زيارة رئيس الوزراء الهندي إلى المملكة العربية السعودية

عبدالقيوم بن عبدالمبين سياسة

زيارة رئيس الوزراء الهندي إلى المملكة العربية السعودية: الارتقاء بالعلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية


إن الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الهندي (ناريندرا مودي) مؤخرًا إلى المملكة العربية السعودية في 29 أكتوبر 2019م تبرز التغييرات التي طرأت على السياسة الخارجية الهندية تجاه المملكة، وتظهر ما قد تعود به هذه التغييرات من منافع اقتصادية وسياسية وأمنية على الهند والمملكة اللتين ظلت العلاقات بينهما منحصرة لعقود في شراء النفط وتدفق القوى العاملة وزيارة المسلمين الهنود للمملكة لأداء مناسك الحج. ولكن، منذ وصول رئيس الوزراء الهندي (ناريندرا مودي) إلى سدة الحكم في شهر مايو 2014م بدأت الحكومة الهندية تبذل كل ما كان بوسعها لإقامة علاقات أعمق مع دول الخليج العربي بشكل عام والمملكة العربية السعودية بشكل خاص وذلك بحكم الوزن الاستراتيجي للمملكة ومركزيتها في العالم الإسلامي ووزنها داخل مجموعة العشرين ومكانتها النفطية وموقعها الجيوسياسي بين البحر الأحمر والخليج العربي. والجهود الدبلوماسية التي بذلتها الهند باهتمام دقيق وعناية فائقة لتوطيد العلاقات مع المملكة آتت أكلها وتكللت بالنجاح حيث تمكنت الهند من توسيع علاقاتها مع المملكة العربية السعودية خصوصا في مجالات الأمن والدفاع ومكافحة الإرهاب والتجارة والاقتصاد. واستطاعت الهند أيضا من خلال جهودها الدبلوماسية إقناع المملكة العربية السعودية والدول الأخرى في منطقة الخليج بتأييد الموقف الهندي إزاء بعض القضايا التي كانت تُعد مثار الخلاف والعوائق الرئيسية في سبيل الارتقاء بالعلاقات الثنائية. ونجحت الهند والمملكة خلال زيارة مودي الأخيرة في بدء مرحلة جديد من توطيد العلاقات الدفاعية التي تُعد أمرا في منتهى الأهمية لتأمين المصالح الهندية الأوسع في المنطقة. وجرى خلال الزيارة توقيع اتفاقية بشأن إنشاء مجلس للشراكة الاستراتيجية إضافة إلى توقيع 12 مذكرة تفاهم في عدد من المجالات بما فيها التعاون الأمني والطاقة والطيران المدني والدفاع وتنظيم المنتجات الطبية وإطلاق بطاقة الائتمان الهندية (Rupay) بجانب تحقيق الكثير على كافة الأصعدة خصوصا على الصعيد السياسي والدفاعي والأمني.

فعلى الصعيد السياسي، أكد الجانبان في البيان المشترك الذي صدر في ختام الزيارة على رفضهما القاطع لكافة أشكال التدخل في الشؤون الداخلية للدول وضرورة قيام المجتمع الدولي بالاضطلاع بمسؤولياته تجاه منع أي اعتداءات على سيادة الدول، وشددا على قرار مجلس الأمن رقم (2254) بشأن الوضع في سوريا، وأكدا على أهمية المحافظة على وحدة اليمن، وتحقيق أمنه واستقراره، وعلى أهمية الحل السياسي للأزمة اليمنية على أسس المبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني اليمني، وقرار مجلس الأمن رقم (2216). ويُذكر أن الهند استطاعت إقناع المملكة العربية السعودية بعدم التطرق إلى القضية الكشميرية والقرار الهندي لإلغاء المادة رقم (370) التي تمنح الإقليم الكشميري الوضع الخاص والحكم الذاتي، وهو ما يُعتبر "انتصارا دبلوماسيا كبيرا” بالنسبة للهند على الصعيد السياسي. ومن اللافت أن جميع الدول الخلجية التزمت الصمت تجاه سحب الهند الوضع الخاص والحكم الذاتي من ولاية جامو وكشمير ذات الأغلبية المسلمة باعتبار القضية شأنا داخليا للهند.

وأما الصعيد الدفاعي، فتم توقيع اتفاقية بين الهيئة العامة للصناعات العسكرية السعودية وقسم الإنتاج الدفاعي بوزارة الدفاع الهندية بهدف التعاون في المشتريات العسكرية والصناعات العسكرية وإجراء الأبحاث والتطوير. وتنم هذه الاتفاقية عن مدى الرغبة الهندية والسعودية في توسيع العلاقات العسكرية وتعميق التعاون الدفاعي. وبعد بضعة أيام من توقيع هذه الاتفاقية بين البلدين، أفاد تقرير إعلامي نشرته صحيفة (هندوستان تايمز) في عددها الصادر في 1 نوفمبر 2019م أنه من المتوقع إجراء أول تمرين بحري مشترك بين القوات البحرية الهندية والقوات البحرية الملكية السعودية في شهر مارس 220م مضيفا أنه تم عقد اجتماع تحضيري في هذا الصدد في شهر أكتوبر 2019م ومن المحتمل عقد اجتماع آخر لمناقشة التمرين في ديسمبر 2019م. ويُذكر أن المملكة العربية السعودية ترغب في تعميق التعاون البحري مع الهند في غرب المحيط الهندي الذي يحتضن ممرات بحرية حساسة مثل البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب وخليج عمان والخليج العربي. إلى جانب ذلك ذكرت وسائل الإعلام الهندية أنه سبق أن تم إنشاء لجنة هندية ـ سعودية مشتركة حول التعاون الدفاعي، وتعقد اللجنة اجتماعا سنويا في نيودلهي والرياض بالتناوب لمناقشة سبل تعزيز التعاون الدفاعي، وعقدت اللجنة اجتماعها الرابع في الرياض في شهر يناير 2019م، وقامت وزارة الدفاع الهندية ولأول مرة بتسهيل التفاعلات بين الصناعات الدفاعية الهندية من القطاعين الخاص والعام والصناعات الدفاعية السعودية، ونتجت عن هذه التفاعلات التوقيع على الاتفاقية بين الهيئة العامة للصناعات العسكرية السعودية ووزارة الدفاع الهندية لتعزيز التعاون بين الصناعات الدفاعية لكلا البلدين.

وفيما يتعلق بالأمن والإرهاب فشدد البلدان في البيان المشترك على أن الإرهاب والتطرف يهددان جميع الدول والمجتمعات، ورفض الجانبان كافة المحاولات لربط الإرهاب والتطرف مع أي دين معين أو جماعة أو ثقافة بجانب رفضهما جميع الأعمال الإرهابية كما شددا على أهمية منع الإرهابين من الوصول إلى الأسلحة مثل طائرات الدرون والصواريخ لارتكاب الأعمال الإرهابية ضد دولة أخرى. الجدير بالذكر أن البلدين يتعاونان عن كثب في مكافحة الإرهاب، وسبق أن تم توقيع مذكرة تفاهم بين البلدين حول مكافحة الإرهاب والتطرف والجريمة عبر الحدود، ويتجلى التعاون في مكافحة الإرهاب فيما قامت السعودية به من ترحيل بعض الهنود المتهمين بالإرهاب إلى الهند لإحالتهم للعدالة. وكانت السعودية من الدول الأوائل التي سارعت إلى إدانة الهجوم الإرهابي الذي استهدف قافلة عسكرية لقوات الأمن الهندية في منطقة (بولواما) بولاية جامو وكشمير في 14 فبراير 2019م وأسفر عن مقتل 40 جنديا هنديا. وردت الهند بالمثل حيث أدانت الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها المنشآت النفطية السعودية في بقيق وخريص في 14 سبتمبر 2019م. ولا يعكس ذلك التعاون عالي المستوى بين الهند والمملكة في مجال مكافحة الإرهاب فحسب وإنما يُعد مثالا يحتذى به للتعاون الثنائي.

وخلاصة القول أن تعزيز العلاقات بين الهند والمملكة العربية السعودية يُعد أمرا حيويا، وترى الهند أن إقامة شراكة استراتيجية قوية مع المملكة باتت في منتهي الأهمية لتأمين مصالحها في المنطقة.

***

Leave a Reply

avatar
3000
  Subscribe  
Notify of