بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ مُخْرِجِ الْحَيِّ مِنْ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجِ الْمَيِّتِ مِنْ الْحَيِّ، الْعَلِيمِ بِمَا تُخْفِي الصُّدُورُ وَتُبْدِيه مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، أَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ، وَأَعُوذُ بِهِ فِي أَدَاءِ شُكْرِهَا مِنْ الْمَطْلِ وَاللَّيِّ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، الَّذِي هَدَانَا إلَى الرُّشْدِ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَهْلِ الْغَيِّ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الَّذِي أَبَاحَ لَهُ الْفَيْءَ، وَأَظَلَّ أُمَّتَهُ مِنْ ظِلِّ هَدْيِهِ بِأَوْسَعِ فَيْءٍ،ﷺ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَحَيٍّ
نص الحديث :
عَنْ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ” مَا أَصَابَ مُسْلِمًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ "،وفي رواية:” مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ”، وفي رواية:” مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ وَحَزَنٌ” ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ أَمَتِكَ ، نَاصِيَتِي فِي يَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي ، وَجِلَاءَ حُزْنِي ، وَذَهَابَ هَمِّي ، إِلَّا أَذْهَبَ اللهُ هَمَّهُ ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحًا ” قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ ، أَلَا نَتَعَلَّمُ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ ؟ قَالَ :” بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ”
وللحديث شاهد: عَنْ أَبِي مُوسَى، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ” مَنْ أَصَابَهُ هَمٌّ أَوْ حَزَنٌ فَلْيَدْعُ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ يَقُولُ: أَنَا عَبْدُكَ وَابْنُ أَمَتِكَ فِي قَبْضَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ نُورَ صَدْرِي، وَرَبِيعَ قَلْبِي، وَجَلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي وَغُمِّي ". فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْمَغْبُونَ لَمَنْ غُبِنَ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ، قَالَ: "أَجَلْ، فَقُولُوهُنَّ وَعَلِّمُوهُنَّ، فَإِنَّهُ مَنْ قَالَهُنَّ الْتِمَاسَ مَا فِيهِنَّ أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حُزْنَهُ، وَأَطَالَ فَرَحَهُ”
معاني الكلمات :
أَصَابَ : فِي الحديث: "مَنْ يُرِد اللهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ” أَيِ ابْتَلاه بالمَصَايِب ليُثِيَبه عَلَيْهَا. يُقَالُ مُصِيبَة، ومَصُوبَة، ومُصَابَة، والجمعُ مَصَايِب، ومَصَاوِب. وَهُوَ الْأَمْرُ الْمَكْرُوهُ ينْزِل بالإنسانِ، وَيُقَالُ: أَصَابَ الإنسانُ مِنَ الْمَالِ وَغَيْرِهِ: أَيْ أخَذَ وتَناول
قطّ: اسْم للزمان الْمَاضِي كعوض اسْم للآتي، فَهُوَ الأمد الْمَاضِي تَقول مَا رَأَيْته قطّ
حَزَنَ : كَانَ إِذَا حَزَنَهُ أَمْرٌ صَلَّى أَيْ أَوْقَعَهُ فِي الْحُزْنِ ، يُقَالُ حَزَنَنِي الْأَمْرُ وَأَحْزَنَنِي، فَأَنَا مَحْزُونٌ ،قال الزَّبيدي: "وَالحُزْنُ، بالضَّمِّ ويُحَرَّكُ، وقالَ اللَّيْثُ: للعَرَبِ فِي الحُزْنِ لُغَتانِ، إِذا فَتَحُوا ثَقَّلوا، وإِذا ضَمُّوا خَفَّفُوا،وَفِي الصِّحاحِ: خِلافُ السّرورِ، وفرَّقَ قومٌ بينَ الهَمِّ والحُزْنِ، وقالَ المناوِيُّ: الحُزْنُ الغَمُّ الحاصِلُ لوقوعِ مَكْرُوه أَو فَواتِ مَحْبوبٍ فِي الماضِي، ويُضادُّه الفَرَحُ، وقالَ الرَّاغِبُ: الحُزْنُ خُشونَةٌ فِي النفْسِ لمَا يَحْصَلُ فِيهِ مِن الغَمِّ”
"إِنِّي عَبْدُكَ”: جاء في مختار الصحاح:” وَأَصْلُ الْعُبُودِيَّةِ الْخُضُوعُ وَالذُّلُّ، وَالتَّعْبِيدُ التَّذْلِيلُ يُقَالُ: طَرِيقٌ مُعَبَّدٌ”.أ.هـ
والعبودية في الشرع: هي الذل والخضوع لله سبحانه وتعالى، لكن في الاصطلاح الشرعي يضاف إلى الذل والخضوع المحبة، فلا عبودية بدون محبة، فحقيقة العبودية وحقيقة العبادة الشرعية هي الذل والخضوع مع المحبة، فإذا اجتمع الذل والخضوع مع المحبة حصلت حقيقة العبادة، والعبادة لله هي الغاية المحبوبة له والمرضية له، التي خلق لها الخلق فقال:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}والعبادة تشمل جميع جوانب الحياة ،والعُبُودية: هي تذلُّلٌ وتبرم من الحول والقوة في العبادة ،يقول ابن القيم:الْعُبُودِيَّةُ نَوْعَانِ: عَامَّةٌ، وَخَاصَّةٌ، فَالْعُبُودِيَّةُ الْعَامَّةُ عُبُودِيَّةُ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلِّهِمْ لِلَّهِ، بَرِّهِمْ وَفَاجِرِهِمْ، مُؤْمِنِهِمْ وَكَافِرِهِمْ، فَهَذِهِ عُبُودِيَّةُ الْقَهْرِ وَالْمُلْكِ، قَالَ تَعَالَى { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) }[مريم: 88 – 93] فَهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ مُؤْمِنُهُمْ وَكَافِرُهُمْ،وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي: فَعُبُودِيَّةُ الطَّاعَةِ وَالْمَحَبَّةِ، وَاتِّبَاعِ الْأَوَامِرِ، قَالَ تَعَالَى {يَاعِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ}[الزخرف: 68] وَقَالَ:{فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: 17]،وَقَالَ {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}[الفرقان: 63] ،جاء في "التعريفات الفقهية”،(ص:142):”العبادة: في اللغة: الطاعةُ من الخضوع، وفي الشرع، عبارةٌ عما يجمع كمال المحبة والخضوع والخوف”.أ.ه
"وابن أمتك ": بفتح الهمزة والميم المخففة، أي: ابن جاريتك، وهو إقرار بالربوبية واعتراف بالعبودية.
"ناصيتي بيدك”: الناصية: شعر مقدم الرأس، أي: أنت مالكٌ لي قاهرٌ، ولاحول ولا قوة إلا بك وهو مقتبس من قوله تعالى: {ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها} [هود: 56] أي: يقهرها ويذلها بالملك والسلطان، وأصل هذا أن من أخذت بناصيته فقد أذللته وقهرته
"مَاضٍ”:أي: ثابت ونافذ ،” فِيَّ ": أي: في حقي، "حُكْمُكَ”: أي: الأمري أو الكوني
” عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ ": أي: ما قدرته علي لأنك تصرفت في ملكك على وفق حكمتك، والقضاء في اللغة هو إحكام الشيء وإتمام الأمر، وهذا هو أصل معنى القضاء، وإليه ترجع جميع معاني القضاء الواردة في اللغة، وقد يأتي بمعنى القدر ،وعرض هذه المعاني يتبين ما بين المعنى اللغوي والشرعي من رابط قوي، فتقدير الله للأمور، وكتابته لذلك، وكونها تجري بحكمة ودقة على حسب ما أرادها سبحانه وقضاها، كل هذه المعاني يوحي بها المعنى اللغوي
"أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك”: أسألك أدعوك أي: ذاتك وهو مجمل، وما بعده تفصيل له على سبيل التنويع الخاص أي قوله: "أو أنزلته في كتابك”: أي: في جنس الكتب المنزلة، "أو علمته أحدا من خلقك”: أي: خلاصتهم، وهم الأنبياء والرسل.
"استأثرت به”: انفردت به وتخصصت، والغيب ما غاب عن الحواس ولا يمكن التوصل إليه بالنظر،والاستئثار بالشيء: التخصيص به والانفراد ،
"في علم الغيب عندك”: أي: اخترت به، وتفردت به واحتفظته في مكنون الغيب: أي: مستوره، ولم تلهمه أحدا ولم تنزله في كتاب.
"أن تجعل القرآن العظيم”:مفعول أسألك "ربيع قلبي” : أي: راحته، وزيد في الحصن: ونور بصري ،قال الطيبي: هذا هو المطلوب والسابق وسائل إليه، فأظهر أولًا غاية ذلته وصغاره ونهاية عجزه وافتقاره، وثانيًا: بيّن عظمة شأنه وجلالة اسمه سبحانه، بحيث لم يبق فيه بقية، وألطف في المطلوب حيث جعل المطلوب وسيلة إلى إزالة الهم المطلوب وجعل القرآن ربيع القلب، وهو عبارة عن الفرح ،فجعل القرآن ربيع قلبه، لأن الإنسان يرتاح قلبه في الربيع من الأزمان، ويميل إليه ،وسأل الله أن يجعل القرآن لقلبه كالربيع، الذي يرتع فيه الحيوان، وكذا القرآن ربيع القلوب، وأن يجعله نور صدره، أي: كالنور الذي هو مادة الحياة، وبه يتم معاش العبد، وأن يجعله شفاء همه وغمه، فيكون له بمنزلة الدواء الذي يستأصل الداء
"وجلاء همي وغمي”: بكسر الجيم أي: إزالتهما، وفسر القاموس الغم بالكرب والحزن، والهم بالحزن، وبه يعلم أن الغم أعم ،قال ابن الجوزي: "الْهم لما يتَوَقَّع، والحزن لما قد وَقع” ،وقال الخطابي: "وأكثر الناس لا يفرقون بين الهم والحزن وهما على اختلافهما يتقاربان في المعنى إلا أن الحزن إنما يكون على أمر قد وقع والهم إنما هو فيما يتوقع ولا يكون بعد” ،ويقول القاضي عياض:” قَوْله أعوذ بك من الْهم والحزن قيل: هما بِمَعْنى وَمرَاده الْحزن على مَا فَاتَ من الدُّنْيَا الَّذِي نهى الله عَنهُ فاستعاذ عَلَيْهِ السَّلَام مِنْهُ وَتَكون استعاذته أَيْضا من الْهم بِأُمُور الدُّنْيَا وَقيل الْفرق بَين الْهم والحزن أَن الْحزن لما مضى وَفَاتَ والهم بِمَا يَأْتِي وَهُوَ الْغم للفكرة مِمَّا يخافه أَو يرجوه من الْهم برزقه أَو من الْفقر أَو توقع حوادث الدَّهْر يُقَال مِنْهُ حزنني وأحزنني وَقُرِئَ بهما ليحزنني أَن تذْهبُوا بِهِ أَو ليحزنني وَقَالَ أَبُو حَاتِم أحزنني فِي الْمَاضِي وحزنني فِي الْمُسْتَقْبل ،والكرب: الحزن والمشقة والهم، والهمُّ: المكروه الوارد على القلب في الأمر المستقبل، والحزن: وهو عكس الهمّ: هو المكروه الوارد على القلب على أمر قد مضى
"ما قالها”: أي: الكلمات المذكورة.
"عبد قط إلا أذهب الله غمه، وأبدله به فرحا”: بالحاء، قال ابن حجر: بالجيم والحاء المهملة
غبن: الغَبْنُ: أن تبخس صاحبك في معاملة بينك وبينه بضرب من الإخفاء، فإن كان ذلك في مال يقال: غَبَنَ فلانٌ، وإن كان في رأي يقال: غَبِنَ ،وقوله: "مغبون”: إما مشتق من الغبن بسكون الباء وهو النقص في البيع، وإما من الغبن بفتح الباء وهو النقص في الرأي، فكأنه قال: هذان الأمران إذا لم يستعملا فيما ينبغي فقد غبن صاحبهما فيهما، أي: باعهما ببخس لا تحمد عاقبته، أو: ليس له في ذلك رأي ألبتة ، وَفِي الْحَدِيثِ: "نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا الْإِنْسَانُ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ”، أَيْ: أَنَّهُمَا يَمْضِيَانِ لَا يَسْتَغِلُّهُمَا فِي أَوْجِهِ الْكَسْبِ الْمُكْتَمِلَةِ، فَيُفَوَّتَانِ عَلَيْهِ بِدُونِ عِوَضٍ يُذْكَرُ، ثُمَّ يَنْدَمُ
المعني الإجمالي للحديث:
هذا الحديث مِنَ الْأَدْعِيَةِ الْجَامِعَةِ لِخَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، قال في "المواهب”: وإنّما كان هذا الدعاء بهذه المنزلة!! لاشتماله على الاعتراف بعبوديّة الداعي وعبوديّة آبائه وأمّهاته، وأنّ ناصيته بيده يصرّفها كيف يشاء!! وإثبات القدر، وأن أحكام الربّ تعالى نافذة في عبده، ماضية فيه، لا انفكاك له عنها، ولا حيلة له في دفعها، والله سبحانه وتعالى عدل في هذه الأحكام غير ظالم لعبده ،فمن أعظم الأدعية في إذهاب الهمّ والغم والإتيان بعده بالفرج، هذا الدعاء العظيم الذي حثّ النبي ﷺ كلّ من سمعه أن يتعلّمه ويحفظه ،والعبدَ في هذه الحياة قد يُصاب بآلام متنوِّعَة، وقد يَرِدُ على قلبه واردَاتٌ متَعدِّدةُ تؤْرِق قلبَه وتُؤْلِمُ نفسَه، وتَجلبُ له الكدَرَ والضِّيقَ، ،فإن كان هذا الألَمُ الذي يُصيبُ القلبَ متعلِّقاً بأمور ماضية فهو حُزنٌ، وإن كان متعلِّقاً بأمور مستقبَلَة فهو هَمٌّ، وإن كان متعلِّقاً بواقع الإنسان وحاضره فهو غَمٌّ، والفرق بينهما بما حاصله أن الهم يكون في الأمر المتوقع والحزن فيما قد وقع ،والهم: هو الحزن الذي يذيب الإنسان، يقال: همني الشيء، أي: أذابني ،وإذا تأمَّلنا هذا الدعاءَ نجدُ أنَّه يتضمن أربعة أصول عظيمة، لا سبيل للعبد إلى نيل السعادة وزوال الهم والغم والحزن إلاَّ بالإتيان بها وتحقيقها، أمَّا الأصل الأول:فهو تحقيقُ العبادة لله وتَمام الانكسار بين يديه، والخضوع له واعترافه بأنَّه مخلوق لله مَملوكٌ له هو وآباؤه وأمهاتُه، ابتداء من أبويه القريبين وانتهاء إلى آدم وحواء، ولهذا قال: "اللَّهمَّ إنِّي عبدُك وابنُ عبدك وابنُ أَمَتِك” فالكلُّ مماليك لله، وهو خالقُهم وربُّهم وسيِّدُهم ومدَبِّر شؤونهم، الذي لا غنى لهم عنه طرفة عين، وليس لهم من يعوذون به ويلوذون به سواه، ومن تحقيق ذلك التزام العبد عبوديته سبحانه من الذُّلِّ والخضوع والانكسار والإنابة وامتثال الأوامر واجتناب النواهي ودوام الافتقار إليه واللَّجوء إليه والاستعانة به والتوكل عليه والإستعانة به، وأن لا يتعلَّق القلبُ بغيره محبَّةً وخوفاً ورجاءً، واعتراف العبد بأنه مخلوق للَّه تعالى، مملوك له، هو وآباؤه وأمهاته، فالكل مماليك للَّه خالقهم، ومدبّر أمورهم، وشؤونهم، لا غنى لهم عنه طرفة عين، وليس لهم من يلوذون ويعوذون به سواه،عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لِفَاطِمَةَ : مَا يَمْنَعُكِ أَنْ تُسْمِعِينِي مَا أَوْصَيْتُكِ بِهِ ، أَنْ تَقُولِينَ إِذَا أَصْبَحْتِ وَأَمْسَيْتِ : يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ ، وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ” ، وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ قَالَ: "يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ” ،وهذا فيه كمال التذلّل والخضوع والاعتراف بالعبودية للَّه تعالى؛ لأنه لم يكتف بقوله: "إني عبدك” بل زاد فيه "ابن عبدك ابن أمتك”: دلالة على التأكيد والمبالغة في التذلّل، والعبودية للَّه تعالى، وهذا من أسباب إجابة الدعاء قال تعالى:{ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } [الأعراف:55]،وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ جَالِسًا فِي الْحَلْقَةِ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَلَمَّا رَكَعَ سَجَدَ وَتَشَهَّدَ، دَعَا، فَقَالَ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْحَنَّانُ الْمَنَّانُ، بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، يَا حَيُّ يَا قَيَّامُ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "أَتَدْرُونَ بِمَا دَعَا؟ ” قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَقَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ دَعَا بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى” ، وبين الله أن من أسباب رفع العقوبة والبلاء عن العباد التضرع قال تعالى:{ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }[الأنعام:43]،والعبودية من البشر للبشر ذل، ومن البشر لله تعالى عز وتشريف ولذلك وصف الله تعالى نبيه في أشرف المقامات بالعبودية فقال تعالى:{ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }[الإسراء:1]، فكأنك تقول يارب أتوسل إليك بفقري وحاجتي وضعفي فأنا عبدك وابْنُ عَبْدِكَ، وابْنُ أَمَتِكَ، فكلنا عبيد لله عز وجل، وبالعبودية نعت كل من اصْطفى من خلقه ، نبي الله نوح عليه السلام وصفه الله تعالى بأنه كان عبداً شكوراً، قال سبحانه:{ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً}،[الإسراء:3]،وقال:{ وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}[ص:30]، وقال:{وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ}[ص:45]،وعيسى عليه السلام، نطق بعبوديته لله وهو في المهد، فقال:{إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا}،[مريم:30] ، يقول ابن القيم: "وَفِي التَّحْقِيق بِمَعْنى قَوْله أَنِّي عَبدك الْتِزَام عبوديته من الذل والخضوع والإنابة وامتثال أَمر سيّده وَاجْتنَاب نَهْيه ودوام الافتقار اليه واللجأ إِلَيْهِ والاستعانة بِهِ والتوكّل عَلَيْهِ وعياذ العَبْد بِهِ ولياذه بِهِ وَإِن لم لَا يتعلّق قلبه بِغَيْرِهِ محبّة وخوفا ورجاء وَفِيه أَيْضا أَنِّي عبد من جَمِيع الْوُجُوه صَغِيرا وكبيرا حيّا وميّتا ومطيعا وعاصيا معافى ومبتلى بِالروحِ وَالْقلب وَاللِّسَان والجوارح وَفِي أَيْضا أَن مَالِي وَنَفْسِي ملك لَك فَإِن العَبْد وَمَا يملك لسيّده وَفِيه أَيْضا أَنَّك أَنْت الَّذِي مننت عليَّ بِكُل مل أَنا فِيهِ من نعْمَة فَذَلِك كلّه من إنعامك على عَبدك وَفِيه أَيْضا أَنِّي لَا أتصرّف فِيمَا خوّلتني من مَالِي وَنَفْسِي إِلَّا بِأَمْرك كَمَا لَا يتصرّف العَبْد إِلَّا بِإِذن سيّده وَأَنِّي لَا أملك لنَفْسي ضرّا وَلَا نفعا وَلَا موتا وَلَا حَيَاة وَلَا نشورا فَإِن صحّ لَهُ شُهُود ذَلِك فقد قَالَ أَنِّي عَبدك حَقِيقَة” ،عَنْ شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي ، فَاغْفِرْ لِي ، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ . قَالَ: وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ” ، قال ابن حجر:” قَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ : جَمَعَ ﷺِ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ بَدِيعِ الْمَعَانِي وَحُسْنِ الْأَلْفَاظِ مَا يَحِقُّ لَهُ أَنَّهُ يُسَمَّى سَيِّدَ الِاسْتِغْفَارِ فَفِيهِ الْإِقْرَارُ لِلَّهِ وَحْدَهُ بِالْإِلَهِيَّةِ وَالْعُبُودِيَّةِ ، وَالِاعْتِرَافُ بِأَنَّهُ الْخَالِقُ ، وَالْإِقْرَارُ بِالْعَهْدِ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَيْهِ ، وَالرَّجَاءُ بِمَا وَعَدَهُ بِهِ وَالِاسْتِعَاذَةُ مِنْ شَرِّ مَا جَنَى الْعَبْدُ عَلَى نَفْسِهِ ، وَإِضَافَةُ النَّعْمَاءِ إِلَى مُوجِدِهَا وَإِضَافَةُ الذَّنْبِ إِلَى نَفْسِهِ ، وَرَغْبَتُهُ فِي الْمَغْفِرَةِ، وَاعْتِرَافُهُ بِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا هُو ، وَفِي كُلِّ ذَلِكَ الْإِشَارَةُ إِلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الشَّرِيعَةِ وَالْحَقِيقَةِ ، فَإِنَّ تَكَالِيفَ الشَّرِيعَةِ لَا تَحْصُلُ إِلَّا إِذَا كَانَ فِي ذَلِكَ عَوْنٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا الْقَدَرُ الَّذِي يُكَنَّى عَنْهُ بِالْحَقِيقَةِ فَلَوِ اتَّفَقَ أَنَّ الْعَبْدَ خَالَفَ حَتَّى يَجْرِيَ عَلَيْهِ مَا قُدِّرَ عَلَيْهِ ، وَقَامَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ بِبَيَانِ الْمُخَالَفَةِ لَمْ يَبْقَ إِلَّا أَحَدُ أَمْرَيْنِ إِمَّا الْعُقُوبَةُ بِمُقْتَضَى الْعَدْلِ أَوِ الْعَفْوُ بِمُقْتَضَى الْفَضْلِ انْتَهَى مُلَخَّصًا”
وأمَّا الأصل الثاني: فهو أن يؤمن العبدُ بقضاء الله وقَدَره، وأنَّ ما شاء الله كان وما لَم يشأ لَم يكن، وأنَّه سبحانه لا مُعَقِّبَ لحُكمه ولا رادَّ لقضائه {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ}، ولهذا قال في هذا الدعاء "ناصيَتِي بيدك، ماضٍ فِيَّ حُكمُك، عَدلٌ فِيَّ قضاؤك”، فناصيةُ العبد وهي مُقدَّمَةُ رأسه بيد الله، يتصرَّف فيه كيف يشاء ويَحكم فيه بما يريد، لا مُعَقِّبَ لحُكمه ولا رادَّ لقضائه، فحياةُ العبد وموتُه وسعادتُه وشقاوتُه وعافيتُه وبلاؤه، كلُّ ذلك إليه سبحانه ليس إلى العبد منه شيء، وإذا آمن العبدُ بأنَّ ناصيتَه ونواصي العباد كلَّها بيد الله وحده يصرفهم كيف شاء، لَم يخف بعد ذلك منهم ولم يَرجُهم ولَم يُنْزلْهم مَنْزِلَة المالكين، ولم يعلِّق أملَه ورجاءَه بهم، وحينئذ يستقيمُ له توحيدُه وتوكُّلُه وعبوديتُه، ولهذا قال هود عليه السلام لقومه: {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}،وأخرج الترمذي في "جامعه” عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ ﷺ يَوْمًا ، فَقَالَ: يَا غُلَامُ ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ؛ احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ” ،وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ ، تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا” ،وَقَالَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زَيْدٍ: "الرِّضَا بَابُ اللهِ الْأَعْظَمُ، وَجَنَّةُ الدُّنْيَا وَمُسْتَرَاحُ الْعَابِدِينَ”
وقوله: "ماض في حُكمك” يتناول الحكمين: الحكم الديني الشرعي، والحكم القدري الكوني، فكلاهما ماضيان في العبد شاء أم أبَى، لكن الحكم الكوني القدري لا يمكن مخالفتُه، وأمَّا الحكمَ الدينِيَّ الشرعي فقد يخالفُه العبدُ، ويكون متعرِّضاً للعقوبة بحسب ما وقع فيه من مخالفة.
وقوله: "عَدلٌ فِيَّ قضاؤك” يتناول جميعَ أقضيته سبحانه في عبده من كلِّ الوجوه، من صحة وسُقم، وغنًى وفقر، ولَذَّة وألَم، وحياة وموت، وعقوبةٍ وتجاوز وغير ذلك، فكلُّ ما يقضي على العبد فهو عَدلٌ فيه {وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ}، فهنا إقرارٌ من العبد بأن جميع ما قضاه الله من صحة وسقم، وغنى وفقر، ولذة وألم، وحياة وموت، وغير ذلك عدلٌ لا جور فيه، ولا ظلم بأي وجهٍ من الوجوه، قال تعالى:{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا }[النساء:40]، يقول ابن القيم:” ثمَّ قَالَ ناصيتي بِيَدِك أَي أَنْت المتصرّف فيَّ تصرّفي كَيفَ تشَاء لست أَنا المتصرّف فِي نَفسِي وَكَيف يكون لَهُ فِي نَفسه تصرّف من نَفسه بيد ربه وسيده وناصيته بِيَدِهِ وَقَلبه بَين أصبعين من أَصَابِعه وَمَوته وحياته وسعادته وشقاوته وعافيته وبلاؤه كُله إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ لَيْسَ إِلَى العَبْد مِنْهُ شَيْء بل هُوَ فِي قَبْضَة سَيّده أَضْعَف من مَمْلُوك ضَعِيف حقير ناصيته بيد سُلْطَان قاهر مَالك لَهُ تَحت تصرّفه وقهره بل الْأَمر فَوق ذَلِك وَمَتى شهد العَبْد أَن ناصيته ونواصي الْعباد كلهَا بيد الله وَحده يصرفهم كَيفَ يَشَاء لم يخفهم بعد ذَلِك وَلم يرجهم وَلم ينزلهم منزلَة المالكين بل منزلَة عبيد مقهورين مربوبين المتصرّف فيهم سواهُم والمدبّر لَهُم غَيرهم فَمن شهد نَفسه بِهَذَا المشهد صَار فقره وضرورته إِلَى ربه وَصفا لَازِما لَهُ وَمَتى شهد النَّاس كَذَلِك لم يفْتَقر إِلَيْهِم وَلم يعلّق أمله ورجاءه بهم فاستقام توحيده وتوكّله وعبوديته، وَقَوله مَاض فيَّ حكمك عدل فِي قضاؤك تضمّن هَذَا الْكَلَام أَمريْن أَحدهمَا إمضاء حكمه فِي عَبده وَالثَّانِي يتضمّن حَمده وعدله وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهَذَا معنى قَول نبيّه هود {مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا}،ثمَّ قَالَ {إِنَّ رَبِّي على صِرَاط مُسْتَقِيم} أَي مَعَ كَونه مَالِكًا قاهراً متصرّفا فِي عباده نواصيهم بِيَدِهِ فَهُوَ على صِرَاط مُسْتَقِيم وَهُوَ الْعدْل الَّذِي يتصرّف بِهِ فيهم فَهُوَ على صِرَاط مُسْتَقِيم فِي قَوْله وَفعله وقضائه وَقدره وَأمره وَنَهْيه وثوابه وعقابه فخبره كُله صدق وقضاؤه كلّه عدل وَأمره كُله مصلحَة وَالَّذِي نهى عَنهُ كُله ومفسدة وثوابه لمن يسْتَحق الثَّوَاب بفضله وَرَحمته وعقابه لمن يسْتَحق الْعقَاب بعدله وحكمته وَفرق بَين الحكم وَالْقَضَاء وَجعل المضاء للْحكم وَالْعدْل لقَضَاء فَإِن حكمه سُبْحَانَهُ يتَنَاوَل حكمه الديني الشَّرْعِيّ وَحكمه الكوني القدري والنوعان نافذان فِي العَبْد ان ماضيان فِيهِ وَهُوَ مقهور تَحت الْحكمَيْنِ قد مضيا فِيهِ ونفذا فِيهِ شَاءَ أم أَبى، وَلما كَانَ الْقَضَاء هُوَ الْإِتْمَام والإكمال وَذَلِكَ إِنَّمَا يكون بعد مضيه ونفوذه قَالَ عدل فيَّ قضاؤك أَي الحكم الَّذِي أكملته وأتممته ونفّذته فِي عَبدك عدل مِنْك فِيهِ وَأما الحكم فَهُوَ مَا يحكم بِهِ سُبْحَانَهُ وَقد يَشَاء تنفيذه وَقد لَا ينفذهُ فَإِن كَانَ حكما دينيا فَهُوَ مَاض فِي العَبْد وَإِن كَانَ كونيا فَإِن نفذه سُبْحَانَهُ مضى فِيهِ وَإِن لم ينفّذه انْدفع عَنهُ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ يقْضِي ويمضي فَلهُ الْقَضَاء والإمضاء وَقَوله عدل فيَّ قضاؤك يتَضَمَّن جَمِيع أقضيته فِي عَبده من كل الْوُجُوه من صِحَة وسقم وغنى وفقر ولذّة وألم وحياة وَمَوْت وعقوبة وَتجَاوز وَغير ذَلِك قَالَ تَعَالَى{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَة فِيمَا كسبت أَيْدِيكُم} وَقَالَ {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْأِنْسَانَ كَفُور} فَكل مَا يقْضى على العَبْد فَهُوَ عدل فِيهِ”.أ.ه
والأصلُ الثالث: أن يؤمنَ العبدُ بأسماء الله الحسنى وصفاته العظيمة الواردة في الكتاب والسُّنَّة، ويتوسَّلَ إلى الله بها، كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، وقال تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}، قال بعض السلفُ: "من كان بالله أعرفَ كان منه أخوف”، ولهذا فإنَّ أعظمَ ما يَطرُدُ الهمَّ والحزنَ والغمَّ أن يعرفَ العبدُ ربَّه، وأن يَعمُرَ قلبَه بمعرفته سبحانه، وأن يتوسَّلَ إليه بأسمائه وصفاته، ولهذا قال: "أسألُك بكلِّ اسم هو لكَ سَمَّيتَ به نفسَك، ..”، فهذا توسُّلٌ إلى الله بأسمائه كلِّها ما عَلَمَ العبدُ منها وما لَم يعلم، وهذا أحبُّ الوسائل إلى الله سبحانه، فَإِنَّهَا وَسِيلَة بصفاته وأفعاله الَّتِي هِيَ مَدْلُول أَسْمَائِهِ
وقوله: "أسألك…”، شروع في الدعاء بعد إظهار التذلل والخضوع، وهذا من آداب السائلين، وهذه الحالة أقرب إلى إجابة السؤال، لا سيما إذا كان المسؤول منه كريماً، والله تعالى أكرم الأكرمين، إذا تضرع إليه عبده، وتذلَّلَ له، وأظهر الخضوع والخشوع، ثم سأل حاجة ينفذها في ساعته، على ما هو اللائق بكرمه وجوده، ثم شرع في الدعاء بعد إظهار غاية التذلل والخضوع لربه تعالى، وهذا من أدب السائلين، وهذه الحالة أقرب إلى إجابة السؤال ولا سيما إذا كان المسؤول منه كريماً، ومن أكرم من اللَّه تبارك وتعالى الذي لا يوازيه أيُّ كريم ولا يعادله أيّ نظير، إذا تضرع إليه عبده، وتذلل له، وأظهر الخضوع والخشوع ثم سأل حاجة ينفذها في ساعته على ما هو اللائق لكرمه وجوده
قوله: "سمَّيت به نفسك”: أي اخترته لنفسك الذي يليق بكمالك وجلالك.
قوله: "أو أنزلته في كتابك”: في كتبك المنزلة على رسلك، يتعبّد به عبادك ويسألونك ويدعونك به، وأنا أحدهم.
قوله: "أو علمته أحداً من خلقك”: من الأنبياء والملائكة، ومنهم محمّد ﷺ ،كما في حديث الشفاعة الطويل الذي يقول فيه: ".. فَأَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، فَأَحْمَدُهُ بِمَحَامِدَ لَمْ يَحْمَدْهُ بِهَا أَحَدٌ كَانَ قَبْلِي، وَلَيْسَ يَحْمَدُهُ بِهَا أَحَدٌ بَعْدِي ..” ،”أو استأثرت به في علم الغيب عندك”: أي خصصت به نفسك في علم الغيب، فلم يطّلع عليه أحد، وهذا كلّه تقسيم لقوله: "بكل اسم هو لك”، وهذا يدلّ على أن أسماءه تعالى الحسنى غير محصورة في عدد معين، فجعل أسماءه تعالى ثلاثة أقسام: قسم سمَّى به نفسه، فأظهره لمن شاء من أنبيائه ورسوله، وملائكته أو غيرهم، ولم يُنزله في كتابه، وقسم أنزله في كتابه، فتعرَّف به إلى عباده، وقسم استأثر به في علم الغيب عنده لا يطّلع عليه أحد، وقد استفيد من هذا أن لله أسماء خلاف ما ذكر في القرآن، وعلى لسان الرسول ﷺ، ولم يكن قوله ﷺ: "إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحدة” للحصر ،وأسماء الله وصفاته توقيفية لا مجال للعقل فيها وعلى هذا فيجب الوقوف فيها على ما جاء به الكتاب والسنة فلا يزاد فيها ولا ينقص لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه الله تعالى من الأسماء والصفات فوجب الوقوف على النص. قال تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36]
قوله: "بكل اسم”: أي: بحق كل اسم، "هو لك”: احترز به عن غير اسم الله؛ لأنه لما أقسم بكل اسم، وهو عام لجميع الأسماء، أخرج عنه ما هو اسم لغيره بقوله: "هو لك”: لأن القسم بغير اسم الله لا يجوز ، أخرج الترمذي، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَا وَالْكَعْبَةِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَا يُحْلَفُ بِغَيْرِ اللهِ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ”
والأصلُ الرابع: هو العنايةُ بالقرآن الكريم، كلام الله عز وجل المشتمل على الهداية والشفاء والكفاية والعافية، والعبدُ كلَّما كان عظيمَ العناية بالقرآن تلاوةً وحفظاً وتدبُّراً، وعملاً وتطبيقاً نال من السعادة والطمأنينة وراحةِ الصَّدر وزوال الهمِّ والغَمِّ والحزن بحسب ذلك، ولهذا قال في هذا الدعاء: "أن تَجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي ونورَ صدري وجلاءَ حزني وذهاب هَمِّي”، الرّبيع الْمَطَر الَّذِي يحيي الأَرْض شبّه الْقُرْآن بِهِ لحياة الْقُلُوب بِهِ وَكَذَلِكَ شبهه الله بالمطر وَجمع بَين المَاء الَّذِي تحصل بِهِ الْحَيَاة والنور الَّذِي تحصل بِهِ الإضاءة وَالْإِشْرَاق كَمَا جمع بَينهمَا سُبْحَانَهُ فِي قَوْله أنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً وَمِمَّا توقدون عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حلية وفى قَوْله {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ} ثمَّ قَالَ {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ} وَفِي قَوْله اللَّهُ نور السَّمَوَات وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ الْآيَات ثمَّ قَالَ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يزجي السَّحَاب ثمَّ يؤلف بَينه الْآيَة فتضمّن الدُّعَاء أَن يحيي قلبه بربيع الْقُرْآن وَأَن ينوّر بِهِ صَدره فتجتمع لَهُ الْحَيَاة والنور قَالَ تَعَالَى {أَو من كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِج مِنْهَا}، وَلما كَانَ الصَّدْر أوسع من الْقلب كَانَ النُّور الْحَاصِل لَهُ يسري مِنْهُ إِلَى الْقلب لِأَنَّهُ قد حصل لما هُوَ أوسع مِنْهُ وَلما كَانَت حَيَاة الْبدن والجوارح كلهَا بحياة الْقلب تسري الْحَيَاة مِنْهُ إِلَى الصَّدْر ثمَّ إِلَى الْجَوَارِح سَأَلَ الْحَيَاة لَهُ بِالربيعِ الَّذِي هُوَ مادّتها وَلما كَانَ الْحزن والهم وَالْغَم يضاد حَيَاة الْقلب واستنارته سَأَلَ أَن يكون ذهابها بِالْقُرْآنِ فَإِنَّهَا أَحْرَى أَن لَا تعود وَأما إِذا ذهبت بِغَيْر الْقُرْآن من صِحَة أَو دنيا أَو جاه أَو زَوْجَة أَو ولد فَإِنَّهَا تعود بذهاب ذَلِك وَالْمَكْرُوه الْوَارِد على الْقلب إِن كَانَ من أَمر مَاض أحدث الْحزن زَان كَانَ من مُسْتَقْبل أحدث الْهم وَإِن كَانَ من أَمر حَاضر أحدث الْغم
قوله: "ونور صدري”: أي: انشراح صدري؛ لأن الصدر إذا كان منشرحاً يكون منوراً.
"جِلاءَ حُزْنِي”: الجلاء هو: الانكشاف أي: إزالة و انكشاف حزني وهمّي ، لأن القرآن شفاء، كما قال تعالى: .{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}، {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ}؛ لأنه كلام اللَّه تعالى ،فهذه أربعةُ أصول عظيمة مستفادة من هذا الدعاء المبارك، ينبغي علينا أن نتأمَّلَها ونَسعَى في تحقيقها؛ لننالَ هذا الموعودَ الكريمَ والفضلَ العظيم وهو قوله ﷺ:”إلاَّ أذهبَ اللهُ هَمَّه وأبدلَه مكان حزنه فرحاً” وفي رواية "فَرَجاً” ، يقول ابن القيم: "إِذا أصبح العَبْد وَأمسى وَلَيْسَ همه إِلَّا الله وَحده تحمل الله سُبْحَانَهُ حَوَائِجه كلهَا وَحمل عَنهُ كل مَا أهمه وَفرغ قلبه لمحبته وَلسَانه لذكره وجوارحه لطاعته وَإِن أصبح وَأمسى وَالدُّنْيَا همه حمله الله همومها وغمومها وأنكادها ووكله إِلَى نَفسه فشغل قلبه عَن محبته بمحبة الْخلق وَلسَانه عَن ذكره بذكرهم وجوارحه عَن طَاعَته بخدمتهم وأشغالهم فَهُوَ يكدح كدح الْوَحْش فِي خدمَة غَيره كالكير ينْفخ بَطْنه ويعصر أضلاعه فِي نفع غَيره لكل من أعرض عَن عبودية الله وطاعته ومحبته بلي بعبودية لمخلوق ومحبته وخدمته، قَالَ تَعَالَى:{وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}” ، فتضمّن هذا الدعاء المبارك التوسّل إليه تعالى بأسمائه الحسنى كلّها، ما علم العبد منها، وما لم يعلم، والعلم بأسماء اللَّه وصفاته أصل لكل العلوم، لأنه كُلَّما كان عظيم العلم والمعرفة باللَّه تعالى وأسمائه وصفاته زادت خشية العبد لربه، وعظمت مراقبته وعبوديته له جلّ وعلا، وازداد بُعداً عن الوقوع في سخطه ومعصيته؛ ولهذا كان أعظم ما يطرد الهمّ والحزن والغمّ أن يعرف العبد ربه بأسمائه وصفاته، وأن يعمر قلبه بذكرها، والثناء بها عليه، واستحضار معانيها، فبعد أن قدَّم جملاً من الإقرار بالتذلل والخضوع له تعالى، والإيمان بكمال حكمه وقضائه وعدله، وهو توسل إليه بعمله الصالح، وتوسل إليه كذلك بأفعاله، ثم توسل إليه بجميع أسمائه الحسنى وصفاته العُلا، فجمع ثلاثة أنواع من التوسّلات الجليلة مقدمة بين يدي دعائه دلالة على أهمية هذه الوسائل في إعطاء ما يسأله العبد ربه عز وجل ، وتضمّنت هذه الدعوة سؤال اللَّه تعالى أن يجعل قلبه مرتاحاً إلى القرآن، مائلاً إليه، راغباً في تدبره ،وهذا يدلّ على أن القرآن هو الشفاء الناجح لمن تأمله وتدبّره، وتمسّك به، فإن المؤمن لا تخلو حياته من الهموم والأحزان التي تكدر عليه عيشته، وتنغص عليه لذته، ومع ما في ذلك من تكفير للسيئات، ورفع للدرجات، فإن فيها فوائد أخرى، من أهمها أنها تدفع المؤمن للجوء إلى الله، والانكسار بين يديه، والتضرع إليه، فيحصل بذلك للقلب من الراحة والطمأنينة، واستشعار القرب من الله عز وجل ما لا يمكن وصفه، وأيضًا فإن هذه المنغصات تجعل المؤمن يعرف حقارة الدنيا، فيزهد فيها، ولا يركن إليها، ويقبل على الآخرة على بصيرة بأنها خير وأبقى، إذ لا هم فيها ولا حزن، كما قال سبحانه: {وَقَالُوا الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ المُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} [فاطر: 34 – 35]،قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : يُنَادِي مُنَادٍ : إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلَا تَسْقَمُوا أَبَدًا ، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلَا تَمُوتُوا أَبَدًا ، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلَا تَهْرَمُوا أَبَدًا ، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلَا تَبْتَئِسُوا أَبَدًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }” ،ولعلّك بعد أن رأيت عظمة معاني هذا الدعاء المبارك، وما تضمّن من مقاصد ومعانٍ جليلة، علمت معنى قول المصطفىﷺوإرشاده إلى الحرص على تعلم هذا الدعاء بقوله: "يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنّ”،وهذا وعد من الصادق المصدوق غي هذا الحديث، ليس بتفريج همك وكربك فقط، بل وإبداله فرجًا وفرحًا ،قال مسكويه:” فإن من فعل ذلك أمن فلم يجزع وفرح فلم يحزن وسعد فلم يشق، ومن لم يقبل هذه الوصية ولما يعالج نفسه بهذا العلاج لم يزل في جزع دائم وحزن غير منتقص، وذلك أنه لا يعدم في كل حال فوت مطلوب أو فقد محبوب وهذا لازم لعالمنا هذا لأنه عالم الكون والفساد، ومن طمع من الكائن الفاسد أن لا يكون ولا يفسد فقد طمع في المحال لم يزل خائبا والخائب أبدا محزون والمحزون شقي، ومن استشعر بالعادة الجميلة ورضى بكل ما يجده ولا يحزن لشيء يفقده لم يزل مسرورًا سعيدًا، فإن ظن ظان أن هذا الإستشعار لا يتم له أو لا ينتفع به فلينظر إلى استشعارات الناس في مطالبهم ومعايشهم وإختلافهم فيها بحسب قوة الإسشعار” ، وقد ورد في السنّة النبوية أدعية أخرى بشأن الغم والهم والكرب ، وقد عقد ابن القيم” فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ ﷺ فِي عِلَاجِ الْكَرْبِ وَالْهَمِّ وَالْغَمِّ وَالْحَزَنِ” وذكر فيه :أَخْرَجَا فِي ” الصَّحِيحَيْنِ ” مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ:”لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ، وَرَبُّ الْأَرْضِ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمُ”، وَفِي ” جَامِعِ الترمذي ” عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ:”كَانَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ قَالَ: ” يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ”، وَفِيهِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا أَهَّمَهُ الْأَمْرُ، رَفَعَ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَإِذَا اجْتَهَدَ فِي الدُّعَاءِ قَالَ: يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، وَفِي ” سُنَنِ أبي داود ” عَنْ أبي بكرة، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ اللُّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ”، وَفِيهَا أَيْضًا عَنْ أسماء بنت عميس قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللُّهِ ﷺ:”أَلَا أُعَلِّمُكِ كَلِمَاتٍ تَقُولِيهِنَّ عَنْدَ الْكَرْبِ، أَوْ فِي الْكَرْبِ اللَّهُ رَبِّي لَا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا”، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهَا تُقَالُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَفِي ” مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ ” عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّﷺقَالَ:”مَا أَصَابَ عَبْدًا هَمٌّ وَلَا حُزْنٌ فَقَالَ: ..”،وَفِي الترمذي عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِﷺ:”دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا رَبَّهُ وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتُجِيبَ لَهُ”، وَفِي رِوَايَةٍ: "إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَا يَقُولُهَا مَكْرُوبٌ إِلَّا فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ، كَلِمَةَ أَخِي يُونُسَ”، وَفِي ” سُنَنِ أبي داود ” عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أبوأمامة فَقَالَ: "يَا أبا أمامة مَالِي أَرَاكَ فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ؟ ” فَقَالَ: هُمُومٌ لَزِمَتْنِي وَدُيُونٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ:” أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلَامًا إِذَا أَنْتَ قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّكَ وَقَضَى دَيْنَكَ؟ ” قَالَ: قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: ” قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ، وَالْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ، وَقَهْرِ الرِّجَالِ، قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمِّي وَقَضَى عَنِّي دَيْنِي”، وَفِي ” سُنَنِ أبي داود ” عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:”مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ”، وَفِي ” الْمُسْنَدِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ:”كَانَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ فَزِعَ إِلَى الصَّلَاة”،وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة: 45]،وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،عَنِ النَّبِيِّﷺ:”مَنْ كَثُرَتْ هُمُومُهُ وَغُمُومُهُ، فَلْيُكْثِرْ مِنْ قَوْلِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ”، وَثَبَتَ فِي ” الصَّحِيحَيْنِ ": "أَنَّهَا كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ”، وَفِي الترمذي: ” أَنَّهَا بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ ”
فقه وفوائد الحديث:
1-الْفرق بَين الْهم وَالْغَم:
اعْلَم أَن الْهم وَالْغَم لفظان مطلقان قريبان من بعضهما، وَالْغَم هُوَ عبارَة عَن الضّيق والبرم الَّذِي يولده الانقباض والحزن وَيقْعد على الْقلب، وَهُوَ مُشْتَقّ من الْغَمَام، أَي أَنه عَارض، وَهُوَ كَذَلِك عبارَة عَن المحنة الَّتِي تحدث عِنْد عدم التَّمَكُّن من شَيْء إِرَادَة الْقلب وَالسَّعْي للاستحصال عَلَيْهِ، فيصيبنا الْحزن والندم عَلَيْهِ ،وَالْهم هُوَ الْفِكر فِي إِزَالَة الْمَكْرُوه واجتلاب المحبوب وَلَيْسَ هُوَ من الْغم فِي شَيْء، وَالْغَم معنى ينقبض الْقلب مَعَه وَيكون لوُقُوع ضَرَر قد كَانَ أَو توقع ضَرَر يكون أَو يتوهمه وَقد سمي الْحزن الَّذِي تطول مدَّته حَتَّى يذيب الْبدن همًا، وقيل: الغم: ما لا يقدر الانسان على إزالته كموت المحبوب، والهم: ما يقدر على إزالته، كالإفلاس مثلًا، ويؤيده قوله تعالى في وصف أهل النار:{ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا }، فإنهم لم يكونوا قادرين على إزالة ما بهم من العذاب، وقيل: الهم: قبل نزول الأمر، ويطرد النوم، والغم بعد نزول الأمر، ويجلب النوم، وأما الحزن فهو الأسف على ما فات ،والْفرق بَين الْحزن وَالْكرب: أَن الْحزن تكاثف الْغم وغلظه مَأْخُوذَة من الأَرْض الْحزن وَهُوَ الغليظ الصلب وَالْكرب تكاثف الْغم مَعَ ضيق الصَّدْر وَلِهَذَا يُقَال لليوم الْحَار يَوْم كرب أَي كرب من فِيهِ وَقد كرب الرجل وَهُوَ مكروب وَقد كربه إِذا غمه وضيق صَدره ، وهذه الأمور الثلاثة إنما تنجلي عن القلب وتزول عنه بالعودة الصادقة إلى الله ، والانكسار بين يديه والتذلل له والخضوع له سبحانه والدخول في طاعته.
2- انقسم الناس في مسألة عدد أسماء الله الحسنى إلى فريقين: الأول: يقولون: إن أسماء الله الحسنى لا تدخل تحت حصر ولا تحد بعدد، فإن لله تعالى أسماء وصفات استأثر بها في علم الغيب عنده لا يعلمها ملك مقرب ولا نبي مرسل، وأن الأسماء الحسنى غير منحصرة في تسعة وتسعين، بِدَلِيلِ الحديث وغيره ، وأما حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ : إِنَّ لِلهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا ، مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا ، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ” ، فالمراد تسعة وتسعون اسمًا موصوفة بأن من أحصاها دخل الجنة يعني: حفظها وعمل بمقتضاها ،فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : فَقَدْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ لَيْلَةً مِنَ الْفِرَاشِ ، فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ ، وَهُوَ يَقُولُ : اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ . وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ ، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ” ، فأخبر أنه لا يحصى ثناء عليه، ولو أحصى جميع أسمائه لأحصى صفاته كلها، والحديث يدل بكل وضوح على أن أسماء الله كثيرة ومتنوعة، لأن كمالات الله لا تتناهى، بل هو موصوف بكل كمال سبحانه{قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} ،وهذا هو الصواب وعلى ذلك مضى سلف الأمة وأئمتها، وهو قول جمهور العلماء ولم يخالفهم فيه إلا طائفة من المتأخرين كابن حزم وغيره ،قال الخطابي عند هذا الحديث: "فهذا يدلك على أن لله أسماء لم ينزلها في كتابه حجبها عن خلقه ولم يظهرها لهم” ،وقال ابن كثير: "لِيُعْلَمْ أَنَّ الْأَسْمَاءَ الْحُسْنَى لَيْسَتْ مُنْحَصِرَةً فِي التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ بِدَلِيلِ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ..”
والفريق الثاني: أنّ عدد الأسماء التي عرّفنا الله إياها في كتابه، أو ذكرها رسوله ﷺ، تسعة وتسعون لا تزيد، لنصّ الرسول ﷺ على هذا العدد، وما زاد على هذه التسعة والتسعين فهو مما لا نعرفه، لأنّه من مكنون علم الله أو مما اختص الله به بعض خلقه، وإلا فما فائدة تحديد عدد أسماء الله بتسعة وتسعين؟!
3-من أنواع التوسل المشروع التوسل إلى الله تعالى باسم من أسمائه الحسنى أو صفة من صفاته العظيمة، كأن يقول المسلم في دعائه: اللهم إني أسألك بأنك الرحمن الرحيم أن تعافيني، أو يقول: أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي وترحمني، ونحو ذلك ،وذلك بأن يقدم شيئاً من الثناء على الله عز جل قبل مطلوبه في الدعاء فيكون من علامات قبول واستجابة الدعاء، قال الباري عزّ وجل: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}، وما ذكره الله من توسل إبراهيم عليه السلام:( ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) ) [الشعراء: 78 – 85]،ومن الأدلة قول المصطفىﷺفي صلاته:”اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ ، أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي ، وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي ، اللَّهُمَّ أَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ – يَعْنِي فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ – وَأَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحُكْمِ فِي الرِّضَى وَالْغَضَبِ ، وَأَسْأَلُكَ الْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى ، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَبِيدُ ، وَأَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَى بَعْدَ الْقَضَاءِ ، وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ ، فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ،وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ” ،وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سَمِعَ النَّبِيُّ ﷺ رَجُلًا يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، الْمَنَّانُ، بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، فَقَالَ:”لَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ بِاسْمِهِ الْأَعْظَمِ، الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى، وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ” ، عَنْ مِحْجَنَ بْنَ الْأَدْرَعِ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، إِذَا رَجُلٌ قَدْ قَضَى صَلَاتَهُ وَهُوَ يَتَشَهَّدُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ يَا أَللَّهُ بِأَنَّكَ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَدْ غُفِرَ لَهُ”، ثَلَاثًا” ،وقد ورد في السنة أحاديث كثيرة، وهنا توسل بأسماء الله على سبيل العموم "أسألك بكل اسم” ،وقد جاءت الأسماء الحسنى والصفات العُلى في الكتاب والسنة غير مشتبهة ولا مؤدية إلى التعطيل والإلحاد
4-دعاء الله والاستعانة به والتوكل عليه تبعث الهمم ومن أعظم الاسباب التي تقوي العزائم والهمم، وتدفع الهم والحزن، ويشرح الصدر ويقوي العزيمة ،ويجب أن نعلم أن الهموم والغموم التي تصيب المرء هي من جملة ما يكفر عنه بها ويخفف عنه من ذنوبه، فإذا صبر واحتسب أثيب على ذلك، فيفرح المسلم بما يحصل له من الأجر العظيم، والثواب الجزيل، جزاء صبره واحتسابه على ما يصيبه من هموم الدنيا، ومصائبها، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي ﷺ قال: "مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ، وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ، وَلاَ حُزْنٍ، وَلاَ أَذًى، وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلاَّ كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ”، وفي رواية لمسلم: "حَتَّى الْهَمِّ يُهَمُّهُ إِلاَّ كُفِّرَ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ”، وفي رواية لمسلم: "مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا، إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً” ، فيعلم المسلم أن ما يصيبه من هموم، وغموم إنما هو تكفير لسيئاته، وتكثير لحسناته، ومعرفة حقيقة الدنيا، وأنها فانية، متاعها قليل، وما فيها من لذة فهي مكدرة، لا تصفو لأحد، إن أضحكت قليلاً، أبكت طويلاً، وإن سرت يسيرًا أحزنت كثيرًا، قال تعالى:{وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}[آل عمران: 140]،وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:”الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ” ، وهي كذلك دار نصب، وأذى، وغم، وهم، ولذلك يستريح المؤمن إذا فارقها،فَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ: أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺمُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ ، فَقَالَ: مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ قَالَ: الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللهِ، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ” ،فهذا المعنى الذي يدركه المؤمن لحقيقة الدنيا، يهون عليه المصائب، والهموم، لأنه يعلم أن ذلك من طبيعتها، وهموم الدنيا وغمومها تشتت النفس، وتفرق شملها، فإذا جعل العبد الآخرة همه جمع الله له شمله، وقويت عزيمته ،فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:”مَنْ كَانَتِ الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ” ،وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ ﷺ، يَقُولُ:”مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمًّا وَاحِدًا، هَمَّ الْمَعَادِ، كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّ دُنْيَاهُ، وَمَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْهُمُومُ فِي أَحْوَالِ الدُّنْيَا، لَمْ يُبَالِ اللَّهُ فِي أَيِّ أَوْدِيَتِهِ هَلَكَ” ، ومع هذا فإنه لا حرج على الإنسان أن يدعو بالأدعية المأثورة لزوال الهم والغم ، كما في هذا الدعاء الذي أرشد النبي المسلم إذا أصابه هم أو غم ما يَقُولُه إذا أصابَه همٌّ أو حَزَن
5-من أسباب السعادة الإيمان بقضاء الله وقدره، فإن الإنسان إذا آمن بالقضاء والقدر، أحس براحة نفسية، وانشراح صدر بما وقع له، وإن كان مما يكره، فقد أخبر النبي أن الإيمان بالقضاء والقدر ركن من أركان الإيمان الستة ،عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ قَالَ:وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ” ، وأخرج أبو داود من حديث ابْنِ الدَّيْلَمِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَقُلْتُ لَهُ : وَقَعَ فِي نَفْسِي شَيْءٌ مِنَ الْقَدَرِ ، فَحَدِّثْنِي بِشَيْءٍ لَعَلَّ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُذْهِبَهُ مِنْ قَلْبِي ، فَقَالَ : لَوْ أَنَّ اللهَ تَعَالَى عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ عَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ ، وَلَوْ رَحِمَهُمْ كَانَتْ رَحْمَتُهُ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ ، وَلَوْ أَنْفَقْتَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فِي سَبِيلِ اللهِ تَعَالَى مَا قَبِلَهُ اللهُ تَعَالَى مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ ، وَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ ، وَلَوْ مُتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا لَدَخَلْتَ النَّارَ قَالَ : ثُمَّ أَتَيْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ ، قَالَ : ثُمَّ أَتَيْتُ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ ، قَالَ : ثُمَّ أَتَيْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَحَدَّثَنِي عَنِ النَّبِيِّ ﷺمِثْلَ ذَلِكَ” ، فقد بَيَّن أن كل قضائه في عبده عدلٌ، ولهذا يقال: كل نعمة منه فضلٌ، وكل نقمة منه عدلٌ، ويقال: أطعتك بفضلك، والمنّة لك، وعصيتك بعلمك، أو بِعَدْلك، والحجة لك، فأسالك بوجوب حجتك عليّ، وانقطاع حجتي إلا ما غفرت لي ، والرضا هو بحسب معرفة العبد بعدل الله، وحكمته، ورحمته، وحسن اختياره، فكلما كان بذلك أعرف كان به أرضى، فقضاء الله في عبده دائر بين العدل والمصلحة، والحكمة والرحمة، لايخرج عن ذلك البتة وقد بين الله عز وجل أن كل شيء يسير بقضاء الله وقدره، فقال:{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} ،وبيّن ﷺ أن من جملة الإيمان أن تؤمن بالقدر خيره وشره، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: إِنَّ اللهَ خَالِقُ كُلِّ صَانِعٍ وَصَنْعَتَهُ ” ، فنص على أَنه خَالق الصَّنْعَة كَمَا أنه خَالق الصَّانِع ، قال الطحاوي:” وَأَصْلُ الْقَدَرِ سِرُّ اللَّهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ، لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى ذَلِكَ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَالتَّعَمُّقُ وَالنَّظَرُ فِي ذَلِكَ ذَرِيعَةُ الْخِذْلَانِ، وسُلم الْحِرْمَانِ، وَدَرَجَةُ الطُّغْيَانِ، فَالْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ ذَلِكَ نَظَرًا وَفِكْرًا وَوَسْوَسَةً، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى طَوَى عِلْمَ الْقَدَرِ عَنْ أَنَامِهِ، وَنَهَاهُمْ عَنْ مَرَامِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ:{لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}” ،ويقول البغوي:”الإِيمَانُ بِالْقَدَرِ فَرْضٌ لازِمٌ، وَهُوَ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُ أَعْمَالِ الْعِبَادِ،خَيْرِهَا وَشَرِّهَا، كَتَبَهَا عَلَيْهِمْ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ:{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}[الصافات: 96]،وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ:{قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}[الرَّعْد: 16]” ،فعلي المسلم وجوب التسليم للقدر وتحريم الاعتراض ،فَعَنْ صُهَيْبٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:”عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ”
يقول ابن القيم:” ابتلاء المؤمن كالدّواء له يستخرج منه الأدواء التي لو بقيت فيه أهلكته، أو نقصَت ثوابه، وأنزلت درجته، فيستخرج الابتلاءُ والامتحانُ منه تلك الأدواء، ويستعدُّ به لتمام الأجر وعلوّ المنزلة. ومعلوم أن وجود هذا خير للمؤمن من عدمه”
6-الإكثار من ذكر الله عز وجل، فإن له سرًا عجيبًا، في انشراح الصدر ، ونعيم القلب، فإن ضيق الصدر، وما ينتاب المسلم من هموم وغموم، وأحزان أمور لا يكاد يسلم منها أحد، قال ابن حزم: "فكرت في سعي العقلاء، فرأيت سعيهم كلهم في مطلوب واحد، وإن اختلفت طرقهم في تحصيله، رأيتهم جميعهم إنما يسعون في دفع الهم والغم عن نفوسهم، فهذا في الأكل والشرب، وهذا في التجارة والكسب، وهذا بالنكاح، وهذا في اللغو واللعب، وغير ذلك، ولم أر في جميع هذه الطرق طريقًا موصلاً إليه، ولعل أكثرها إنما يوصل إلى ضده، وإنما الإقبال على الله وحده، وإيثار مرضاته على كل شيء ضده، فليس للعبد أنفع من هذا الطريق، وأوصل منه على لذته، وسعادته” ،وقال:” إِذا تعقبت الْأُمُور كلهَا فَسدتْ عَلَيْك وانتهيت فِي آخر فكرتك باضمحلال جَمِيع أَحْوَال الدُّنْيَا إِلَى أَن الْحَقِيقَة إِنَّمَا هِيَ الْعَمَل للآخرة فَقَط لِأَن كل أمل ظَفرت بِهِ فعقباه حزن إِمَّا بذهابه عَنْك وَإِمَّا بذهابك عَنهُ وَلَا بُد من أحد هذَيْن الشَّيْئَيْنِ إِلَّا الْعَمَل لله عز وَجل فعقباه على كل حَال سرُور فِي عَاجل وآجل..، وبحثت عَن سَبِيل موصلة على الْحَقِيقَة إِلَى طرد الْهم الَّذِي هُوَ الْمَطْلُوب للنَّفس الَّذِي اتّفق جَمِيع أَنْوَاع الْإِنْسَان الْجَاهِل مِنْهُم والعالم والصالح والطالح على السَّعْي لَهُ فَلم أَجدهَا إِلَّا التَّوَجُّه إِلَى الله عز وَجل بِالْعَمَلِ للآخرة، وَوجدت الْعَمَل للآخرة سالمًا من كل عيب خَالِصًا من كل كدر موصلا إِلَى طرد الْهم على الْحَقِيقَة” ، وقد ذكر ابن القيم مئة فائدة للذكر، منها: أن الذكر يطرد الهم والحزن، ويجلب الفرح والسرور وطيب العيش ، فللذكر تأثير عجيب في انشراح الصدر، ونعيم القلب، وللغفلة تأثير عجيب في ضيقه وحبسه وعذابه، قال تعالى:{الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ} ، وقد علَّمنا النبي ﷺ أن نكثر من ذكر الله ونستعيذ باللَّه من الهم والحزن وغير ذلك، فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ” ،يقول النووي:” وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ دَلِيلٌ لِاسْتِحْبَابِ الدُّعَاءِ وَالِاسْتِعَاذَةِ مِنْ كُلِّ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا ” ،وهذا يدعو إلي الفأل وحسن الظن بالله، يجلب السعادة والسرور إلى القلب، ويذهب عنه الهم والحزن، وهذا مطلوب شرعًا ،قال القاضي عياض: "وكذلك استعاذته ﷺ من الجبن والبخل لما فيهما من التقصير عن أداء الواجبات، والقيام في حقوق الله، والغلظة على أهل المعاصي، وتغيير المنكرات، وأداء حقوق المال، إذ بشجاعة النفس المعتدلة يقيم الحقوق، وينصر المظلوم، وبسخاء النفس يؤدي حقوق المال، ويواسي منه ويلم به عند الضرورات شعث المساكين، ويؤدي واجب المضطرين” ،وكل المعاني والنصوص السابقة تؤكد للمسلم ضرورة وأهمية الثقة في الله تفريج كل كرب وشدة ونازلة مهما عظمت الثقة بالله في تفريج الكرب
سلِ الله رَبَّكَ ما عِنْدَهُ … وَلا تَسَلِ النَّاسَ ما عِنْدَهُمْ، وَلا تَرْتَجِي مِنْ سِوَاهُ الغِنَى … وَكُنْ عَبْدَهُ لا تكُنْ عَبْدَهُمْ
7-مسألة: ماذا تقول المرأة في هذا الدعاء ؟
سُئِل ابن تيمية عَنْ امْرَأَةٍ سَمِعَتْ فِي الْحَدِيثِ: "اللَّهُمَّ إنِّي عَبْدُك وَابْنُ عَبْدِك نَاصِيَتِي بِيَدِك” إلَى آخِرِهِ فَدَاوَمَتْ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ، فَقِيلَ لَهَا: قُولِي: اللَّهُمَّ إنِّي أَمَتُك بِنْتُ أَمَتِك إلَى آخِرِهِ. فَأَبَتْ إلَّا الْمُدَاوَمَةَ عَلَى اللَّفْظِ فَهَلْ هِيَ مُصِيبَةٌ أَمْ لَا؟: فَأَجَابَ: بَلْ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَمَتُك، بِنْتُ عَبْدِك، ابْنِ أَمَتِك، فَهُوَ أَوْلَى وَأَحْسَنُ، وَإِنْ كَانَ قَوْلُهَا: عَبْدُك ابْنُ عَبْدِك لَهُ مَخْرَجٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ كَلَفْظِ الزَّوْجِ [يعني: أن لفظ الزوج يطلق على الذكر والأنثى] وَاَللَّهُ أَعْلَمُ” .انتهي من "مجموع فتاوى ابن تيمية”،(2/ 177)، وسُئِل ابن باز:عن كيفية دعاء المرأة بهذا الدعاء اللهم إني عبدك ابن عبدك هل تقول المرأة في دعائها وأنا عبدك وابن عبدك، أو تقول وأنا أمتك ابن عبدك أو بنت عبدك؟:فأجاب: الأمر واسع إن شاء الله، إذا قالت ما جاء في الحديث فلا بأس، وإن قالت الصيغة المعروفة: اللهم إني أمتك وابنة عبدك فلا بأس كله طيب. انتهي من "مجموع فتاوي ابن باز”،(6/76) ،وجاء في كتاب "جامع أحكام النساء”،(4/683):”الظاهر لي والله أعلم أنها تقول :اللهم إني أمتك ، وذلك لأن العبد يطلق علي الرجل ، والأمة تطلق علي المرأة قال تعالي:{ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ..}، والله أعلم”. انتهي
وفي الختام: هذه الأمور الثلاثة الحزنُ والهمُّ والغَمُّ إنَّما تزول عن القلب وتَنْجَلي عن الفؤاد بالعودة الصادقة إلى الله، وتَمام الانكسار بين يديه، والتَّذَلُّل له سبحانه، والخضوع له والاستسلام لأمره والإيمان بقضائه وقدره ومعرفته سبحانه، ومعرفةِ أسمائه وصفاته، والإيمانِ بكتابه، والعناية بقراءته وتدبره والعمل بما فيه، فبذلك لا بغيره تزولُ هذه الأمور، وينشرح الصَّدرُ، وتتحقَّق السَّعادة، فهذه كلماتٌ عظيمةٌ ينبغي على المسلم أن يتعلَّمها، وأن يحرصَ على قولها عندما يُصاب بالحزن أو الهمِّ أو الغمِّ، وليعلم كذلك أنَّ هؤلاء الكلمات إنَّما تكون نافعةً له إذا فَهم مدلولَها وحقَّق مقصودَها وعمل بما دلَّت عليه، أمَّا الإتيانُ بالأدعية المأثورة والأذكار المشروعية دون فهم لمعانيها ودون تحقيق لمقاصدها فإنَّ هذا قليلُ التأثير عديمُ الفائدة ،وليعلم المسلم أن الهم والحزن لامصلحة فيها للعبد ، فهما يضعفا القلب ويوهن العزم ، ويضر الإرادة ،الْحُزْنَ مُوقِفٌ غَيْرُ مُسَيِّرٍ، وَلَا مَصْلَحَةَ فِيهِ لِلْقَلْبِ، وَأَحَبُّ شَيْءٍ إِلَى الشَّيْطَانِ أَنْ يَحْزَنَ الْعَبْدُ لِيَقْطَعَهُ عَنْ سَيْرِهِ، وَيُوقِفَهُ عَنْ سُلُوكِهِ، قَالَ تَعَالَى {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا} ،فَالْحُزْنُ لَيْسَ بِمَطْلُوبٍ، وَلَا مَقْصُودٍ، وَلَا فِيهِ فَائِدَةٌ، وَقَدِ اسْتَعَاذَ مِنْهُ النَّبِيُّ ، فَقَالَ:”اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ”، فَهُوَ قَرِينُ الْهَمِّ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَكْرُوهَ الَّذِي يَرِدُ عَلَى الْقَلْبِ، إِنْ كَانَ لِمَا يُسْتَقْبَلُ أَوْرَثَهُ الْهَمَّ، وَإِنْ كَانَ لِمَا مَضَى أَوْرَثَهُ الْحُزْنَ، وَكِلَاهُمَا مُضْعِفٌ لِلْقَلْبِ عَنِ السَّيْرِ، مُقَتِّرٌ لِلْعَزْمِ
وَآخِرُ دَعْوَانَا بِتَوْفِيقِ رَبِّنَا .. أَنِ الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي وَحْدَهُ عَلَا.وَبَعْدُ صَلاَةُ اللهِ ثُمَّ سَلاَمُهُ .. عَلَى سَيِّدِ الْخَلْقِ الرِّضَا مُتَنَخِّلَا مُحَمَّدٍ الْمُخْتَارِ لِلْمَجْدِ كَعْبَةً .صَلاَةً تُبَارِيْ الرِّيحَ مِسْكاً وَمَنْدَلَا.وَتُبْدِي عَلَى أَصْحَابِهِ نَفَحَاتِهَا بِغَيْرِ تَنَاهٍ زَرْنَبًا وَقَرَنْفُلَا
الحواشي:
أستاذ بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية – ليباك – اندونيسيا ، عصر الخميس:12من جمادى الثاني 1441ه ، 6 من فبراير2020م
– مستلةً من مقدمة ابن حجر لكتابه:” التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير”،(1/115)
– هذه اللفظة عند الحاكم في "المستدرك”، وفي "ترتيب الأمالي الخميسية”، للشجري”،(1/308)،( 1073) ،والأصبهاني في ” الترغيب والترهيب”،(2/136)
– عند الإمام أحمد في "مسنده” (2 / 864)
– هكذا في جميع مصادر التخريج وعند الاصبهاني في "الترغيب والترهيب”: "فرجاً”.
-أخرجه ابن حبان في "صحيحه” (3 / 253) برقم: (972)،والحاكم في "مستدركه” (1 / 509) برقم: (1883)،وقال:” هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ إِنْ سَلِمَ مِنْ إِرْسَالِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، عَنْ أَبِيهِ ، فَإِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي سَمَاعِهِ عَنْ أَبِيهِ”، وأحمد في "مسنده” (2 / 864) برقم: (3788) ، وأبو يعلى في "مسنده” (9 / 198) برقم: (5297) والبزار في "مسنده” (5 / 363) برقم: (1994) وابن أبي شيبة في "مصنفه” (15 / 160) برقم: (29930) والطبراني في "الكبير” (10 / 169) برقم: (10352)وابن السني في عمل اليوم والليلة ،(ص:300)، (340)، وفي "مسند ابن أبي شيبة”،(1/223)،وفي "بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث”،(2/957)،و”الدعاء للطبراني”،(ص:314)،قال ابن حجر في "التلخيص الحبير”،(4/426):”وَقَدْ صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ”، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد "،(10/136):” رجال أحمد، وأبي يعلى رجال الصحيح غير أبي سلمة وقد وثقه ابن حبان”، والحديث صححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند (5/266)، وصححه الألباني في الصحيحة (1/ 336) رقم (199)،والأرناؤوط في تخريج زاد المعاد (4/198)،وقال الأرنؤوط في تعليقه علي مسند أحمد،(1/ 391)،برقم:(2712):”إسناده ضعيف كما قال الدارقطني في العلل أبو سلمة الجهني لم يتبين لأئمة الجرح والتعديل من هو”. [ينظر:” مختصرُ استدرَاك الحافِظ الذّهبي على مُستدرَك أبي عبد اللهِ الحَاكم”،(1/413-415)،و”التاريخ الكبير للبخاري”، (7/ 158)، و”تهذيب الكمال”، للمزي(23/ 379)]، وفي الجملة: والله أعلم فإن الحديث حسن بمجموع طريقيه وشاهده الذي يأتي.
-أخرجه ابن السُّنِّي في "عمل اليوم والليلة”، سلوك النبي مع ربه عز وجل ومعاشرته مع العباد،”، بابُ ما يَقُولُ إذا أصابَه همٌّ أو حزن، (ص:300)،( 339 )،وقال الهيثمي في ” مجمع الزوائد”،(10/ 137):” رواه الطبراني وفيه من لم أعرفه”.
وقال الحافظ بعد تخريجه: حديث غريب، وقد ذكر ابن السني عقب حديث أبي موسى المذكور هنا عن عبد الله بن مسعود نحوه، وحديث ابن مسعود أثبت سنداً وأشهر رجالاً، وهو حديث حسن، وقد صححه بعض الأئمة، فعجبت من عدول الشيخ – يعني النووي – عن القوي إلى الضعيف ” الفتوحات الربانية "،(4/13)،و” منتهى السؤل على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول ﷺ”،(4/469)
-” النهاية في غريب الحديث والأثر”،(3/58)
-” الفائق في غريب الحديث والأثر”،(3/208)،و”غريب الحديث”، لابن الجوزي (2/352)
– ” النهاية في غريب الحديث والأثر”،(1/380)
-” تاج العروس من جواهر القاموس”،(34/411)
– (ص:198)
– "شرح رسالة العبودية”، لابن تيمية،(ص:14)، و” مدخل لدراسة العقيدة الإسلامية "،(ص:283-292)،و” حقيقة العبودية”،(ص:13-14)
-” التعريفات الفقهية”،(ص:143)
-” مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين”،(1/125-126)
-” عمدة الكتاب”،(1/301)
-” مفتاح دار السعادة”،(1/ 376)، و” شرح الدعاء من الكتاب والسنة”،(ص: 335)
– "مفردات ألفاظ القرآن”،(ص: 422)، و” الهداية الكافية الشافية”،(ص:433)،و” التعريفات الفقهية”،(ص:175)
-” القضاء والقدر”، د.عبدالرحمن بن صالح المحمود ،( ص: 25)
-” موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم”،(1/386)
– "جامع الأصول”،(4/298)،و”النهاية”، لابن الأثير، "غريب الجامع” (4/ 298)،و” التَّحبير لإيضَاح مَعَاني التَّيسير”،(4/251)
-” مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح”،(4/1701)،و "مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح”،(8/206-207)
-” الكاشف عن حقائق السنن "،(6/1910)
– "جامع الأصول”،(4/298)،و”مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح”،(4/1701)،و”مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح”،(8/206-207)
– "الفوائد”، لابن القيم،(ص:26)، و”شرح الدعاء من الكتاب والسنة”،(ص: 335)
-” القاموس المحيط”،(ص:130)
-” كشف المشكل من حديث الصحيحين "،(3/216)
-"عمدة القاري”،(1/50)
-” مشارق الأنوار على صحاح الآثار”،(1/191)
– "مفتاح دار السعادة”،(1/ 376)، و” شرح الدعاء من الكتاب والسنة”،(ص: 335)
-” مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح”،(4/1701)،و "مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح”،(8/206-207)
-” المفردات في غريب القرآن”،(ص:602)،و” النهاية في غريب الحديث والأثر”،(3/341)،و”الصحاح”،(6/ 2172)
-"عمدة القاري”،(23/31)
-” أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن”،(9/92)
-” النشر في القراءات العشر”،(2/446)
– ” منتهى السؤل على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول ﷺ”،(4/469)
-” دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ (موضوعات للخطب بأدلتها من القرآن الكريم والسنة الصحيحة)”،(2/650-653)
-” : الأذكار”،(ص:123)
– ” الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية”،(4/13-14)
-” شرح حصن المسلم من أذكار الكتاب والسنة”،(ص:209-212)
-أخرجه النسائي في "الكبرى” ، (10330) ، وصححه الألباني.
-أخرجه الترمذي في "جامعه”،( 3524)
-أخرجه أبوداود في "سننه”، (1495)،وصححه الألباني في "صحيح أبي داود” (1342)، و”الصحيحة” (3411)
-” العبودية”،(ص:79)
– "الفوائد”،(ص:23)
– أخرجه البخاري في "صحيحه” (8 / 67) برقم: (6306)
-"فتح الباري”،(11/101)
– أخرجه الترمذي في "جامعه” (4 / 284) برقم: (2516)، وقال :”هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ”.
– أخرجه الترمذي في "جامعه” (4 / 166) برقم: (2344)،وقال:” هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ”.
-"حلية الأولياء”(6/156)
-"الفوائد”،(24-26)
– "الفوائد”،(ص:26)
-” فقه الأدعية والأذكار”،( 4/ 192 )
– أخرجه البخاري في "صحيحه” (1 / 17) برقم: (44)
-"تحفة الذاكرين”، (ص: 297)،و”العلم الهيب في شرح الكلم الطيب”،(ص: 344)
-” أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة”،(ص:92)
-"العلم الهيب في شرح الكلم الطيب”،(ص: 343)
-أخرجه الترمذي في "جامعه” (3 / 194) برقم: (1535)، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَفُسِّرَ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ أَنَّ قَوْلَهُ: فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ ” عَلَى التَّغْلِيظِ، وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺسَمِعَ عُمَرَ يَقُولُ: وَأَبِي وَأَبِي ، فَقَالَ: أَلَا إِنَّ اللهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ ” وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺأَنَّهُ قَالَ: مَنْ قَالَ فِي حَلِفِهِ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى ، فَلْيَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ” هَذَا مِثْلُ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
– ” الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية”،(4/13-14) ،و” الفوائد”،(ص:26)
-” دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ”،(2/650-653)
– تحفة الذاكرين، ص 297 العلم الهيب، ص 344.
-” التبيين لدعوات المرضى والمصابين”،(ص:45-53)،و” فقه الأدعية والأذكار”،(3/186- 189)
– "الفوائد”،(ص:84)
– "مفتاح دار السعادة”،(1/ 376)، و” الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية”،(4/13-14)
-” الأنس بذكر الله”،(ص:235)، ” شرح حصن المسلم من أذكار الكتاب والسنة”،(ص:209-212)
– أخرجه مسلم في "صحيحه” (8 / 148) برقم: (2837)
-” مقالات الدرر السنية”،(2/351)،و” شرح الدعاء من الكتاب والسنة”،(ص:335-340)،و”دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ”،(2/653)
-” تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق”،(ص:225)
-” دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ "،(2/650-653) ،و” العلم الهيب في شرح الكلم والطيب”،(ص: 343)
– ” زاد المعاد في هدي خير العباد”،(4/180-184) و”رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام”،(3/377)
-” جامع العلوم في اصطلاحات الفنون”،(4/99)
-” معجم الفروق اللغوية”،(ص:560)
-” الفروق اللغوية”،(1/266-267)
-"تفسير القرآن العظيم”، لابن كثير،(3/515)
– أخرجه البخاري في "صحيحه” (3 / 198) برقم: (2736) ، ومسلم في "صحيحه” (8 / 63) برقم: (2677)
-” إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات إلى المذهب الحق من أصول التوحيد”،(ص: 158)
– أخرجه مسلم في "صحيحه” (2 / 51) برقم: (485)، يقول النووي في "شرح الحديث”،(4/151):” قَالَ الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: فِي هَذَا مَعْنًى لَطِيفٌ ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ تَعَالَى وَسَأَلَهُ أَنْ يُجِيرَهُ بِرِضَاهُ مِنْ سَخَطِهِ ، وَبِمُعَافَاتِهِ مِنْ عُقُوبَتِهِ ، وَالرِّضَاءُ وَالسَّخَطُ ضِدَّانِ مُتَقَابِلَان، وَكَذَلِكَ الْمُعَافَاةُ وَالْعُقُوبَةُ ، فَلَمَّا صَارَ إِلَى ذِكْرِ مَا لَا ضِدَّ لَهُ وَهُوَ اللَّهُ – سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى – اسْتَعَاذَ بِهِ مِنْهُ لَا غَيْرُ ، وَمَعْنَاهُ الِاسْتِغْفَارُ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي بُلُوغِ الْوَاجِبِ مِنْ حَقِّ عِبَادَتِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ : لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَيْ لَا أُطِيقُهُ وَلَا آتِي عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : لَا أُحِيطُ بِهِ ، وَقَالَ مَالِكٌ: مَعْنَاهُ لَا أُحْصِي نِعْمَتَكَ وَإِحْسَانَكَ وَالثَّنَاءَ بِهَا عَلَيْكَ ، وَإِنْ اجْتَهَدْتُ فِي الثَّنَاءِ عَلَيْكَ، وَقَوْلُهُ :” أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ”: اعْتِرَافٌ بِالْعَجْزِ عَنْ تَفْصِيلِ الثَّنَاءِ ، وَأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى بُلُوغِ حَقِيقَتِهِ ، وَرَدٌّ لِلثَّنَاءِ إِلَى الْجُمْلَةِ دُونَ التَّفْصِيلِ وَالْإِحْصَارِ وَالتَّعْيِينِ ، فَوَكَّلَ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُحِيطِ بِكُلِّ شَيْءٍ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا ، وَكَمَا أَنَّهُ لَا نِهَايَةَ لِصِفَاتِهِ لَا نِهَايَةَ لِلثَّنَاءِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الثَّنَاءَ تَابِعٌ لِلْمُثْنَى عَلَيْهِ ، وَكُلُّ ثَنَاءٍ أَثْنَى بِهِ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَثُرَ وَطَالَ وَبُولِغَ فِيهِ فَقَدْرُ اللَّهِ أَعْظَمُ ، وَسُلْطَانُهُ أَعَزُّ ، وَصِفَاتُهُ أَكْبَرُ وَأَكْثَرُ ، وَفَضْلُهُ وَإِحْسَانُهُ أَوْسَعُ وَأَسْبَغُ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ فِي جَوَازِ إِضَافَةِ الشَّرِّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى كَمَا يُضَافُ إِلَيْهِ الْخَيْرُ ؛ لِقَوْلِهِ : أَعُوذُ بِكَ مِنْ سَخَطِكَ وَمِنْ عُقُوبَتِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ”
– ” الصفات الإلهية في الكتاب والسنة النبوية في ضوء الإثبات والتنزيه”،(ص:184)،و” البيهقي وموقفه من الإلهيات”،(ص:156-157)
– "معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى”،(ص:62-75)،و”بدائع الفوائد”،( 1/ 166)،و”شفاء العليل”،(ص:277)
-"شأن الدعاء”،( ص: 24)
-"تفسير القرآن العظيم”،(3/515)
-” العقيدة في الله”،(ص:209-210)
-يراجع:” الأسماء والصفات”، للبيهقي،”بَابُ بَيَانِ أَنَّ لِلَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَسْمَاءً أُخْرَى..”،(ص:17- 19)،و”بدائع الفوائد”،( 1/162)،و”قرة عيون الموحدين في تحقيق دعوة الأنبياء والمرسلين”،(ص:226)،و” تسهيل العقيدة الإسلامية”،(ص:102)
-” أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة”،(ص:47)
– أخرجه النسائي في "المجتبى” (1 / 278) برقم: (1304 / 1)،والنسائي في "الكبرى” (2 / 81) برقم: (1229)
– أخرجه ابن ماجه في "سننه”،(3858)،وقال الألباني: "حسن صحيح”.
– أخرجه النسائي ،( 1301)، وأبوداود،( 985)،وصححه الألباني.
-” دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية – عرض ونقد”،(ص:410-411) ،و” الموسوعة الفقهية الكويتية”،(14/151)، و” فتاوى أركان الإسلام”،(ص:178)
-” الشرك في القديم والحديث”،(ص:608)
-” صيد الأفكار في الأدب والأخلاق والحكم والأمثال”،(2/335)
– أخرجه البخاري في "صحيحه” (7 / 115) برقم: (5646)، ومسلم في "صحيحه” (8 / 13) برقم: (2570)
– أخرجه مسلم في "صحيحه” (8 / 210) برقم: (2956)
– أخرجه البخاري في "صحيحه” (8 / 107) برقم: (6512) ، ومسلم في "صحيحه” (3 / 54) برقم: (950)
– رابط الخطبة الثانية من سلسلة من إعجاز الصيدلية النفسية الإسلامية: دعاء دفع الهم والحزن، رشيد بن ابراهيم بوعافية، https://khutabaa.com/forums/موضوع/140275
– أخرجه الترمذي في "جامعه” (4 / 252) برقم: (2465)، وصححه الألباني.
– أخرجه ابن ماجة في "سننه”،( 4106)، وحسنه الألباني.
-” فتاوى إسلامية”،(4/467)
-"الأذكار”، للنووي (ص:123)
– الوابل الصيب من الكلم الطيب (ص: 82)
– أخرجه مسلم في "صحيحه” (8 / 51) برقم: (2653)
– أخرجه أبو داود في "سننه” (4 / 361) برقم: (4699) وابن ماجه في "سننه”، (77)، وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع”،(4131).
-” البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج”،(40/514)
– "الرضا بالقضاء”، د. سالم بن محمد القرني،” مجلة جامعة أم القرى”،(5/401)
– أخرجه البخاري في ” خلق أفعال العباد ” (117)، والحاكم في "مستدركه” (1 / 31) برقم: (86) ، والبزار في "مسنده” برقم: (2837)
-” حز الغلاصم في إفحام المخاصم عند جريان النظر في أحكام القدر”،(ص:118)
-"شرح العقيدة الطحاوية” لابن أبي العز،(ص:225)
-"شرح السنة”،(1/142)
-"شفاء العليل”،(1/274)،و”الدرة البهية شرح القصيدة التائية”،( ص :18-22)
– أخرجه مسلم في "صحيحه” (8 / 227) برقم: (2999)
-"إغاثة اللهفان”،(2/935) ،و”الأسباب العقدية لإجابة الدعاء من خلال حديث "ما أصاب أحدًا قط هم ..” دراسة استنباطية عقدية”،(ص:170-171)
– وقد ذكر ابن القيم أسباب شرح الصدر فلتراجع في: الجواب الكافي (ص: 171 – 172)،و”زاد المعاد”، (2/ 23 – 28)
-” الأخلاق والسير في مداواة النفوس”،(ص:15-18)،بتصرف.
– المصدر السابق،(ص:13-14)
– يراجع:”الوابل الصيب”،(ص:36-82)، حيث قال:” وفي الذكر أكثر من مائة فائدة:..وذكرها”.
-” الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة”،(3/567-570) ،و”الأسباب المفيدة للحياة السعيدة”، (ص: 20)
– أخرجه البخاري في "صحيحه” (4 / 23) برقم: (2823) ، ومسلم في "صحيحه” (4 / 114) برقم: (1365)
– "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج”،(17/30)
– ” الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة”،(3/448-450)
– "إِكْمَال المُعلِم بِفَوَائِدِ مُسْلِم "، (8/ 204).
– ” ثقة المسلم بالله تعالى في ضوء الكتاب والسنة”،(ص:53-55)
-قال ابنُ المبرد في ” النهاية في اتصال الرواية”،(ص:261) ،(429 )،روايتُنا عن الشيخِ برهانِ الدين بن الباعونيِّ، وأنشدَنا من لفظِه لنفسِه:
– موقع الإسلام سؤال وجواب ، رقم السؤال: (114214)
-” شرح حصن المسلم من أذكار الكتاب والسنة”،(ص:209-212)
– الأسباب العقدية لإجابة الدعاء من خلال حديث "ما أصاب أحدًا قط هم ..” دراسة استنباطية عقدية”،(ص:170)
– "مدارج السالكين”،(1/501)
-مقتبسةً من ختام ” حرز الأماني ووجه التهاني في القراءات السبع”، للشاطبي (1/84)
Leave a Reply