الإسلامیة في (١/٧/١٣٨٤هـ) واستمر فیها مدرسا لمادة الفرائض، وألف كتابا فیها، وهو مقرر في المعهد الثانوي، ومكث فیها إلى أن تقاعد في (١٧/١١/١٤٠٩هـ)، وخلال تدرسه في المعهد الثانوي فقد درس علیه خلق كثیر غیر الذین درسوا علیه في بیته، وكان الشیخ (رحمه الله) مواظبا أشدّ المواظبة علی حضوره في الجامعة قبل الدّوام، وأفاد شیخنا صالح بن عبد العزیز السندي أستاذ مادة العقیدة في الجامعة: أن الشیخ عبدالصمد ذكر أنه ما تأخر عن الدّوام قطّ أیام تدریسه في الجامعة.
وكانت للشیخ مساهمة مستمرة في توعیة الحج في المدینة ومكة، وانتدب سنوات عدیدة لتوعیة الحجاج بحالة عمّار إبان موسم الحج، وحجّ مع التوعیة والإرشاد بالمدینة ثلاثا وخمسین حجة، وكما كانت له نشاط كبیر في الدعوة في المدینة وقراها ضمن أنشطة مكتب الدعوة التابع لرئاسة الدعوة والإرشاد، إلى أن مرض قبل إحدی عشرة سنة من وفاته رحمه الله.
عقیدته ومنهجه:
كان الشیخ عبدالصمد حریصا علی التمسك بالكتاب والسنة، وعلی اعتقاد (1) السلف، ومن أبرز الدعاة إلىه – لا سیما في بلاده الهند- ، وكان ینبذ التعصب المذهبي والتقلید، وقد تری شدة منه بذلك نتیجة ماكان یراه شدّة التعصّب المذهبي المفرط بتقدیم بعض المقلدة أقوال الرجال علی حدیث رسول الله صلی الله علیه وسلم، وكان یحذّر أیضا من الخروج علی ولادة الأمور من المسلمین لما في ذلك من مخالفة لنهج السلف، ولما فیها من مفاسد كثیرة.
صفاته:

أكرم الله الشیخ بخصال حمیدة عظیمة، ولم تكن الدنیا همّه، وكان الهمّ الأكبر عند الدّین والصلاح والإصلاح، وكان مبكرا للصلوات جماعة في المسجد، وأدائه للسنن في المنزل قبل الفریضة وبعدها، وكان ذا حرص علی ذكر الله تعالی، وقیام اللیل، وكان شدید العنایة به، وكذا صیام التطوع، والورع، والحرص علی الرزق الحلال، وكان ذا كرم وسخاء وبذل وعطاء، وكان لایعرف شحّا وكثیرًا یردّد «أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالا».
كما كان شدید العنایة بأهله وأولاده في الحرص علیهم التربیة والتعلیم علی حب الكتاب والسنة وتعظیمهما، وتحقیق التوحید والحذر من الشرك والابتداع في الدّین، وكان یجعل لأهله وأولاده وقتا خاصا یومیا، یتدارس معهم كتاب الله وترتیله، وسنة رسوله صلی الله علیه وسلم، ویحفظهم ذلك، ولم یكن یفرّط في ذلك، ویعتذر عن استقبال الضیوف في هذا الوقت إلى أن یفرغ من درسه، وهذا من أعظم ما یمیّزبه الشیخ من اهتمامه بأهله وأولاده، وهي منقبة قلّ أن توجد في كثیر ممن عرفوا الیوم بالعلم والخیر، وهي جدیرة بالاهتمام.
وعرف الشیخ صبوراً، ذا حكمة في التعامل مع أهله وأولاده، وكان دائم التوجیه في حثّ أهل بیته علی الصلوات ومتابعا لإیقاظهم لصلاة الفجر بنفسه، ودائم النصح لهم إن بدت مخالفة ما، شدید الإنكار علی التشبّه بالكفار باللباس وغیره، وكان یطالع كثیرا حتی قبل مرضه، ویقضي أكثر وقته في المسجد (مسجد الرحمن) المجاور لبیته إماما، بل هو الذي سعی لبنائه، وكان عامراً بالدروس المثمرة، والحلقات الكبیرة في فنون متنوعة، في الفرائض والفقه والعقیدة، دون أي فتور أو ملل في ذلك، بل كان لا یردّ طلب أحد یرید القراءة علیه في شيء من العلوم.
وكان الشیخ ذا عنایة بلباسه ومظهره، وملازما لخضاب رأسه ولحیته، دائم التطیب بل لم یكن یفارقه، وأكثر ما كان یلبس البیاض من الثیاب، و دائمًا یری في مشلحه في أوقاته وأسفاره خارج المنزل وفي جمیع الصلوات اماما ومأموما، وهذا تحقیق لقوله تعالی (یابنی آدم خذو زینتكم عند كل مسجد) [الأعراف:٣١]، وكان ذا دماثة خلق مع زملائه وطلابه أیضا، وكان بدیع الخط، وقد أتقن تلمیذه فضیلة الشیخ د.علي الحذیفی الخط من تعلمیه له، حتی شابه خط الحذیفی خطّه، لشدة العنایة به.
كراماته:
من المواقف المتعلقة بالشیخ عبد الصمد –رحمه الله- والتي نرجوا أن تكون من كرامات الله لأولیائه – ولا نزكي علی الله أحدا – منها: وقعت له ثلاث حوادث في طریق الجنوب وفي إحداها ذهبت السیارة حطاما وسلمه الله عزوجل بمنه وفضله، والأعجب ما وقع أنه في عام ١٣٩٧ للهجرة انقلبت به السیارة التي كان یقودها في واد قریبا من المدینة خلال عودته من مكة أوجدة ، وكان صائما آنذاك ویرید إدراك الدرس بعد المغرب بالمدینة، وحفظه الله من الحادث ولم یذهب حتی للمستشفی، إنما أصیب برضوض یسیرة فقط.
وذكر لي ابنه الشیخ عبد اللطیف – حفظه الله – في إحدی زیاراته للهند أنه فقد یوما اثنان من إخوانه وكان صغیرین حیث لحقا بأمهما عند ما كانت تدرس في محو الأمیة وتم البحث عنهما ولم یوجدا، فقام الشیخ فتوضا وأخذ یصلی- رغم أن الوقت كان بعد العصـر- ثم رجعا سالمین بحمد الله.
من أنشطة في الدعوة:
بعد الشیخ من أبرز دعاة التوحید والسنة في وقته، وخاصة في دیار الهند، وكان ذا همة عالیة في الدعوة، لایعرف الفتور في النصائح والتوجیهات، والدروس المستمرة في مسجده الأول المشهور بمسجد «صیّاف» (مسجد الإیمان حالیّا) بالحرة الشـرقیة.
وقد رزقه الله محبة العوام للطافته، وحسن أسلوبه، وتواضعه وتیسیر طریقته في التدریس والتعلیم معهم، وهذا من أبرز مزایا الشیخ في دعوته في نزوله للعوام في التعلیم والتدریس التربیة، فهدی الله علی یدیه كثیرًا منهم إلى التوحید والسنة والاستقامة، وكما كان الشیخ لایفتر في الرحلات الدعویة مع طلاب الجامعة من جنسیات متعددة، یربي خلالها الطلاب ویدربهم علی الخطابة والتدریس وحمل همّ الدعوة إلى التوحید والسنة ورد الشرك والتحذیر من البدع في المساجد، وفي القری والهجر وفیما بینهم.
وذكر لي الدكتور عبدالعزیز ابن شیخ الحدیث عبید الله الرحماني – حفظه الله – أنه خرج معه في رحلته إلى خیبر وقال: كنّا نسمّي رحلة الشیخ «الرحلة الصمدیة».
ویقول الدكتور عاصم بن عبد الله القربوني – حفظه الله – «وخرجنا معه ضمن الأنشطة الطلابیة إلى أحد وخیّمنا هناك وإلى ینبع وإلى مكة، وكانت كل نفقات هذه الرحلات من مواصلات وطعام علی نفقته الخاصة، جزاه الله خیرا ورحمه.
وأفادني والدي الشیخ فصل حق المدني – حفظه الله – (2) وهو متأثر جدا بما رأی في زمن الطلب في الجامعة الإسلامیة بالمدینة النبویة في الشیخ عبد الصمد من الصلاح والتقوی والتحمس للدعوة فقال: الشیخ عبد الصمد – رحمه الله – نزل مرة في بعض أسفاره الدعوية في مملكة نیبال وزار جامعة سراج العلوم واجتمع بخطیب الإسلام عبد الرؤوف الرحماني –رحمه الله- وأساتذة الجامعة وقدّم توجیهاته القیمة النافعة في أمور الدعوة في مملكة نیبال.
والجدیر بالذكر أن الشیخ كانت له أمنیة ورغبة في إنشاء جامعة لتعلیم الكتاب والسنة علی منهج السلف الصالح في كیرلا، ولكنه لم یوفق لتكمیل ما أراد ووفق – بحمد الله – محبوه من أهل الإخلاص والتقوی إكمال أمنیته؛ فأنشأوا جامعة عظیمة باسم «جامعة الهند الإسلامیة » -أدام الله بقاءها بالخیر والنفع العام – ومن أبنائه الشیخ عبد اللطیف والشیخ عبد الوهاب –حفظهماالله- من المتعاونین للجامعة في رقیها وصلاحها ونصحها ونصح أهلها، وقد حضـرا بمناسبة افتتاح المبنی الجدید للجامعة في «مِنِي أُوتِيْ» في (١٣/٣/١٤٣٦هـ = ٤/١/٢٠١٥م) فجزی الله الشیخ وأبناءه عن الإسلام والمسلمین.
وكان الشیخ عبد الصمد خطیبًا بارعًا عجیبا بلغته الأم (الملیباریة) وباللغة العربیة، بل لا یكاد یمیّز أحد بینه وبین غیره من العرب الأقحاح؛ وذكر لي بعض من لقوه وزاروه أنه كان یعرف اللغة الأردیة أیضا بل خاطب الناس في إحدی أسفاره الدعویة إلى باكستان بالأردیة، وكان لایكلمه مع زواره الملیباربین من طلبة العلم إلاّ باللغة العربیة.
صلاته بأهل العلم:
كان الشیخ عبد الصمد محل ثقة لدی سماحة الشیخ عبد العزیز بن باز رحمه الله، وكانت علاقتهما قویة، وكان ابن باز یستشیره ویكاتبه في خصوص أمور الهند، وكما كان شیخنا العلامة عبدالمحسن العباد – حفظه الله- متعاهداً للشیخ بزیارته خلال مرضه في السنوات الأخیرة، وقد زار الشیخ عبد الصمد العلامة الألباني بالأردن عام ١٤٠٣هـ، ولماّ جاء الألباني المدینة عمل له دعوة كیبرة مشهودة فرحا بذلك، وكان مجلسا طویلا علی سطح بیته امتلأ فیها الحضور، وكانت له صلة وثیقة بالعلامة بدیع الدین الراشدي السندي- رحمه الله- وكان العلامة محمد تقي الدین الهلالي – رحمه الله- ینزل في بتیه ویأنس به، وكانت له علاقات قویة واهتمامات بالمؤسسات والجمعیات الدعویة بالهند، وخاصة جمعیة أهل الحدیث المركزیة، والجامعة السلفیة ببنارس والجامعة الندویة في كیرالا.
وكان للشیخ درو كبیر في تصحیح مسار الجامعات بالهند، إضافة إلى سعیه للإصلاح فیما بینهم، وأمّا دار الأیتام بكیرلا التي تأوي قرابة ألف یتیم، مع مستشفی تابع لها، مع تعاهدها وعضویة إدارية في عدد من الفترات، وكانت صلاته وثیقة بالشیخین العلامة حماد بن محمد الأنصاري والشیخ المحدث عمر بن محمد فلاته- رحمهما الله-.
الكتب التي قرئت علیه:
قرئت علی الشیخ عبد الصمد كتب في الفرائض ومنها كتابه الذي ألّفه، ولا یزال مقرّرا في الجامعة، وطبع عدة مرات، وشرح الرحبیة، و «تفسیر القرآن العظیم» لابن كثیر و «نیل الأوطار» و «العقیدة الطحایة»، و «الإبانة» ، ودرّس «بلوغ المرام» للحافظ ابن حجر، و «أصول الفقه»، و «الآجرومیة في النحو».
رحلاته:
رحلات الشیخ لا تخلو من الدعوة إلى الله، بل لاتعرف له رحلات خلت من ذلك.
ومن الأمصار التي سافر إلىها: الأردن، والكویت، وقطر، والهند، والنیبال، وباكستان وبریطانیا إذ حضر مؤتمرا فیها لأهل الحدیث، وألقی محاضرات ودروساً في عدة مدن منها، وكان یدعو أیام جهاد الأفغان ضد الروس إلى التوحید ونبذ الشرك، وذهب آنذاك عند الشیخ جمیل الرحمن –رحمه الله- وكان كثیرا ما یردد: «علیكم بتوحیدین، توحید الله عزوجل وتوحید صفوفكم».
مآثره:
لیس للشیخ كبیر تألیفات لانشغاله بالدعوة في جلّ وقته وأسفاره لذلك. وله: «كتاب الفرائض»، وهو مقرر في المعهد الثانوي في الجامعة الإسلامیة، وشرح لمتن «الرّحبیة» في عدة مواقع في اثنی عشر شریطا، یسّر الله طباعته. و«مقدمات في أصول الفقه»، أملاها قبل مرضه، ولم یكملها.
مرضه ووفاته:
أصاب الشیخ المرض جعله الله كفارة له، وكان في أیام مرضه بجدة، وكان شدید التعلق بالمدینة وبمكتبته التي في بیته فیها، حتی كان یقول وهو بجدة: أرید الرجوع للمدینة، فقیل له: اشتقت لأیش؟ فقال لمكتبتي و «المدینة خیر لهم لو كانوا یعلمون» ولكن إرادة الله عزوجل فوق كل شيء، إذ وافته المنیة في الریاض لیلة الأحد من شهر رجب خلال زیارته لابنه عبداللطیف، وكان یقرأ علیه القرآن وهو یسمع ثم نام بعد ذلك، وقبضت روحه خلالها مع العشاء تقریبا، وكان علی هیئة النائم تماما عندما جيء بجسده للتغسیل.
وصلی علیه عصر یوم الأحد ١٥/٧/١٤٣١هـ = ٢٧/٦/2010م، فرحم الله الشیخ وأسكنه فسیح جناته ووفقنا وذریته للسیر علی طریقته في تعظیم الكتاب والسنة، والدعوة إلى التوحید والسنة، ونبذ الشرك والخرافة.
التعریف بكتابه «كتاب الفرائض»:
طبع الكتاب طبعة ثانیة عام ١٤٣٥هـ = 20١٤م بإذن خاص من ورثة المؤلف، وفي بدایة الكتاب ترجمة المؤلف بقلم تلمیذه وصهره: أ.د عاصم بن عبد الله القریوتي – حفظه الله -، تحتوی هذه الترجمة (19) صفحة ثم مقدمة المؤلف التی تشمل علی (10) صفحات، بدأ بخطبة الحاجة ثم ذكر آیا من الذكر الحكیم تتعلق بالمسائل الفرضیة من سور: النساء والأنفال والأحزاب، ثم ذكر ثلاثة عشر نصّا من أحادیث رسول الله صلی الله علیه وسلم یبیّن لنا فضل هذا العلم وأهمیته، كما أورد ثلاثة أثار من آثار رسول الله صلی الله علیه وسلم تدل بمجموعها علی فضل هذا العلم، وحضّ علی تعلمه وتعلیمه مع إشارته إلى ما فی أسانیدها من كلام. ثم ذكر أحد عشر كتابا من أشهر الكتب المصنفة فی هذا العلم قدیما وحدیثا، ثم بیّن سبب تألیف هذا الكتاب قائلا: «وقد رأت الجامعة الإسلامیة بالمدینة المنورة أن تضع أمام طلابها فی المرحلة الثانویة كتابا في الفرائض، یسهل علیهم فهمها، فكلفني ثقة منها، وأرجو من الله تعالی أن أكون عند حسن هذا الظن، وكنت أتهیب من مثل هذا العمل، ولكن الحاجة الماسة للطلاب ألزمتني تلبیة التكلیف فقمت مستعینا بالله عزوجل مستجمعا خلاصة ماكنت أملیتة علی طلابی خلال فترة التدریس».
والمؤلف شرع بالكتابة مراعیا الأتي:
1- وزع المقرر من هذا العلم علی أربعة فصول:
الفصل الأول: المدخل إلى فقه المواریث.
الفصل الثانی: أسس فقه المواریث.
الفصل الثالث: قواعد تطبیق فقه المواریث.
الفصل الرابع: لواحق فقه المواریث.
2- عرض المواضیع بالأسلوب المبسط مراعاة لجمیع مستویات الطلاب.
3- أورد المسائل الكثیرة مع شرحها بالأرقام والجداول.
4- وضع رموزا للورثة وغیرهم مما یرد في حلّ المسائل الفرضیة اختصارا للألفاظ.
5- أخّر باب الجد والإخوة إلى الفصل الرابع، وذلك بعد عرض أبحاث التأصیل والتصحیح ؛ لأنهما مما یضطر إلىهما فی حل مسائل باب الجد والإخوة.
6- وجعل أبواب الرد وذوي الأرحام والموت الجماعي متتابعة لتشابه طریقة حل مسائلها، وكذلك أبواب المفقود، والحمل والخنثی: لتشابه حل مسائلها.
7- عقب كل باب بعدة أسئلة وتدریبات عملیة لیتمرن الطلاب فی جلها داخل فصول الدراس وخارجها.
نال هذا الكتاب -بحمد الله- شهرة عظیمة في داخل المملكة وخارجها، كما قرر في المناهج الدراسیة لطلاب العلوم الشرعیة في بلاد شتی لكونه مرتّبا علی منهج یناسب الطلاب من عرض المسائل المهمة بعبارات واضحة، ولما یتحلّی بمیزات عرفناها خلال معرفة مراعاة المؤلف في ترتیب الكتاب، والكتاب مع أنه یشمل علی أربع وأربعمائة صفحة لم یحط جمیع المسائل في هذا العلم لأنه كتاب مدرسي، ألّف لطلاب الثانویة فلابدّ من رعایة مستواهم لیتمكنوا من فهم المسائل فهما تاما، ولذا صرّح المؤلّف قائلا في آخر المقدمة. «وإنّ هذا الكتاب بعد كتابا مدرسیّا، أعرضت فیه عن المسائل الخلافیة، وإیراد أدلة الفقهاء إلا ما اضطررت إلى التنویه به، ومن أراد الاستزادة والتوسع في هذا العلم فما علیه إلاّ أن یرد الموارد الكبری بالرجوع إلى الكتب المطولة من كتب التفسیر والحدیث والفقه، وهذا جهد متواضع أقدمه لطلابي سائلا المولی (عزوجل) أن ینفع به وأن یجزل المثوبة للجمیع».
وختاما أقول:
إن هذا الكتاب مهم في بابه وكفی بأهمیته أنه مقرر في المعهد الثانوي في الجامعة الإسلامیة والمعاهد التابعة لها، والكتاب حريّ بأن یستعین به الطالب المبتدی ولا یستغني عنه الراغب المنتهي، لما روعي فیه لجمیع مستویات الطلاب من الثانویة وفوقها، كما نلاحظ أن الشیخ خدم الإسلام والمسلمین واللغة العربیة بتألیف هذا الكتاب خدمة عظیمة ؛ بل حیاته كلّها مملوءة بخدمة الإسلام ولغته، وهكذا الشیخ يعدُّ من العلماء البارزین الذین ساهموا في خدمة اللغة العربیة في هذا القرن.
والله هو المسؤل أن یجعل الكتاب ذخرا لمؤلفه، وأن ینفع به طلبة العلم وأن یتقبل جمیع أعماله الصالحة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمین وصلی الله وسلم علی نبینا محمد.

الحواشي:
(1) مركز وفود الحجّاج بحدود الأردن في المملكة العربیة السعودیة تفد إلیها وفود الحجاج من الأردن وفلسطین والجزائر والمغرب وتونس ولیبیا وداغستان
(2) المدرّس في جامعة سراج العلوم جندا نغر نیبال منذ خمس وثلاثین سنة بعد تخریجه في الجامعة الإسلامیة سنة ١٩٨٢م.

المراجع:
1- ملخص « ترجمة المؤلف » بقلم د/عاصم القریوتی حفظه الله في بدایة «كتاب الفرائض».
2- معلومات شخصیة.
3- عدد من أساتذة جامعة الهند الإسلامیة مِني أوتي، مالابورم، كيرلا، الهند.

Leave a Reply

avatar
3000
  Subscribe  
Notify of