مما لا شك فيه أن هذه الحياه عنوان عن الامتحان والاختبار فما من انسان إلا وهو يختبر بأنواعه المختلفة و أساليبه المتنوعة ، فبعض يفتن بكثرة الأموال و الأولاد و بعض بنقصها ، و بعض بالخوف و الخشية و بعض بالهم و الحزن و إلى غير ذلك من الأنواع ،
و ما ابتلى أحد بشئ أشد من التعود على ارتكاب المعاصي ، فمن ذاقه مرة تعَوّد عليه ، و العادة تتعلق بالقلب ، و القلب أمره معلوم ، فمخالفته أمر يفقد دونه القوى قوته و الجرى جرأته و العاقل عقله و الحليم حلمه
فيا من ابتلى بشئ من هذه المعاصى و تعود على ارتكابه و تعب بتكراره و عجز عن تركه و مع أنه بذل كل ما كان بوسعه لم ينجح فى اجتنابه ! لا تعجز و لا تحزن و لا ياْخذك اليأس و القنوط من رحمة الله ، فإن رحمة الله وسعت كل شئ وأنت كذلك منه بل لربما نحن أحق بها من كثير من الأشياء حيث قال الله تعالى: (وَ لَقَدۡ کَرَّمۡنَا بَنِیۡۤ اٰدَمَ وَ حَمَلۡنٰہُمۡ فِی الۡبَرِّ وَ الۡبَحۡرِ وَ رَزَقۡنٰہُمۡ مِّنَ الطَّیِّبٰتِ وَ فَضَّلۡنٰہُمۡ عَلٰی کَثِیۡرٍ مِّمَّنۡ خَلَقۡنَا تَفۡضِیۡلًا ﴿٪۷۰﴾ )
فهات يدك و هيا بى إلى هذا الكتاب المبارك الذى هو حل لكثير من مسائل الحياة ، و شفاء لما فى الصدور و هدى و رحمة للمومنين ، و إذا فتحته و تتلوه بقلبك و قالبك ممعنا النظر ، منهمكا فيه فستجد فيه آية تكون حلا لمشكلتك و شفاءً لمرضك إن شاء الله
ألا و هى : (یٰۤاَیُّہَا الَّذِیۡنَ اٰمَنُوۡۤا اِذَا لَقِیۡتُمۡ فِئَۃً فَاثۡبُتُوۡا وَ اذۡکُرُوا اللّٰہَ کَثِیۡرًا لَّعَلَّکُمۡ تُفۡلِحُوۡنَ ﴿ۚ۴۵﴾ )
فتعال ! نقف مع هذه الآية وقفات حتى يتبين لنا ما فى غموضها من الدواء و طريقة استعماله ،
★ أمر الله بالثبات و ذكره عند لقاء العدو ، و جعلهما سببا للفلاح و النجاح ، و هذا فى الحرب الخارجية ، فكذلك لا يكمن الفلاح و النجاح فى الحرب الباطنية ( أى : الحرب مع النفس ) إلا بهما ، فهما كشرطان للفلاح فى كلتى الحربين ، بل ربما يكون الرجل فى الحرب الباطنية أحوج إليهما من الحرب الخارجية و ذلك لثلاثة أوجه :
١ : يمكن استعمال السلاح و آلات الحرب فى الحرب الخارجية دون الباطنية ، فإنه يكون فيها الرجل مجردا عن ذلك كله و لا سلاح له إلا ذكر الله و قوة إيمانه
٢ : فى الحرب الخارجية يكون الرجل مع الجماعة ، فهى تعين فى الغلبة على العدو بخلاف الحرب الباطنية فإنه يكون فيها الرجل وحيداً ، و لا يعينه إلا الثبات و ذكر الله ،
٣ : الحرب الخارجية لا تقع إلا قليلا أو نادراً و خاصة فى هذا الزمان ، و أما الحرب الباطنية فتكون حوالى كل يوم و ربما غير مرة فى يوم واحد ، فيحتاج الإنسان إلى أن يعرف طريق النجاح و الفلاح فى هذه الحرب أكثر من الحرب الخارجية
★ قوله تعالى : كثيراً : فدل على كثرة ذكر الله تعالى ،
و الكثرة شيء نسبي ، فينبغى أن يكون الذكر أكثر و أقوى من كثرة وساوس الشيطان و قوتها ، حتى تقل وساوسه و تضعف قواه
فائدة : قلت : ” أقوى “ مع أنها لم ترد فى الآية ، لأن الكثرة بدون القوة لا تفيد ، و بخلاف ذلك إذا كان الإنسان أقوى دون كثرة فيفلح ؛ كحرب البدر و غيرها ، فالعبرة بالقوة دون الكثرة
أما الكثرة فهى يدركها الرجل هنا بنفسه ،
وأما قوتها فهى حسب قوة إيمان الرجل ، فكلما قوى إيمانه قوى أثر تلك الأذكار و ازدادت إمكانية الفلاح و النجاح و سهلت الغلبة على النفس فى أقرب وقت ممكن و أبكره
★ يمكن أن تقع الحرب الباطنية فى أى وقت من الليل و النهار بخلاف الحرب الخارجية فإنها عادة لا تقع فجأة دون تخطيط سابق
★ ينبغي أن يكون الذكر هنا مما يستعاذ به بالله من الشيطان الرجيم فذلك أدعى للقبول و أسهل للغلبة عليه لأنه ضرب على الشيطان مباشرة .
كالأذكار التالية
((أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ: مِنْ نَفْخِهِ، وَنَفْثِهِ، وَهَمْزِهِ))
رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ
وغير ذلك من الأذكار المشروعة
٭ أو مما يخافه الشيطان و يفر منه : كاية الكرسى
٭ أو مما يقوى قلب الإنسان و يثبته :
كقوله صلى الله عليه وسلم : يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك و يا مصرف القلوب صرف قلبى على طاعتك
٭ أو الأدعية العامة بأى لغة كانت
و إذا جمعت بين هذه كلها فلعل ذلك أحسن و أولى ان شاء الله ، لما فيه من الاستعانة من كل ناحية من التعوذ من الشيطان و تخويفه و من تثبيت القلب و تجميعه و ما يريده الرجل أن يطلبه
فإذا وسوس الشيطان فلا تعجز بل استعن باستعمال هٰذين السلاحين ( أعنى : التثبت بمجاهدة النفس و كثرة ذكر الله تعالى بالصلاة و الأدعية العامة ) توكلا على الله حق توكله حتى تغلبه ، فهما من أقوى ما يعينك فى هذه الحرب إن شاء الله
بارك الله بك !
وشكرا فجزاكم الله أفضل الجزاء وأجزل لكم المثوبة الحسنى في الدنيا والآخرة آمين
و لك مثل ذلك
و شكراً لهذا التنبيه
و بك