شيخنا و مرشدنا المقرئ نثار أحمد الفيضي- رحمه الله – (مآثر و ذكريات)

عبدالسلام بن صلاح الدين الفيضي المدني السير و التراجم

أخانا الحبيب الشيخ راشد حسن السلفي المباركفوري وفقه الله العلي
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته
هذا مقال وجيز عن شيخنا ومربينا المقرئ نثار أحمد الفيضي – يرحمه الله – حاولت فيه تسليط الضوء على حياته في العلم والدعوة والتدريس والإفادة.
نأمل نشره في (الأقلام الحرة) ولكم منا أجزل الشكر وأوفر التقدير وأعطر الامتنان.
(أخوكم / عبد السلام بن صلاح الدين من أرض الطائف بالمملكة العربية السعودية)


الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام الأتمان الأكملان على أشرف الأنبياء و المرسلين و بعد
تلقينا – كما تلقى غيرنا – بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره و ببالغ الحزن والأسى نبأ وفاة العالم الكبير و الشيخ الفاضل الجليل و الخطيب النحرير و الحافظ و المقرئ الشهير / الشيخ نثار أحمد الفيضي (المدرس بالجامعة الإسلامية فيض عام بمدينة مئو و المدرس بكلية أم المؤمنين التابعة للجامعة الإسلامية فيض عام بمدينة مئو نات بنجن المعروف بـــــ( كلية فيض عام للبنات ) و إمام و خطيب المسجد الجامع الواقع بـــ(ميرزا هادي فورة) و ذلك ظهر الأربعاء في الثاني من شهر رجب لعام 1441 هـــ الموافق : 26 فبراير لعام 2020 م عبرَ وسائل التواصل الاجتماعي _سوشال ميديا- ( الواتس أب و الفيس بوك و التويتر )، و خيَّم على الكل ـــــ تلامذةً و محبين ــــــــ الحزن و الأسى فانهالت الدموع و سالت و ارتفعت أكف الضراعة إلى رب الأرض و السماء داعيةً له بسحائب المغفرة و شآبيب الرضى، و تراكمت كلمات العزاء و تضافرت رسائل الدعاء.
و مما يسعدني كثيراً أن أقوم بتسليط الضوء على حياة الراحل – رحمه الله – متمثلاً في بعض جوانب حياته العلمية و الدعوية ، و نترك الباقي للآخرين،علَّه من يسد هذه الثغرة بإذن الله، فأقول و بالله التوفيق .
اسمه و نسبه : هو الشيخ الكبير و العالم النحرير و الحافظ الشهير و المقرئ / نثار أحمد بن الحافظ إبراھیم بن الحافظ محمد سعید بن بدھو الفيضي .
مولده و منشأه : ولد في أحد أحياء مدينة مئو نات بنجن المسماة بــ(ميرزا هادي فورة) و ذلك في 2 يونيو 1942 م ، و نشأ يتيماً و ترعرع في بيت علمٍ و شرفٍ و فضلٍ تحت كنف أمه الحنون حتى بدأ تعليمه الأوَّلي بالجامعة العالية العربية بمدينة مئو نات بنجن)( و هي جامعة إسلامية عربية و مؤسسة دعوية تعليمية تأسست عام 1868م على يد العالم الكبير الشيخ فيض الله المئوي (ت ۱۸۹۸م) شيخ العلامة شبلي النعماني و تلميذ الشيخ سخاوت علي الجونفوري(1858م) ،و الشيخ المئوي –رحمه الله – من مواليد مئو نات بنجن ،تعلم العلوم البدائية في بلدته (مئو) ثم سافر إلى مدينة (جونفور) ليتتلمذ على الشيخ سخاوت علي و أخذ جميع العلوم العقلية و النقلية من التفسير و الفقه و الحديث المنطق و الفلسفة ثم توجَّه إلى مدينة ( لكناؤ) ليدرس على الشيخ العلامة عبد الحليم اللكنوي ثم رجع إلى (جونفور) و أكمل العلوم العقلية و النقلية و قد أحيا الله به نور التوحيد و السنة في بلدة (مئو )بعد ما كانت غارقة في أوحال الشرك و الخرافات و البدع و الأوهام الباطلة (ينظر: تراجم علماءِ حديث هند 1/ 417 -418) حتى أتم مرحلة حفظ كتاب الله خلال ثلاث سنوات على أيدي الحافظ أحمد الله المئوي- رحمه الله – و قد تعلَّم خلال هذه الفترة علمي التجويد و القراءات على أيدي المقرئ ظهير الدين المئوي – رحمه الله – ثم أكمل في الجامعة الإسلامية فيض عام بمدينة مئو على أيدي المقرئ خليل الرحمن المئوي –رحمه الله- متمثلاً في رواية حفص عن عاصم ، ثم واصل دراسته الابتدائية فيها حتى أتمها و التحق بمرحلة الثانوية العامة و تلقى العلوم العربية و الفارسية على أيدي مشايخها الكبار و على رأسهم الشيخ الحكيم محمد سليمان بن داؤد المئوي( 1294هــ- 1378 هــ) (و هو تلميذ الشيخ المحدث السيد محمد نذير حسين الدهلوي) و الشيخ عبد العلي( المتوفى 1967 م) و الشيخ فضل الرحمن العمري(المتوفى 1998 م ) و الشيخ عبد الحكيم بن عبد العلي الفيضي(المتوفى 2003م) و الشيخ محمد إلياس الفيضي المئوي و الشيخ محمد إسحاق الفيضي –رحمهم الله- ثم التحق بالجامعة الإسلامية فيض عام بمدينة مئو نات بنجن ( و هي أكبر مؤسسة تعليمية و تربوية سلفية بمدينة مئو تأسست على أيدي جماعة من المخلصين و العلماء البارزين و هي امتداد علمي و فكري لمدرسة العالم الكبير و المحدث الشهير العلامة السيد محمد نذير حسين الدهلوي-1320- و العالم الجليل الشاه المحدث ولي الله الدهلوي-1176- و ذلك عام 1902م الموافق :1320هــ ، و و قد افتتحت الدراسة فيها على أيدي الشيخ المحدث الحافظ عبد الله الغازيفوري – (و هو شيخ صاحب عون المعبود شرح سنن أبي داؤد و شيخ صاحب تحفة الأحوذي في شرح جامع الترمذي ) و عين الشيخ محمد أحمد بن ملا حسام الدين المعروف بـــــ(العالم الكبير، و أحد تلامذة المحدث محمد نذير حسين الدهلوي)أول مدرس فيها و من ثم رئيس هيئة أعضاء التدريس بالجامعة ، و كان يديرها آنذاك محدث العصر و تقيُّ الزمان الشيخ محمد أحمد المعروف بـــــ ’’الناظم ،، أي :’’الأمين العام،،- و لا أدري أنا – حسب علمي المحدود القاصر – أنه لقب و اشتهر بهذا الوصف الجميل المفتخر إلا شخصان هما: الشيخ محمد أحمد القاسمي المئوي و الشيخ شفاء الله الفيضي الدمكاوي – رحمهما الله- ) و ذلك ليستقي من معينها العذب و ينهل من منهلها الصافي متضلعاً من العلوم الإسلامية و الفنون الشرعية و المناهج الدراسية المقررة ، متمكناً فيها ، متزوداً بالثقافات الدينية على أيدي أساتذتها الأجلاء النابغين و مشايخها الفضلاء البارعين و على رأسهم : الشيخ محمد جميل الفيضي المئوي (المتوفى 1972م) و الشيخ أبو عبيدة عبد المعيد البنارسي (المتوفى 1980 م) و الشيخ العلامة شمس الحق السلفي البيهاري(المتوفى 1986 م ) و الشيخ المحدث عظيم الله الفيضي المئوي (المتوفى 1993م) ، و الشيخ المفتي المحدث حبيب الرحمن الفيضي المئوي(المتوفى 1996 م) –عليهم من الله شآبيب الرحمة و سحائب المغفرة – وغيرهم كثير يصعب ذكرهم حتى تخرج فيها عام 1387هــ ــ 1967م و حائزاً على شهادة الفضيلة مضطلعاً من العلوم الشرعية و الفنون الإسلامية و المناهج المقررة في و قد حصل خلالها على شهادات (المولوي و العالم و الفاضل من هيئة الله آباد التعليمية الحكومية بتقدير ممتاز)
و قد رحل لطلب العيش و كسب الرزق – باحثاً عنهما – إلى مدينة مومبائي ليكون إماماً و خطيباً في المسجد الجامع لأهل الحديث الكائن في (مدن فورة) و لم يلبث هناك إلا عاماً واحداً لعدم ملائمة الجو هناك ، ثم رجع قافلاً إلى مسقط رأسه (مئو نات بنجن) لينخرط في سلك التدريس في الجامعة الإسلامية فيض عام بمدينة مئو فتمَّ تعيينه فيها معلماً و مدرساً للصفوف العليا عامَ 1979 م و ذلك بشفاعةٍ حسنةٍ من زميله الكريم و صديقه الحميم الشيخ محفوظ الرحمن الفيضي( رئيس أعضاء هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية فيض عام بمدينة مئو و شيخ الحديث فيها سابقاً ) لدى أمينها العام الشيخ المحدث و العالم الجليل محمد أحمد القاسمي المئوي(المتوفى : 1402 هــ- 1982م ) و المعروف بــــ«الناظم » ولم يزل يواصل مسيرته التعليمية و التدريسية و الدعوية و التربوية في الجامعة و قام بتدريس عديدٍ من الكتب الدراسية و المناهج المقررة في الجامعة و على رأسها : الكافية في فن النحو و الجامع الصحيح للإمام مسلم ، فقام بتدريسها أحسن قيام و أعطى حقه كما ينبغي حتى تقاعد من وظيفته الحكومية عامَ 2003 م غيرَ أن مسؤلي الجامعة لم يسمحوا له الانفصال عنها فتمَّ تعيينه مدرساً على حساب الجامعة الخاص فواصل مسيرته التعليمية و التدريسية و التربوية حتى أنهكه المرض و أقعده عام 2018م ، و قد لعبَ دوراً بارزاً في تعليم طلاب الجامعة و تدريسهم و تثقيفهم و صبغهم بالصبغ الإسلامي الخالص و تربيتهم تربيةً سلفيةً صافيةً.
و قد خدم الجامعة و طلابها و مرتاديها طوال هذه الفترة الطويلة (1969م – 2018م ) بكل تفانٍ و إخلاصٍ و جديةٍ و حيوية و نشاطٍ،فأخذ عنه خلق كثير و استفاد منه جم كبير من أهل العلم و الفضل و تتلمذ عليه جمع غفير –منح الله لهم صيتاً و شهرةً و صوتاً و صولةً بين الأوساط العلمية العالمية – و على رأسهم : فضيلة الشیخ الدكتور عبد الباری فتح اللہ المدنی(الأستاذ المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض) و الشیخ مقصود الحسن الفیضی(الداعية بالمكتب التعاوني للدعوة و الإرشاد و توعية الجاليات بمحافظة الغاط) و الشیخ ظفر الحسن الفیضی ثم المدنی( الداعية بوزارة الشؤون الإسلامية بالشارقة بالإمارات العربية المتحدة) و الشيخ مقیم الفیضی(الأمين العام المساعد لجمعية أهل الحديث المركزية السابق) و الشيخ المفتي عبید الرحمن المدنی(المتوفى 2006 م) و الشیخ مظهر علی المدنی(شیخ الجامعۃ بالجامعة الإسلامية فيض عام ) و الشيخ شمیم أحمد العمری المدني و الشيخ إبراهيم المدني و الشيخ عبد الحمید الفیضی (المدرس بالجامعة الإسلامية فيض عام) و الشيخ حماد الرحمن الفيضي السلفي (المدرس بالجامعة الإٍسلامية فيض عام ) و الشیخ عبد الغنی الفیضی(شيخ الجامعة الإسلامية فيض عام السابق )و الشيخ الدكتور عبد المنان بن عبد اللطيف الفيضي المدني (المدرس بالجامعة الإسلامية فيض عام) و الشيخ مفیض الدین بن إفاض الدين المدنی (المدرس بجامعة الإمام البخاري بكشن غنج) والشیخ عبد السلام بن منیر الدین الفیضی المدنی(الداعية بالمكتب التعاوني للدعوة و الإرشاد و توعية الجاليات برأس تنورة بالمملكة العربية السعودية ) و الشيخ الدكتور لیث محمد المکی (مدرس بجامعة الفاروق بإتوا بمديرية سدرات نغر) و الشيخ العالم الزاهد شفاء اللہ الفیضی الدمکاوی(الأمين العام بالجامعة المحمدية بداباكيند في ولاية جاركند السابق و المتوفى عام 1997م) و الشيخ الكاتب و المحرر الكبير محمد خالد الفیضی و الشيخ الدكتور فاروق عبد اللہ بن أشرف الحق النراین فوری ‘ و الشيخ إكرام الحق بن نصير الدين الفيضي و الشيخ مصطفى عامر الفيضي المدني و كاتب هذه الأسطر (عبد السلام بن صلاح الدين – داعية المكتب التعاوني للدعوة و الإرشاد و توعية الجاليات بمحافظة ميسان- )و غيرهم كثير يصعب ذكرهم ، فمنهم من حاز قصب السبق في مجالات شتى من ميادين التعليم و التدريس و الدعوة و منهم من برز في ميادين التأليف و الترجمة و البحث و التحقيق و منهم نبغَ في ميادين الخطابة و الإمامة و الوعظ و النصح و التوجيه و الإرشاد و منهم من اشتهر في مجال الزهد و الورع و التقوى.
صفات الشيخ المقرئ و أخلاقه :
(وللنَّفـسِ أخْلاقٌ تَدُلُّ على الفَتَى أكـانَ سَخاءً ما أتَى أمْ تَسَاخِيَا)
و حينما نتكلم عن أخلاقه – رحمه الله – كأننا نتكلم عن أزهد خلق الله في أرضه في هذا الزمان و أعبد عباد الله من بين عباده في وقتٍ لا يعرف التهجد إلا اسمه و لا الزهد إلا رسمه و لا الورع إلا لفظه فالشيخ الأشم – رحمه الله – كان يتحلى بصفات العلم و الحلم و الرصانة العلمية و التواضع الجم و الخلق الإسلامي الفاضل و المناقب الجميلة و الشيم الحميدة و الصفات الرشيدة و الأوصاف الكريمة و الأخلاق الطاهرة، شديدَ الغيرة على السلفية و الدين الإسلامي الحنيف ، و كان محباً للعلم و العلماء و مقدرهم تقديراً كبيراً ، تقياً نقياً ورعاً زاهداً عابداً ،كثيرَ المطالعة ،مولعاً بها ،واسعَ المعلومات ، كما أنه كان يعد عالماً نحريراً و خطيباً بارعاً مفوَّهاً و مهتماً بالحديث أشد الاهتمام ، كان يملك صوتاً ندياً يحبه القاصي و الداني ، و كان الناس يأتي إلى المسجد الذي كان يقوم بمهمة الخطابة فيه ليستمع إلى صوته الندي و يستمع إلى خُطَبه الرنَّانة و كلماته الوعظية الشيِّقة و يستفيد منها ـ فكان إلقاؤه من أجمل ما رأيت من حسن إلقاءٍ و جودة طرحٍ فقد حباه الله موهبة قوية و ملكة كبيرة في الإلقاء و الطرح لمواضيع مهمة في الحياة البشرية ، كما أنه كان يملك ذهناً حاداً و طبعاً أخَّاذاً،فرحمه الله رحمة الأبرار و أسكنه فسيح جناته.
و كان الشيخ المقرئ دائم الحث و الترغيب لطلابه و مرتاديه في الجد و الاجتهاد و الحرص في الطلب و التحصيل و التزود من العلوم و الثقافة ليتمكن من خدمة الإسلام و المسلمين على أحسن وجه و أكمله ، و كان ينصح طلابه دائماً فيقول : «الناسُ في انتظاركم فعُدُّوا العُدَّةَ ، و اجتهدوا في الطلب »
و قد تشرف الشيخ الفيضي – رحمه الله – بأن يكون تلميذُ تلميذِ الشيخ المحدث السيد نذير حسين الدهلوي حيث أنه تتلمذ على أيدي الشيخ الحكيم محمد سليمان بن داؤد المئوي فأخذ عليه القرآن الكريم كما يقول الشيخ محفوظ الرحمن الفيضي ( ينظر: تذكرة تلاميذ السيد نذير حسين المئويين جمع و ترتيب للشيخ محفوظ الرحمن الفيضي ص/90-91)
خدم الشيخُ الفيضي –رحمه الله – الجامعةَ الإسلامية فيضَ عام خدمة لا تنسى عبر سنوات طوال و دهوراً قاربت 45 عاماً ، خدمها بكل تفانٍ و إخلاصٍ و جدية تامة و حيويةٍ قوية ، نذر نفسه لها و لطلابها و مرتاديها،انضم في سلك التدريس بها حتى أصبح علامةً كبرى لها ، انخرط في سلك التدريس بها فلم يخرج منها و لم ينفصل إلا بعدَ ما أقعده المرض فجاءوا من كل حوبٍ و صوبٍ ، فأجادَ و أفادَ ، جعلهم الله سبباً لغفران ذنوبه و كفراناً لسيئاته و محواً لخطيئاته.
كان الشيخ الفيضي – رحمه الله – محبباً لدى العامة و الخاصة فأحبهم و أحبوه، و كان يُجِلُّه الداني و القاصي و يبجله العالم و العامي و يحترمونه احتراماً شديداً و يقدرونه تقديراً قوياً كما أن أساتذة الجامعة الإسلامية فيض عام و طلابها يجلونه على حدٍ سواء و جديرُ بالذكر أن الشيخ المحدث محفوظ الرحمن الفيضي (شيخ الجامعة الإسلامية فيض عام السابق ) كان يكرمه أيما إكرام و لا يناديه إلا باسم (الحافظ ) و ذلك تقديراً له و حباً و إعظاماً نظيرَ جهوده الجبارة و مساعيه المشكورة و عبقريته الفذة و شخصيته الكريمة و نبوغه في العلم و الفضل و بروزه في الأخذ و العطاء.
أنيطت له المواد الدراسية الكثيرة لتدريسها فقد كان يدرِّس و يعطي حق التدريس لها و قد شرَّفني الله – كما تشرَّف غيري من تلاميذه الآلاف المؤلفة – بتلقي الجامع الصحيح للإمام مسلم على أيديه فكان- رحمه الله – في التدريس و التعليم نموذجاً يحتذى و أسوةً يقتدى في الأخذ و العطاء ، و كان مدرساً مثالياً و أستاذاً محنكاً و معلماً يشار إليه بالبنان في العلم و الفقه و الحديث و اللغة .
و كانت تعاملاته ــــ داخل الحرم الجامعي و خارجه ــــ مع طلابه معاملةَ الوالد لولده في الرحمة و الشفقة و العطف و الحنان و النصح و الإرشاد و التوجيه في كل حينٍ و آنٍ ، حتى و إن أخطأ الطالب فقد كان ينصحه في سرية تامة و شفقةٍ أبوية و حنانٍ كريمٍ.
و كان يتمتع بصفاء القلب و نقاءه و نظافته و طهارته لا يحمل حقداً و لا حسداً و لا غلاً على أحد ، و كان يمتثل – دائماً قول الشاعر
الحقدُ داءٌ دويٌّ لا دواءَ لهُ  يَرِي الصُّدورَ إذا ما جمره حُرثا
و من خصائص حياة الشيخ المقرئ – رحمه الله- بأنه كان حريصاً في أداء أمانته التي أنيطت إليه من التدريس و التعليم و الإمامة و الخطابة فقد كان يدخل الفصل حينما كان مدرساً في الجامعة بعد دقِّ الجرس و لا يبقى فيه بعد الانتهاء من وقته و كان هذا دأبه و ديدنه طوال فترة تدريسه و تعليمه في الجامعة يشهده كلُّ من عاصره و زامله و أخذ عنه و درس عليه ، فكان مدرساً أميناً و لا يدرِّس الطلاب إلا بعد المطالعة و المراجعة الدقيقة لما سيدرِّسه و لا يغيب عن الجامعة إلا حال كونه مريضاً أو مسافراً فلله دره، و في ذلك عبرة للمعتبرين و عظة للمتعظين ، فرحمه الله رحمة الصالحين.
و قد تولى إمامة المسجد الجامع الواقع بـــ( ميرزا هادي فورة) و الخطابة من منبره زهاءَ نصف قرنٍ، و كان إماماً مثالياً و خطيباً مصقعاً مُصلِحاً ، يملك صوتاً شجياً و قد أعطي مزماراً من مزامير آل داؤد ، كان قوالاً للحق ، رجَّاعاً إليه و لا يخاف في ذلك لومة لائم و له مواقف مشهودة في ذلك،و كان يعالج خلال هذا المنبر الشريف القضايا المعاصرة و المدلهمات الراهنة في ضوء الكتاب و السنة .
رحلاته الدعوية : تقدم سابقاً أن الله سبحانه و تعالى حباه قوةً خارقةً في إلقاء الخطب و المحاضرات و الكلمات الوعظية يشهد كلُ من حضر محاضراته و سمعها فقد كان يأتي إليه دعوات المشاركة من شتى المناطق و الولايات الهندية لحضور الملتقيات الدعوية و الندوات العلمية و المحافل الإصلاحية فقد شارك في عديدٍ من الولايات الهندية كـــ(ولاية بيهار و جاركند و بنغال الغربية و بعض مديريات اترابراديش و غيرها) تقبل الله جهوده مساعيه و جعلها في موازين حسناته.
رحلاته للحج و العمرة : إن من طبيعة المسلم الحق و المحب للدين و الشرع المطهر زيارة الحرمين الشريفين و الشوق إليهما فقد أكرم الله شيخنا بزيارة الحرمين الشريفين لمرات عديدة فقد وفِّق – رحمه الله – برحلتي الحج فقد أدى فريضة الحج عامَ 1996 م و تشرفنا – جميعاً – نحن طلاب الجامعة الإسلامية فيض عام الدارسين بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بضيافة الشيخ المقرئ في رحاب الجامعة و خدمته و تكريمه و تبجيله و استمتعنا بنصائحه القيمة و توجيهاته النافعة و أهديت له بعض الهدايا المتواضعة ، ثم تشرف بزيارة الحرمين الشريفين و أداء حج بيت الله العتيق عامَ 2014 م و تمَّ اللقاء معه في رحاب الجامعة و الاستماع إلى إرشاداته الماتعة ، ثم أكرمه الله بأن يسر زيارة الحرمين الشريفين لأداء العمرة و ذلك في عام 2017 م ، و هذه الزيارة تعتبر آخر زيارة له للحرمين الشريفين، تقبل الله من شيخنا صالح الأعمال و يدخله جنة الفردوس الأعلى بمنِّه و كرمه.
ذكرياتي الجميلة مع الشيخ الفيضي – رحمه الله –
• لقد كرمني الله – تقدَّست أسماؤه – بالانتماء إلى الجامعة الإسلامية فيض عام طالباً حتى تخرجت فيها في 19/يناير لعام 1995م و قد أقيم له حفلٌ كريمٌ حضره جمع كبير من أهل العلم و الفضل منهم رئيس المناظرين و عمدة المحققين- بلا منازع- الشيخ العلامة رئيس الأحرار الندوي – شيخ الحديث بالجامعة السلفية ببنارس سابقاً – و قد أنيطت إليَّ – فضلاً من الله و منةً- عمامة التخرج بيد شيخنا الفاضل و مترجَمنا الحبيب – رحمه الله – فقال أثناء إناطته إياي ما مفاده: «عليك بهذه العمامة و قدرَها » و كان الطلاب يلهفون بعمل الإناطة على أيدي الشيخ الفيضي – رحمه الله –
• و مما كرمني الله سبحانه و تعالى – أيضاً – بأن وفقتُ بتأسيس مؤسسة تعليمية دعوية و تربوية باسم (مركز آزاد التعليمي الإسلامي )في قلب مدينة غريديهه بولاية جاركند عامَ 1997 م في حين تراكمت جهود أهل البدع و الخرافات في المدينة و تضافرت المساعي الشركية فيها و ذلك بالتعاون و الاشتراك مع مشايخ المنطقة و من أبرزهم : الشيخ محمد كليم أنور التيمي ثم المدني و الشيخ المقرئ محمد أيوب خليل السلفي ، و للمركز جهود مشكورة في تعليم أبناء المسلمين و تربيتهم و كان من ضمن الجهود إنشاء «معهد زيد بن ثابت لتحفيظ القرآن الكريم » و قد تخرج خلاله جمع كبير من حفظة كتاب الله الكريم ، و قد كان يقام سنوياً حفل التخرج و قد طلبت من شيخي و مرشدي الفيضي – رحمه الله – عامَ 2002 م أن يحضر له لإلقاء محاضرة عامة و إناطة العمائم لحفاظ كتاب الله فقد سعدنا كثيراً و سررنا جداً بحضور الشيخ المقرئ الفيضي، فقد أناطَ جمعاً كبيراً من حفظة كتاب الله عمائمَ تحفيظ القرآن الكريم بأيديه فجزاه الله ، ورحمه الله رحمة المحسنين .
• كما أنه سبحانه و تعالى أسعدني كثيراً بأن وفِّقْتُ في عام 2017 م ببناء المسجد الجامع الراقي في إحدى قرى مديرية غريديهه بولاية جاركند و قد تمَّ إقامة حفل افتتاح لهذا الجامع المبارك في يوم الجمعة الموافق : 15 /8/ 2017 م – 3/12/1438 هـــ حضرها لفيفٌ من أهل العلم و الفضل و الشرف و على رأسهم فضيلة الداعية الكبير و الفقيه الهندي النحرير الشيخ / محمد إشفاق السلفي (مبعوث وزارة الشؤون الإسلامية و الدعوة و الإرشاد بالمملكة العربية إلى الهند ) و مترجَمنا الفاضل و شيخنا الجليل المقريء نثار أحمد الفيضي – رحمه الله – مع نقاهة صحته و صعوبة سفره لخارج منطقته غيرَ أن حبه إيايَ آثره للسفر إلى هذه المنطقة النائية( ولاية جاركند ) ، بل أنه أقام عديداً من الأيام بين أصحابه و تلاميذه و محبيه من أبرزهم الأستاذ أبو القاسم الأثري ( الأمين العام لكلية أم عطية للبنات الواقعة بـــ(جمفا فور ) بمديرية جامتارا بولاية جاركند و المعلم بوزارة التعليم بالولاية ) و تلميذه البار محبوب عالم الفيضي و الشيخ أنوار الحق الفيضي و الشيخ الحافظ شميم أختر الفيضي وغيرهم كثير .
و إن مما لا شكَّ فيه و لا ارتياب أن الحديث عن هذا العَلَم الأشم والطود الأفخم صعبُ جدٍ،أينما اتجهتُ إلى جانب من جوانب شخصيته عسُر عليَّ وصفه و ضاق عليَّ معجم مفرداتك يحيط بوسعه.
و قد أفل هذا النجم الساطع في 2 رجب 1441 هــ – 26/2/2020 م في تمام الساعة الثالثة بتوقيت الهند و ذلك في مستشفى فاطمة بمدينة مئو بعد ما أنار الطرق و أضاء الدروب و أرشد الشعوب و عالج الخطوب حافلاً حياته بالعلم و العمل و الدعوة و التعليم و التدريس و التربية و ووري جثمانه في تمام الساعة التاسعة ليلاً من نفس اليوم في مقبرة «الميرزا هادي فورة» و صلى عليه زميله الكريم و صديقه الحميم الشيخ محفوظ الرحمن الفيضي و حضر جنازته جم غفير من أهل العلم من جميع مدارس مئو نات بنجن و جامعاتها أساتذةً و طلاباً ، نسأل الله بأسمائه الحسنى و صفاته العلى أن يتغمد شيخنا بواسع رحمته و يسكنه فسيح جناته و يكفر عن سيئاته و يعفو عن زلاته و خطيئاته و يلهم أهله و ذويه و محبيه الصبر و السلوان

Leave a Reply

avatar
3000
  Subscribe  
Notify of