فضائل الصحابۃ ومكانتهم في ضوء القرآن الكریم و السنۃ المطهرۃ

عبدالمنان السلفي السير و التراجم

[ أعدَّ هذا المقال القيم فضيلة الشيخ عبد المنان السلفي حفظه الله ورعاه (وكيل جامعة سراج العلوم السلفية جندا نغر نيبال، ومدير تحرير مجلتها «السراج») مشاركًا في المؤتمر العالمي حول «فضائل الصحابۃ و تضحیاتهم في ضوء الكتاب و السنۃ» المنعقد في الجامعۃ الإسلامیۃ بمدینۃ حیدرآباد، الهند خلال الفترۃ: ۲۸،۲۹،۳۰؍ رجب ۱۴۳۲ھــ = ۱،۲،۳؍ یولیو ۲۰۱۱م، تشكر أسرة المجلة فضيلته على التكرم بإرساله للنشر، فجزاه الله خيرًا وبارك فيه].


الحمد لله رب العالمین، و الصلاۃ و السلام علی أشرف الأنبیاء و سید المرسلین محمد بن عبد الله الأمین ، وأصحابه الغرّ المیامین، وآله الطیبین، وأهل بیته الطاهرین، ومن تبعهم بإحسان واهتدی بهدیهم، واستن بسنتهم وسلك علی منهجهم مخلصین إلی یوم الدین، وبعد!
لا شك أن الصحابۃ رضی الله عنهم خيـر الخلق بعد الأنبیاء والرسل – صلوات الله وسلامه عليـهم – وإنهم قوم اختارهم الله لصحبۃ نبیه ﷺ ونقل دینه، فإنهم قمۃ في الورع والتقوي، وآيۃ في الإخلاص و التعبد، و مشعل في العلم و العمل، و نبراس في الدعوۃ و التبلیغ، حفظوا الشریعۃ الإسلامیۃ من أهواء الملحدین الزائغین و حموها من تأویل الزنادقۃ و المبتدعین، فإنهم أبرّ الناس قلوباً و أعمقهم علماً و أقلّهم تكلفاً ، و إنهم قدوۃ حسنۃ و نموذج طیب لكا فۃ الإنسانیۃ في جمیع أمور الحیاۃ إلی یوم القیامۃ،كما قال الصحابی الجلیل عبد الله بن عمر رضی الله عنهما:
« من كان مستنّاً فلیستنّ بمن قد مات، أولٰئك أصحاب محمد ﷺ ، كانوا خیر الأمۃ، أبرّها قلوباً و أعمقها علماً و أقلّها تكلفاً، اختارهم الله لصحبۃ نبیه و نقل دینه، فتشبّهوا بأخلاقهم و طرائقهم، فهم أصحاب محمد ﷺ كانوا علی الهدی المستقیم » (حلیۃ الأولیاء : ۱؍۳۰۵،۳۰۶).
وكما قال عبدالله بن مسعود رضی الله عنه: « إن الله نظرفي قلوب العباد فوجد قلب محمدﷺ خیر قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه وابتعثه برسالته،ثم نظرفي قلوب العباد بعد قلب محمدﷺفوجد قلوب أصحابه خیرقلوب العباد، فجعلھم وزراء نبیه، یقاتلون علی دینه، فما رأی المسلمون حسناً فھو عندالله حسن، وما رأوا سیئاً فھو عندالله سيء » (رواه الامام أحمد في مسنده ۱؍۳۷۹ (۳۶۰۰) وقال الشیخ أحمد شاكر: إسناده صحیح، والبغوی في شرح السنۃ۱؍۲۱۴).
ففي ھذه المقالۃ الوجیزۃ حاولت جمع بعض فضائل الصحابۃ رضی الله عنهم في ضوء الكتاب والسنۃ، حتی تطلع الأمۃ علی مكانتھم الرفيعۃ وتعرف لھم قدرھم وفضلھم وتتأسی بھم وتعتـز وتفتخر بالانتساب إلیـهم، والله هو الموفق.

فضل الصحابۃ ومكانتھم في القرآن الكریم:
قد ذكرالله سبحانه وتعالیٰ أصحاب نبیه ﷺ في كثیر من الآیات وأثنی علیهم وزكاھم و وصفهم بالأوصاف الجمیلۃ والخصائل الحمیدۃ، فسوف أكتفي بذكربعض أوصافھم النبیلۃ ومیزاتھم النیرۃ في ضوء بعض الآیات القرآنیۃ الشریفۃ.

رضی الله عنهم :
لقد ذكر الله عزّ وجلّ السابقین الأولین من المهاجرین والأنصار في سورۃ التوبۃ وبشّرھم برضاه عنهم، وإعداد الجنة لھم، وتكريمهم بها، ولاشك أن ھذا فضل عظیم شرّف الله به أصحاب محمد ﷺ وشرف خاص بهم لایساویهم فيه أحد، قال تعالیٰ { والسابقون الأولون من المھاجرین والأنصار والذین اتبعوھم بإحسان، رضی الله عنهم ورضوا عنه، وأعدّ لھم جنت تجری تحتھا الأنھٰر خٰلدین فيھا أبدا،ً ذٰلك الفوزالعظیم} (التوبۃ: ۱۰۰).
قال الإمام ابن كثیر رحمه الله في تفسیر ھذه الآیۃ: « یخبرتعالی عن رضاه عن السابقین من المھاجرین والأنصار والتابعین لھم بإحسان ورضاھم عنه بما أعدّ لھم من جنات النعیم والنعیم المقیم ….. فيا ویل من أبغضهم وسبّھم أوأبغض أوسبّ بعضھم، ولاسیما سیدالصحابۃ بعدالرسول وخیرھم وأفضلھم أعنـي الصدیق الأكبر والخلیفۃ الأعظم أبابكر بن أبی قحافۃ رضی الله عنه…. فأین هٰولاء (الروافض) من الإیمان بالقرآن إذ یسبّون من رضی الله عنهم ». (تفسیر القرآن العظیم للحافظ عمادالدین أبی الفداء اسماعیل بن كثیر القرشی ج۲؍۴۷۴).
وكذلك میّز الله سبحانه وتعالیٰ بھذا الشرف العظیم (شرف الرضا عنه)الصحابۃ الكرام- رضی الله عنهم- الذین بایعوا النـبی ﷺ تحت الشجرۃ بیعۃ الرضوان في مقام الحدیبیۃ، فقال: {لقد رضی الله عن المؤمنین إذ یبایعونك تحت الشجرۃ فعلم ما في قلوبھم فأنزل السكینۃ علیهم وأثابهم فتحاً قریباً} (الفتح:۱۸).
قال الإمام ابن كثیر رحمه الله: « یخبر تعالیٰ عن رضاه عن المؤمنین الذین بایعوا رسول اللهﷺ تحت الشجرۃ ». (تفسیرالقرآن العظیم ج ۴،ص:۲۲۵).

استجابتھم لله ولرسوله:-
فقد أثنـی الله سبحانه وتعالیٰ علی الصحابۃ الذین استجابوا لله ولرسوله حینما رجع النبیﷺ من أحدٍ إلی المدینۃ بعد الغزوۃ وندبھم إلی الخروج وراء المشركین، لیرهبوھم وحـتی لایرجعوا إلی المدینۃ مكرّین، فقال: {الذین استجابوا لله والرسول من بعد ماأصابھم القرح، للذین أحسنوا منھم واتقوا أجرعظیم،الذین قال لھم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوھم، فزادھم إیماناً، وقالوا حسبنا الله ونعم الوكیل} (آل عمران:۱۷۲،۱۷۳).
قال الشیخ العلامۃ عبدالرحمن السعدی رحمه الله في تفسیرالآیتین:
« لما رجع النبیﷺ من أحدٍ إلی المدینه، ندب أصحابه إلی الخروج، فخرجوا -علی حالھم من الجراح- استجابۃً لله ولرسوله ، فوصلوا إلی حمراء الأسد، وجاء هم من جاء ھم وقال لھم : {إن الناس قد جمعوا لكم} وھمّوا باستئصالكم، تخویفاً لھم وترھیبا، فلم یزد ذلك إلا إیمانا بالله واتكالا علیه، {وقالوا حسبنا الله} أي كافينا كل ما أھمنا {ونعم الوكیل} المفوّض إلیه تدبیر عباده والقائم بمصالحھم {فانقلبوا بنعمۃ من الله وفضل لم یمسسھم سوء واتبعوا رضوان الله۔۔۔} وجاء الخبرالمشركین أن الرسول وأصحابه قدخرجوا إلیكم وندم من تخلّف منھم، فألقی الله الرعب في قلوبھم واستمروا راجعین إلی مكۃ، و رجع المؤمنون بنعمۃ من الله وفضل، حیث منّ الله علیهم بالتوفيق للخروج بھذه الحالۃ والاتكال علی ربھم ، ثم إنه قدكتب لھم أجر غزاۃ تامۃ، فسبب إحسانھم بطاعۃ ربھم و تقواهم عن معصیته لھم أجرعظيم ».
(تیسیرالكریم الرحمٰن للشیخ العلامۃ عبد الرحمن ناصر السعدی:ص:۱۷۷،۱۷۸)

صدقوا ماعاھدوا الله علیه:
قد ذكر الله سبحانه وتعالیٰ مواقف كل من المنافقین والمؤمنین من أصحاب محمدﷺ في غزوۃ الأحزاب لما ھاجم المشركون علی المسلمین متحدین من الجھات المتعددۃ لاستئصال المسلمین، كما قال تعالیٰ: { إذ جآؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنونا بالله الظنونا، ھنالك ابتلی المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شدیداً} ( الأحزاب:۱۰،۱۱).
ففي ھذا الموقف العظیم نقض المنافقون العهد الذی عاھدوا الله بأنھم لایولّون الأدبار ولم یثبتوا عند ھذه المحنۃ واعتذروا بأنواع المعذرۃ للھروب من الحرب والجهاد في سبیل الله، ولكن الصحابۃ رضی الله عنهم فأحوالھم تختلف عن المنافقین الناقضین میثاقهم وعهدهم بربهم حیث أنهم قاموا بإیفاء عهدهم و وعدهم الذی وعدوا بربهم و قاموا بالجهاد، كما قال تعالیٰ: {ولما رأی المؤمنون الأحزاب قالوا ھذا ماوعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله، وما زا دھم إلا إیماناً وتسلیماً ،من المؤمنین رجال صدقوا ماعاھدوا الله علیه فمنھم من قضی نحبه ومنھم من ینتظرومابدّلوا تبدیلاً} ( الأحزاب:۲۲۔۲۳).
قال الشیخ السعدی رحمه الله في تفسیره:
« ولما ذكرالمنافقین{ عاھدوا الله }لایولّون الأدبار، ونقضوا ذلك العهد، ذكروفاء المؤمنین به فقال {من المؤمنین رجال صدقوا ماعاھدوا الله علیه }أی وفوا به وأتمّوه وأكملوه، فبذلوا مهجھم في مرضاته وسبّلوا نفوسھم في طاعته ولم یزالوا علی العهد لا یلوون و لا یتغیرون،فھولاء ھم الرجال علی الحقیقۃ، و من عداهم (المنافقین و الكفار) فصورهم صور رجال، و أما الصفات فقد قصرت عن صفات الرجال ». (تیسیر الكریم الرحمٰن ص:۹۱۲)
وقال ابن كثیر رحمه الله:
« لماذكرعن المنافقین أنھم نقضوا العهد الذی كانواعاھدوا الله علیه لایولون الأدبار، وصف المؤمنین بأنھم استمروا علی العهد والمیثاق.. وماغیّروا عهد الله ولانقضوه ولابدّلوه ».
(تفسیرالقرآن العظیم لابن كثیر ج۳،ص:۵۸۶).

أشدّاء علی الكفار،رحما ء بینھم:
قد ذكرالله سبحانه وتعالیٰ أصحاب رسوله ﷺ في آخرسورۃ الفتح وأثنی علیهم ببیان أوصافھم ومیزاتھم بین الناس، فقال: {محمد رسول الله،والذین اٰمنوا معه أشدّاء علی الكفار رحماء بینھم، تراهم ركعاً سجداً یبتغون فضلاً من الله ورضواناً سیماھم في وجوھم من أثرالسجود، ذلك مثلھم في التوراۃ ومثلھم في الإنجیل كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستویٰ علی سوقه یعجب الزراع لیغیظ بھم الكفار وعدالله الذین آمنوا وعملوا الصلحٰت منھم مغفرۃً وأجراً عظیماً} (الفتح:۲۹).
ففي ھذه الآیۃ الكریمۃ وصف الله أصحاب نبیه ﷺبأكمل صفاتھم:
٭أشدّاء علی الكفار: « وأنھم جادُّ ون ومجتھدون في نصرتھم وساعون في ذلك بغایۃ جھدھم فلم یری الكفار منھم إلا الغلظۃ و الشدۃ .
٭رحماء بینھم: أی متحابّون، متراحمون، متعاطفون كالجسد الواحد، ویحب أحدھم لأخیه ما یحبه لنفسه، ھذه معاملتهم مع الخلق، و أما معاملتهم مع الخالق فإنك:
٭تراهم ركعاً سجداً: أي: وصفھم بكثرۃ العمل وبكثرۃ الصلاۃ وھی خیرالأعمال، وأجلّ أركانھا الركوع والسجود .
٭یبتغون فضلاً من الله ورضوانا: وصفھم بالإخلاص فيھا لله عزوجل والإحتساب عندالله جزیل الثواب ورضاه تعالیٰ عنهم.
٭سیما ھم في وجوھھم: قال ابن عباس سیماهم في وجوهم: یعنی الصمت الحسن، وقال مجاهد وغیرواحد یعنی الخشوع والتواضع، فالصحابۃ رضی الله عنهم خلصت نیاتھم وحسنت أعمالهم، وكل من نظرإلیهم أعجبوه في سمتھم وھدیھم.
٭ذٰلك مثلهم في التوراۃ ومثلھم في الإنجیل: قال الشیخ السعدی: « أی هذا وصفهم الذی وصفهم الله به مذكور بالتوراۃ هكذا، و وصفهم في الإنجیل بوصف آخر وإنهم في كمالهم وتعاونهم { كزرع أخرج شطأ ه فآزره } وكذلك الصحابۃ رضی الله عنهم، هم كالزرع في نفعھم للخلق واحتیاج الناس إلیهم، فقوۃ إیمانھم وأعمالھم بمنزلۃ قوۃ عروق الزرع وسوقه. « وقال ابن كثیر رحمه الله : « فقد نوّه الله بذكرهم في الكتب المنزلۃ والأخبار المتداولۃ، فأصحاب محمد ﷺ أزّروه وأیدوه ونصروه ،فھم معه كالشطأ مع الزرع ».
٭وعد الله الذین آمنوا وعملوا الصلحت منھم مغفرۃ وأجراً عظیما: فقد أثنی الله علیهم و ذكر رضاه عنهم و وعدهم بمغفرۃ ذنوبھم وإعطائھم ثواباً جزیلاً، ولھم الفضل والسبق والكمال الذي لا یلحقھم فيه أحد من هذه الأمۃ.
(ملخصاً عن تفسیرالقرآن العظیم لابن كثیر ۴؍۲۴۰-۲۴۱وتفسیرالسعدی ص : ۱۱۰۷،۱۱۰۸)

إیمانھم و عملهم مقیاس و معیار:
ذكر الله عزوجل في سورۃ البقرۃ المنافقین الذین ظاهرهم الإسلام وباطنھم الكفر والذین كانوا یدعون الإسلام باللسان فقط، و صرّح الله بأنه لا عبرۃ لإیمانهم حتی یكون إیمانهم كإیمان الصحابۃ رضی الله عنهم {وإذا قیل لھم آمنوا كما آمن الناس} (البقرۃ:۱۳) أي قیل للمنافقین، آمنوا كما آمن الصحابۃ رضی الله عنهم، وھو الإیمان بالقلب واللسان، فكأن إیمان الصحابۃ رضی الله عنهم معیار ومقیاس، ولا عبـرۃ لإیمان أحد لا یشابه إیمانھم، ولاشك أن ھذا فضل عظیم من الله سبحانه وتعالیٰ علی الصحابۃ رضی الله عنهم حیث جعل إیمانھم نموذجًا ومثالاً ومعیاراً للآخرین. ( ملخصاً عن تیسیر الكریم الرحمن للشیخ السعدی:ص:۳۳).
وكذلك ذكرالله سبحانه وتعالیٰ أهل الكتاب -الیهودوالنصاری- ٰ وادعاء ھم الكاذب بأنھم المسلمون حقاً، فردّ علی دعواھم قائلاً:{فإن آمنوا بمثل ماآمنتم به فقداھتدوا}(البقرۃ:۱۳۷)أی إن آمن أھل الكتاب بمثل ما آمنتم أیھاالصحابۃ فقد اھتدوا للصراط المستقیم، أی فلا سبیل لھم إلی الھدایۃ إلا بھذا الإیمان أی بایمان المؤمنین من الصحابۃ، لا كما زعم أھل الكتاب بقولھم { كونوا ھوداً أونصاری تھتدوا }.
( ملخصاً عن تیسیر الكریم الرحمن للشیخ السعدی:ص:۶۸).
و كذلك نبّه الله سبحانه و تعالی الناس عن مخالفۃ الرسول ﷺ في سورۃ النساء وهدَّد كل من یشاقق الرسول ﷺ ویخالف عن أمره ، ویتبع غیر سبیل المؤمنین ومنهجهم بالنار ، فقال سبحانه و تعالی: { و من یشاقق الرسول من بعد ما تبین له الهدی و یتبع غیر سبیل المؤمنین نوله ما تولّی و نصله جهنم و سآء ت مصیراً } (النساء: ۱۱۵).
بین الله سبحانه و تعالی في هذه الآیۃ الشریفۃ أن مخالفۃ الرسول ﷺ بعد ظهور الحق والهدایۃ، وترك سبیل المؤمنین، واتباع طرق غیرهم، خروجٌ عن الدین، هدد الله علیه بنار جهنم، فبعض المفسرین قالوا: المراد بالمؤمنین في الآیۃ: الصحابۃ الكرام رضی الله عنهم ؛ لأنهم أول من آمن في هذه الأمۃ، وعند نزول هذه الآیۃ كانت لا تو جد طائفۃ المسلمین غیرهم، فاتباع الصحابۃ في العقیدۃ و العمل مطلوب وحق، و الانحراف عن منهجهم زیغ و ضلال، و كما استدل بعض المفسرین بهذه الآیۃ علی حجیۃ الإجماع، فإجماع الصحابۃ حجۃ بلا ریب و اختلاف، و الله أعلم.

مدح المهاجرین والأنصار:
قد ذكرالله سبحانه وتعالیٰ أحكام الفئی في سورۃ الحشر،وفي بیان مصارفه ذكر الفقراء المهاجرین ، فمدحهم علی هجرتهم، وإخلاصهم، ونصرتھم لله ولرسوله، ثم وصف الأنصار الذین سكنوا دارالهجرۃ، ومدحهم، فقال تعالی: { للفقراء المهاجرین الذین أخرجوا من دیارهم وأموالهم یبتغون فضلاً من الله ورضواناً، وینصرون الله ورسوله، أولئك هم الصادقون ، والذین تبوّء وا الدار والإیمان من قبلھم یحبون من ھاجر الیهم، ولایجدون في صدورهم حاجۃ مما أوتوا ویؤثرون علی أنفسهم ولوكان بھم خصاصۃ، ومن یوق شحّ نفسه فأولئك ھم المفلحون} (الحشر:۸،۹).
قال الإمام ابن كثیر: « یقول الله مبیناً حال الفقراء المهاجرین المستحقین لمال الفيء أنھم {أخرجوا من دیارھم وأموالهم یبتغون فضلاً من الله ورضوانا } أي خرجوا من دیارھم وخالفوا قومھم ابتغاء مرضاۃ الله ورضوانه، { وینصرون الله ورسوله أولئك ھم الصادقون } أي ھولاء الذین صدقوا قولھم بفعلهم، وھولاء ھم سادات المهاجرین، ثم قال تعالیٰ مادحًا للأنصار ومبینًا فضلھم وشرفهم وكرمهم وعدم حسدھم وإیثارھم مع الحاجۃ، فقال: { وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ } أی سكنوا دار الھجرۃ من قبل المهاجرین وآمنوا قبل كثیرمنهم، ثم وصفھم بأنھم {یحبون من هاجرإلیهم} أی من كرمهم وشرف أنفسھم یحبون المهاجرین ویؤاسونهم بأموالهم { ولایجدون في صدورهم حاجۃ مما أوتوا } أي ولایجدون في أنفسهم حسداً للمهاجرین فيما فضّلهم الله به من المنزلۃ والشرف والتقدیم في الذكر والمرتبۃ، { ویؤثرون علی أنفسهم ولوكان بهم خصاصۃ}أي یقدمون المحاویج علی حاجۃ أنفسهم ویبدأ ون بالناس قبلهم في حال احتیاجهم إلی ذلك ». (تفسیر ابن كثیر ج: ۴ ص:۳۹۹).

لاتطردالذین یدعون ربهم:
إن أنا ساً من قریش أومن كبراء العرب قالوا للنبیﷺ إن أردت أن نؤمن لك ونتبعك فاطرد فلانا وفلانا أناساً من فقراء الصحابۃ، فإنا نستحي من إخوتنا العرب أن یرونا جالسین مع ھولاء الفقراء البائسین، فحرصا علی إسلامهم وطمعا في اتباعهم له رضی النبی ﷺ بنفسه بذلك، و لكن الله سبحانه لم یرض به بل خاطب النبی ﷺ معاتبا بقوله : { لاتطرد الذین یدعون ربهم بالغدوٰۃ والعشیّ یریدون وجهه، ما علیك من حسابهم من شئی وما من حسابك علیهم من شئی، فتطرد هم فتكون من الظالمین } (الأنعام:۵۲).
قال ابن كثیر في تفسیره:’’ أی: لا تبعد ھولاء المتصفين بھذه الصفۃ عنك، بل اجعلهم جلسا ء ك وأخصّائك، كما قال: ’’واصبرنفسك مع الذین یدعون ربهم بالغدوٰۃ والعشی یریدون وجهه ولاتعد عیناك عنهم ترید زینۃ الحیاۃ الدنیا۔۔۔۔۔۔۔}الكهف:۱۲۸‘‘(تفسیر ابن كثیر ج۲،ص:۱۷۲)
و قال العلامۃ الشیخ السعدی في تفسیره:
’’فھولاء لیسوا مستحقین للطردوالإعراض عنهم، بل هم مستحقون لموالاتك إیاهم ومحبتهم وإدناء هم وتقریبهم، لأنهم الصفوۃ من الخلق وإن كانوا فقراء، والأعزاء -في الحقیقۃ -وإن كانوا -عندالناس- أذلاء،۔۔۔۔۔۔۔۔۔وقد امتثل النبیﷺ ھذا الأمر اشد امتثال، فكان إذا جلس الفقراء من المؤمنین صبرنفسه معهم وأحسن معاملتهم وألان لهم جانبه وحسن خلقه وقربّهم منه، بل كانوا هم أكثر أھل مجلسه، رضی الله عنهم‘‘
(تیسیرالكریم الرحمٰن ص:۳۱۹)

جهادهم بأموالهم وأنفسھم:
لقد أنزل الله عزوجل أمرالجهاد في سورۃ التوبۃ وذكرهناك أحكامه بشيء من التفصیل، ثم ذكرالمنافقین وكراهتهم القتال في سبیل الله، وتثاقلهم عن طاعاته، وتكاسلهم في امتثال النبیﷺ، وتخلفهم عن الجهاد، واعتذارهم الباطل، ورضاء هم لأنفسهم بالقعود في البیت مع النساء والاطفال بقولهم بصراحۃ: { ذرنا نكن مع القاعدین}ثم عقب ذكرهم وصف المؤمنین من الصحابۃ رضی الله عنهم وأثنی علیهم بأنهم ضد المنافقین وخلافهم یجاهدون في سبیل الله بأموالهم وأنفسهم ویمتثلون أوامرالله تعالی،فقال:{لكن الرسولُ والذین آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم، وأولئك لهم الخیرات وأولئك هم المفلحون، أعدّ الله لهم جنت تجری من تحتھا الأنهٰر خالدین فيها، ذلك الفوز العظیم} (التوبۃ:۸۸،۸۹)
قال الشیخ السعدی في تفسیره:- « اذا تخلف ھولاء المنافقون عن الجهاد فالله سیغنی عنهم، ولله عبادوخواص من خلقه، اختصهم بفضله، یقومون بھذا الأمر وھم {الرسول} محمدﷺ {والذین آمنوا معه جاهدوابأموالهم وأنفسهم}غیرمتثاقلین ولاكسلین ،بل هم فرحون مستبشرون.
(تیسیرالكریم الرحمٰن ص:۴۵۴)
أكتفي بذكر هذه الآیات الشریفۃ التی تتعلق بمدح الصحابۃ رضی الله عنهم والثناء علیهم من الخالق الباری عزوجل، ویتبین منها مكانتھم وفضلھم وشرفهم عندالله سبحانه وتعالیٰ.

فضل الصحابۃ ومكانتھم في السنۃ النبویۃ:
ھذا، وأقوم بسرد بعض الأحادیث الصحیحۃ الثابتۃ في فضائل الصحابۃ رضی الله عنهم بالإیجاز۔
خیر الناس وخیرالأمۃ :-
٭ عن عمران بن حصین- رضی الله عنهما- یقول قال رسول الله ﷺ :’’خیرأمتی قرنی ثم الذین یلونهم ثم الذین یلونهم‘‘قال عمران:فلا أدری أذكربعد قرنه قرنین أو ثلاثاً، ’’ثم إن بعدكم قوماً یشھدون ولایستشھدون، ویخونون ولایؤتمنون، وینذرون ولایفون، ویظهر فيهم السمن‘‘
(أخرجه البخاری ۳۶۵۰،ومسلم ۲۵۳۶؍فضائل الصحابۃ)
٭ عن إبراهیم عن عبیدۃ عن عبد الله- رضی الله عنه-أن النبی ﷺ قال:’’ خیر الناس قرنی،ثم یجیئی قوم تسبق شهادۃ أحدهم یمینه ، و یمینه شهادته‘‘ ( أخرجه البخاری ۳۶۵۱ و مسلم ۲۵۳۳؍فضائل الصحابۃ).

شھداء الله في الأرض:-
عن أنس-رضی الله عنه-قال مُرّبجنازۃ فأثنی علیها خیراً، فقال النبیﷺ:’’وجبت ، وجبت، وجبت‘‘ومُرّ بجنازۃ فأثنی علیها شراً، فقال نبی الله ﷺ:’’وجبت، وجبت،وجبت‘‘قال عمر:فدی لك أبی وأمی، مُرّ بجنازۃ فأثنی علیها خیرا،ً فقلت، وجبت، وجبت، وجبت، ومرّ بجنازۃ فأثنی علیها شراً،فقلت وجبت، وجبت، وجبت؟ فقال رسول الله ﷺ: ’’من أثنیتم علیه خیراً وجبت له الجنۃ ومن أثنیتم علیه شراً وجبت له النار، أنتم شھداء الله في الأرض، أنتم شھداء الله في الأرض، أنتم شھداء الله في الأرض‘‘. (أخرجه البخاری في الجنائز ۲۵۰۴،ومسلم في الجنائز ۹۴۹)

أمنۃ للأمۃ:-
عن سعیدبن أبی بردۃ عن أبیه قال: صلینا المغرب مع رسول اللهﷺ ثم قلنا:’’لوجلسنا حتی نصلی معه العشاء، قال فجلسنا،فخرج علینا، فقال:’’ مازلتم ھا ھنا؟‘‘ قلنا یارسول الله! صلینا معك المغرب، ثم قلنا: نجلس حتی نصلی معك العشاء، قال:’’ أحسنتم أو أصبتم‘‘ قال فرفع رأسه إلی السماء – و كان كثیراً مما یرفع رأسه إلی السماء- فقال: ’’ النجوم أمنۃ للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتی السماء بما توعد، وأنا أمنۃ لأصحابی، فإذا ذھبت أتی أصحابی ما یوعدون، وأصحابی أمنۃ لأمتی فإذا ذهب أصحابی أتی أمتی ما یوعدون‘‘.
(أخرجه مسلم ۲۵۳۱؍فضائل الصحابۃ؍باب بیان أن بقاء النبیﷺ أمان لأصحابه وبقاء أصحابه أمان للأمۃ).
قال الإمام النووی في شرح هذا الحدیث ’’ وأصحابی أمنۃ لأمتی فإذا ذهب اصحابی أتی امتی ما یوعدون‘‘ معناه:ظهور البدع والحوادث في الدین والفتن فيه، وطلوع قرن الشیطٰن وظهورالروم وغیرهم علیهم وانتھاك المدینۃ ومكۃ وغیرذلك.

إغضابھم إغضاب الرب:-
عن عائذ بن عمروأن أبا سفيان أتی علی سلمان وصهیب وبلال-رضی الله عنهم- في نفر، فقالوا والله ماأخذت سیوف الله من عنق عدوّ الله مأخذھا، قال، فقال أبوبكر: أتقولون ھذا لشیخ قریش وسید ھم؟ فأتی النبیﷺ فأخبره، فقال:’’ یا أبابكر!لعلّك أغضبتهم، لئن كنت أغضبتھم لقدأغضبت ربك‘‘فأتاهم أبوبكر فقال:یا إخوتاه! أغضبتكم؟ قالوا: لا، یغفرالله لك یاأخیّ۔
(مسلم :۲۵۰۴؍فضائل الصحابۃ؍ فضائل سلمان وصهیب،وبلال رضی الله عنهم).

أحبّ الناس إلی الرسول ﷺ:-
عن أنس -رضی الله عنه-أن النبیﷺ رأی صبیانا ونساء مقبلین من عرس، فقام نبیﷺ ممثلا فقال:’’اللھم! أنتم من أحبِّ الناس إلیّ، اللھم أنتم من أحبِّ الناس إلیّ‘‘یعنی الأنصار. (أخرجه البخاری۳۷۸۶،ومسلم ۲۵۰۹في الفضائل)

الوصیۃ بالأنصار:-
٭عن أنس- رضی الله عنه- أن رسول اللهﷺ قال:’’استوصوابالأنصارخیراً‘‘.
(رواه أحمد وصححه الألبانی في صحیح الجامع الصغیر ۹۵۹، والصحیحۃ۹۱۶)
٭وعن أنس -رضی الله عنه- قال قال رسول اللهﷺ:’’إن الأنصارقد قضوا الذی علیهم وبقی الذی علیكم،فاقبلوا من محسنھم وتجاوزوا عن مسیئهم‘‘۔
(رواه الشافعی والبیهقی وصححه الألبانی في صحیح الجامع الصغیر ۱۵۸۷،والصحیحۃ ۹۱۶)
٭عن ھشام بن زید قال سمعت أنس بن مالك یقول:’’ مرّ أبوبكر والعباس-رضی الله عنهما-بمجلس من مجالس الأنصار، وھم یبكون، فقال مایبكیكم؟ قالوا:ذكرنا مجلس النبیﷺ منا، فدخل علی النبیﷺ فأخبره بذلك، قال فخرج النبیﷺ علی رأسه حاشیۃ برد، قال فصعد المنبر- ولم یصعده بعدذلك الیوم-فحمدالله وأثنی علیه ثم قال:’’أوصیكم بالأنصار، فإنهم كرشی وعینی، وقدقضوا الذی علیهم وبقی الذی لهم، فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسیئهم‘‘۔(أخرجه البخاری والنسائی في الفضائل).

من أحبّ الأنصار أحبّه الله:-
عن معاویۃ -رضی الله عنه-قال قال رسول اللهﷺ :’’من أحبّ الأنصار أحبّه الله ومن أبغض الأنصار أبغضه الله‘‘۔
(أخرجه أحمد والبخاری في التأریخ وصححه الألبانی في صحیح الجامع الصغیر :۵۹۵۳)
آیۃ الإیمان حبّ الأنصار:- ٭عن أنس -رضی الله عنه- قال قال رسول اللهﷺ:’’آیۃالإیمان حب الأنصار وآیۃ النفاق بغض الأنصار‘‘۔ (أخرجه البخاری ومسلم في الفضائل )
٭عن أبی ھریرۃ رضی الله قال قال رسول اللهﷺ :’’لا یبغض الأنصار رجل یؤمن بالله والیوم الآخر‘‘
(أخرجه مسلم في فضائل الصحابۃ)

سبّ الصحابۃ حرام:-
٭عن أبی سعید الخدری-رضی الله عنه- قال :قال النبیﷺ: ’’ لاتسبُّوا أصحابی فلوأن أحدكم أنفق مثل أحدٍ ذھباً ما بلغ مدّ أحدھم ولانصیفه۔
(أخرجه البخاری :۳۶۷۳)
٭عن ابن عباس- رضی الله عنهما -قال قال رسول اللهﷺ :’’من سبّ أصحابی فعلیه لعنۃ الله والملائكۃ والناس أجمعین‘‘۔ (رواه الطبرانی وحسنه الألبانی في صحیح الجامع الصغیر:۶۲۸۵).
٭وقال النبیﷺ:’’إن الله تبارك وتعالیٰ اختارنی، واختار لی أصحاباً، فجعل لی منهم وزراء وأنصاراً وأصهاراً، فمن سبّھم فعلیه لعنۃ الله والملائكۃ والناس أجمعین، لایقبل منه یوم القیامۃ صرف ولاعدل‘‘۔ (أخرجه الحاكم۳؍۶۳۲وقال صحیح الإسناد)
أكتفي بذكرھذه الأحادیث في فضائل الصحابۃ وإنها لكثیرۃ ومنتشرۃ في دواوین السنۃ المعتبرۃ لدی العلماء الجهابذه، وختاما أدعوالله سبحانه وتعالیٰ أن یوفقنا جمعیاً بأداء حقهم و محبتهم والإقتداء بهدیهم و صمتهم حتی نفوز بسعادۃ الدنیا والآخرۃ.
وصلی الله علی نبینامحمد وآله وصحبه وبارك وسلم.
٭٭٭

Leave a Reply

avatar
3000
  Subscribe  
Notify of