الأمن الفكري

أبو عفاف عبدالوحيد سياسة

مقدمة البحث
إن الأمن الفكري حاجة أساسية تطمح إليه الأفئدة، ومصلحة وطنية حيوية تحافظ عليه الدولة بأجهزتها ومؤسساتها، وترصده بما تضع من خطط وبرامج للتنمية الشاملة، وهو غاية سامية تعمل لتحقيقها منظمات المجتمع المدني، كما أنه ميدان خصب للدراسات الاجتماعية والبحوث الأمنية. فالكل يتطلع إلى المجتمع الآمن من الآفات التي تهدد بنيانه بالتصدع وكيانه بالأخطار كالجهل، والفقر، والمرض، والمخدرات، والجرائم والانحرافات بشتى صورها وأشكالها. وفي ظل الأمن الفكري وكذلك الاجتماعي يزدهر التعليم وتتسع مجالاته، وينمو الاقتصاد نموا شاملا، ويطمئن الناس على دينهم، وأنفسهم، وأعراضهم، وأموالهم ومستقبل أولادهم.
ولا شك أن الأمن الفكري لا يأتي من خارج المجتمع، بل إنه يتحقق على أيدي أبنائه وبجهودهم المتضافرة والمتناسقة، فهو مسؤولية الجميع. وللمحافظة على الأمن الفكري، والحراسة الكاملة على عقول الناس وأفكارهم من جميع الجهات ثقافية، وسياسية، ودينية وروحانية يسعى القادة الأجلاء من هذه المملكة الإنسانية ويبذلون كل الجهود لإرساء الأمن بكل أنواعه في المجتمع وعلى وجه الخصوص الأمن الفكري.
نحن كطلاب في هذه الجامعة العريقة نتحمل مسؤولية كبيرة عما يحتاج إليه المجتمع والدولة من اقتراحات وحلول لبناء الفكر السليم. وبما أن الجامعة أتاحت لنا هذه الفرصة الذهبية لكتابة البحوث والاشتراك في المؤتمر الطلابي؛ ولذلك كتبت هذا البحث عسى أن يكون لبنة خير وبناء في سبيل تحقيق الأمن الفكري.
بعد الإشارة إلى مشكلة البحث وأهدافه قسمت البحث إلى فصلين. يتحدث الفصل الأول عن معنى الأمن الفكري لغة واصطلاحا، ويبين المقصود منه، كما أنه يقوم ببيان أهميته مستدلا من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، موضحا اهتمام الإسلام بالضرورات الخمس التي بحفظها يحصل الأمن بكل معانيه وباختلالها يعم الفساد. فلا أمن ولا استقرار بدونها كما أنه يتحدث عن شمولية الأمن أيضا.
ومما لا شك فيه أن الكلام عن الأمن الفكري لا يتم حتى نبين الانحراف الفكري؛ ولذلك تحدثت في الفصل الثاني عن الانحراف الفكري لغة واصطلاحا، وبينت خطورته، وكشفت الستار عن الأسباب التي تسبب للانحراف الفكري، وما ينتج عنه من مشكلات ومفاسد خطيرة، مشيرا إلى ما تلعب المملكة والجامعة من دور عظيم للقضاء على الانحراف الفكري بكل معاني الكلمة. وفي نهاية المطاف قدمت بعض الاقتراحات والنتائج التي قد تكون سببا في بناء الفكر السليم. وأخيرا أشكر الله سبحانه على توفيقه لإعداد هذا البحث كما أن الشكر متواصل للجامعة على اهتمامها البالغ بمثل هذا الموضوع وجهدها المتواصل لعقد مثل هذا اللقاء الطلابي سنويا. وصلى الله على خير خلقه محمد وعلى آله وأصحابه ومن والاه إلى يوم الدين.
مشكلة البحث:
لقد كثرت في الآونة الأخيرة وتنوعت الأساليب والأفكار التي تؤثر سلبا على الأمن الفكري، وتسبب للانحرافات الفكرية الخطيرة. ولقلة البحوث والدراسات العلمية، وانعدام الاهتمام المتواصل من قبل المجتمع بهذا الخصوص زادت نسبة الانحراف والمنحرفين ولا تزال في ازدياد خطير. والدولة تسعى جاهدا للقضاء عليها بكل أجهزتها ومؤسساتها ولكنها تواجه مشكلات وصعوبات عدة في هذا السبيل.
أهداف البحث:
الأهداف من كتابة هذا البحث كثيرة ومنها: شرح موقف الإسلام من الأمن بشتى أنواعه وما يقدم من حلول للقضاء على الفكر المنحرف. الكشف عما يحتوي عليه الأمن الفكري من معاني الاستقرار والتنمية والتقدم والازدهار وغيره من المعاني. بيان خطورة الأفكار الضالة والمنحرفة وما تعود به من الفساد والدمار على المجتمع. كشف الستار عن الأسباب والتداعيات التي تسبب للانحراف الفكري. تقديم الحلول والاقتراحات التي قد تساعد على إرساء الأمن في المجتمع والدولة وبناء الفكر السليم والمعتدل.

الفصل الأول

الأمن والفكر لغة واصطلاحاً:
الأمن في اللغة: يعني الطمأنينة وهو مصدر للفعل أمِن يأمَنُ. وقد جاء في لسان العرب: أن "الأمن ضد الخوف”(1).
وجاء في معجم الوسيط: أمِنَ أمْناً، وأمَاناً، وأمَانَةً، وأَمَناً، وإمْناً، وأمَنَةً: اطمأن ولم يخف، فهو آمِنٌ وأمِنٌ وأمِيْنٌ. يقال: لك الأمان: أي قد آمنتك و-فلاناً على كذا: وَثِقَ به واطمأنّ إليه أو جعله أميناً عليه (2).
ويقول الأصفهاني: أصل الأمْن: طمأنينة النفس وزوال الخوف (3).
أما الفكر: فقد جاء في "المنجد في اللغة والإعلام” أن كلمة ” فكر” تعني: فكر فكراً وفكّر وتفكّر في الأمر: أي أعمل الخاطر فيه وتأمله. والفكر جمع أفكار: تردد الخاطر بالتأمل والتدبر بطلب المعاني. ويقال: "لي في الأمر فكر” أي نظرة ورؤية (4).
التعريف الاصطلاحي للأمن: "الشعور بالسلامة والاطمئنان واختفاء أسباب الخوف على حياة الإنسان وما تقوم به هذه الحياة من مصالح يسعى إلى تحقيقها”. (5)
التعريف الاصطلاحي للفكر: "هو جملة النشاط الذهني وأسمى صور العمل الذهني بما فيه من تحليل وتركيب وتنسيق”. (6)
أما مصطلح الأمن الفكري: فله عدة تعاريف وأكتفي بواحدة هنا: "وهو النشاط والتدابير المشتركة بين الدولة والمجتمع لتجنيب الأفراد شوائب عقدية أو فكرية أو نفسية تكون سببا في انحراف السلوك والأفكار والأخلاق عن جادة الصواب، أو سببا للإيقاع في المهالك”. (7)
المقصود بالأمن الفكري:
هو اطمئنان الناس على مكونات ثقافتهم النوعية ومنظومتهم الفكرية: أي السكينة والاطمئنان القلبي واختفاء مشاعر الخوف على مستوى الفرد والجماعة في جميع المجالات النفسية والاجتماعية والاقتصادية. وبهذا يكون منطلق كل عمل يمارسه الإنسان ويظهر في سلوكه من خير أو شر مركوزا في كيانه الفكري والاعتقادي، وكذلك خلو عقل الإنسان عن المشاعر الفاسدة والأفكار المتطرفة التي تؤدي إلى وقوع الأعمال التخريبية في المجتمع ومن ثم تربية الكيان البشري على منهج سليم يهدي بهم إلى التعايش السلمي.
أهمية الأمن الفكري:
لماذا الأمن الفكري هو الأكثر أهمية؟ لماذا يريد الجميع من الأفراد والجماعات والمؤسسات والحكومات تقويم الفكر؟ ولماذا نحن في أمس الحاجة إلى الأمن؟ للإجابة على هذه الأسئلة يتفضل الدكتور عبدالحفيظ بن عبد الله المالكي بقوله: "يعد الأمن بمفهومه الشامل من أهم المتطلبات الأساسية للحياة الإنسانية، ولا يمكن أن يستغني عنه الإنسان بأي حال من الأحوال، فالأمن حاجة إنسانية أولية، ولا يمكن أن يختلف الاثنان في أهمية الأمن الذي يعبر عن شعور الإنسان بالسلامة والاطمئنان وغياب أسباب الخوف على حياته ومقومات بقائه ومصالحه المشروعة؛ ليشمل بذلك أمن الفرد وأمن المجتمع وأمن الوطن حيث لا يمكن أن يتحقق أمن الفرد بمعزل عن أمن المجتمع وأمن الدولة”. (8)
الأمن في القرآن والسنة:
أولا: الأمن في القرآن الكريم: لقد اهتم القرآن الكريم بالأمن كثيرا جدا. وورد في القرآن مئات الآيات تبين
أهمية الأمن في حياة الإنسان والمجتمع الذي يعيش فيه. إن القرآن يعتني بالجانب الروحي والجسمي سويا. ويسن قوانين صارمة للذي يخترق أو يريد اختراق الأمن من الإنسان والمجتمع. فقد نزل القرآن تهدئة للقلوب وطمأنينة للروح والجسم كما أنه جاء لمنع القتل والظلم والتخريب وإرساء العدل والسلام للبشرية كافة. والقرآن الكريم يزخر بهذه المعاني العظيمة. ويقول الدكتور عبدالرحمن الناشب: "المقصود بالأمن في القرآن الكريم هو الأمن الذي تبحث عنه النفوس في كل شأن من شؤون الحياة، وكذا الأمن أثناء وبعد الممات، وقد جعل القرآن الكريم وهدي الرسول صلى الله علي وسلم محور هذا الأمن الإيمان الذي مقره القلب، سواء كان ذلك فيما يتعلق بالنفس ومتطلباتها، كالأمن الصحي، والأمن النفسي، والأمن الاقتصادي والأخلاقي… وغير ذلك أو ما يتعلق بالمجتمع وترابطه كالأمن في الأوطان، والأمن على الأعراض، والأمن على الأموال والممتلكات وغيرها، أو ما يتعلق بالأمن على النفس من عقاب الله ونقمته”(9).
وفي السطور التالية أقدم بعض نماذج من القرآن الكريم تبين الأمن والأمان والسلامة والاطمئنان بمعانيها الشاملة.
فالإسلام يحرم كل أنواع التطرف والغلو في الدين حيث أنه من أخطر المهددات للأمن الفكري. وقد وردت نصوص صريحة حول هذا المعنى في القرآن الكريم تنهى عن مثل هذه الأمور يقول تعالى:( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (10) وقوله تعالى: (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون) (11) وقوله تعالى: (يأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق) (12). ومن المعلوم أن أمن الفكر والمكان والمجتمع كله مطلوب لإرساء الأمن؛ ولذلك نجد التنوع في بيان القرآن حينما يتحدث عن الأمن كما نشاهد ذلك في الآيات التالية. قال تعالى: (وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون) (13). وفي آية أخرى يقول: (وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمناً واجنبني وبني أن نعبد الأصنام) (14) كما أنه بين تأمين الحياة من الجوع والخوف قائلا: (الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) (15). كما امتن على عباده بحسن الجزاء وعظيم المثوبة ونعمة الأمن إن هم أحسنوا العمل، يقول تعالى: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) (16).
وقد تكفل الله تعالى لمن التزم بهذا الدين القويم، وسار على منهجه السليم أن يمنحه الحياة السعيدة، وأن يومنه من الخوف والجزع في الدنيا، وأن يعيش عيشة هنيئة مطمئنة، قال تعالى:(قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) (17).
وقد أغلق الإسلام كل باب يؤدي إلى الفساد والتخريب ويذهب بالأمن، وحدد لذلك عقوبات رادعة وأحكام صارمة، يقول تعالى: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم. إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم) (18). وبين أن في إقامة الحد والقصاص حياة وأمن للنفوس والأعراض، يقول سبحانه: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون) (19). وقال:(والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون) (20).
ثانيا: الأمن في الأحاديث النبوية: لقد اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بجانب الأمن كثيرا وبين أهميته ودلالاته في الحياة، حيث وضح ضرورة الأمن والسلام في الحياة. وإذا فقد الإنسان الأمن فلا شيء يستقر، بل هناك اضطراب وانفكاك في كل مكان. فلنلقي النظر هنا على بعض الأحاديث التي وردت في هذا السياق، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا) (21). يقول الدكتور عادل الشدي/ حفظه الله مبينا معنى هذا الحديث: "وبين الرسول في هذا الحديث أن أمن الإنسان على نفسه وماله ومعافاته في بدنه، ولديه من القوت ما يسد جوعه في يومه أعظم شيء يحصل عليه، لأن اختلال الأمن تتغير معه الموازين والقيم والأخلاق، فلا مال يستفاد منه بدون الأمن، فلا أمن، ولا صحة ولا حياة ترُجى بدون الأمن، ولا استقرار ولا تطور بدون الأمن، فالأمن هو الحياة، وأعتقد أن الذين يحاولون عبثاً زعزعة الأمن والاستقرار في البلدان لم يفهموا حقيقة الأمن” (22). فعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال، قال رسول الله: "والذي نفسي بيده لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا” (23). و لقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم حرمة دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم التي توفر الأمن للمجتمع فقال: "يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى أبْلغْتُ ؟ قالوا: بلغ رسولُ الله ثم قال: "أي يوم هذا ؟ قالوا: يوم حرام ثم قال: أي شهر هذا ؟ قالوا شهر حرام قال: ثم قال أي بلد هذا ؟ قالوا بلد حرام، قال فإن الله قد حرم بينكم دمائكم وأموالكم قال: ولا أدري قال أو أعراضكم أم لا، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا أبلغت؟ قالوا: بلغ رسول الله قال يبلغ الشاهد الغائب” (24). بمثل هذه المعاني السامية ساد الأمن جميع البلدان الإسلامية. ومن أعظم ما يخل بالأمن استباحة الدماء المعصومة.
ومما يدل على أن الإسلام دين اليسر والسلام والرحمة والوئام قوله صلى الله عليه وسلم: "يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا” (25). ونظرا إلى أهمية العقل والفكر في حياة الإنسان وفي بناء مجتمع سليم ومستقر أغلق النبي صلى الله على وسلم باب التطرف والغلو في الدين فقال: "إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين” (26). ولا ريب أن القتل والنهب وسفك الدماء وفتك الأعراض يسبب لكثير من المشاكل الاجتماعية والسلوكية والنفسية والفكرية وغيرها التي تذهب بأمن المجتمع وتترك الناس في الفوضى والفساد؛ ولذلك أعلن النبي صلى الله عليه وسلم يوم حجة الوداع إعلاناً فيه حفظ وصيانة لكرامة الإنسان التي تجلب الخير والأمن بكل معانيه إلى المجتمع فقال صلى الله عليه وسلم: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا”(27). فالنصوص السابقة كلها تدل دلالة واضحة بأن لا حياة مستقرة بدون الأمن ولا تطور ولا تنمية ولا ازدهار بدون الأمن.

هل للأمن علاقة بمقاصد الشريعة؟
مما لا شك فيه أن الشريعة الإسلامية تدعم مصالح البشرية جمعاء دائما فيما فيه فوائد كثيرة تترتب على المجتمع وأهله. وإن الشريعة الإسلامية قد اهتمت اهتماماً بالغاً بحفظ المصالح الخمسة وصيانتها من الضياع وهي: الدين – النفس – العقل – العرض – المال. فالدين لا يمكن أن يستقر وضع الإنسان إلا بحفظ مبادئ وأصول الدين وقيمه التي ينبغي أن تملأ الوعاء الباطني وهو القلب، يقول-عليه السلام: "إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدوداً فلا تنتهكوها” (28).
النفس: النفس إما أن تكون مسلمة أو غير مسلمة، فالمسلمة قال تعالى: "ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها” (29). وقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النا” (30). وقال في حديث آخر: "لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل امرئ مسلم”(31). وأما غير المسلم فإما أن يكون معاهدا أو ذميا فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد بمسيرة أربعين عاما” (32).
العقل: لا يستقيم شخص إلا بحفظ مبادئ الدين وقيمه في الوعاء الباطني (القلب) الذي هو محط الأفكار والوساوس. ولا يكون ذلك إلا بحفظ المنافذ المطلة عليه من سمع وبصر والابتعاد عن المسكرات والمخدرات وكل ما يؤثر على العقل ويفقد سلامته وصوابه.
العرض: ويكون حفظه بالبعد عن مسببات الزنا؛ وذلك باجتناب الاختلاط، والخلوة بالمرأة الأجنبية، وسماع الأغاني وممارسة العادات القبيحة، والأعمال السرية مما يسبب لضعف التماسك على النفس؛ فيقع الإنسان في رذيلة، فباجتنابها يحصل الأمن على العرض.
المال: بحفظه من الضياع والوقوع في الربا وعدم إدخاله في المساهمات المحرمة وكذلك عدم استعماله في سبيل الفواحش والمنكرات. وهكذا يحصل الأمن على المال.
فإذا توفر الأمن للإنسان في هذه الضرورات الخمس فقد حصل له الأمن الفكري والاجتماعي وبذلك يتوجه إلى التطورات الإيجابية التي يخدم بها المجتمع والقوم.
شمولية الأمن: لا شك أن الإسلام دين شامل وكامل. فهو يهتم بكل ما يفيد الإنسان ويحد بكل ما يضره. فالإسلام حينما يدعو إلى الأمن فهو لا يقتصر في أمن الفكر بل يشمل النفس والمجتمع والأسرة وغيرها من الأمور التي توفر الأمن للخلق جميعا.
لا شك أن هذا الموضع طويل ومتشعب فلا يمكن استيعاب كل ما يشمله الأمن؛ ولذلك أتحدث هنا عن بعض وأهم ما يعود بالأمن على المجتمع.
الأمن النفسي: إدراك الإنسان نفسه مهم جدا في حياته، فإذا فهم نفسه وأدرك حقيقته وعرف ربه؛ يكون مطمئن النفس، ويقيه من كل أنواع الأمراض والشوائب ويحافظ عليه حفاظا تاما. ولكن لو لم يعرفه ولم يهتم بذلك ولم يدافع عنه مما يضره تكون حياته كارثة عليه وهكذا يذهب أمنه النفسي ويفقد لذة الحياة.
وهناك أمور متعددة لو قام بها الإنسان في حياته لوجد الأمن النفسي، وهي كثيرة ومنها الإخلاص في العمل لوجه الله، والصلاة، والدعاء، والتوبة، والصدق والأمانة وغيرها.
الأمن الأسري: الأمن في الأسرة مطلب أساسي للإنسان. والأسرة المطمئنة توفر الأمن لأفرادها ولمن يعيش في جوارها. والإسلام يهتم بهذا الجانب كثيرا ويحث على التربية السليمة للأسرة كي تكون لبنة خير في تنشئة الأولاد والأجيال ويوفر التلاحم والترابط والتراحم فيما بينهم؛ وهكذا تعييش الأسرة من كبارها إلى صغارها حياة كريمة وسعيدة. وهناك أمر يجب أن يراعي بها كل من الزوجين؛ فالزوج عليه مراعاة زوجته والحفاظ عليها، ووجوب نصحها وإرشادها، وسترها، وأن تجد نصيباً من الرحمة والود والألفة، وألّا يعنف عليها إلا إذا كان ذلك مطلباً مهما، وألّا يكون الضرب علاجاً لكل مشكلة. وعلى الزوجة في المقابل أن تحفظ فراشه، وتستر عيوبه، وألّا تأخذ من ماله إلا ما يكفيها وولدها بالمعروف، وأن تعي بأن القوامة له وليس لها وألّا تخرج من بيته إلا بإذنه. وهناك حقوق مشتركة كحفظ السر، وإشباع الرغبات الجنسية، وتربية الأولاد، ومتى ما وجدت اهتماماً وعناية فإنها تكون سبباً في تحقيق الأمن الأسري والذي يبحث عنه جميع أفراد الأسرة المسلمة.
الأمن الفكري: وللتعرف على الأمن الفكري الذي يدور حوله هذا المقال والذي هو أهم ما يحتاجه الإنسان في عالمنا المعاصر نتوجه إلى ما قاله الدكتور حسين بن سعيد الحسينية في هذا الصدد، فيقول الدكتور: "المراد بالأمن الفكري هو أمن العقول والمفاهيم والأفكار، وبه تسود ثقافة الأمم، ويبرز علماؤها ومفكروها متى ما كان ذلك الأمن أمناً قوياً لا مساومة عليه ولا مزايدة، وعليه مدار نجاح الأمم ونجاتها من التخبط والعشوائية. والأمن الفكري يضمن أيضا رقي أفراد الأمة وتطورهم تطورا علميا نيرا نافعا، والأمن الفكري هو الذي يميز الأمة عن الأمم الأخرى بفكر أبنائها، وثقافتهم، واهتماماتهم العلمية، لذا كان على كل أمة أن تؤسس هذا الأمن بين أفرادها، بمختلف المستويات والأصعدة وعلى أية حال؛ فالأمن الفكري يعتبر لب الأمن وأساسه؛ لأن الأمم والحضارات تقاس بعقول أبناءها وأفكارهم لا بأجسادهم…… وإذا تأثرت تلك العقول والأرواح والقلوب بأفكار دخيلة فاسدة، وتلوثت بثقافات مستوردة، واختلطت مفاهيمها بمفاهيم خاطئة؛ فإن ذلك يبدأ بدخول الخوف إليهم ومحاصرته لهم، وتأثيره عليهم” (33). ويضيف مبينا ضرورة الأمن الفكري وأهميته:” 1-أن الأمن الفكري يعد أهم أنواع الأمن عموما. 2-أن مناقشة مثل هذا النوع يأتي في وقت كثرت فيه التحديات والحملات والانحرافات الفكرية. 3-أن في تحقيق الأمن تحقيق لوحدة الأمة وتوحيدها في المنهج والمبدأ. 4-أن في وجود الخلل في الأمن الفكري خلل في الأمن عموما. 5-أن الفكر لهذه الأمة مستمد من القرآن الكريم والسنة النبوية وهما مضمن الشريعة. 6-أن في تحقيق الأمن الفكري حماية لأهم فئات الأمن وهي فئة الشباب (34) وغيرها من الفوائد التي يجب ان نمعن النظر فيها ونجلب الأمن والسعادة للمجتمع.
وما أروع ما قاله الشيخ عبد الرحمن السديس/حفظه الله ويرعاه في خطبة الجمعة في المسجد الحرام بمكة المكرمة حيث يقول: "ومع أن الأمن بمفهومه الشامل مطلب رئيس لكل أمة إذ هو ركيزة استقرارها وأساس أمانها واطمئنانها إلا أن هناك نوعا يعد أهم أنواعه، فهو بمثابة الرأس من الجسد لما له من الصلة الوثيقة بهوية الأمة وشخصيتها الحضارية، حيث لا غنى لها عنه، ولا قيمة للحياة بدونه، فهو لب الأمن وركيزته الكبرى، ذلكم-يرعاكم الله-هو الأمن الفكري. فإذا اطمأن الناس على ما عندهم من أصول وثوابت وأمنوا على ما لديهم من قيم ومبادئ فقد تحقق لهم الأمن في أسمى صوره وأجلى معانيه وأنبل مراميه، وإذا تلوثت أفكارهم بمبادئ وافدة ومناهج دخيلة وأفكار منحرفة وثقافات مستوردة فقد جاس الخوف خلال ديارهم وحل بين ظهرانيهم، ذلك الخوف المعنوي الذي يهدد كيانهم ويقضي على مقومات بقائهم؛ لذلك حرصت شريعتنا الغراء على تعزيز جانب الأمن الفكري لدى الأفراد والمجتمع والأمة، وكان لها قصب السبق في ذلك عن طريق تحقيق وسائل متعددة أسهمت في حمايته والحفاظ عليه من كل القرصنة الفكرية أو سمسرة ثقافية أو تسللات عولمية تهز مبادئه وتخدش قيمه وتمس ثوابته” (35).
السطور السابقة قد تركزت على الأمن الفكري، أهميته، وشموليته وفوائده… ومن هنا أنتقل إلى أسباب وتداعيات تسبب للانحراف الفكري، فهو مرتبط بالسابق ارتباط الرأس من الجسد وبدون ذلك لا يمكن فهم الموضوع بكل أبعادها.

الفصل الثاني

الانحراف الفكري: قبل الدخول في تفصيل هذا العنوان نتعرف على معنى الانحراف لغة واصطلاحا لأن الشرح اللغوي والاصطلاحي يساعد كثيرا على فهم المعنى والمراد.
الانحراف لغة: يقول ابن فارس: "حرف” الحاء والراء والفاء ثلاثة أصول: حد الشيء، والعدول، وتقدير الشيء… والانحراف عن الشيء، يقال انحرفَ عنه ينحرِفُ انحرافاً وحرفتُه عنه: أي عدلتُ به عنه” (36). وحرّفَ الشيء عن وجهه أي: صرّفه” (37). أما الفكر فقد سبق تعريفه.
الانحراف اصطلاحا: يعرف بأنه "السلوك المخالف للقيم والأعراف المعتادة والمعتدلة الذي يشكل مضايقات أو خطرا اجتماعيا أو تهديدا للمستقبل” (38).
أما الانحراف الفكري فيعرف بأنه: اختلال فكر الإنسان وعقله، والخروج عن الوسطية والاعتدال في فهمه وتصوراته وتوجهاته للأمور الدينية والسياسية إما إلى الإفراط أو إلى التفريط” (39). لا شك أن الانحراف الفكري هو قنبلة موقوتة تنفجر متى ما جاء وقتها، وهو الذي قد شغل الحكومات والأفراد في جميع دول العالم في العصر الحاضر، وقد سبب هذا لكثير من الأموات والهلاك والفساد في الأرض؛ فعمت الفوضى في كل مكان فلا أمن ولا طمأنينة ولا استقرار. إذاً ما هي الأسباب التي تلعب دورا كبيرا في تخريب الأفكار وتملأها سموما حتى لا تكاد تميز بين الخير والشر، والأمن والفساد، والعرض والفتك، والحياة والقتل، والبناء والدمار، والتعمير والخراب، والتنمية والبوار، والازدهار والتخلف وغير ذلك مما يوجب علينا البحث عن الأسباب لهذا الفكر المنحرف.

أسباب الانحراف الفكري:
أسباب الانحراف كثيرة ومتعددة الأنواع والأشكال منها ما هو نفسي وما هو اجتماعي وما هو سياسي وما هو ديني، ومنها ما هو ثقافي أو تفسير خاطئ لكثير من المصطلحات الدينية والسياسية. وفي السطور التالية نورد أهم هذه الأسباب.
الغلو والتطرف:
ويسعدني أن أقتبس هنا مما أورده الدكتور محمد دغيم الدغيم في كتابه حيث يقول: "الغلو والتطرف يؤدي إلى انحراف فكري عقائدي فقد وجد انحراف في فهم النصوص الشرعية عند بعض الفئات من أبناء الأمة الإسلامية الذين اشتطوا في فهم النصوص الشرعية ففسروها على غير وجهها الصحيح، وهذا الأمر جعلهم يتشددون، ويغالون في ذلك فيحكمون في الفسق والضلال على من خالفهم” (40).
سوء التنشئة الاجتماعية:
التربية الحسنة تلعب دورا أساسيا في تنشئة الأجيال، فالأسرة لها تأثير كبير على سلوكيات الطفل. فإذا نشأ وترعرع في جو آمن وسليم يكون حسن الخلق والفكر وإذا نشأ بين العنف والفساد فإنه ينعكس عليه سلبا في الفكر والسلوك؛ ولذلك تعد الأسرة نواة أساسية في بناء الفكر السليم للطفل. يقول الدكتور الدغيم بهذا الصدد: "وتشير كثير من البحوث إن سوء المعاملة الوالدية للأبناء تحدث شروخا وشقوقا وضعفا في جوانب شخصية الأبناء يظهر انعكاسها في الفكر والسلوك، وقد يؤدي بالابن إلى الخوف أو الانتحار أو مقاتلة الوالدين أو إلى ترك البيت مما يعانيه من القسوة والمعاملة الأليمة. وقد وجد أن معظم المشاركين في أحداث التفجيرات التي حدثت في المملكة العربية السعودية والكويت هم ممن انفصلوا عن أهلهم وتمردوا عليهم وخرجوا من بيوتهم منذ فترة طويلة … وإضافة إلى سوء المعاملة الوالدية تجاه الأبناء فإن المشكلات الأسرية كالطلاق والغياب الطويل للأب عن البيت والمعاناة الاقتصادية للأسرة لها علاقة في انحرافات الأبناء الفكرية والسلوكية.” (41).
الغزو الفكري والثقافي:
اتخذ الغزو الفكري للإسلام والمسلمين في العصر الحديث مظاهر عديدة واتجهت تياراته حتى طافت بالعالم الإسلامي كله حاملة إليه السم في العسل أو الموت فيما يزعمون أنه الدواء. وهذا الغزو الفكري له أثر طويل المدى في المجتمع المسلم. كم من عقول تشتت وكم من أفكار تخربت وكم من أخلاق تخربت وكم من سلوكيات تبددت بسبب هذا الغزو الفكري وعاد على المجتمع بالخراب والدمار وانتهاك الأعراض بدلا من الأمن والسلام. وما أحسن ما قاله الشيخ السديس في خطبته: "لقد أوجد الغزو الثقافي مناخا يتسم بالصراع الفكري الذي يجر إلى نتائج خطيرة وعواقب وخيمة على مقومات الأمة وحضارتها، وكان من نتيجة ذلك أن تسمع أصوات تتعالى عبر منابر إعلامية متعددة تدعو وبكل بجاحة إلى التخلي عن كثير من الأمور الشرعية والثوابت المرعية والمعلومة من دين الإسلام بالضرورة. ولقد أوحت هذه الفضائيات وشبكات المعلومات للناظرين وكأن هذه الدنيا أصبحت هدفا للفوضى الفكرية والأخلاقية ومسرحا للضياع في متاهات الإغراءات والإباحية” (42)، فإذا كان الأمر كذلك فهل يمكن أن يتحقق الأمن المحسوس لمجتمع ما دون وجود أمن فكري يستظل بظلاله أفراده ويكون سببا رئيسيا لإحلال الأمن بمعناه الشامل؟ الجواب بالنفي طبعا. ومن هنا نعرف أن أبرز المعوقات التي تتحدى الدور الأمني الشامل لمؤسسات المجتمع هو عدم الاهتمام الكافي بحماية الأمن الفكري. والأمن كل لا يتجزأ، والمجتمع اليوم أحوج إليه بكثير مما سبق من العصور ومع ذلك فإن الجهود المبذولة لحمايته لا تزال أقل من الدرجة المقبولة.
وثمة أسباب أخرى لزعزعة الأمن الفكري ومنها: بيئات التوتر والصراع، وقوة الجماعة المرجعية، والمنهج التعليمي الخفي، واليأس والإحباط، ووسائل الإعلام، والإعجاب المطلق بالرأي، والتمسك بالأفكار القديمة، والتعصب والتحيز، والفراغ والاتصال بقوم منحرفين ومصاحبتهم، وقراءة الكتب الماجنة والهدامة، والإدمان على المخدرات والمسكرات، والتقليد الأعمى، والتعميم والتسرع في الأحكام، والتفسير الخاطئ لمعنى الإرهاب والجهاد، واستهداف أفراد معينين من المجتمع سياسيا ودينيا وغيرها من الأمور التي تسوق الأفراد والجماعات إلى الانحراف الفكري.
مفاسد اختلال الأمن الفكري:
لا شك أن الفكر نعمة عظمى من الله سبحانه حيث يتميز به الإنسان عن غيره من المخلوقات فإذا صح الفكر صح الأمر كله وإذا اختل حصل الاختلال في الأمر كله؛ ولذلك يجب الحفاظ على الأمن الفكري وأسبابه. يقول الدكتور محمد دغيم الدغيم: "إن الفكر القائم على النوايا الطيبة يتسم بالاستقامة، ويسعى إلى تحقيق الأمن والسلام… أما التفكير المنحرف والأعوج فهو تفكير يتميز بالشر والمكيدة ويقوم على إثارة الأكاذيب والمكر والوقيعة بين الناس، وغالبا ما يسعى الفكر المنحرف إلى إثارة الجدل والفتن بما يحويه ويطرحه من مسائل خلافية جدلية لم يستقر عليها رأي ولم يتفق عليها اتجاه، فتتسع دائرة الخلاف وتضيق دائرة الاتفاق بين الأفراد والجماعات، وينعكس كل ذلك على استقرار المجتمع وأمنه”(43)، إذن الآثار والمفاسد للانحراف الفكري كثيرة جدا لا يمكن تفصيلها هنا ولذا أشير إلى أهمها ومنها: إثارة الفتن، التضليل والتغرير، إشاعة الجريمة، انتهاك الحقوق، التلاعب بأمن المجتمع، وعدم الاستشعار بالمسؤولية…. وهذا الانحراف يسبب مشكلات دينية وسياسية واقتصادية وغيرها. ومن المشكلات الدينية: إخراج النصوص الشرعية عن سياقها، وعدم تقدير المصلحة ودرء المفسدة، وإتباع المتشابهات والإعراض عن المحكمات، والخلط بين الانتحار والاستشهاد، وتحريف المفاهيم والمعتقدات، والإفتاء بغير علم شرعي، وتكفير من لا يتفق رأيه”. ومن مشكلاته السياسية: مقاومة السلطة والخروج عليها، والتحزب والتعصب، والاغتصاب والقتل وغيرها من المشكلات.
وسائل حماية الأمن الفكري:
إن الأمن الفكري لا يتحقق إلا بجد واجتهاد، ويجب توفير وسائل واستعدادات كاملة لحمايته. الجميع معنيون ببحث حلول مجدية لذلك حتى تعيش الدول والمجتمعات بالأمن والسلام. ومما لا شك فيه أن الأمن لا يتحقق إلا بطرق متعددة كالوقاية والمواجهة والعلاج. وأذكر هنا بعض الوسائل المهمة.
1- إظهار وسطية الإسلام واعتداله وتوازنه وتطبيق شرائع الإسلام تطبيقا صحيحا مبنيا على الفهم الصحيح للأدلة.
2- معرفة الأفكار المنحرفة وتحصين الشباب ضدها وتصحيح المفاهيم الخاطئة.
3- إتاحة الفرصة الكاملة للحوار والمناقشة داخل المجتمع وتقويم الاعوجاج الفكري بالحجة والإقناع.
4- النهي عن مجالسة أهل الانحراف الفكري ووجوب الأخذ بأيديهم ومنعهم من الإخلال بالأمن .
5- الاهتمام بالتربية والتعليم في المساجد والمدارس والبيوت وإيجاد أجواء الحب والتسامح داخل الأسرة.
6- استغلال وسائل الإعلام في إيصال الوسطية والاعتدال، وتبيين الصورة الحقيقية للإسلام والمسلمين.
7- الاستفادة من المؤسسات الاجتماعية والأمنية والدينية لما لها علاقة مباشرة بأمور الناس.
8- أن يقف أرباب الفكر النير والثقافة الناصعة والمبادئ السليمة صفا واحدا ضد كل فكر يؤثر سلبا على عقول الأمة وبخاصة على عقول الشباب منها.
9- تعميم التعليم والقضاء على الأمية حتى تستعد العقول لقبول الحق والوسطية والمنهج السليم بسهولة.
دور المملكة والجامعة في تعزيز الأمن الفكري:
إن المملكة العربية السعودية تولي اهتماما كبيرا لتعزيز الأمن الفكري، فقد أنشأت كليات أمنية ومؤسسات أمنية تقوم بدراسة الأمن والفكر وكل ما يستجد في هذا المجال، وتقدم حلولا وخدمات متميزة لإرساء الأمن وتحارب الأفكار الضالة والمنحرفة، كما أن رجال الأمن يلعبون دورا أكبر في إحباط مخططات إرهابية والقبض على أصحاب الفكر المنحرف ومروجيه. ومن الجدير بالذكر أن العلماء المخلصين يبذلون قصارى جهودهم في النصح والتسامح ونشر الوسطية وإخراج الناس من ظلمات الفكر المنحرف إلى الفكر الصحيح والمعتدل. ومما يدل على اهتمام المملكة المتواصل بهذا المجال أن صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية قد أمر بإنشاء كرسي مسمى ” كرسي الأمير نايف بن عبدالعزيز للأمن الفكري” وقد عقد أول مؤتمر حول هذا العنوان تحت رئاسته حيث تشرفت جامعة الملك سعود بإعداده وتنظيمه في رحابها. ولا شك أن الجامعة تهتم اهتماما كبيرا بهذا الموضوع وتحاول جاهدا للقضاء على كل ما يسبب للانحراف الفكري. وانطلاقا بدورها الريادي فقد أنشأت "المركز الوطني لأبحاث الشباب”، والذي يهتم بكل ما يهم الطلاب لصقل عقولهم وتوجيههم إلى حياة آمنة مطمئنة، كما أنه يركز على القضاء على المخدرات والمسكرات والتدخين والسيجارة وغيرها التي تسبب مشكلات أمنية وذهنية متعددة. ومما يدعم موقف الجامعة القوي من الأمن الفكري أنها قررت موضوعا خاصا بعنوان "الأمن الفكري” للقاء العلمي الثاني لمؤتمر طلاب وطالبات جامعة الملك سعود. والجامعة معنية بكل ما يوفر الأجواء الطيبة لإرساء الأمن الفكري في المجتمع وبخاصة في مجتمع الطلاب والطالبات.
النتائج والاقتراحات:
مما سبق من المعلومات والبيانات أستخرج بعض النتائج والاقتراحات التي تساعد في بناء الفكر السليم ومحاربة الفكر الضال والمنحرف إن شاء الله وذلك في السطور التالية:
1- أن الإسلام دين الأمن والسلام فهو يحث على إرساء الأمن بكل أشكاله في المجتمع.
2- الأمن الفكري ضرورة أساسية للتنمية والتقدم والازدهار، وهو محور اهتمام الدول والحكومات في جميع أنحاء العالم وكذلك هو مطلب ضروري لطلاب المدارس والجامعات.
3- أن البحوث الأمنية والفكرية ضرورة ملحة في هذا العصر لإيجاد الحلول الأمنية.
4- أن التشجيع لكتابة المقالات حول هذا الموضوع يبث روح الحب لدى الطلاب بالأمن الفكري.
5- يجب الحفاظ على الأمن بأنواعه وهذا يطالب كل فرد من أفراد الأمة.
6- ضرورة الرجوع إلى العلماء وأصحاب الفكر السليم والرأي.
7- وجوب طاعة ولاة الأمر فيما يرضي الله تعالى ولا يسخطه وعدم الخروج عليهم.
8- لا بد من العناية بتصحيح المفاهيم وضبط المصطلحات الشرعية وتنقيتها مما خالطها من المصطلحات المغلوطة والمشبوهة.
9- الاستفادة ممن لديه خبرة في هذا المجال واستثمارها وتوظيفها في مجال الأمن الفكري.
10- قيام مراكز البحوث والدراسات بمختلف التخصصات لرصد كل ما يهدد الأمن الفكري.
11- أن تلعب الأسرة دورا محوريا في بناء الجيل الجديد والفكر السليم.

الخــاتـمــــــــة
فقد ثبت مما تقدم أن لا حياة مستقرة، ولا تنمية ولا ازدهار، ولا تعليم ولا تربية بدون الأمن ولا إنتاج ولا ابتكار بدون الأمن الفكري، فإنه ضرورة ملحة لا استغناء عنها. والجميع مطالب حكومة وجماعات ومؤسسات ومراكز ومنظمات وأفرادا بالتعاون بعضهم مع بعض لتحقيق الأمن الفكري وحماية المجتمع من الفكر المنحرف ومن كل ما يسبب لإخلال الأمن والسلام. هذا، وأسأل الله المولى الكريم أن يمن علينا بالأمن والسلام والسلامة والإيمان وصلى الله على خير خلقه محمد وعلى آله، وأصحابه أجمعين، والسلام.

الحواشي
1- لسان العرب مادة: أمِن
2- المعجم الوسيط مادة: أمِن
3- المفردات في غريب القرآن 1/ 25
4- المنجد في اللغة والأعلام. مادة فكر
5- الأمن الفكري وعناية المملكة العربية السعودية به. 19
6- تنمية الفكر من خلال المنهج المدرسي. 13
7- الأمن والتنمية. 12
8- مجلة البحوث الأمنية (العدد 43) 2009 م د/ عبد الحفيظ بن عبد الله المالكي
9- الأمن في القرآن الكريم. 17
10- البقرة: 185
11- المائدة: 6
12- النساء: 171
13- النحل: 112
14- إبراهيم: 35
15- قريش: 4
16- الأنعام: 82
17- البقرة: 38
18- المائدة: 33-34
19- البقرة: 179
20- النور: 4
21- رواه الترمذي: كتاب الزهد، رقم(2346) وابن ماجة (كتاب الزهد باب القناعة، رقم: (4141) من حديث عبيد الله بن محصن الأنصاري وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب وحسنه الألباني في صحيح الجامع (6042).
22- مسئولية المجتمع عن حماية الأمن الفكري لأفراده. د/ عادل علي الشدي، ورقة عمل مقدمة لندوة المجتمع والأمن المنعقدة بكلية الملك فهد الأمنية بالرياض من 21 – 24 /2 / 1425ه
23- رواه النسائي: كتاب تحريم الدم، تعظيم الدم، رقم: (3986) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي.
24- رواه أحمد في مسنده: 38/ 474 رقم: (23489) من حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقال شعيب الأرناؤوط وزملاؤه في "تحقيقهم للمسند”: إسناده صحيح ” وصحح إسناده أيضا الألباني، انظر غاية المرام، رقم: (308).
25- متفق عليه. صحيح البخاري، كتاب العلم، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا، رقم: (69) ومسلم. كتاب الجهاد والسير، باب
26- في الأمر باليسر وترك التنفير، رقم: (2734).
27- ابن ماجة، كتاب المناسك، باب قدر حصي الرمي، رقم: (3029) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وصححه الألباني في صحيح الجامع (2680).
28- صحيح البخاري (كتاب الحج باب الخطبة في أيام منى) رقم الحديث: (1652) صحيح مسلم: ( كتاب الحج باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم). رقم الحديث: (2941).
29- رواه الدار قطني: 5/ 325 رقم: (4396) من حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه، وضعفه الألباني في تحقيقه للمشكاة (197).
30- النساء: 93
31- رواه مسلم، كتاب الفتن، باب إذا توجه المسلمان بسيفيهما، رقم:( 2888) من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.
32- رواه النسائي، كتاب تحريم الدم، رقم: (3987) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، رقم: (2439).
33- أخرجه البخاري، كتاب الجزية والموادعة، باب إثم من قتل معاهدا بغير جرم، رقم: (3166) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
34- الأمن: أهميته وأنواعه وسبل تحقيقه (محاضرة ألقيت بجامع الهدى بخميس مشيط 9-8-1427)
35- الأمن: أهميته وأنواعه وسبل تحقيقه (محاضرة ألقيت بجامع الهدى بخميس مشيط 9-8-1427)
36- الأمن الفكري: الشيخ عبد الرحمن السديس (خطبة الجمعة بالمسجد الحرام مكة الكرمة 3-8 1425)
37- ابن فارس: معجم مقاييس اللغة. مادة حرف.
38- المنجد في اللغة والإعلام. مادة حرف.
39- الوقاية من انحراف الأحداث ومبادئ الرياض التوجيهية (مجلة الفكر الشرطي 1413ه) صـ 131 وما بعدها
40- الوسطية في الإسلام. (المجلة العربية للدراسات الأمنية والتدريب 1425ه) صـ40
41- الانحراف الفكري وأثره على الأمن الوطني في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. صـ30-31.
42- الأمن الفكري: الشيخ عبد الرحمن السديس (خطبة الجمعة بالمسجد الحرام مكة الكرمة 3-8-1425)
43- الانحراف الفكري وأثره على الأمن الوطني في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. صـ59.

فهرس المراجع والمصادر
1- القرآن الكريم
2- الأمن في القرآن الكريم، د/ عبد الرحمن بن علي الناشب، الجنادرية للنشر والتوزيع، الأردن، 2010 م
3- الانحراف الفكري وأثره على الأمن الوطني في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، إعداد: محمد دغيم الدغيم، مطبعة الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، 1427ه – 2006م
4- الأمن في الإسلام وتطبيق المملكة العربية السعودية السياسة الجنائية الإسلامية، تأليف: د/ عبد الله بن عبد المحسن التركي، الناشر: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية.
5- الاستفادة من الانترنت Google
6- الأمن والتنمية، تأليف: نصير أحمد، مكتبة العبيكان الرياض، 1413ه
7- تنمية الفكر من خلال المنهج المدرسي، تأليف: رشيد بن النوري البكر، مكتبة الرشد، 1423ه
8- سنن النسائي، تحقيق مشهور حسن سلمان، مكتبة المعارف بالرياض
9- سنن الترمذي، تحقيق أحمد محمد شاكر وغيره، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر، ط2 (1397 هـ -1977م)
10- سنن الدار قطني، تحقيق شعيب الأرناؤوط وزملاؤه، ط1 (1424هـ-2004) مؤسسة الرسالة بيروت
11- سنن ابن ماجه، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية
12- صحيح مسلم، تحقيق أبو صهيب القرني، بيت الأفكار الدولية، الرياض (1419 هـ -1998 م)
13- صحيح البخاري، تحقيق محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طرق النجاة ط1 (1422ه)
14- صحيح الجامع الصغير وزيادته للألباني، المكتب الإسلامي بيروت، ط3 (1408هـ -1988م)
15- لسان العرب، ابن منظور، تحقيق شهاب الدين أبو عمرو، ط،2 دار إحياء التراث العربي بيروت
16- المفردات في غريب القرآن، للراغب الأصفهاني، تحقيق محمد سعيد كيلاني، دار المعرفة لبنان
17- معجم مقاييس اللغة، ابن فارس، تحقيق: شهاب الدين أبو عمرو، دار الفكر بيروت 1994م
18- المنجد في اللغة والإعلام، ط28 دار المشرق بيروت
19- المعجم الوسيط، أنيس إبراهيم وآخرون، ط،2 القاهرة مجمع اللغة العربية 1991م
20- مجلة البحوث الأمنية، العدد 43، 2009م، دورية علمية محكمة تصدر عن مركز البحوث والدراسات بكلية الملك فهد الأمنية، الرياض.
21- مسند أحمد، تحقيق شعيب الأرناؤوط وآخرون، مؤسسة الرسالة بيروت، ط1 (1416هـ -1995)

Leave a Reply

avatar
3000
  Subscribe  
Notify of