[ننشر مقال الأخ محمد رياض بن كعبة الله الطالب في الجامعة الإسلامية فيض عام مئو، يوبي بعد تعديلات يسيرة، تشجيعا له عليه ولإنهاض همم الآخرين من الطلبة، راجيا أنه يستمر في التدرب على الكتابة والتحرير، سائلا المولى الكريم التوفيق والسداد.]
إن الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد!
قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد، واتقوا الله إن الله خبير بما تعلمون (الحشر ١٨)
نتحدث أولا عن معنى محاسبة النفس، فهو كما قال ابن الحاج: حبس الأنفاس، وضبط الحواس، ورعاية الأوقات، وايثارالمهمات.
وأما المحاسبة النفس في الإسلام، تعنى مواجهة المسلم نفسه ومحاسبتها كل يوم عما عملته من الطاعات والحسنات، أو اقترفته من المعاصى والآثام، فإن رجحت كفة الطاعات على المعاصى، والحسنات على السيات فعلى المحاسب أن يشكر الله تعالى، وإن رجحت المعاصى فعليه أن يؤدب نفسه بالتأنيب والتقريع علىٰ شذوذها وانحرافها عن طاعة الله.
قال ابن القيم رحمه الله: أن يميز العبد بين ماله وما عليه فيستصحب ماله ويؤدي ما عليه؛لأنه مسافر من لا يعود.
قد وردت آيات كثيرة وأحاديث تدل علىٰ أن محاسبة النفس لها أهمية كبرٰى في الشريعة الإسلامية، أمافى القرآن فقال عزوجل؛ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولنتظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعلمون (الحشر ١٨)
قال ابن كثير رحمه الله : هذه الآية تدل علىٰ وجوب محاسبة النفس.
وقال تعالى أيضا : ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ماتوسوس به نفسه، ونحن أقرب إليه من حبل الوريد، إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد. ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد (ق ١٦-١٨)
وقال تعالى أيضا: وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله (بقره ٢٨٤)
وقال جلّ وعلا: قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها،
قال الحسن: معناه قد أفلح من زكى نفسه فأصلحها وحملها على طاعة الله.
وقال تعالى: يعلم خاىٔنة الأعين وما تخفي الصدور (غافر ١٩)
وقال تعالى: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرايره.
وقال جلّ وعلا أيضا: وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، فإن الجنة هي المأوى.
هذه الآيات كلها تدل على أن الإنسان يجب عليه أن يحاسب نفسه قبل المحاسبة والمواجهة حساب الآخرة و أهوال المحشر، ولأجل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم يحث الناس على محاسبة النفس.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِمنْكبيَّ فَقَالَ: (كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيْبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيْلٍ) وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَقُوْلُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ. وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لمَوْتِكَ..رواه البخاري.
وجاء في رواية الترمذي عَنْ أبي يَعْلَى شَدَّادِ بْن أَوْسٍ عن النَّبيّ ﷺ قَالَ: الكَيِّس مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِما بَعْدَ الْموْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَه هَواهَا، وتمَنَّى عَلَى اللَّهِ رواه التِّرْمِذيُّ وقالَ: حديثٌ حَسَنٌ، وقال الترمذي وغيره من العلماء: معني (دان نفسه): أي حاسبها.
ومما يجدر ذكره أن السلف كانوا يحاسبون أنفسهم محاسبة مستمرة، فها هوا أبو بكر لما رأٰى طاىٔرا يطير من شجرة إلى أخرى فتأمل وقال: هنيئا لك يا طاىٔر ترد الشجر وتأكل وتشرب وتموت ولا حساب ولا عقاب، يا ليتني كنت شعرة في صدر عبد مومن. وها هو عمر بن الخطاب يخاطب نفسه ويقول (أمير المؤمنين بخ بخ والله لتتقين الله أو ليعذبنك! وكتب إلى بعض عماله: حاسب نفسك في الرجاء قبل حساب الشدة، وقال ميمون بن مهران: لا يكون العبد تقيا حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة شريكه.
وقال على بن أبي طالب: ارتحلت الدنيا مدبرة وارتحلت الآخرة مقبلة ولكل واحد منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل.
فهولاء هم سلف الأمة واهتمامه به، حاسبوا أنفسهم وحشوا على ذلك ورغبوا وشجعوا ونبهوا فلا بد أن نقتدي بهم ونهتدي بهديهم، مما تجدر ملاحظته أن الناس يحتاجون إلى محاسبة النفس أكثر حاجتهم في الطعام والشراب.
الآن أذكر أمامكم بعض النقاط في ضرورة محاسبه النفس والحاجه إليها :
أولا : فيه امتثال لأمر الله تعالى من حيث قال تعالى ولتنظر نفس ماقدمت لغد.
ثانيا: لا يمكن إصلاح القلب إلا بمحاسبة النفس، من قام بها اليوم أمن غدا.
ثالثا: بالمحاسبة يعرف عيوب النفس، وقال ابن الجوزي: من لم يطلع على عيوب نفسه لم يمكنه إزالته.
رابعاً: المحاسبة تبعد عن الغفلة، والاستمرار في المعاصي والذنوب وتشتمربها محبة الله ورضوانه.
خامساً: بالمحاسبة يتعرف على حق الله تعالى، ومن لم يعرف حق الله تعالى عليه فإن عبادته قليلة المنفعة جداً.
سادساً: بمحاسبة النفس ينجو المسلم من عذاب الله سواءً في الدنيا أو في القبر أو في الآخرة، كما ذكر ابن القيم: هذا من الأسباب المنجية عذاب القبر، و اخيرا ندعو الله أن يوفقنا أن نعمل عملا صالحا ونحاسب أنفسنا قبل أن نحاسَب.
(آمين ثم آمين)